*سعر صرف الدولار انخفض إلى مستوى كان عليه قبل خمس سنوات وأكثر *منذ مطلع العام فقد الدولار 9% من قيمته أمام الشيكل *هناك مستفيدون وهناك متضررون مثل المصدرين، لكن الشارع الإسرائيلي وعلى مستوى الأسعار شعر بهذا التراجع بشكل طفيف جدا*
تتركز أنظار الاقتصاد في إسرائيل في الأسابيع الأخيرة نحو سعر صرف الدولار أمام الشيكل، الذي يتدهور من فترة إلى أخرى، إلى أن وصل إلى سعر لم يسبق له مثيل منذ أكثر من خمس سنوات. وقد بيع الدولار، حتى مطلع الأسبوع الجاري، بأقل من 2ر4 شيكل، دون معرفة مصير سعر الصرف في الفترة المقبلة، ولكنه منذ بدء العام انخفض سعر الدولار بحوالي 9%.
ويقول خبراء الاقتصاد في بنك "ليئومي"، وهو واحد من أكبر ثلاثة بنوك إسرائيلية، "إن تراجع سعر صرف الدولار في الأسبوع الأخير ناجم عن تراجع صرفه في الأسواق العالمية، وأيضا من التباطؤ الاقتصادي الجاري في الولايات المتحدة، الأمر الذي يدفع بالمتمولين للتوجه إلى الأسواق العالمية التي تشهد انتعاشا، ومن بينها إسرائيل، التي تبدي استقرارا اقتصاديا نسبيا".
ويتابع الخبراء ذاتهم القول "إن التراجع الكبير واختراق حد 2ر4 شيكل للدولار، إلى الأدنى، ناجم أيضا عن زيادة عرض الدولار وعدم الإقبال على شرائه"، إلا أن الخبراء يتوقعون دون غيرهم حصول ارتفاع في سعر الدولار، "حين يبدأ الجمهور بالتوجه لشراء الدولار على خلفية سعره المتدني".
ويقول الخبير الاقتصادي عيران بسون، من شركات التوظيفات المالية "جيفت"، إن تراجع سعر صرف الدولار ناجم عن الفائض في ميزان المدفوعات الإسرائيلي، وبالمستوى القياسي للتوظيفات المالية من متمولين أجانب في إسرائيل. ويقول "إن التعامل بالشيكل هو جزء من التعامل التجاري العالمي، وهذه حقيقة تسمح لجهات تمويلية كبرى في الخارج بالتعامل بالشيكل".
ويتابع بسون "من الصعب تقدير استمرار تراجع سعر صرف الدولار، أيضا أمام العملات القوية في العالم، الجنيه الإسترليني والإيرو والفرنك السويسري، فعلى الصعيد المحلي الإسرائيلي فإن التضخم المالي منذ مطلع العام يدور حول صفر بالمائة، وهذا بعيد جدا عن السقف الذي وضعته الحكومة للتضخم في العام المنتهي 2006، وهو بين 1% إلى 3%، وهذه حقيقة تفرض على بنك إسرائيل مواصلة تخفيض الفائدة البنكية".
وتقف الفائدة البنكية الأساس التي يطرحها بنك إسرائيل المركزي في الشهر الحالي، كانون الأول/ ديسمبر، عند 5%، وهي تقل بربع بالمائة عن مستواها في الولايات المتحدة، ويقف بنك إسرائيل في وسط ميدان "حرب" بين المطالبين بتخفيض الفائدة البنكية العالية نسبيا قياسا بالتضخم المالي، وهو مطلب السوق الداخلية في إسرائيل، وبين المطالبين بالحفاظ عليها عالية لمنع العودة إلى التضخم المالي.
وترى صحفية "غلوبس" الاقتصادية الإسرائيلية "أن سعر صرف الدولار أدى إلى حالة هستيرية كبيرة، ومن المتوقع استمرار تراجع سعر صرف الدولار في الأيام القادمة، على الرغم من أن الدولار بدأ يستعيد بعضا من قيمته أمام العملات الأجنبية في العالم".
ولكن هذا الأمر يظهر تضارب المصالح، فهناك المستفيد وهناك المتضرر الذي يطالب بإلحاح بتدخل بنك إسرائيل المركزي من أجل رفع سعر صرف الدولار بزعم انه يحقق خسائر "فادحة" للمصدرين الإسرائيليين، في الأسواق الأوروبية والأميركية.
وحول الفائدة من تراجع سعر صرف الدولار، يقول الخبير بسون، إن هذا مرتبط بمن تسأل، فمن الطبيعي أن مصدري البضائع إلى أوروبا والولايات المتحدة ليسوا راضين لأنهم يسجلون خسائر كبيرة، في حين أن المستوردين الإسرائيليين يسجلون أرباحا جدية، نتيجة هذا التراجع.
ولكن رغم تراجع سعر صرف الدولار بنسبة 9%، إلا أن السوق المحلية الإسرائيلية لا تشعر بهذا في الأسعار، التي إما أنها تراوح مكانها أو أنها تسجل ارتفاعا، وقد يكون طرأ بعض التراجع الطفيف على أسعار بيع السيارات الجديدة المرتبط سعرها بالدولار، أو مستأجري البيوت، الذين إيجار بيوتهم مرتبط بالدولار، وهذا ما يساهم أيضا في تراجع نسب التضخم المالي، لأن أسعار البيوت وصيانتها تحتل نسبة تتراوح ما بين 18% إلى 22% من سلة المشتريات للعائلة، التي يجري على أساسها احتساب التضخم المالي في إسرائيل.
ويطالب الخبير الاقتصادي الدكتور آدم رويتر بنك إسرائيل بالتدخل بما يجري في سوق العملات الأجنبية.
ويقول رويتر في حديث لصحيفة "غلوبس": "إنني اعتقد أن الضوء يجب أن يوجه إلى مكان واحد ووحيد، إلى بنك إسرائيل، ولمن نسي، فإن بنك إسرائيل أعلن قبل بضعة أشهر أن العامل الأساسي المؤثر على التضخم المالي هو سعر صرف الدولار، ولهذا فإنني أتوقع من البنك أن يبادر للتحرك، خاصة على ضوء أن التضخم المالي هو أدنى من الحد الأدنى الذي حددته الحكومة، وهو 1%، فأنا أعلن أن بنك إسرائيل قلق جدا من الوضع، وأعتقد أن الطريق الوحيدة لإصلاح الوضع هو من خلال تدخل بنك إسرائيل في سوق العملات الأجنبية من خلال شراء دولارات".
ويضيف رويتر "إن تدخل بنك إسرائيل بسوق العملات الأجنبية، برأيي، هو الطريق الوحيدة لقلب الوضع القائم، ويجب عدم الامتناع عن فعل أمر كهذا، على الرغم من السلبيات في هذا الإجراء، ومن بينها المس في ميزان العملات الأجنبية، كما انه قد لا يلقى استحسانا لدى المتمولين الأجانب في إسرائيل، ولكن البنك المركزي في اليابان اتخذ نفس الخطوة، واعتقد أن بنك إسرائيل بإمكانه فعل الأمر نفسه".
كذلك فإن رويتر يرى ضرورة تخفيض الفائدة البنكية بنسبة نصف بالمائة، لتهبط إلى مستوى 5ر4%، وهو أمر قد لا يؤثر مباشرة على سعر الدولار، حسب رويتر، ولكنه مما لا شك فيه أنه سيبدأ في تحريك الأمور.
ويطالب رويتر بالإسراع في تحرك بنك إسرائيل على ضوء الضرر البالغ الذي يتكبده المصدرون الإسرائيليون، وخاصة في شركات التقنية العالية، التي بدأت تفكر بفصل عاملين لديها، بسبب التراجع الكبير في سعر صرف الدولار. ويقول: "لقد أردنا ليبرالية في سوق العملات الأجنبية، ولكن هذا الأمر ينقلب الآن إلى سوء، وهناك من نسي أننا لسنا الولايات المتحدة، وان السوق تتجه أكثر نحو التصدير، وهذا ما يجب أخذه بعين الاعتبار".
إلا أن السؤال الآخر الذي يطرحه المراقبون هو حول ما إذا كان تدخل بنك إسرائيل، في حال حصوله، سيتمّ في الأيام القليلة القادمة، أو أنه "سيمنح" الدولار فرصة إضافية حتى نهاية الشهر الجاري، الذي ينهي العام الحالي، ويختتم ميزانا تجاريا واقتصاديا في إسرائيل.
فكل التقارير تثبت أن التضخم المالي في هذا العام، الذي سيعلن عنه في منتصف الشهر القادم، كانون الثاني/ يناير، لن يكون وفق السقف الذي حددته الحكومة، وهو من 1% إلى 3%، لا بل انه قد يبقى في مستوى الصفر، أو حتى أقل بقليل، ليعود إلى المستوى الذي كان عليه في العامين 2001 و2002، ولكن تراجع التضخم في حينه كان نابعا من ركود اقتصادي كبير، أما اليوم فإن انعدام التضخم المالي ترافقه تقارير عن نمو اقتصادي كبير.
ووزارة المالية وبنك إسرائيل يتوقعان نموا اقتصاديا في العام المنتهي بحوالي 5ر4% رغم الحرب على لبنان، التي أثرت بشكل هامشي على النمو، فمن دون الحرب كان من الممكن أن يصل النمو إلى أكثر بقليل من 5%، وحتى انه لم يكن سيتجاوز نسبة 3ر5%.
وليس واضحا حتى الآن كيف سينعكس احتمال ارتفاع جديد لسعر صرف الدولار على السوق المحلية، التي لم تتأثر بتراجع سعره. ولكن الشارع الإسرائيلي يسأل "هل سنتأثر فقط من ارتفاع سعر صرف الدولار"؟.