المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

*البنوك بدأت برفع العمولات بنسب من 50% إلى 100% رغم أنها تحقق أرباحا خيالية في السنوات الأخيرة *مداخيل البنوك في إسرائيل من العمولات وحدها سنويا تتراوح ما بين 5ر2 إلى 3 مليارات دولار *محافظ بنك إسرائيل يدعو إلى ترخيص خدمات بنوك أجنبية لا تعتمد في مداخيلها على العمولات البنكية*

من برهوم جرايسي:

تجددت في الأيام الأخيرة المعركة الشعبية على العمولات البنكية في إسرائيل التي تضرب رقما قياسيا، حتى على المستوى العالمي، وذلك في أعقاب قيام بنكي "ديسكونت" ومن ثم "هبوعليم"، وهو أكبر البنوك الإسرائيلية، برفع قيمة العمولات لديهما بنسبة كبيرة وصلت بعضها إلى حد 100%، وهذا على الرغم من أن البنوك الإسرائيلية تسجل في السنوات الأخيرة، بما فيها السنة الحالية، أرباحا ضخمة بتصاعد مستمر.

وقد وصل الأمر إلى حد لم يعد حتى في مقدرة بنك إسرائيل المركزي تحمله، وعاد الأمر من جديد إلى أروقة الكنيست (البرلمان) بهدف سن قوانين جديدة تقيد البنوك في مسألة العمولات البنكية.

وبدأ الكنيست في الأسبوع الماضي، وبتأييد من الحكومة، بإجراءات سنّ قانون جديد يفرض بعض القيود الجديدة على البنوك في مجال العمولات.

ويدور نقاش حاد في إسرائيل منذ سنوات حول العمولات البنكية، المتعلقة بحسابات الأفراد والعائلات، على وجه الخصوص، وليس بمؤسسات القطاع الاقتصادي. ويكشف تقرير سابق لجمعية الدفاع عن المستهلك، أن في إسرائيل نحو 240 نوعا من العمولات البنكية، تراجعت قليلا في العام الأخير، ولكنها لا تزال أكثر من 200 عمولة بنكية. وأكثر من ذلك فقد تبين من التقرير الذين سنأتي عليه هنا، أن البنوك تجبي أحيانا على الحركة المالية الواحدة أكثر من عمولة بنكية واحدة.

ولنعرف عما يجري الحديث، فهناك حركات مالية عادية تصل قيمتها أحيانا إلى أكثر من 11 دولار للحركة الواحدة، وهذا ليس له علاقة إطلاقا بالفوائد البنكية، وتبلغ قيمة الحركة العادية مهما كانت قرابة 33 سنتا، وفي غالب الأحيان تكون هذه عمولة روتينية، وقد يدفع الزبون عمولة أخرى على نفس الحركة.

وما أثار غضب الجمهور بشكل خاص، هو أن الإعلان عن رفع العمولات البنكية تزامن مع بدء ظهور معطيات حول أرباح البنوك في الربع الثالث من العام الجاري. فمثلا بنك "هبوعليم"، الذي رفع قيمة جميع العمولات البنكية بقيمة تتراوح ما بين 50% إلى 100%، أعلن في نفس اليوم عن أنه حقق أرباحا صافية في الربع الثالث من العام الجاري 2006، بقيمة 768 مليون شيكل، (5ر178 مليون دولار)، ليرتفع ربح البنك الصافي في الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري إلى 61ر2 مليار شيكل، وهو ما يعادل 607 ملايين دولار، وهو يشكل زيادة بنسبة 7ر14% مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي، في حين أن معدل التضخم المالي في الأشهر العشرة الأولى من هذا العام يراوح في خانة صفر بالمائة، ولم يحصل الأجيرون على أي نوع من العلاوات في رواتبهم.

وأكثر من هذا فإن مداخيل البنوك من العمولات البنكية لا تظهر دائما بوضوح، ولكن تقريرا صادرا عن بنك هبوعليم حول النصف الأول من العام الجاري أظهر أن المدخول الإجمالي للبنك من العمولات البنكية وحدها، في الأشهر الستة الأولى من العام الجاري، بلغ ملياري شيكل (465 مليون دولار)، وهو ارتفاع بنسبة 5ر17% مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي، بمعنى أن البنك سيصل حتى نهاية العام إلى مدخول بمقدار مليار دولار من العمولات البنكية لوحدها، وهذا يعني أن مداخيل البنوك مجتمعة من العمولات البنكية في العام الواحد ستتراوح ما بين 5ر2 إلى 3 مليارات دولار.

وفي محاضرة لمحافظ بنك إسرائيل المركزي، ستانلي فيشر، قال متهكما "حين سئلت كيف سأتأقلم في البلاد (كمهاجر جديد) أجبت أن الأمر الأكثر صعوبة بالنسبة لي هو فهم وصل الراتب الشهري، ولكن في الحقيقة فإن كشف الحساب البنكي الذي أحصل عليه من البنك هو أكثر صعوبة من حيث الفهم".

وقال فيشر منتقدا العمولات البنكية "إن أحد أهداف بنك إسرائيل المركزي هو فرض منافسة بين البنوك على تقديم الخدمات البنكية، للعائلات والأفراد والمصالح الاقتصادية الصغيرة، فالانطباع الحاصل أنه لا توجد منافسة في هذا المجال، ولهذا فليس مفاجئا حين رد الجمهور والكنيست بغضب حين قرر أحد البنوك رفع العمولات البنكية بعد بضعة أيام من قرار بنك آخر رفع العمولات".

وتابع فيشر قائلا: "في إسرائيل قائمة عمولات بنكية مبالغ بها إلى درجة مثيرة للضحك، وأنا لا أفهم كيف بإمكان البنوك أن تعمل على هذا النحو، فالبنوك في العالم تربح من خلال الصفقات والمصالح الاقتصادية التي بحوزتها وليس من العمولات البنكية، وآمل أن تدخل مثل هذه البنوك إلى السوق الإسرائيلي".

ويقصد فيشر بكلمته التوافق التام بين البنوك حول العمولات البنكية، فالفوارق ضئيلة، وهناك شبه تنسيق ولو أنه غير معلن.

تقارير بحثية

جاء في استنتاجات بحث حول العمولات البنكية لدائرة المعلومات والأبحاث في الكنيست أن هناك شبها كبيرا بين أسعار العمولات البنكية في مختلف البنوك، وفي كثير من الحالات بالإمكان رؤية أن العمولات في البنوك الخمسة الكبرى متشابهة.

وفقط في حالات خاصة يمنح البنك إعفاء من العمولات، مثل الطلاب الجامعيين والجنود والمهاجرين الجدد. ويستخلص البحث أنه في مثل هذه الحالة حين تكون الأسعار متشابهة بين متنافسين فإن هناك شبهة كبيرة حول التنسيق بينهم (وهو ما يتناقض مع القانون)، وهذا يعني غياب منافسة حقيقية بين البنوك في إطار العمولات البنكية.

لكن الاستنتاجات الخطيرة تظهر من تحقيق أجرته جمعية حماية المستهلك في وقت سابق، ولا يزال نفس الوضع قائما حتى الآن. فقد تبيّن من التحقيق أن زبائن البنوك لا يعرفون القيمة الحقيقية للخدمات البنكية، كما أنه ليس بمقدورهم المقارنة بين الأسعار.

يشار هنا، وخارج هذا التقرير، إلى أن الغالبية الساحقة، 70% وأكثر، من العائلات في إسرائيل تعيش على السحب الزائد في البنوك. وهو نوع نادر في العالم في مجال المعاملات البنكية، بمعنى أن حساب الفرد يكون دائما في حالة مديونية، في إطار يتم تحديده سلفا، وهذا الأمر يعطي في البداية متنفسا للزبون، لكن سرعان ما يتحول إلى رهينة للبنك، وليس بمقدوره التحرر منه والانتقال متى شاء وكيفما شاء من بنك إلى آخر.

ويشير التحقيق إلى غياب منافسة حقيقية وملموسة بين البنوك الخمسة الأساسية في إسرائيل، وهذا ما يمنع التنافس على تقديم الخدمات للزبائن، وهو عنصر أساس يسهم في رفع أسعار العمولات إلى نسب غير معقولة.

ويؤكد تحقيق الجمعية أن السلطات المختصة، وفي هذه الحالة جهاز مراقب البنوك في بنك إسرائيل المركزي، لم يلزم البنوك بالشكل الكافي بإعلام الزبائن بحجم العمولات التي سيدفعها، كما أن البنوك ملزمة بإبلاغ الزبون بعدد قليل جدا من العمولات التي يدفعها.

هل تتم خصخصة بنك "ياهف"؟

رغم ما سمعناه من محافظ بنك إسرائيل المركزي، ورغم ما يجري في الكنيست من محاولات لسن قوانين جديدة تفرض قيودا على البنوك في مجال العمولات، فإن وزارة المالية أعلنت في الأيام الأخيرة مزادا لخصخصة بنك "ياهف"، وهو بنك خاص بالموظفين في سلك خدمات الدولة، ويبلغ عدد زبائنه قرابة 150 ألفا.

ويمتلك 50% من أسهم "ياهف"، بنك "هبوعليم" و25% بملكية الدولة، و25% بملكية نقابة مستخدمي الدولة. وهو ليس بنكا تجاريا ويقدم تسهيلات بنكية كبيرة لموظفي الدولة فقط، وأسعار العمولات البنكية فيه أقل بكثير من البنوك التجارية، إضافة إلى أنه يقدّم قروضا بتسهيلات كبيرة، خاصة في مجال الفوائد البنكية.

وعلى الرغم من أن هذا البنك يشكل متنفسا للموظفين، ومثله بنك "مساد"، الذي زبائنه هم بالأساس من موظفي وزارة التعليم، فإن وزارة المالية الإسرائيلية قررت وبشكل انفرادي القضاء على هذه الخصوصية من خلال رغبتها ببيع أسهمها فيه، وفي الحال نفذ مستخدمو الدولة إضرابا بدا مفتوحا، واستمر يومين، لأن وزارة المالية سارعت إلى تجميد المزاد لمدة ثلاثة أشهر إلى حين إجراء مفاوضات مع نقابة مستخدمي الدولة.

المصطلحات المستخدمة:

الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات