المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

شالوم ليس القيادي الوحيد في حزب الليكود الذي يستعد لليوم التالي، اي لخلافة شارون. نتنياهو ولفنات وايهود اولمرت وشاؤول موفاز، يستعدون ويعدون العدة كل بطريقته، لخوض نفس المعركة.

بقلم: يوسي فرتر
خلال الشهر الاخير، وبالاخص في الاسبوع الاخير، لم تفارق البسمة وجه وزير الخارجية سلفان شالوم، منذ ان عاد من واشنطن. بدا كما لو انه اسير حرب اميركي تحرر للتو جريحًا، من السجن العراقي، الذي كان بالنسبة لـ "شالوم"، وزارة المالية.

عندما سئل "شالوم" قبل نحو اسبوع اذا ما كان يتوقع حدوث اضراب في المرافق الاقتصادية، اجاب بلهجة تنم عن شعور بالسرور والمتعة: هذا ليس مجال تخصصي. لكنه مع ذلك لا يشعر بالتشفي تجاه (وزير المالية) بنيامين نتنياهو.

يوم الخميس الماضي اقام شالوم في حدائق المعارض بتل ابيب حفل استقبال ينظمه تقليدياً لانصاره، حضره قرابة الف من ناشطي الليكود، تحدث فيه وزير الخارجية عن لقاءاته في واشنطن مع الرئيس بوش وكبار معاونيه، لكنه لم يتطرق الى لقاء لايقل اهمية، جرى في نيويورك بعيدًا عن عدسات الكاميرا.

هذا اللقاء كان عبارة عن حديث ثنائي مطول جداً جرى بين شالوم والمستشار والخبير الاستراتيجي لشؤون الانتخابات ارثور فينكلشتاين. ولم يرشح اي شيء عما تناوله الحديث، لكنه من المشكوك فيه ان يكون الرجلان قد استغرقا في استعادة ذكريات مشتركة من الانتخابات الاسرائيلية عام 2001، حيث كان شالوم رئيسًا لطاقم ارئيل شارون الانتخابي وفينكلشتاين مستشارًا لحملة شارون. مما لاريب فيه ان لدى شالوم مواضيع اكثر اهمية والحاحًا على اجندته. فهو يستعد منذ الان ليوم ما بعد شارون، وبالتالي فان فينكلشتاين هو خير من يمكن له مساعدته (اي مساعدة سلفان شالوم) في الوصول الى زعامة الليكود، توطئه لوصوله الى مقعد رئاسة الحكومة.

قلائل هم خبراء الانتخابات الاستراتيجيون في اسرائيل، الذين بمقدورهم ايصال مرشح الى رئاسة الوزراء، ولعل شاعيا سيغل وايال اراد هما ابرز الخبراء الاسرائيليين في هذا المجال، غير ان شالوم لا يستطيع العمل معهما، اذ ان سيغال يقوم حاليا بتقديم المشورة لوزير المالية نتنياهو في شأن الخطة الاقتصادية في حين يعمل "اراد" مع الوزيرة ليمور لفنات، وهي خصم لدود لـ شالوم. بقي اذن الخبير الاميركي ارثور فينكلشتاين. لقاء شالوم - ارثور الاخير في نيويورك، لم يكن الاول بينهما، فهناك لقاءات شبه منتظمة تعقد بينهما في الخارج وفي اسرائيل على حد سواء.

شالوم ليس القيادي الوحيد في حزب الليكود الذي يستعد لليوم التالي، اي لخلافة شارون. نتنياهو ولفنات وايهود اولمرت وشاؤول موفاز، يستعدون ويعدون العدة كل بطريقته، لخوض نفس المعركة.

صحيح ان لفنات قوية داخل الليكود، لكن من المشكوك فيه ان يكون الحزب مهيئاً لتقبل وجود امرأة على رأسه. اولمرت يتمتع بتفوق على خصومه، بكونه يتولى منصب القائم بأعمال رئيس الحكومة. واذا ما اصبح شارون في وضع لا يستطيع فيه اداء عمله، فان اولمرت سيحل مكانه تلقائياً لفترة انتقالية لاتزيد عن 100 يوم.

غير ان اولمرت، من جانب اخر، لا يتمتع بنفوذ حقيقي داخل الحزب.

شارون لا يزال يفرض حضوره القوي في الساحة، كما ان ايا من المرشحين المحتملين لخلافته لا يتمنى له سقوطًا سريعًا، خاصة وانهم جميعا يحتاجون الى وقت كاف لتنظيم امورهم، ربما باستثناء نتنياهو الذي لازال يعتبر وريثاً طبيعياً لشارون. ومع ذلك فان الطريق ليست ممهدة تماماً امام نتنياهو، فهو ايضا، وعقب هزيمته في الانتخابات التمهيدية امام شارون، ادرك ان اعضاء الليكود ينتظرون منه القيام بـ "يوم عمل طبيعي" قبل ان يودعوا المفاتيح في يده. وفي حال قرر شارون خوض المنافسة مرة اخرى فان نتنياهو لن يستطيع منافسته، لانه يدرك أن حظوظه في التغلب على شارون في انتخابات لزعامة الليكود، شبه معدومة، وهو – نتنياهو – لا يتحمل هزيمة جديدة. هذا الامر ينسحب ايضًا على باقي المرشحين، اذ ان احدًا منهم لن يجرؤ على تحدي شارون حتى اذا ثبت ان فترة ولايته الثانية انتهت بحصيلة فاشلة كليًا. فاعضاء الليكود يطالبون اولياء العهد بالولاء المطلق للملك، مهما كان حجم فشله واخفاقاته.

موفاز بلا مواقع

حالة الترقب في اوساط زعامة الليكود، لا تنبع بالذات من معركة التنافس التي قد تكون لا تزال بعيدة جداً – وهذا يتوقف على حالة شارون الصحية - بل هي مرتبطة بالسيناريو السياسي الذي يلوح بشكل دائم في الافق، وهو امكانية انضمام حزب العمل للحكومة، وما يترتب على ذلك بالضرورة من اعادة تنظيم وتوزيع الحقائب الوزارية الهامة. كذلك فان امكانية قبول "خارطة الطريق" وحديث شارون الصريح في المقابلة التي ادلى بها لصحيفة "هأرتس" مطلع الاسبوع، عن تفكيك مستوطنات، ساهما ايضًا في زيادة التوتر في مكاتب كبار الوزراء والمسؤولين في الليكود. فاذا كان شارون جادًا في ما صرح به، فان ذلك يعني انسحاب كتلتي المفدال والاتحاد الوطني من الائتلاف ودخول "حزب العمل" للحكومة، ما يعني اسناد حقيبة او حقيبتين وزاريتين هامتين لوزيرين جديدين.

فمن سيكون كبش الفداء؟ الجميع يؤكد في الليكود ان كبش الفداء الاول سيكون شاؤول موفاز، المستجد على عالم السياسة والذي يفتقر الى "جيوش سياسية" مؤيدة له داخل الليكود. ولن يواجه شارون صعوبة او حرجاً في مطالبة موفاز بدفع ثمن الوحدة، هذا فضلا عن ان زعيم حزب العمل عمرام متسناع لن يقبل بحقيبة خلا حقيبة الدفاع، وهذا ما يقوله متسناع صراحة. ومن سيكون كبش الفداء الثاني؟ نتنياهو ام شالوم؟

اذا نجح نتنياهو في تمرير خطته الاقتصادية واذا اخذ الاقتصاد يظهر مؤشرات انتعاش، فانه سيكون من الصعب زحزحة نتنياهو عن مقعده. اما شالوم فانه لا يزال يعد حليفاً لشارون، وكذلك اولمرت. على الجانب الاخر، يأمل كل من بيرس وبنيامين بن العيزر بالحصول على حقيبة وزارية لقاء تأييدهما انضمام حزب "العمل" للحكومة. ولكن ما الذي يمكن ان يحدث اذا هدد بن العيزر باحباط التحرك في مركز حزب العمل؟!

هذه الهواجس والتحركات تترك اثرها على جدول اعمال الليكود، حتى ولو لم يكن الامر محسوسًا على الصعيد الخارجي.

فأقطاب الليكود الذين يرغبون بخوض المنافسة يجهدون انفسهم ليس فقط من اجل التهيؤ للمعركة، وانما، في المرحلة الاولى، بغية توطيد اقدامهم وتقوية انفسهم ازاء اهتزازات ائتلافية محتملة، تنذر بتطويحهم من مقاعدهم.

من جهته يتعمد نتنياهو في هذه الاثناء تجنب القيام بنشاطات واتصالات حزبية (مع انصاره) وذلك لقناعته بانه اذا نجح في تمرير خطته الاقتصادية، وافلح في مهمته الاساسية المتمثلة بـ "انقاذ الاقتصاد" فانه سينجح ايضا في استعادة تأييد مسؤولي فروع الحزب ورؤساء السلطات المحلية، الذين يعتبر قسما منهم من اشد المتضررين من الخطة الاقتصادية الجديدة.

ما لا يفعله نتنياهو، يقوم به وزير الدفاع موفاز، الذي باشر، منذ ان وجد نفسه في المكان الـ 11 في قائمة مرشحي الليكود للكنيست، مسيرة مضنية للتعرف على الميدان، حيث التقى لهذا الغرض باعداد كبيرة من اعضاء الليكود. لا شك ان موفاز يواجه مشكلة تتمثل في افتقاده لمواقع ومعاقل النفوذ داخل الحزب. ولانه يدرك ذلك، شرع موفاز مؤخرًا بعقد لقاءات اسبوعية، في امسيات الخميس، في مقر الليكود بتل ابيب ساعيًا الى كسب تآييد كوادر وقواعد الحزب، وهي عادة اقتصرت ممارستها حتى الآن على زعماء الليكود ورؤساء الحكومات.

حنين لـ "باراك"

يوم الخميس الماضي عقد اعضاء المكتب السياسي المنتخب لحزب العمل جلستهم الاولى التي كان من المفروض ان تكون احتفالية، لكن اجواءها جاءت، على العكس، باهتة كئيبة، كما ان الكلمات التي القيت خلالها كانت كفيلة بالتسبب بحرقة او غصة في الحلق، لا سيما بالنسبة لزعيم الحزب عمرام متسناع.

داليا رابين فيلسوف اعربت عن اسفها لكون نقابة العمال (الهستدروت) هي التي انتصرت على وزارة المالية وليس حزب العمل (المتزعم للمعارضة). العضو الجديد في مكتب الحزب، نسيم غرامي اتهم حزبه بالتبجح. بن العيزر اقترح باسلوبه الساخر على متسناع اجراء "حسبة" داخل الحزب بدلا من الانشغال بالبرايمرز، وقال متان فيلنائي بحدة "صوتنا غير مسموع. ما من احد يكثرت بنا، او يحترمنا". وذهب فيلنائي الى حد توقع هزيمة للحزب في الانتخابات المقبلة للسلطات المحلية، بقوله: "في الاول من تشرين الثاني – المقبل – سنعود الى هذه الحجرة نندب حظنا ونعض على اصابعنا ندماً.."

اجل، فقد بدأت معركة التافس على زعامة "العمل"، والموعد المرجح لهذه الانتخابات سيكون في كانون الثاني او شباط من العام المقبل (2004) ، بعد مرور 13 شهرًا على انتخابات الكنيست، حسبما ينص على ذلك دستور الحزب. هناك حاليًا اربعة مرشحين: بن العيزر، متسناع، فيلنائي، وابرهام بورغ، وهم جميعاً يقومون بجهود حثيثة لكسب التآييد في قواعد الحزب. لم يستطع متسناع ان يقنع حتى نفسه بانه سيخوض سباق المنافسة حتى النهايته. بورغ لا يرى بديلا سواه. وفيلنائي مقتنع انه لايستطيع في هذه المرة البقاء جانباً. اما بن العيزر، الذي يقبع في اسفل الاستطلاعات، فانه لم يستوعب حتى الان كيف اخذت زعامة الحزب منه.

فوق هؤلاء الاربعة يحلق ظل المنافس الخامس، ايهود باراك، الذي يكثر من اللقاءات السياسية والحزبية مع نواب الحزب ونشطائه ومع شخصيات عامة. الرسائل الصادرة عن باراك رسائل متناقضة. فهو يهدىء من روع بن العيزر بقوله ان الظروف لم تنضج بعد لعودته (اي باراك). وفي يوم الخميس الماضي التقى باراك مع سكرتير عام الحزب اوفير بينس، قبل ساعات معدودة من اجتماع المكتب السياسي للحزب، وذكر ان باراك وبينس تباحثا في "شؤون حزبية".

وقال مصدر مطلع ان باراك ابدى اهتمامًا بقائمة اعضاء مكتب الحزب الجديد البالغ عددهم 180 عضوًا.

قائمة المتنافسين المحتملين على زعامة "العمل"، خلت من اسم حاييم رامون الذي يفضل كما يبدو الانتظار الى حين اقتراب موعد انتخابات الحزب. وهو (اي رامون) يكتفي في هذه الاثناء بدوره المعتاد في تقديم المشورة لزعيم الحزب. فقد لعب رامون هذا الدور مع جميع رؤساء الحزب ابتداء من بيريس، مرورًا برابين، ثم بن العيزر، والآن مع متسناع. فهما يجتمعان مرتين او ثلاث اسبوعياً ويقول رامون: انتخابات الحزب ستجري بعد حوالي سنة، والى ان يحين هذا الموعد فانني اعتقد ان من الواجب اعطاء متسناع فرصة معقولة.

وعن احتمال عودة باراك يقول رامون: لم الاحظ مشاعر اشتياق وحنين قوية تجاه باراك ولو بالحدود الدنيا.

غير انه يجدر بـ "رامون" ان يبحث عن هذه المشاعر في دائرته القريبة بالذات، لدى مؤيدته داليا ايتسك التي تتحدث بشغف كبير عن عودة باراك، وتقول انه (باراك) وحده القادر على قيادة الحزب الى الفوز.

(هآرتس 16/4، ترجمة: "مـدار")

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات