* ثلث الميزانية يذهب لسداد الديون الخارجية والداخلية، وحصة الفوائد فقط ثمانية مليارات دولار وثلث آخر حسب تقديرات سابقة يصرف بشكل مباشر وغير مباشر على الجيش والأجهزة الأمنية بمختلف أشكالها وعلى الاستيطان والاحتلال * العجز المتوقع 9ر2% والنمو الاقتصادي في حدود 5ر4% * المؤشرات السياسية تدل على إقرار الميزانية نهائيا من دون صعوبات *
أقرّت الحكومة الإسرائيلية، مؤخرًا، ميزانية إسرائيل للعام القادم 2007، وتبلغ قيمتها حوالي 5ر64 مليار دولار، وهي الميزانية التي من المفترض ان تكون متأثرة من الإنفاق على الحرب على لبنان، والخسائر الاقتصادية التي خلفتها هذه الحرب، وهذه الميزانية هي أكبر من ميزانية العام الجاري 2006 بحوالي 2ر2 مليار دولار.
ولهذا فقد أقدمت الحكومة على سلسلة من الإجراءات التقشفية التي طالت الشرائح الفقيرة والضعيفة لتوفير ما بين 900 مليون إلى مليار دولار، وجاءت بالأساس على حساب تجميد مخصصات الضمان الاجتماعي، وأيضا رفع جيل مستحقي مخصصات البطالة من 20 عاما إلى 28 عاما.
وحسب الخطوط العريضة للميزانية، فإن حصة ميزانية الجيش المباشرة ستكون حوالي 86ر10 مليار دولار، يضاف إليها من خارج الميزانية 2ر2 مليار دولار من المساعدات العسكرية الأميركية التي تقدمها الولايات المتحدة سنويا لإسرائيل، من ضمن إجمالي مساعدات يبلغ ثلاثة مليارات دولار.
وقد زادت الحكومة الإسرائيلية ميزانية الجيش هذا العام بحوالي 450 مليون دولار، لتغطية جزء من الصرف على الحرب، و330 مليون دولار للصرف على التعويضات لقاء الخسائر المادية التي وقعت في الحرب.
وهذا رغم ان الجيش طلب زيادة ميزانيته خلال السنوات الثلاث القادمة مجتمعة بحوالي سبعة مليارات دولار، وعلى ما يبدو فإن ميزانية الجيش لن تبقى في نهاية المطاف على حالها، فقد أعلن إيهود أولمرت، أمام الحكومة، انه سيعقد في الأيام القادمة اجتماعا للطاقم الخاص للبحث في كيفية التجاوب مع مطلب الجيش المالي، وقال وزير الدفاع، عمير بيرتس، خلال الجلسة إن عدم التجاوب مع مطلب الجيش "سيضع إسرائيل أمام أخطار أمنية".
وتؤكد تقديرات شبه ثابتة أن ثلث هذه الميزانية يصرف، بشكل مباشر وغير مباشر، على الجيش ومختلف الأذرع الأمنية والإستخباراتية، والاحتلال والاستيطان، فبالإضافة إلى ميزانية وزارة الأمن (الدفاع) هناك ميزانية وزارة الأمن الداخلي (الشرطة)، وجهازي الاستخبارات، الداخلية "الشاباك"، والخارجية "الموساد"، عوضا عن أنه في ميزانية كل وزارة من الوزارات هناك بند "الأمن"، الذي يصرف هو الآخر على قضايا الحراسة وما شابه، كذلك هناك بند الاستيطان، الذي يستهلك سنويا مليارات الدولارات.
كذلك فإن ثلثا آخر من الميزانية سيصرف على تسديد القروض الخارجية والداخلية، وحسب ما نشر فإن إسرائيل ستدفع هذا العام فوائد بنكية بقيمة ثمانية مليارات دولار.
ويخصص الثلث الآخر لباقي المصاريف، وحصة وزارة التعليم في هذه الميزانية ستكون 84ر5 مليار دولار لتكون أكبر ميزانية مدنية في كتاب ميزانية إسرائيل للعام القادم، تليها ميزانية وزارة الصحة التي بلغت 57ر3 مليار دولار.
وكانت الحكومة قد أقرت رفع سقف العجز في الميزانية إلى نسبة 9ر2%، مقابل 2% في ميزانية العام الجاري 2006، بهدف تغطية مصاريف الحرب. وتتوقع الحكومة أن يتراوح النمو الاقتصادي ما بين 1ر4% إلى 4ر4%، مقابل أكثر من 5%، للنمو في العام الجاري، حسب التقديرات المرحلية. أما التضخم المالي فإن الحكومة الحالية تتوقع ان يكون بنسبة 2%، وهي النسبة التي قد تكون في العام الجاري، فقد سجل التضخم في الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام 7ر1%، وقد ينتهي التضخم في هذا العام بحوالي 2%.
ويدور نقاش في إسرائيل، خاصة بين البنك المركزي وبين وزارة المالية، حول مسألة رفع الضرائب، إذ يطالب محافظ بنك إسرائيل ستانلي فيشر بإعادة ضريبة القيمة المضافة على البضائع من 5ر15% إلى 5ر16%، كما كانت عليه حتى نهاية شهر حزيران/ يونيو من العام الجاري، وخفضتها الحكومة بنسبة 1%، مع إشارة إلى تخفيض آخر سيجري في العام القادم.
أما وزارة المالية فإنها ترفض إعادة ضريبة القيمة المضافة إلى ما كانت عليه، ولكنها أعلنت إلغاء التخفيض الآخر الذي كان من المفترض أن يجري في العام القادم، ونسبة 1% تعني زيادة 800 مليون دولار للخزينة الإسرائيلية، وتقول وزارة المالية إن رفع هذه الضريبة يسيء للشرائح الفقيرة والضعيفة.
وحتى الآن ليس واضحا ما إذا ستستمر الحكومة في مسيرة التسهيلات الضريبية، وتخفيض ضريبة الدخل لذوي المداخيل العالية، في العام القادم 2007.
ميزانية ليست نهائية
ويؤكد مراقبون أن هذه الميزانية ستشهد تقلبات ملموسة حتى إقرارها في نهاية العام الجاري، لتتجاوب مع عدة مطالب من أحزاب الائتلاف، وأيضا من المؤسسة العسكرية. ولكن السؤال المركزي هو من أين ستأتي هذه الميزانية الإضافية، فاحتياطي الميزانية للعام القادم أخذت منه وزارة المالية حتى الآن قرابة 220 مليون دولار، وأعادتها كجزء من التقليصات في عدة وزارات، مثل التعليم والصناعة والتجارة، والبنى التحتية والمتقاعدين، وهذا لتضمن الوزارة تأييدا واسعا في داخل الحكومة.
وكانت الحكومة قد أقرت الميزانية بغالبية الأصوات، فعلى الرغم من تأييد جميع وزراء حزب العمل للميزانية، إلا أن رئيس الحزب ووزير الدفاع، عمير بيرتس، امتنع عن التصويت، وهاجم وزراء حزبه الذين أيدوا الميزانية "بعد ان ضمنوا زيادة ميزانيات وزاراتهم"، كما قال بيرتس، ليكشف بالتالي عن أزمة الثقة بينه وبين القيادة الأولى في حزب "العمل".
وعارض الميزانية أربعة وزراء من حزب "شاس" الديني الأصولي، بسبب الضربات الاقتصادية الموجهة للشرائح الفقيرة، إلا انه بالإمكان اعتبارها معارضة خجولة، فقد كان زعيم "شاس" السياسي، الوزير إيلي يشاي، واضحا في حديثه لوسائل الإعلام الإسرائيلية فقال: "على الرغم من معارضتنا للميزانية إلا أننا راضون بشكل عام فقد حققنا إنجازات جميلة جدا وسنواصل المعركة في الكنيست، وأنا أقدر ان هناك أيضا ستكون لنا إنجازات جميلة".
وسيناقش البرلمان (الكنيست) الميزانية بالقراءة الأولى مع افتتاح الدورة الشتوية في منتصف الشهر القادم، تشرين الأول/ أكتوبر، وعلى الأغلب فإن التصويت الأولي سيكون في نهاية الشهر القادم، لتطرح الميزانية للتصويت النهائي في النصف الثاني من شهر كانون الأول/ ديسمبر القادم، حسب ما ينص عليه القانون، الذي يمنح كل حكومة ثلاثة أشهر إضافية في حال عجزت عن إقرار الميزانية حتى الموعد المحدد.
وقد جرت العادة ان تكون الميزانية "موسم" إعادة تنظيم العلاقات بين مركبات الائتلاف الحاكم، وهي مؤشر لمستقبل كل حكومة. وكما يظهر فلا توجد أزمة تهدد كيان الحكومة، ومن الواضح أن لحزب "شاس" الديني مطالب مالية، لا بد وأن وزير المالية أبراهام هيرشزون، ورئيس الحكومة، إيهود أولمرت، يأخذان هذه المطالب بالحسبان، فهمان ملزمان بتسديد جزء منها من أجل ضمان أغلبية للميزانية.
كذلك سيكون على هيرشزون الانتباه إلى عدد من نواب حزب "العمل"، من ذوي الاهتمامات بالقضايا الاجتماعية، مثل الصحافية السابقة شيلي يحيموفيتش والنائب يورام مرتسيانو (شرقي).
إلا أن التحدي الأكبر أمام أولمرت سيكون إما تحييد كتلة "يهدوت هتوراة" الدينية (ستة نواب)، التي لا تزال تفاوض للدخول إلى الحكومة، أو أن يضمن تأييدها، وهذا أيضا يتطلب تسديد فاتورة مالية، تصل عادة إلى عشرات ملايين الدولارات.
لقد بنت الحكومة الإسرائيلية ميزانيتها من دون أي ذكر لمساعدة مالية أميركية، قد تطلبها إسرائيل لتغطية مصاريف وخسائر الحرب، التي تعلن الحكومة أنها كلفت الاقتصاد الإسرائيلي قرابة 68ر5 مليار دولار، من بينها 18ر3 مليار دولار لتغطية المصاريف العسكرية والخسائر المادية والتعويضات، و1ر2 مليار دولار هي الخسائر الاقتصادية الناجمة عن تراجع الناتج القومي بنسبة 5ر1%، وحوالي 450 مليون دولار بسبب التراجع في مداخيل الضرائب.