المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

من وقائــع ندوة حول مستقبل الديمقراطيـة في إسرائيل * البروفسور زئيف شطيرنهل: المستوطنون لا يقبلون حكم الديمقراطية ولا يرون أنفسهم منصاعين للأغلبية * البروفسور شلومو أفينيري: ممارسات المستوطنين لا تعود فقط إلى ضعف الحكومات وإنما أيضاً لأن محكمة العدل العليا لم تؤد دورها كما ينبغي * النائب يوفال شطاينيتس: هناك ميل للتسامح تجاه العنف بشكل عام

من مندوبة "المشهد الإسرائيلي" غصون ريـــان:

عقدت في "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" ندوة تركز النقاش فيها على مستقبل الديمقراطية في إسرائيل، وذلك في أعقاب محاولة اغتيال البروفسور زئيف شطيرنهل المعروف بمواقفه المعادية للاستيطان والمستوطنين، والتي من المرجح أن تكون قد تمت على أيدي متطرفين إسرائيليين يمينيين، علماً أن المحاولة قد باءت بالفشل.

د. أريك كرمون، رئيس "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، افتتح النقاش بقوله "منذ سنوات عدة، ونحن نتداول في نقاشات حادة وموجعة كحدود الدولة وتحديد هويتنا وماهيتنا كمجتمع، هذه النقاشات هي شرعية، لكن مع أننا نملك أسماء شخصية مختلفة، إلا أنه يوجد لدينا اسم عائلة مشترك يجمعنا ألا وهو الصهيونية. من ناحية أخرى فإن عمليتي اغتيال [رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق] إسحق رابين و[نصير السلام] إميل غرينتسفايغ ومحاولة اغتيال شطيرنهل تعتبر بمثابة دليل على وجود ورم سرطاني ينهش في الديمقراطية".

وتابع يقول إن محاولة إبراز الحاجة للحفاظ على الوحدة التي تستوجب صرف النظر عن التهديدات التي تحوم حول الديمقراطية، من شأنها أن تشوه جوهر الموضوع. وأضاف أن الربط ما بين الوطنية والدين هو أمر خطر لأنه يشكل أحد المصادر للورم السرطاني الذي يهدد الديمقراطية. وأضاف "نحن نمر اليوم في أزمة اقتصادية والتي تؤدي بدورها إلى عدم الاستقرار الذي يخفي بين طياته أخطارا عديدة، وهذا أيضاً عامل إضافي من شأنه أن يشكل تهديداً".

وشدد كرمون على أن المشكلة المركزية هي عدم تطبيق القانون، مقتبساً فقرة من أحد المقالات تحت عنوان "يهود مع دم على اليدين"، جاء فيها "منذ العام 1967 لم يكن ولم يولد أي رئيس حكومة وأي وزير دفاع أقدما على مواجهة مخالفي القانون الإسرائيليين في يهودا والسامرة [الضفة الغربية]، العكس هو الصحيح، كل رؤساء الحكومة سواء من الليكود أو العمل تجاهلوا وتساهلوا في هذا الشأن في الوقت الذي وضعت أمامهم على طاولاتهم تقارير تشير إلى إقامة تنظيمات والمبادرة إلى أعمال شغب. وإحدى الحقائق التي تنوه لذلك هي قيام مجموعة من المستوطنين بقتل أطفال فلسطينيين عمداً، وطالت الأضرار من جراء أعمالهم أيضاً البيوت والأشجار، وليس هناك أي شخص منهم يقبع اليوم في السجن. الجهاز السلطوي تساهل معهم وتساهل في ظروف إحتجازهم حتى التحرير المطلق. وأكثر من ذلك، فقد كان هناك رؤساء حكومة ووزراء دفاع خافوا على أنفسهم وعلى حكوماتهم من ردود فعل المستوطنين ما دفعهم للتلميح للمستشارين القضائيين للحكومة بالتهاون في تعاملهم مع المستوطنين. هذا أدى إلى إقامة جماعات حولت الأراضي الفلسطينية إلى ساحات معارك بينها وبين الجيش الإسرائيلي، وكذلك بينها وبين الشرطة والحكومة، ولم يسلم بالطبع الفلسطينيون منهم".

وأضاف كرمون أنه بسبب المستوطنين فإن العنف في الأراضي الفلسطينية الآن بات يستبدل القانون في حالات عديدة. وتوجيه عمليات المستوطنين ضد من يعارضهم في آرائهم، هو فقط مسألة وقت، وحادثة شطيرنهل لن تكون الحادثة الوحيدة وإنما فقط الأولى.

البروفسور زئيف شطيرنهل قال، من جهته، إن الوضع القائم في المستوطنات هو ليس فقط نتيجة لضعف الحكومات، بل إن الأمر متجذر أكثر من ذلك بكثير، وهو يعتقد أنه منذ العام 67 لم يتجرأ أحد على الإعتراف بأمر بسيط وهو أن ما كان جيداً وعادلاً وشرعياً لأنه كان إضطرارياً ولأنه خدم حاجات وجودية حتى العام 1949، لم يعد كذلك بعد العام 1967.

وتابع قائلاً إن الاستيطان وراء الخط الأخضر تم إدراكه من قبل الغالبية العظمى من المجتمع الإسرائيلي على أنه تكملة وتتمة لعملية الاستيطان الذي كانت سابقاً داخل الخط الأخضر، لذا كان يجب الإعلان عن أن كل أهداف الصهيونية قد تم تحقيقها وأنه ليس هناك أي داع وأي مبرر لتجاوز الخطوط التي رسمت في أعقاب حرب العام 1948. كل ما حدث في الأراضي الفلسطينية لم يجر مثلما كان يجب أن يكون في دولة ديمقراطية، فنتج فيها واقع يختلف عن الواقع القائم في دولة إسرائيل، بحيث يتمتع المستوطنون بحكم ذاتي ولو كان نصفيا، وهم ينظرون إلى الجيش والشرطة كجسمين يتوجب عليهما الحفاظ على أمنهم.

وأضاف شطيرنهل أن هناك مشكلة حقيقية اليوم فيما يتعلق باستعمال الأدوات التي تملكها الدولة لفرض النظام في المستوطنات وهو يأمل أن ذلك لا ينبع من تفتت وتآكل داخلي وإنما من ضعف. وقال أيضاً إن المستوطنين يعتقدون أنهم يمثلون الأجيال السابقة والتاريخ اليهودي ويمثلون كذلك هذا الجيل والأجيال القادمة، لذا فهم لا يقبلون حكم الديمقراطية ولا يرون أنفسهم منصاعين للأغلبية ما يتيح لهم إستعمال ادوات لا تتناسب مع مجتمع ديمقراطي كالاستيلاء على الأراضي على سبيل المثال. وختم شطيرنهل حديثه بقوله: "أنا أرى أن المستوطنات هي مصيبة تاريخية".

البروفسور شلومو أفينيري، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس، ذكر أنه منذ العام 1967 أصبح هناك واقع يضم دولتين، الدولة الأولى هي إسرائيل وإلى جانبها هناك الأراضي الفلسطينية التي تخضع لحكم عسكري إسرائيلي، لكن الحديث ليس فقط عن احتلال وحكم عسكري والذي يعتبر خطراً بحد ذاته، وإنما نمت في ظل الحكم العسكري دولة بشكل عملي هي دولة المستوطنين.

وقال أفينيري إن المستوطنين لا يعتبرون الجيش مجرد أداة فحسب وإنما أيضاً هو يعتبر عدواً. فضلاً عن ذلك فإن دولة إسرائيل في الواقع لم تلحق الأراضي الفلسطينية إليها لكن هناك إلحاقا لدولة إسرائيل للمستوطنات من قبل قسم من المستوطنين. وقال إن الانتقادات توجه إلى الحكومة بسبب عدم تطبيق القانون لكنه يرى أن المسؤول والمخطئ الأول هو جهاز القضاء وعلى رأسه محكمة العدل العليا والتي كان يتوجب عليها إلغاء كل مستوطنة مدنية على الأراضي الفلسطينية. وحقيقة أن هناك أكثر من مئتي ألف مستوطن اليوم في الأراضي الفلسطينية، لا تعود فقط إلى ضعف الحكومات وإنما أيضاً لأن محكمة العدل العليا لم تؤد دورها كما ينبغي، إذ كان عليها أن تقر أن كل مستوطنة هي غير قانونية وحتى أنه من المحتمل أن تعتبر جرائم حرب. لكن النيابة العامة تساهلت مع المستوطنين والمحاكم عامة تعاملت معهم بتسامح. ووجه أفينيري نقداً آخراً للمحكمة العليا لكونها تقيد عمل السلطات المسؤولة وتصعب عليها تطبيق القانون وذلك بدافع الدفاع عن حقوق المواطن. وبذلك فإن المحكمة العليا دافعت إلى حد كبير عن مخالفي القانون.

من جانبه قال يسرائيل هرئيل، سكرتير عام مجلس "مستوطنات يهودا والسامرة وغزة" سابقاً، إنه يرى أن محاولة اغتيال شطيرنهل هي عمل إرهابي، لكنه لا يرى أن ذلك يشكل تهديداً كبيراً على الديمقراطية. وتعجب من أنه ليس هناك أي شخص يعرف كيف حدث ما حدث في عكا مؤخراً وما من أحد يعرف كيف نشبت "أعمال الشغب" العام 2000، لكن الكل على يقين في تخمينه لهوية المعتدين على شطيرنهل، فالجميع حسموا أنهم مستوطنون. وأعاد هرئيل التأكيد على أن المستوطنين لا يشكلون اي خطر على الديمقراطية، وإنما ما يشكل فعلاً خطراً هي معتقدات شطيرنهل.

من ناحية أخرى أعاد الصحافي إيتان هابر التأكيد على أن كل حكومات إسرائيل، من دون وجود فرق بين حزبي الليكود والعمل، رأت جيداً ما يحدث في الأراضي الفلسطينية وفي المستوطنات إلا أنها قررت أن تغض النظر عن مخالفي القانون اليهود. وكان هناك أشخاص قاموا بقتل فلسطينيين بقصد أو بغير قصد ولم يحاكموا، وتجاهل الحكومة شجع المستوطنين على المضي قدماً في أعمال خرق القانون. فضلاً عن ذلك، فإن كل الحكومات، بما في ذلك حكومتا رابين وشمعون بيريس، وجدت طرقاً التفافية للحفاظ على استمرارية البناء الاستيطاني على الأراضي الفلسطينية ولتسهيل ذلك.

عضو الكنيست يوفال شطاينيتس (الليكود) ميز ما بين الاغتيال ومحاولة الاغتيال وبين التحريض على العنف، موضحاً أن الحديث ليس كالفعل، وما تعرض له شطيرنهل يفوق بخطورته مقالاته بدرجات عدة. وأضاف أنه إذا ما أصبحت حوادث كهذه تحصل بوتيرة أعلى، بمعدل حادثتين أو ثلاث في السنة على سبيل المثال وليس مرة واحدة كل عقد، فإن ذلك من شأنه أن يشكل خطراً على الديمقراطية.

ووافق شطاينيتس على أن هناك مشكلة في تطبيق القانون في المستوطنات، إذ هناك مجموعة عنيفة من الشبان والذين لا يطبق القانون عليهم، لكن في الوقت ذاته عارض فكرة التركز في المستوطنين أو قسم منهم لأن مشكلة تطبيق القانون موجودة في كل دولة إسرائيل بما في ذلك القدس والنقب والجليل. وهناك ميل للتسامح تجاه العنف بشكل عام وتجاه العنف الأيديولوجي بشكل خاص، سواء أكان الحديث عن متدينين أو علمانيين أو عرباً، وتهدد هذه المشكلة الخطرة المجتمع ومن الممكن أن تهدد أيضاً الديمقراطية. وذكر أيضاً أن النقد الذي وجه إلى محكمة العدل العليا ليس له أي أساس من الصحة، لأنه إذا كان على المحكمة العليا أن تمنع الإستيطان اليهودي في الأراضي الفلسطينية، نظراً لأن القانون الدولي لم يعترف بإحتلال الأراضي الفلسطينية، فإن القانون الدولي أيضاً لا يعترف في القدس كعاصمة لدولة إسرائيل، ووفق هذا التوجه فإن المحكمة العليا العام 1949 كان يتوجب عليها أن تمنع إلحاق القدس بدولة إسرائيل وهذا ينطبق أيضاً على قسم من الجليل والنقب.

المحامي جلعاد شير، عضو الطاقم الإسرائيلي في المفاوضات مع الجانب الفلسطيني في حكومة إيهود باراك، عزا مصدر العنف المستشري إلى مبنى السلطة في إسرائيل، فمن غير الممكن مكافحة العنف مع وجود جهاز سلطة ضعيف وجهاز قضائي ينهار تحت وطأة العبء الثقيل الذي يحمله.

أمّا بامبي شيلغ، محررة مجلة "بلاد أخرى"، فقالت إنه بعد إقامة دولة إسرائيل تفككت وحدة المعسكرات المختلفة للجمهور اليهودي، وعادت هذه الجماهير للانغلاق كل داخل معسكرها، وليس هناك جدول أعمال لأي من هذه المجموعات، والموضوع الوحيد الذي يشغلهم هو مصير الأراضي الفلسطينية، بدلاً من التداول في المواضيع المركزية كالميزانيات المخصصة للتربية والتعليم العالي. وخلصت شيلغ إلى أنه إذا لم تتم إعادة بناء بيت مشترك فإن مصير هذه الدولة هو الفنــاء.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات