هذه المقابلة بين المؤرخ الإسرائيلي المشهور بيني موريس وأحد الناشطين الصهيونيين (بوريس شاتسيف) من جهة، والكاتب المعروف نورمان فينكلشتان من جهة اخرى، أشبه بمناظرة يدور موضوعها حول ما صار يعرف بالترانسفير. وهي تلقي الضوء على ابعاد ما تفكر فيه المؤسسة الإسرائيلية الرسمية والحزبية حول هذا الموضوع بالذات، حول احتمال إن لم يكن ضرورات الإقدام على حل التسفير (الترانسفير).
هذه المقابلة بين المؤرخ الإسرائيلي المشهور بيني موريس وأحد الناشطين الصهيونيين (بوريس شاتسيف) من جهة، والكاتب المعروف نورمان فينكلشتان من جهة اخرى، أشبه بمناظرة يدور موضوعها حول ما صار يعرف بالترانسفير. وهي تلقي الضوء على ابعاد ما تفكر فيه المؤسسة الإسرائيلية الرسمية والحزبية حول هذا الموضوع بالذات، حول احتمال إن لم يكن ضرورات الإقدام على حل التسفير (الترانسفير).
بادرت الإذاعة المحلية الأمريكية www.wbai.org إلى ترتيب هذه المناظرة. ومعروف عن هذه المحطة المحلية انها من الاذاعات القليلة التي تغطي بصورة واقعية وانسانية قضايا المظلومين في العالم وتعرّف بها، وفي صدارتها التغطية المتعاطفة واليومية للانتفاضة الفلسطينية. تغطي هذه الاذاعة مدينة نيويورك واجزاء واسعة من ولايتي نيوجرزي و كناتكت، وهي تقوم على المساهمة المادية للمستمعين والعديد من المتطوعين والمتخصصين، من ابرزهم مضيفة هذه المقابلة إيمي جودمان، ومضيفة برنامج (الديمقراطية الآن!) و برنارد وايت واخرون.
نورمان فنكلستين معروف ليس فقط ككاتب بل ايضا كناشط يحركه وعي والتزام اخلاقي لا يستكين؛ ضد الاحتلال و ضد العار الذي تلحقه الصهيونية وداعمتها الولايات المتحدة الاميريكية به كأميريكي وكيهودي من ابوين نجيا من المحرقة النازية في الحرب العالمية الثانية.
* الوقائع:
سنناقش اليوم مع احد ابرز المؤرخين الاسرائيليين، بيني مورس، احتمال قيام اسرائيل بعمليات طرد واسعة للسكان(ترانسفير).
يدور النقاش في اسرائيل الآن حول نيتها القيام بعمليات طرد جماعي للفلسطينيين الى الاردن تحت غطاء الحرب الاميريكية على العراق، حيث نشرت النيويورك تايمز في تقرير لها أن الاردن متخوف من أن يقوم رئيس الوزراء الاسرائيلي ارئيل شارون بارغام الفلسطينين بالقوة على الانتقال من الضفة الغربية إلى الاردن تحت غطاء الحرب الاميريكية القادمة على العراق. كما ذكرت صحيفة النيويورك تايمز، أن الملك عبدالله الثاني ومستشاريه يطالبون ادارة بوش بضمان عدم حدوث هذا الامر. (كذلك فأنهم يسعون مع الادارة الاميريكية لضمان التدفق الرخيص للنفط، إذ ان الاردن يحصل على النفط باسعار تفضيلية من العراق في الوقت الحالي). و صرّح الملك عبدالله مؤخرا بأنه سوف يستخدم قواته العسكرية لمنع الفلسطينيين من دخول الاردن. وفي نفس الاطار صرح وزير الاعلام الاردني بان الاردن سوف يمنع بالقوة اللاجئين العراقيين الفارين من الحرب من دخول الاردن. ويقدر بأن نحو نصف سكان الاردن والبالغ خمسة ملايين نسمة هم من الفلسطينيين، وثمة ما يقارب الـ 400 الف عراقي فيه، لذا فإن تدفق المزيد من اللاجئين ضمن الرفض الشعبي الواسع لهذه الحرب قد يطيح باستقرار المملكة.
* سؤال (إيمي جويمان): في برنامج "الديمقراطية الآن!"، سوف نتعرف على ماهية هذا الموضوع، موضوع الطرد الجماعي للسكان الفلسطينيين (الترانسفير)، حيث نستضيف بيني مورس واحدا من اكثر المؤرخين الاسرائيليين شهرة.
مرحبا بك في برنامج "الديمقراطية الآن!" استاذ مورس!
** بيني مورس: شكراً لك.
* سؤال: لقد وثّقت على نحو واسع مخططات الحركة الصهيونية منذ بدابات القرن العشرين بطرد السكان العرب من فلسطين. هل تستطيع ان تقدم وصفا مختصرا لأفكارهم حول هذا الأمر؟
** موريس: بالحقيقة، لا استطيع ان اسمي ذلك بالمخططات، إذ ان الحركة الصهيونية لم تقدم في أي فترة من تاريخها على وضع نقل أو طرد السكان العرب كأحد بنود برنامجها السياسي، أو كأحد مطالبها أو توجهاتها السياسية. الذي حدث أنه خلال ثلاثنيات القرن العشرين ومع تصاعد المقاومة العربية للهجرة الصهيونية المتزايدة الى فلسطين، إذ اقنعت هذه المقاومة الحكومة البريطانية بتخفيض الهجرة - و كان هذا بمعاكسة نتائج ما كان يحدث في اوروبا من ارتفاع وتيرة المضايقات والقمع ضد اليهود فيها - مما حدا بالعديد من قادة الحركة الصهيونية إلى اعتماد سياسة طرد السكان كحل. بكلمات اخرى، إذا لم يكن بالإمكان تحويل فلسطين، من خلال الهجرة، إلى دولة ذات أغلبية يهودية، يبقى أن الحل الوحيد على ما يبدو هو في إنقاص عدد العرب القاطنين في البلاد بحيث يصار إلى تنامي أغلبية يهودية. يصارالى ذلك من خلال الطرد بحيث - كما كان يؤكد بعض القادة مثل بن غوريون - أن يتم اقناع السكان العرب بالرحيل من خلال تعويضهم ودفع النقود لهم ليستقروا في شرق الاردن - أي ما صار يعرف حاليا بالاردن - أو العراق أو سوريا. كما وقد فكروا في بنود الترحيل القسري في حال فشل هذا الاسلوب. من المهم التذكير أن فكرة طرد السكان العرب من فلسطين لإفساح المجال لقيام دولة يهودية فيها قد حازت على موافقة الحكومة البريطانية اّنئذ، في شكل وفد ملكي مفوض - وفد بيل عام 1934 الذي صرح بأنه لابد من حدوث الطرد إذا ما أردنا للدولة اليهودية أن تقوم، حتي ولو في جزء من فلسطين - وإلا فإنه لاسبيل لقيام دولة يهودية مستقرة إذا احتوت هذه الدولة على اقلية عربية واسعة ومعادية.
* إيمي جودمان : قال احد كتاب الاعمدة في اسرائيل، انه يتم تناول موضوع الترانسفير على نحو متزايد في اسرائيل. و كتب ميرون بنبنشتي في "هآرتس" أنه: "من الممكن لإسرائيل أن تقدم على عمليات طرد واسعة للفلسطينين في حالة قيام الولايات المتحدة الاميريكية بهجوم على العراق". كذلك فقد سمعت انك تدعم طرد الفلسطينين إذا هم دعموا العراق خلال الهجوم. ما تعليقك على ذلك؟
* * بيني مورس: لا، ليس من الممكن ان اضع الامور على هذا النحو، الذي قلته - وأنا لم اقل ما تقدمتِ به مطلقاً - الذي قلته انه من الممكن في عقل بعض القادة الاسرائيليين بمن فيهم شارون، حيث ان فكرة الطرد تستقر في مكان ما هناك في اذهانهم، انه في حالة نشوب حرب واسعة في الشرق الاوسط فأنها ستشكل العّلاقة او السبب او حتى العذر للاقدام على عملية الطرد. كذلك ذكرت أن ما يريده الفلسطينيون بالضرورة - ياسر عرفات و اتباعه من حوله - هو في الحقيقة طرد اليهود خارج فلسطين. بتعبيراَخر، تدمير اسرائيل ورمي اليهود في البحر. انهم لا يريدون الدولة اليهودية الى جانبهم. انهم يريدون كل فلسطين لهم وهذا يعادل طرد كل اليهود من فلسطين. كرد على ذلك تزايدت اعداد الاصوات المتناغمة بين الاسرائيليين والتي تدعو الى طرد العرب لما يروه كمعضلة وجود مفروضة عليهم نتيجة الرفض العربي. العرب لا يريدوننا هنا، لا يريدون لإسرائيل أن توجد، لا يريدون لليهود ان يبقوا في فلسطين في دولة خاصة بهم. ربما لذلك ليس لنا خيار سوى طردهم، والا، و كقضية وجود، فأننا لن نوجد. هذا ما يمكن ان يكون عليه الوضع في المستقبل إذا ما قامت العراق او سورية، او تحالف من العرب يضم الفلسطينين، بهجوم على اسرائيل.
* إيمي جودمان: في اقتباس من مقابلة لك مع صحيفة "اللوموند" تحدثت عن انك تؤمن انه ليس هناك متسع سوى لإسرائيل بين البحر المتوسط و نهر الاردن و ان على الفلسطينيين الرحيل.
* * بيني مورس: لا، انا لم اقل ذلك. ما قلته انني مقتنع بحل الدولتين، اناأؤمن بأن الحل العادل الوحيد والممكن هو في وجود دولتين بين نهرالاردن والبحر المتوسط، واحدة لليهود وتدعى اسرائيل واخرى للفلسطينيين وتدعى فلسطين. لكن إذا رفض الفلسطينيون حل " الدولتين" هذا، مثلما فعل عرفات عندما رفض ما قدم له ايهود باراك رئيس الوزراء الاسرائيلي في كامب ديفيد وما قدمه له كلنتون بعد عدة اشهر من ذلك، إذا رفض الفلسطينيون حل "الدولتين" فإنه لا مكان لوجود دولتين بين نهر الاردن والبحر المتوسط، ومن وجهة نظري كاسرائيلي فأنني افضل أن توجد اسرائيل على ان تؤخذ كل المساحة من قبل الفلسطينيين العرب فتضاف دولة عربية اخرى.
* إيمي جودمان: معنا على الهواء المؤرخ بيني مورس، كذلك يرافقنا بورس شاستف. بورس شاستف، لقد كتبت مقالاً تحت عنوان "لوجستيات الطرد / الترانسفير" لمجموعة من المستوطنين والضباط الاسرائيليين السابقين. تناولت في هذا المقال اقتراحاً من استاذ في كلية الحقوق في هارفرد - الن ديرشوفتس - وقدمت طريقة لطرد الفلسطينيين. ما تعليقك على ذلك؟
* * بورس شوستيف: نعم، و شكرا لك على استضافتي في هذا البرنامج، قال بيني موريس انه يفضل ان يوجد اليهود على هذه الرقعة الصغيرة من الارض. في الواقع ان الناس لا ينتبهون. ان موضوع ما يسمى الدولة الفلسطينية هو موضوع 2000 ميل مربع من الارض. لذلك اذا جرب احدهم بناء كيان مصطنع من 2000 ميل مربع، سواء كان ذلك كبيرا او صغيرا، أنه يعتمد ماذا تسمي هذا الشئ - كيف يمكن لهم ان يضعوا عدة ملايين من البشر في وضع مستحيل كهذا؟ عندما تحدث بيني موريس عن انه في حالة حدوث حرب وقيام الفلسطينيين بدعم العراق، فأنهم سوف يطردون، السؤال الذي اود طرحه: لماذا تنتظر حصول كارثة كي تقوم بذلك بينما تستطيع تنفيذه بدون ذلك؟ لقد كان اقتراح الرئيس هوفر أن نعتمد التخطيط في مقاربة هذه المشكلة. لقد كان من الواضح منذ البداية أن العرب لن يقبلوا وجودا يهوديا في اسرائيل. لذلك قدم (هوفر) اقتراحه منذ البداية في عام 1930م لترحيل الفلسطينيين إلى العراق، حث كانت الكثافة السكانية متدنية في العراق في ذلك الوقت. وكان هناك مستوى من الحوار بين القادة العراقيين واليهود في محاولة لوضع الترتيبات لمثل هذه العملية - ترحيل شعب. لننظر للوضع الآن، إذ من غير الممكن الآن حل هذا الوضع سلمياً. لقد خضنا صراعا لما يزيد عن 50 عاماً من وجود اسرائيل، بل منذ بداية القرن الماضي. لماذا انتظار حدوث كارثة بينما يمكن انجاز ذلك الآن وحسب الاصول؟ المطلوب أن نخلق شيئا لا ان ندمره. لدينا دولة مقرة من قبل الامم المتحدة في عام 1947-1948، والآن نريد فعل شئ لهذه الدولة، ان نقتطع جزءًا صغيرًا من الارض وان نضع مجموعة من شعب آخر فيها، أي خلق دولة مصطنعة - وفي الحقيقة أن كل الدول في الشرق الاوسط قد خلقت بشكل مصطنع بعد الحرب العالمية الاولى عندما كانت قامت بريطانيا بإنشاء هذه الدول؛ مثلا العراق دولة مصطنعة، والعربية السعودية مصطنعة والاردن خلقت بشكل مصطنع...
* إيمي جودمان: بورس شوستيف، سوف اقاطعك عند هذه النقطة بالضبط لأنني أريد أن أصل ألى ما كتبته، إذ قلت: "على اسرائيل أن تصدر تحذيرا ضد أي هجوم ارهابي، بأنها مباشرة سوف تسوًي مع الارض قرية عربية يتم انتقاؤها بصورة عشوائية بواسطة الكمبيوتر من قائمة منشورة مسبقاً. إذ أن استخدام الكمبيوتر في اختيار مكان الرد الاسرائيلي سوف يضع اليهود والعرب على نفس الوتيرة؛ فاليهود لايعرفون أين سيضرب الارهابيون وفي المقابل فإن العرب لن يعرفوا أي قرية من قراهم أو مستعمراتهم سوف تمحى. إن كلمة "تمحى" تعكس بالتحديد شراسة الرد الصهيوني". اريد أن اتوجه إلى بيني مورس بالسؤال إذا كان يتفق مع السيد شوستيف؟
* * بيني مورس: كلا، أنا لا اوفقه الرأي؛ أنا اعتبر طرد كامل السكان الفلسطينيين عملاً لا اخلاقياً و سوف يتسبب في الكثير من المعاناة، وانني لا اوافق على محو قرى من الوجود اعتمادا على لائحة معدة في كمبيوتر، لكن ما اود قوله هو أن الفلسطينيين من خلال رفضهم وهجومهم المستمر على اسرائيل المدعوم من دول خارجية مع امكانية استعمال اسلحة غير تقليدية.. بعبارة اخرى الوصول الى تهديد اساس وجود اسرائيل الذي قد لا يعطيها سوى خيار واحد هو طرد قسم واسع من الجماهير الفلسطينية. لا اقول ذلك على انه شئ جيد أو انني احبذ حدوثه، لكنني اقدمه كشئ قد يفرضه التاريخ علينا في المستقبل إذا استمر الفلسطينيين بالرفض و بمثل هذه العقلية. بالأساس المشكلة النفسية لعقلية ترغب في محو الدولة اليهودية من الوجود على وجه الارض، او ما يعتبرونه قطعة من الارض تعود لهم.
* إيمي جودمان: المؤرخ بيني موريس معنا على الخط. يبدو من خلال اخر مقابلة لك في "النيويورك ريفيو اوف بوكس" مع إيهود باراك ان آراءك شبيهة جدا مع أرائه. هل سبق لك و ان ناقشت موضوع طرد السكا ن معه؟
* * بيني مورس: ليس كذلك؛ اعتقد ان معظم الاسرائيليين سوف يكونوا سعداء اذا لم يكن هناك اي فلسطيني في الارض الواقعة بين نهر الاردن والبحرالمتوسط، إلا انهم لن يبادروا بتخطيط وتنفيذ مثل هذا الشئ بدون وجود حالة حرب. اعتقد أن باراك يشاركني الرأي في ذلك. لكنني اعتقد كذلك أن باراك مثلي يحبذ أن تبقى اسرائيل دولة يهودية. بعبارة اخرى: دولة باغلبية يهودية، وإذا كان بالامكان، أن يتم بطرق ديمقراطية تبادل متفق عليه للسكان مع الفلسطينيين، يتم من خلاله التخلص من بعض العرب الاسرائيليين ونقلهم إلى دولة فلسطين العربية على اعتبار انهم يعتبرون انفسهم فلسطينيين، وسوف يوافقون على العيش مع اخوتهم الفلسطينيين مقابل ان تقوم اسرائيل بسحب قواتها للوراء، او إذا شئت نقل اسرائيليين مستقرين في الضفة الغربية واعادتهم إلى اسرائيل. مثل هذا التبادل للسكان سوف يلاقي القبول من قبل اغلب الاسرائيليين ومن قبل العديد من الفلسطينيين ايضاً.
* إيمي جودمان: اخيراً؛ لقد كان نقد باراك لرئيس الوزراء شارون في عملية "الدرع الواقي" والتي انتهت بالهجوم على جنين، أنه كان عليه استخدام مزيد من القوة. هل تتفق مع ذلك؟
* * بيني موريس: انا اعتقد ان شارون متحفظ للغاية في استخدامه للقوة في قمع الارهاب الفلسطيني. اعتقد ان شخصاً مثل باراك كشخص بخلفية يسارية مع المصداقية التي يحوزها باعتباه قادما من معسكر السلام يعطيه حرية اكبر في استخدام جيش الدفاع الاسرائيلي. اعتقد ان الفلسطينيين فيما بعد كذبوا واختلقوا قصصاً عن مجازر جرى ارتكابها، على اية حال لو جرى استخدام قوة اكبر منذ بداية الانتفاضة لانتهى هذا الامر بسرعة اكبر. لكن كما يبدو الان فإن الفلسطينيين قد لقنوا بعض الدروس نتيجة استخدام اسرائيل للقوة. كما شاهدنا في الاسابيع الست الماضية حيث لم ار اي فعل ارهابي فلسطيني ذا اهمية وذلك لأن اسرائيل قد احتلت مدنهم. مما يدلل أن القوة تفيد على الاقل على المدى القصير.
* * إيمي جودمان: بيني مورس اود ان اشكرك لوجودك معنا. المؤرخ الاسرائيلي الابرز بحسب رأي العديد من المتابعين. عندما نعود سوف نواصل هذا الحوار. بيني مورس شكرا لمشاركتك.
* إيمي جودمان: اننا نتحدث عن موضوع يلقى اهتماماً متزايدا في اسرائيل عنه في الولايات المتحدة الاميريكية. وهذا الموضوع بالتحديد هو: هل ستلجأ اسرائيل لاستخدام قصف العراق كغطاء ومبرر للقيام بعمليات واسعة لطرد وتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية وغزة. لقد تحدثنا للتو مع استاذ تاريخ الشرق الاوسط في جامعة بن جوريون (بيني موريس) مؤلف كتاب "الطريق للقدس". معنا على الخط بوريس شوتسيف الذي نشر مؤخرا مقالا لنشرة صادرة لحساب الجنرالات الاسرائيليين المتقاعدين حول موضوع تبادل السكان. كما وقد انضم الينا هنا في الاستديو في نيويورك نورمان فنكلستين الذي عاد مؤخرا من فلسطين وله عدد من الكتب من بينها "الوهم والحقيقة في الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني".
* نورمان فنكلستين، ما هي جدية الحديث حول ذلك؟ لأن البعض يقول: "ببساطة، هذا سخيف لأنه لن يحدث" - فعلا ما جدية الحديث عن طرد السكان "الترانسفير"؟
* * نورمان فنكلستين: اعتقد انه موضوع في غاية الجدية الان. في البداية كما اقتبست (بوعز ز عفرون) الكاتب الاسرائيلي الذي يحظى باحترام كبير، إذ تحدث عن انتشار واسع في عموم المجتمع الاسرائيلي للحديث عن الآفاق والرغبات في تنفيذ طرد أو ترحيل للفلسطينيين. اعتقد ان مفتاح الكلام يكمن في ملاحظات بيني مورس قبل قليل: "إن معظم الاسرائيليين لن يدعموا عمليات الطرد في حالة عدم وجود حرب." لكن في حال وقوع حرب و بمجرد ان يسجل الفلسطينيين دعمهم للعراق - كما فعلوا خلال حرب تدمير العراق عام 1991 - عندها يصبح من المحتمل استعمال ذلك كمبرر لطرد الفلسطينيين، كما حدث في 1948م. اعتقد ان ذلك احتمال واقعي وحقيقي ليس فقط لدواعي الحرب فحسب، بل ايضا لأن البديل الواقعي الوحيد كان يتمثل في ان ينشئوا نظاما على شاكلة نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا (الأبارتهايد) في الاراضي المحتلة - الذي فشل في كامب ديفيد. كانوا يتأملون ان ياسر عرفات، الفلسطيني المعادل لنالسون مانديلا نوعا ما، ان هذا سوف يلعب دور (الزعيم بونداليزي) ويضع توقيعه في المكان المكان المعد له و يترأس البونتوستان الفلسطيني. لسبب ما لم يوافق عرفات، عندها استنفذ خيار الابارتهايد الاسرائيلي. بدون خيار الابارتهايد هذا يبقى الطرد (الترانيسفير) الخيار الوحيد المتوفر لحل هذا النزاع. و قد جاء كهبة ربانية لاسرائيل بعد 11 ايلول...
* ايمي جودمان: ماذا تعني بهبة ربانية؟
* * نورمان فنكلستين: بشكل دقيق، لقد حدث تبدل في سياسة الولايات المتحدة بعد 11 ايلول. الولايات المتحدة دولة مجرمة ومارقة في العلن. انها علانية دولة خارجة عن القانون، وكل الاعراف والقوانين الدولية لم تعد تطبق عليها - او على الاقل فإنها تعمل على ان لا تطبق عليها. وكما انها لا تطبق على الولايات المتحدة الاميريكية فإنها كذلك لا تطبق على الحليف الاستراتيجي لها في الشرق الاوسط - اسرائيل. إن مشكلة اسرائيل الرئيسية منذ عام 1967 كانت وما تزال ترى ان القانون الدولي - وانا اعتقد ان هذا عامل حقيقي - حرّم ترحيل أو طرد السكان بحسب نص اتفاقية جنيف الرابعة. و كون هذا الخيار لم يعد متوفرا بعد حزيران 1967، ليس امام اسرائيل سوى خيار الابارتهايد. وفعليا، فإن خيار الابارتهايد قد استنفذ في كامب ديفيد عندما رفض عرفات اللعبة. عندها ومع استنفاذ هذا الخيار بدا خيار الطرد (الترانسفير) اكثر واقعية - لأن اسرائيل لم تعد مقيدة بالقانون الدولي، ومن الممكن ان يحاولوا فعل ما قد اقدموا عليه بنجاح عام 1948.
* إيمي جودمان: و الذي هو؟
* * نورمان فنكلستين: طرد الفلسطينيين.
* ايمي جودمان: إلى أين سيطردونهم؟
* * نورمان فنكلستين: هناك عدة سيناريوهات. احدها قدمه مورين بنبينيستي، لابد ان انوه هنا أنه بغضّ النظر سواء اتفقت او اختلفت معه سياسياً عندما يجري الحديث عن الحقائق والمعلومات فإن هذا الشخص دقيق جداً ويجب الاصغاء له، حيث قال ان ثمة امكانية معقولة في حال قيام هجوم على العراق فإن النظام الاردني قد ينهار وعندها تقوم اسرائيل بطرد الفلسطينيين إلى الاردن. وقد استعمل رقماً حول مئات الآلاف سوف يتم طردهم. و حسب ما فهمت من ملاحظات بيني موريس قبل قليل فإنه يفكر برقم اكبر من مئات الآلاف.
* ايمي جودمان: بورس شوستيف، ما هو ردّك؟
* * بورس شوستيف: قبل كل شئ، أنني اختلف مع السيد فنكلستين حول جواز تطبيق ميثاق جينيف الرابع على اسرائيل في هذا الوضع بالتحديد. المناطق التي احتلتها اسرائيل في عام 1967 لاتعتبر مناطق محتلة بحسب القانون الدولي الفعلي كما نسميه. لأنه حسب التعريف القانوني لعام 1922 فإن هذه منطقة قد سمح لليهود أن يستقروا فيها. ليس فقط سمح لهم بل و شجعوا على ذلك. ليس هناك اية وثيقة دولية تمنع هذا. عندما اختفت عصبة الامم وخلفتها هيئة الامم جاءت المادة 80 من ميثاق الامم المتحدة لتنص على ان كل ما يتعلق بقضايا الانتداب السابقة تبقى مطبقة. وهذا يعني ان المنطقة التي غالبا ما تسمى محتلة هي في الواقع تسمية في غير محلها. المنطقة لم يتم الاستيلاء عليها من العرب الفلسطينيين، فمنطقة يهودا والسامرة قد اخذت من الاردن التي احتلها في السابق بشكل غير قانوني. ونستطيع ان نقول ذلك عن الاردن لانه لم يكن له اي حق في التواجد هناك قبل عام 1948. ومنطقة قطاع غزة اخذت من قبل مصر وهذه ايضا لا تعود لمصر. وهكذا، تكنيكياً، فإن اسرائيل قد اخذت مناطق من دولتين هما الاردن ومصر، وهما بدورهما لا تملكان أي سبب لإستعادتها . وقد قالتا انهما لا تريدانها. هذه هي المنطقة الوحيدة من الانتداب البريطاني التي لم يتم تخصيصها لأحد كما جرى تسميتها من قبل وزير الخارجية بيكر - إذ لم يسمِّها منطقة محتلة.
* إيمي جودمان: نورمان فينكلستين؟
* * نورمان فينكلستين: لا اريد الدخول في محاورات قانونية، لكن اريد ان اوجه سؤالا صريحا و واضحا للسيد شوستيف. إنك تتحدث لغة انجليزية جميلة لكنك ايضاً تظهر لكنة روسية ثقيلة. اريد أن اوجه لك سؤال صريحاً: هل تعتقد انك كيهودي من اصل روسي أحق، لنقل في جنين او رام الله، أحق في تلك المنطقة من الفلسطينيين الذين بإستطاعتهم تتبع جذورعائلاتهم فيها إلى الف عام خلت؟ أأنت أحق منهم؟
* بورس شوستيف: السيد فنكلستين، سوف اجيبك كيهودي، بسؤال على سؤالك. اعتقد ان العرب الذين كانوا يعيشون في العراق ومصر وسوريا والعربية السعودية و غيرها - ليسوا أحق من أي يهودي، وأنت تعلم ذلك جيدا. اسرائيل لم تخلق كدولة لليهود الذين كانوا يعيشون في فلسطين، بل انها خلقت كدولة للشعب اليهودي. لذا اذا سألت ماذا –
* * نورمان فينكلستين: انا سألتك عما تفكر أنت، سألتك ما هو تفكيرك. لنقل انني قد عدت للتو من المناطق المحتلة، و كنت مقيما مع عائلة فلسطينية، والعديد منهم يستطيع حرفياً تتبع اصول عائلاتهم في فلسطين على الأقل لعدة مئات من السنين. هل تعتقد انك كيهودي روسي أحق منهم في وطنهم؟
* بورس شوستيف: لابأس، إذا اخبرتك انا كيهودي روسي أن اجدادي القدماء كانوا يعيشون هنا ، ماذا ستقول لي؟
* * نورمان فينكلستين: قبل حوالي 3000 عام...
* بورس شوستيف: لا ليس 3000 عام...
* * نورمان فينكلستين: انت قلت اجدادك الأقدمين..
* بورس شوستيف: لم يكن ثمة لحظة في التاريخ لم يكن فيها يهود في هذه المنطقة، اليهود لم يغادروا فلسطين ابداً.
* * نورمان فينكلستين: لابأس، لنقل أن ذلك صحيحاً. لن ادخل معك في الديموغرافيا. لأجل استمرار النقاش، لنقل أن ذلك صحيحاً، يبقى أنني سألتك سؤالاً: "هل تعتقد أنك احق منهم في العيش هناك من الفلسطينيين العرب"؟
* بورس شوستيف: إنك لم تجب على السؤال الرئيسي.
* * نورمان فينكلستين: اعتقد انني قد سألتك سؤالاً.
* بورس شوستيف : اعتقد ان لي نفس الحقوق التي لديهم.
* * نورمان فينكلستين: إذاً لماذا تتحدث عن طردهم؟
* بورس شوستيف: انا لا اتحدث عن طردهم، انا اتحدث عن خلق حياة طبيعية لهم.
* * نورمان فينكلستين: ليس صحيحا..!
* بورس شوستيف: من هو الذي خلق جيتو للعرب؟ الناس تتظاهر أن خلق دولة للفلسطينيين سيجعلونهم سعداء. هذا لن يجلب لهم السعادة، هذا عبارة عن وضع مزيد من الخشب على النار.
* ايمي جودمان: سوف اعطيك فرصة التعليق الاخير ومن ثم....
* * نورمان فنكلستين: جيد، اعتقد ان بيني موريس منغمس في عملية مراجعة تاريخية وقحة، إن الحركة الوطنية الفلسطينية منذ اواسط السبعينات اقرت رسميا بتفضيلها حل الدولتين كوسيلة لتسوية النزاع. إن ياسر عرفات، بما هو عليه من اوضاع صعبة، قد دعم التسوية على اساس الدولتين. إن كامل المجتمع الدولي قد دعم هذا الحل، لكن العقبات التي تحول دون إحقاق حل الدولتين والوصول إلى تسوية النزاع الاسرائيلي -الفلسطيني، والذي سوف يسمح عندها اليهود الاسرائيليين والفلسطينيين العرب ممارسة حقهم في تقرير مصيرهم في الدولة الخاصة بكل منهم، إن العقبتين الوحيدتين هما الولايات المتحدة و اسرائيل. هذا من السهولة تتبعه وتوثيقه لكن الوقت لا يسمح بالقيام به الآن.
شكراً
"الحوار المتمدّن"