المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

السطر الأخير في المباحثات بين المالية ووزارة الدفاع الاسرائيلية هو: مطلوب اجراء تقليص حاد بمبلغ 10 مليارات شيكل من ميزانية دولة اسرائيل لعام 2003. اذا لم تقلص وزارة الدفاع مبلغ 5 مليارات شيكل من ميزانيتها، فمعنى ذلك ان نتنياهو والوزير بلا حقيبة في وزارته، مئير شطريت، سيضطران الى تقليص 5 مليارات شيكل اخرى من مخصصات <التأمين الوطني> للفئات المحتاجة، ومن ميزانيات التعليم والصحة والرفاه والبنى التحتية.

في تشرين الأول / اكتوبر 2002، وقع أمر ما للدمقراطية الإسرائيلية. وزارة الدفاع قدمت الى وزارة المالية، للمرة الأولى في تاريخ الدولة، <<كتاب ميزانية>> خاصاً بها. الكتاب - الذي حضره رئيس قسم الميزانيات في وزارة الأمن، العميد شموئيل (مولي) بن تسفي - كان مناقضًا لقرار الحكومة: في كتاب الميزانية الفريد ذاك بلغ حجم المصروفات 47 مليار شيكل للعام 2003، بينما حكومة اسرائيل اقرت مبلغ 42 مليار شيكل فقط - وهو فارق بمبلغ 5 مليارات شيكل. قادة وزارة الأمن ورئيس هيئة الأركان تجاوزوا حكومة اسرائيل والتفوا عليها.
من وراء الفارق المذكور تقف قصة غريبة جدًا، تليق بجمهوريات الموز. قبل تقديم الميزانية الى الحكومة التقى مدير عام وزارة الأمن، عاموس يارون، مع رئيس الحكومة ارئيل شارون في جلسة سرية، اخبره فيها أن هنالك تفاهما مع <دولة صديقة> ستحول بموجبه الى وزارة الأمن مبلغ 5 مليارات شيكل خلال العام 2003 لتمويل برامج تطوير عسكري مشتركة. ولذلك، قال يارون، بالأمكان زيادة ميزانية الأمن بخمسة مليارات شيكل دون مشاكل. شارون أعجب باللعبة الخلاقة ووافق. كذلك سيلفان شالوم، وزير المالية آنذاك، وافق على الفور. لماذا الضجة قبل الانتخابات؟ بعد بضعة ايام تبين ان هناك عنصرًا واحدًا فقط ينقص لأتمام الصفقة: تلك <الدولة الصديقة>، التي قررت عدم التعاون. وهكذا نشأت ثغرة بقيمة خمسة مليارات شيكل في ميزانية الأمن.

عندما تأكد لرئيس الحكومة ان ليست هنالك دولة وليست ثمة صداقة، أجبر وزارة الدفاع على سحب كتاب الميزانية الخاص الذي قدمته، وتقديم ميزانية جديدة طبقا لخطة وزارة المالية - 42 مليار شيكل. وهكذا كان. ولتأكيد موقفه، وجه مدير مكتبه دوف فايسغلاس في 12 كانون الأول / ديسمبر 2002، رسالة الى وزير الدفاع شاؤول موفاز، يبلغه فيها بوضوح ان وزارة الدفاع لن تستطيع صرف اكثر من 8 مليارات شيكل فقط في الربع الأول من 2003.

لكن كانون الثاني وشباط انقضيا وتبين لوزارة المالية ان مصروفات وزارة الأمن في الربع الأول (مصروفات فعلية والتزامات مالية) ستبلغ 9،1 مليارات شيكل. فقد عاد الجيش للعمل وفق الميزانية الخاصة التي وضعها لنفسه: مصروفات بمبلغ 27 مليار شيكل، وليس 42 مليارًا كما قررت الحكومة.

حتى الفترة الأخيرة، وقبل شهر - شهرين، واصل الجيش العمل كالمعتاد، ولم يقلص في ميزانيته أي مبلغ جدي. صحيح انه حرص على ابلاغ وسائل الأعلام بخطط مستقبلية، لكن شيئًا من ذلك لم يحدث في الواقع. مثلا، على الرغم من الحديث عن تمديد فترة الخدمة النظامية، يستعد الجيش لتحويل عدد من الضباط الى التقاعد ومنحهم مخصصات تقاعدية، اكبر بكثير مما كان في السنوات السابقة. مدير عام وزارة الأمن يرفض تعيين محاسب لوزارته، رغم الأنظمة المعمول بها في جميع الوزارات الأخرى.

وهاكم قصة اخرى مذهلة: كل سكان اسرائيل يدفعون رسومًا صحية بنسبة 4،8% من مرتباتهم، باستثناء الجنود النظاميين الذين يدفعون 2،4% فقط من مرتباتهم. الحكومة قررت رفع نسبة الرسوم الصحية للجنود ايضًا الى 4،8%، والكنيست صادقت على ذلك في اطار قانون التسويات الأقتصادية، لكن وزارة الدفاع لا تنفذ.

فقط قبل شهر - شهرين استوعب مسؤولو وزارة الدفاع أبعاد ما يقومون به فبدأوا يتحدثون عن خطة للتقليصات. توقفوا عن الدفع للمزوِّدين، وبدأوا يخططون لخفض ايام الخدمة الاحتياطية، ويشترون عددًا اقل من السيارات <البيضاء> للضباط، ويرسلون عددًا اقل من الضباط الى الدراسات الاستكمالية. لكن هذا كله هو نقطة من بحر التقليصات التي ينبغي على الجيش اجراؤها، سواء في الشروط الممنوحة للجنود النظاميين او في وتيرة المشاريع التطويرية.

وزارة المالية تطالب الجيش الآن بتقليص مبلغ اضافي يصل الى 1،5 مليار شيكل. لكن الحقيقة هي ان وزارة المالية ستكون مستعدة للاكتفاء بتقليص الخمسة مليارات الأولى فقط. لا بل، هي مستعدة للاكتفاء بتقليص 2،8 مليار شيكل في هذه السنة، على ان يتم تقليص المبلغ التبقي (2،2 مليار شيكل) في السنوات القادمة.

السطر الأخير هو: مطلوب اجراء تقليص حاد بمبلغ 10 مليارات شيكل من ميزانية دولة اسرائيل لعام 2003. اذا لم تقلص وزارة الدفاع مبلغ 5 مليارات شيكل من ميزانيتها، فمعنى ذلك ان نتنياهو والوزير بلا حقيبة في وزارته، مئير شطريت، سيضطران الى تقليص 5 مليارات شيكل اخرى من مخصصات <التأمين الوطني> للفئات المحتاجة، ومن ميزانيات التعليم والصحة والرفاه والبنى التحتية.

("هآرتس" ـ 10/3 – الترجمة العربية: "مـدار")

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات