إعداد بلال ضاهـر:
أعدت خبيرتان قانونيتان إسرائيليتان، مؤخرا، وثيقة ادعتا فيها أن "القانون الدولي لا يعترف بحق اللاجئين الفلسطينيين وذريتهم في العودة إلى بيوتهم". وتم تقديم الوثيقة إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وإلى مسؤولين آخرين. وصدرت الوثيقة عن مركز "متسيلاه" [مركز الفكر الصهيوني واليهودي والليبرالي والإنساني]، وهي من إعداد رئيسة "متسيلاه"، البروفسور روت غابيزون، ونائبة رئيس جامعة بار إيلان، البروفسور يافه زيلبرشتس، المرشحة لتولي منصب سفير إسرائيل في الأمم المتحدة. ونشرت صحيفة يديعوت أحرونوت [6.8.2010] البنود الأساسية في هذه الوثيقة.
ورغم أن الخبيرتين تدعيان أن الوثيقة هي عبارة عن "ورقة موقف" قانونية تعتمد على القانون الدولي من قضية اللاجئين الفلسطينيين، إلا إنه يظهر جليا في سياقها أنها نابعة من موقف سياسي يكاد لا يمت بصلة للقانون عموما وللقانون الإنساني الدولي خصوصا. ليس هذا وحسب، وإنما تهاجم الوثيقة أيضًا وكالة غوث وتشغيل اللاجئين - "الأونروا". فقد أكدت الوثيقة على أن "أي اعتراف بهذا الحق من شأنه أن يقيد إسرائيل، وأن يجر في أعقاب ذلك مطالب واسعة بالعودة [من جانب اللاجئين]، ما يعني نهاية الدولة اليهودية... وعلى إسرائيل الاستمرار في المعارضة الشديدة لتطبيق واسع لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى تخومها ويحظر أن يتم إغراؤها بالاعتراف بحق العودة حتى لو كان ذلك من خلال لفتة رمزية".
وينبغي الإشارة بداية إلى أن معارضة إسرائيل حق عودة اللاجئين الفلسطينيين تُستخدم في سن قوانين عديدة، وخصوصا تعديل "قانون المواطنة" الذي يقره الكنيست سنويا، منذ العام 2002. ويقضي هذا التعديل العنصري بمنع لم شمل عائلات فلسطينية يكون أحد الزوجين فيها مواطنا في إسرائيل والآخر فلسطينيا من سكان الضفة الغربية أو قطاع غزة أو حتى من الدول العربية. ويسري هذا التعديل على الفلسطينيين في القدس الذين يحملون "الهوية الزرقاء" والذين يتزوجون من فلسطينيين من مناطق السلطة الفلسطينية، الذين يفصل بينهم جدار الفصل العنصري الإسرائيلي.
واعتبرت غابيزون وزيلبرشتس أن "عودة لاجئين فلسطينيين وذريتهم إلى تخوم إسرائيل تقوض قدرة اليهود على تطبيق حق تقرير المصير من خلال دولة يهودية وديمقراطية، ولذلك فإن ثمة مبررا قانونيا كاملا لمعارضة إسرائيلية في هذا الموضوع، لأنه قد يؤدي إلى تخليد الصراع".
ووفقا لزيلبرشتس فإن هناك قسما من اليهود في إسرائيل يقولون إنه "ربما لا يوجد حق عودة بموجب القانون الدولي، لكن ينبغي الاعتراف به [أي بحق العودة] من أجل إنهاء الصراع". وأردفت أن "ما نحاول إظهاره هو أنه يحظر الموافقة على هذه المقولة. فقبل كل شيء، مجرد حقيقة أن الفلسطينيين يتحدثون عن حق فإنهم يضعون هذه الفكرة فوق أي مفاوضات، إذا إنه لا تتم المناقشة حول الحقوق. ولذلك فإن ثمة أهمية كبيرة لأن يخرج هذا المصطلح من خطاب الحقوق ويدخل في إطار الخطاب العادي للمصالح والتوازنات. ونحن لا نؤمن، أيضا، بالمقولة: ’اعترفوا بهذا الحق ونحن [الفلسطينيون] سنهتم بعدم تنفيذه’. وحتى أكثر الفلسفات غربية وحداثة، توافق اليوم على أن المصالح الاقتصادية ليست هي التي تحرك الأفراد. [لأنه] بإمكانك أن تقترح على شخص ما إغراء اقتصاديا كبيرا جدا وهو لا يتوقف عن رغبته في العودة إلى بيته لأن هذا هو الأمر الصحيح كي يحقق حياته".
وفي ردها على سؤال حول ما إذا كانت تعتقد أن هذه الوثيقة أو أية وثيقة قانونية أخرى ستتغلب على الرواية الفلسطينية بشأن حق العودة، قالت زيلبرشتس "إنني لست ساذجة، لكني أعتقد أنه تم القيام بعمل جيد ومهم هنا وأن ثمة ضرورة لأن يتم إغراق صناع القرار والجمهور الواسع [في إسرائيل] بهذا الموضوع. وهذا بالضبط ما جاءت الورقة لتفعله. وفي هذا السياق ثمة نقطة أخرى ينبغي التشديد عليها، وهي أنه لا توجد أية علاقة بين هذا المطلب من جانب الفلسطينيين، الذي يتعلق بلاجئي 48، وبين احتلال العام 1967. والربط بين الأمرين، الذي يقوم به اليسار واليمين على حد سواء، هو تحريف للحقيقة وتضليل للجمهور، ولأن هذا الموضوع يمت إلى جذور وجود الدولة، فإنه من الأهمية بمكان أن يتم طرح الأمور بشكل دقيق".
نفي الشرعية الدولية
تهدف هذه الوثيقة إلى حث صناع القرار والقيادة الإسرائيلية على نفي الشرعية الدولية، المتمثلة في قرارات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي عموما. وتسعى إسرائيل، طوال الوقت، إلى نفي الشرعية الدولية عن الأمم المتحدة عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية، لأن هذه الشرعية ليست إلى جانبها. وفي موازاة ذلك فإنها تتمسك بقرارات الأمم المتحدة عندما يتعلق الأمر بقضايا أخرى، وخصوصا إذا كانت هذه القرارات تتعلق بحرب ضد دولة عربية، مثلما حدث في حالة العراق، أو أنها تتعلق بفرض عقوبات، مثلما هو حاصل في حالة إيران. وهذا يعني أن إسرائيل انتقائية جدا فيما يتعلق بالشرعية الدولية، توافق على ما هو مريح لها وترفض ما هو غير مريح.
وفي هذا السياق تأتي أقوال غابيزون بأنه لو أن قضية اللاجئين "كانت حقا قانونيا وليست مسألة أخلاقية أو سياسية، لتم بحثها في المحكمة الدولية. فعندما تكون هناك قضية قانونية يتم بحثها في القاعات، وإلا فإنها تصل إلى ساحة الرأي العام".
وأمضت زيلبرشتس ومساعدة البحث المرافقة لها، المحامية نيمرا غورين - أميتاي، عاما ونصف العام في إعداد الوثيقة قبل أن تطرحها على غابيزون. وتصف زيلبرشتس اختصاصها المهني بأنها خبيرة في القانون الدولي والقانون الدستوري و"الدفاع عن حقوق الإنسان"، علما أنها تتنكر لحقوق اللاجئين. وقالت حول نفي حق اللاجئين في العودة: "رغم أني أعتقد أن الحديث يدور على ادعاء يفتقر إلى أساس، إلا إنه ثمة إمكانية للتعامل معه بواسطة أدوات مهنية واستيضاح الأمر جيدا".
ومضت قائلة "أجرينا مسحا لجميع مواد القانون الدولي في مجال حقوق الإنسان العادية وفي مجال قوانين المواطنة وقوانين اللاجئين، وأظهرنا أنه ليس لدى الفلسطينيين ما يمكنهم أن يؤسسوا عليه حقهم في العودة بموجب القانون. بل العكس هو الصحيح: ففي العام 1948، عندما نشأت قضية اللاجئين، لم تكن العودة خيارا، وكان التوجه السائد معاكسا، أي الفصل بين المتصارعين، وأحيانا يكون ذلك بفرض نقل سكان. والأمر المثير هو أن هذا التوجه أخذ يتعزز في الأمم المتحدة اليوم".
واستندت زيلبرشتس في ادعائها هذا إلى ما وصفته "بالاعتراف الدولي أنه من الأنسب تفضيل تسوية كاملة للصراعات على حقوق عودة اللاجئين"، وأن هذا المنطق، برأيها، "تعزز من خلال قرار حكم جديد صادر عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وهي إحدى المحاكم المحترمة في العالم. فقد نظرت هذه المحكمة في حقوق اللاجئين اليونانيين الذين طُردوا من شمال قبرص في العام 1974 وقررت قبل خمسة شهور أنه بسبب الزمن الطويل الذي مضى، ورغم أن قضية اللاجئين ما زالت قائمة، فإنه ليس من الصواب أن يتم تصحيح المس بهم بواسطة إعادتهم إلى بيوتهم وطرد من يسكن هناك اليوم. وتقرر هناك أنه ينبغي التوصل إلى حلٍ للاجئين في إطار الحل السياسي للصراع وليس في إطار خطاب الحقوق".
كذلك تستند الوثيقة الإسرائيلية إلى "اتفاقيات دايتون" التي حاولت تسوية عودة اللاجئين إلى بيوتهم في دول البلقان. وقالت غابيزون في هذا السياق إن "الناس لا يعودون إلى المكان الذي ما زالت النيران فيه مشتعلة". واعتبرت الوثيقة أن تطبيق حق العودة للاجئين الفلسطينيين "مستحيل، لأن هذا لم يثبت نفسه على مستوى السوابق. فالتاريخ يدل على أنه إذا أعدتَ أناسا إلى مكان يدور فيه صراع عرقي، فإنك تنتج الصراع من جديد. ومجرد التطبيق يشكل خطرا على حل الدولتين للشعبين".
وأشارت غورين - أميتاي في الفصل الأول من الوثيقة إلى عدد اللاجئين الفلسطينيين في الشتات وارتفاعه من نصف مليون لاجئ في العام 1948 إلى أربعة ملايين لاجئ اليوم. واعتبرت في هذا السياق أن "الأونروا" تكرّس اللجوء، خلافا لمنظمات أخرى في العالم. وأضافت أن "الأونروا" تنقل صفة اللاجئ إلى أبناء وأحفاد اللاجئين الأصليين، زاعمة أن هذا هو أمر غير مقبول في حالات أخرى، وتبقي صفة اللاجئ على من حصلوا على المواطنة في دول، مثل الأردن. واعتبرت أنه "إذا لم يكن هذا كافيا، فإن الأونروا تحافظ على هذه المكانة فيما يتعلق بالإرهابيين أيضا، أولئك الذين نفذوا جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، الذين بموجب معاهدة اللاجئين التي أقرتها الأمم المتحدة يخرجون من هذه الصفة. وهذه الوثيقة تبين كيف أن الأونروا لم تسمح للاجئين طوال السنين الماضية بأن يعيشوا حياة مستقلة"!
من جانبها قالت غابيزون إن "الاتفاقيات يتم إبرامها وفقا للمصالح، بينما الحقوق يتم تعريفها وفقا للأفراد. وفي الوضع الذي تكون فيه حقوق فإن الاتفاقيات لن تصمد. وحتى لو توصلت الحكومات إلى اتفاق، فإن الأحفاد أو أبناء الأحفاد أو أبناء أبناء الأحفاد الموقعين قد يطالبون في أحد الأيام بتطبيق حقوقهم، والقول إن الصراع لم ينته".
دولتان لا دولة واحدة
وترفض معدتا الوثيقة حل الدولة الواحدة، الذي تتحدث عنه جهات في اليسار واليمين في إسرائيل وتدعوان إلى حل الدولتين، ليعود اللاجئون إلى الدولة الفلسطينية. وقالت زيلبرشتس "ينبغي أن ندرك أن الحل الذي يطرحونه اليوم في أوساط اليمين وفي بعض أوساط اليسار بشأن الدولة الواحدة بين النهر والبحر لا يشمل حلا للقضية الفلسطينية، لأن دولة كهذه ستلزم بالعودة إلى تخومها ولأنه لن يكون أمام الفلسطينيين بديل آخر، أو دولة أخرى، بإمكانهم أن يطبقوا فيها تطلعهم إلى الاستقلال. وعلى ضوء الأعداد المتوقعة [لسكان الدولة الواحدة]، فإنها بالتأكيد لن تكون دولة يهودية وديمقراطية".
وأضافت أن حل الدولتين لا يقضي بالضرورة بقيام دولتين على أساس عرقي ومن خلال إخلاء المستوطنين من الضفة الغربية. ورأت زيلبرشتس أن "تطبيق حق تقرير المصير الفلسطيني سيكون من خلال الدولة التي ستقوم، والتي ثمة أهمية لإنشاء أغلبية عرقية فيها، مثلما أن حدوث هذا الأمر مهم في إسرائيل. ويوجد اليوم في الضفة مليون ونصف المليون عربي مقابل 200 ألف يهودي، وهكذا فإن الأغلبية العربية واضحة تماما، وإذا ما سمحنا بالعودة فإنها ستكون واضحة أكثر". ويلاحظ هنا أن زيلبرشتس تستخدم معطيات يروج لها اليمين العقائدي الإسرائيلي ويفندها خبراء الديمغرافيا الإسرائيليون كما تفندها الإحصائيات الرسمية الفلسطينية. فعدد الفلسطينيين في الضفة يقارب المليونين ونصف المليون نسمة. أما عدد المستوطنين فقد بلغ قرابة 300 ألف يهودي.
وتابعت زيلبرشتس أن إخلاء المستوطنين من الضفة الغربية ليس مرتبطا بحل الدولتين. وقالت "إننا نؤيد قيام دولة فلسطينية. ولا مانع في أن يعيش فيها يهود". من جهتها أضافت غابيزون أن "المثال على ذلك هو الصراع اليوناني - التركي في شمال قبرص. وهناك تفاهم دولي على أنه شبيه بالصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، التي نظرت في الموضوع، تدرك المشكلة ولا تتجاهلها، لكنها قالت بوضوح، لدى تطرقها إلى مطلب اليونانيين بالعودة إلى بيوتهم في الشطر التركي، إنه لا مكان لتأييد تسويات ستقوض الوضع القائم، وإن الحل الذي توصي به هو حل سياسي. وإذا تم قبول هذا الحل في منطقة تشكل قطاعا من البلاد فإنه صحيح عندنا أيضا، في دولة إسرائيل، وهي دولة شرعية وعضو في الأمم المتحدة".
واعتبرت غابيزون الوثيقة أنها "جاءت لتضع الأمور في نصابها الدقيق، والقول مرة أخرى إن النقاش ليس حول الاحتلال وإنما هو أعمق ومعقد أكثر وبدايته كانت في العام 1948. والبحث في حق العودة يزج حقيقة أنه في العام 1947 رفض العرب قبول قرار التقسيم في الزاوية. والأمر المهم في هذه الوثيقة هو ليس التحليل القانوني فقط، وإنما التعاطي مع الرواية الفلسطينية، لكي نفهم في أي ملعب نحن نلعب".
ولم تستبعد زيلبرشتس اتهام معدتي الوثيقة بالتضليل وقالت إنه "دائما سيكون هناك من يقول هذا، وفعلا، فإن أحد الادعاءات القوية لمؤيدي حق العودة هو أن الحديث يدور على معايير مزدوجة. وهم يسألون لماذا حق العودة قائم عندما يكون الحديث عن اليهود الذين يعودون إلى أرضهم بعد ألفي عام، بينما عندما يجري الحديث عن الفلسطينيين لا يعود هذا الحق قائما بعد 60 عاما؟".
واعتبرت غابيزون أن الإجابة عن هذا السؤال هي "أن قانون العودة الذي سنته دولة إسرائيل يرسي حق اليهود. وعندما تكون هناك دولة فلسطينية ويتم سن قانون العودة إلى فلسطين فإنه سيرسي حقوق الفلسطينيين".
المصطلحات المستخدمة:
حق العودة, مسحا, يديعوت أحرونوت, الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو