الجمهور الفلسطيني يظهر، كما يبدو، اهتماما أكبر بالإنتخابات البرلمانية الإسرائيلية، يفوق اهتمامه في أن ينتخب بنفسه ممثليه للمجلس التشريعي الفلسطيني. هذا الإهتمام ليس بالشيء الجديد، فقد أظهر الكثير من الفلسطينيين على مر السنوات إلماما واهتماما بالسياسة الإسرائيلية، وبالمرشحين المتنافسين وبنتائج الإستطلاعات والصراعات الداخلية كما لو كانوا من أصحاب حق الإقتراع في انتخابات الكنيست الإسرائيلي.
بقلم: عميره هـِس
كان من المفروض أن تجري في 20 كانون الثاني الجاري انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني، وهو موعد تقرر في صيف العام الماضي (2002) عندما كان ممثلو السلطة منشغلين في إعداد خطة الإصلاح التي تعتبر الإنتخابات عنصرا رئيسا فيها. والبقية معروفة، فإسرائيل لم تكن تنوي السماح بإجراء هذه الإنتخابات ، حيث أعاق انتشار الجيش الإسرائيلي وتوغله في سائر المدن الفلسطينية، إضافة إلى استقرار سياسة الإغلاق، إحتمالات قيام الفلسطينيين بتحدي الرفض الإسرائيلي وإجراء الإنتخابات.
غير أن الجمهور الفلسطيني يظهر، كما يبدو، اهتماما أكبر بالإنتخابات البرلمانية الإسرائيلية، يفوق اهتمامه في أن ينتخب بنفسه ممثليه للمجلس التشريعي الفلسطيني. هذا الإهتمام ليس بالشيء الجديد، فقد أظهر الكثير من الفلسطينيين على مر السنوات إلماما واهتماما بالسياسة الإسرائيلية، وبالمرشحين المتنافسين وبنتائج الإستطلاعات والصراعات الداخلية كما لو كانوا من أصحاب حق الإقتراع في انتخابات الكنيست الإسرائيلي.
ولعل ذلك يظهر أيضا مدى متابعة الفلسطينيين برامج الإذاعة والتليفزيون الإسرائيليين. وهم جزء من العالم العربي الذي يبدي اهتماما بما يدور في الساحة السياسية الإسرائيلية. وعلى سبيل المثال، عندما جرت الإنتخابات التمهيدية في حزب الليكود، قامت محطة "الجزيرة" القطرية وعلى مدى 12 ساعة، بنقل تقارير ببث مباشر من مركز الإنتخابات. غير أن الإهتمام يشير أيضا إلى الإستنتاج السائد وهو أن الإنتخابات في إسرائيل تؤثر على حياة الفلسطينيين ومستقبلهم أكثر من أي انتخابات داخلية فلسطينية. وإذا كان ذلك صحيحا في سنوات أوسلو، فما بالكم في الفترة الحالية، التي لا تلوح فيها أي بشائر تؤذن بنهاية الصراع الدامي المحتدم.
* وهم متسناع
السؤال الذي يستهل به الفلسطينيون بلا استثناء، أي حديث خلال الأسابيع الأخيرة هو: "هل توجد لعمرام متسناع فرص بالفوز؟!". هناك من لا ينتظرون الإجابة، بل يجيبون بأنفسهم بالقول: "أليس من المنطقي أن ينتخب الإسرائيليون متسناع بعدما فشل شارون في جلب السلام والأمن لهم؟!". في الأيام التي أذيعت فيها الأنباء حول القرض الذي قدمه (رجل الأعمال اليهودي) سيريل كيرن لـ أرئيل شارون، كان الناس في رام الله وغزة مقتنعين بأن من شأن ذلك أن يقلب الصورة رأسا على عقب. وعندما أيقنوا أن ذلك لم يحسن من فرص متسناع بالفوز وأن شعبية شارون لم تتراجع، عاد هؤلاء الفلسطينيون إلى الشعور بالإحباط وخيبة الأمل، بمعنى أنه "ما من أمل في حدوث تغيير خلال الفترة القريبة. فالإغلاق والحصار سيظل قائما على حاله". وعندئذ يتحرى الناس الشائعات الرائجة في المدينة بسؤالهم: هل صحيح أن حظر تجول سوف يفرض حتى يوم الإنتخابات الإسرائيلية؟ وهل سيفرض حظر تجول شامل على كل الأراضي الفلسطينية إذا شنت الولايات المتحدة حربها المحتملة على العراق، كما حصل في العام 1991؟!
أحد الصحفيين الفلسطينيين البارزين قال لي: "أعتقد أن الجمهور الفلسطيني يحتاج إلى هذا الوهم المتعلق بفوز متسناع، ظنا من هؤلاء الفلسطينيين بأن الإغلاق والحصار المفروضين على كل قرية ومدينة سوف ينتهيان في ظل حكومة يشكلها متسناع. هذا الإغلاق يسبب معاناة فظيعة للناس، وهم مقتنعون أن رفضه سؤدي فورا إلى تراجع التأييد للعمليات ضد المدنيين الإسرائيليين. غير أن ما يقلقني هو أن هناك من يتعلق بهذه الأوهام في صفوف الأوساط الرسمية الفلسطينية أيضا. فجميع المسؤولين الفلسطينيين الذين تحدثت معهم توقعوا أن تؤثر قصة القرض لشارون بصورة إيجابية على فرص متسناع بالفوز".
عندما انتخب أعضاء حزب "العمل" متسناع لرئاسة الحزب، لم يخف ممثلو السلطة ارتياحهم بل احتفلوا بفوزه بزعامة حزبه كما لو كان قد انتخب لرئاسة الحكومة. لكن هؤلاء أدركوا من خلال ردود الفعل والتعليقات الإسرائيلية الساخرة بأن متسناع لن يستفيد إذا عبرت القيادة الفلسطينية علنا عن تعاطفها معه أو ترحيبها به، ولذلك أخذ المسؤولون الفلسطينيون، كما يلاحظ في الفترة الأخيرة، يقللون من تصريحاتهم العلنية المؤيدة لمتسناع. ويعول مسؤولون كبار في السلطة الفلسطينية في منظمة التحرير الفلسطينية بعد "اعترافهم" بتلاشي فرص "مرشحهم" بالفوز، على مختلف استطلاعات الرأي في إسرائيل، حيث يفسرون نتائجها على أنها تعكس تأييد غالبية الإسرائيليين لإعادة الضفة والقطاع وإقامة دولة فلسطينية، وهم يلاقون صعوبة في استيعاب غالبية الجمهور الإسرائيلي لشارون، ومع ذلك فإن تفسيرهم لآراء ومواقف هذا الجمهور يجعلهم يواصلون التمسك بـ "الآمال - الأوهام" في أن التغيير سيأتي في نهاية المطاف من المكان الوحيد الممكن وهو إسرائيل ذاتها.
هناك من يواصل التشبث بأوهام التغيير من الخارج، ويرى أصحاب هذا الرأي (بين الفلسطينيين) بأنه حتى إذا انتخب شارون مجددا، فإنه سيبدأ، بعد انتهاء الحرب المحتملة ضد العراق، بتنفيذ البنود المريحة بالنسبة له من "خريطة الطريق" الأميركية. وعلى الرغم من أن ذلك لا زال بعيدا، إلا أنه يبين إلى أي مدى لا يزال هناك في السلطة من يتشبث بالآمال في إمكانية إعادة العجلة إلى الوراء.
* هواجس عرفات
في الوقت ذاته فإن عرفات منزعج في هذه الأيام، كما يقول نفس الصحفي الفلسطيني البارز، من هاجسين رئيسيين، الأول "أن يدفع الفلسطينيون ثمن الحرب ضد العراق"، أما الهاجس الثاني الذي تروج له محافل السلطة فهو إمكانية قيام شارون بتصعيد عسكري خلال الأيام المتبقية حتى موعد الإنتخابات الإسرائيلية وذلك بهدف زيادة أو ضمان فرصه بالفوز بالإنتخابات.
هذه الفرضية وصلت إلى الصف الخامس الإبتدائي في إحدى مدارس رام الله. وذكرت "ل" البالغة عشر سنوات، أن مُدرّسة الرياضات قالت في الصف بأن "شارون سيقوم باغتيال كبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية" خلال الأيام المقبلة. وأوضحت هذه الطفلة أن شارون يريد القيام بذلك "ليضمن فوزه بالإنتخابات".
لعل الآمال الواسعة بإمكانية انتخاب متسناع لرئاسة الوزراء، تدل على أن قسما كبيرا من الفلسطينيين لا يتقبلون موقف المعارضة الفلسطينية وخصوصا الإسلامية، القائل بأنه لا يوجد فرق بين الأحزاب الإسرائيلية الكبيرة أو بين "العمل" والليكود. لكن هذه الآمال تدل بشكل أساسي على مدى حاجة الناس للتشبث بأوهام وبعوامل خارجية، وعلى عدم إيمانهم بأن التغيير يمكن أن يأتي من داخل المجتمع الفلسطيني ذاته، أو من داخل الساحة السياسية الفلسطينية.
(هآرتس، 22 كانون الثاني)
ترجمة: "مدار"