المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تتوقع أوساط الخبراء الاقتصاديين ان ينتهي العام الجاري على الصعيد الاجتماعي - الاقتصادي بزيادة في عدد الاسرائيليين الذين يعيشون تحت "خط الفقر"، وارتفاع عدد العاطلين عن العمل بشكل غير مسبوق. ويعود ذلك الى تعرض الشرائح الضعيفة في المجتمع الاسرائيلي الى "ضربات" اقتصادية متتالية، وجَّهتها، بالاساس، الحكومات المتعاقبة في السنوات الاخيرة، عبر خطط اقتصادية يمينية الى ابعد الحدود، كانت آخرها خطة وزير المالية بنيامين نتنياهو، التي وصفها الخبراء الاقتصاديون بأنها ستوجه الضربة القاضية لخدمات الرفاه في اسرائيل، وستقضي في نهاية المطاف على ما يسمى بدولة الرفاه.

بلال ظاهر
تتوقع أوساط الخبراء الاقتصاديين ان ينتهي العام الجاري على الصعيد الاجتماعي - الاقتصادي بزيادة في عدد الاسرائيليين الذين يعيشون تحت "خط الفقر"، وارتفاع عدد العاطلين عن العمل بشكل غير مسبوق. ويعود ذلك الى تعرض الشرائح الضعيفة في المجتمع الاسرائيلي الى "ضربات" اقتصادية متتالية، وجَّهتها، بالاساس، الحكومات المتعاقبة في السنوات الاخيرة، عبر خطط اقتصادية يمينية الى ابعد الحدود، كانت آخرها خطة وزير المالية بنيامين نتنياهو، التي وصفها الخبراء الاقتصاديون بأنها ستوجه الضربة القاضية لخدمات الرفاه في اسرائيل، وستقضي في نهاية المطاف على ما يسمى بدولة الرفاه.

وتشير معطيات دائرة الاحصاء المركزية الاسرائيلية الى تدهور الحالة الاجتماعية في اسرائيل، حيث وصلت نسبة البطالة في نهاية شباط الماضي الى 10.3% وبلغ عدد العاطلين عن العمل 262 الفاً.

الا ان اسباب تدهور حال الرفاه في المجتمع الاسرائيلي لا تنحصر في ارتفاع نسبة البطالة فحسب، بل تعود بالاساس الى انحسار مخصصات الرفاه التي تمنحها دولة اسرائيل الى مواطنيها من الشرائح الضعيفة.

الخطورة في خطة نتنياهو الاقتصادية لا تكمن في انها ترمي الى اجراء تقليصات، وانما بالسعي الى سن قانون بشأنها في الكنيست الاسرائيلي لتشريعها. وبالرغم من ان الوزير في وزارة المالية (وهو منصب مستحدث في حكومة شارون الثانية) مئير شطريت، اتفق مع رئيس الهستدروت (تجمع النقابات في اسرائيل) عمير بيرتس، على وقف الاضراب الذي هدد بشل اسرائيل مقابل عدم سن قوانين بخصوص التقليصات التي تضمنتها خطة نتنياهو الاقتصادية، الا ان شطريت والمسؤول عن الاجور في وزارة المالية، يوفال رخليفسكي، كانا اقلية في موقفهما، فكبار الخبراء والمسؤولين المهنيين في وزارة المالية وقفوا وراء نتنياهو بالسعي الى سن قوانين بخصوص التقليصات.

لم تقف كل القيادة المهنية في وزارة المالية وراء نتنياهو. فقد وجه محافظ بنك اسرائيل، دافيد كلاين، المفروض ان يدعم موقف وزير المالية، انتقادات لعدد من مركبات خطة نتنياهو الاقتصادية. فهو لا يرى بوجوب خرق الاتفاقيات المقوننة، ويرى ان تنفيذ خطة النجاعة في القطاع العام يجب ان يتم بالمشاركة مع مستخدمي القطاع العام وان الهستدروت يجب ان تكون شريكة في ذلك. كما وجه كلاين انتقادًا فيما يتعلق بتقليص اجور المستخدمين في القطاع العام، واعرب عن اعتقاده بعدم وجوب فصل اي مستخدم في القطاع العام، وانما تجميد عددهم الحالي الان. والموقف الأهم لكلاين، الذي عبر عنه في جلسة الحكومة وفي لجنة المالية البرلمانية، ان الخطة الاقتصادية لا تتطرق الى معالجة قضية الفقر، الذي سيتفاقم في حال اقرار خطة نتنياهو.

دولة الرفاه تكون حاضرة بالاساس من خلال نظم حماية الشرائح الضعيفة في المجتمع - المسنين والاقليات والعائلات التي تعتاش على مخصصات الرفاه، مثل العاطلين عن العمل والعائلات المحدودة الدخل والعائلات كثيرة الاولاد والعائلات احادية الوالدين، اضافة الى المعوقين فاقدي القدرة على العمل. الخطة الاقتصادية الجديدة التي يطرحها نتنياهو توجه ضربة قاسية الى كل هؤلاء. ولعل اكثر المتضررين من هذه الخطة هم الاقليات، أي: العرب في اسرائيل.

العرب هم اكثر الفئات الضعيفة في المجتمع الاسرائيلي حاجة الى خدمات ومخصصات الرفاه. ووفق جدول اعدته دائرة الاحصاء المركزية الاسرائيلية حول البلدات التي تعاني من اعلى نسب في البطالة نشرته مؤخرًا كانت البلدات العربية برأس الجدول. ولم يكن الامر مفاجئاً، فدائماً ما تصدرت هذه البلدات رأس القائمة، المكونة من 10 درجات، الاولى بينها تضم البلدات الاكثر فقرًا والدرجة العاشرة تضم البلدات الاكثر ثراء. البلدات في الدرجة الاولى والتي تعتبر في اسفل السلم الاجتماعي - الاقتصادي في اسرائيل لا تزال جميعها بلدات عربية، وتقع في هذه الدرجة جميع البلدات العربية في النقب.

وتجدر الاشارة هنا الى ان القرى العربية غير المعترف بها في النقب لا تدخل ضمن هذه الاحصائيات، واوضاعها الاقتصادية والاجتماعية متدنية اكثر بكثير من البلدات الاخرى "المعترف بها" في النقب. اما في الدرجة الثانية والتي تضم 37 بلدة، بينها بلدتان صغيرتان يهوديتان، والبقية بلدات عربية. وفي الدرجات 6-10 لا نجد سوى بلدة عربية واحدة (في الدرجة السادسة) هي قرية معليا، وجميع البلدات في هذه الدرجات العليا يهودية.

الاحصائيات الاسرائيلية الرسمية تفيد ان ربع مواطني اسرائيل يعيشون تحت خط الفقر، وفي الوقت ذاته تفيد الاحصائيات ذاتها بأن 54% من مواطني اسرائيل العرب يعيشون تحت خط الفقر. وهذا يعني ان هؤلاء يعتاشون بشكل او بآخر على المخصصات التي تدفعها مؤسسة التأمين الوطني، مثل مخصصات الشيخوخة والبطالة والاولاد واستكمال الدخل والاعاقة، الخ. الجديد والخطير هنا هو ان التقليصات المقترحة ستؤدي الى زيادة الضائقة الاقتصادية والاجتماعية لدى العرب في اسرائيل، بسبب التدهور المتوقع في وضعهم الاقتصادي من جهة، وكذلك لغياب عدد كبير من الخدمات الاجتماعية التي يحتاجونها من جهة اخرى.

وعلاوة على كون نسبة عالية من المعيلين العرب يعتاشون على مخصصات البطالة، فان مخصصات الاولاد ايضا تعتبر مصدرًا رئيسيا لدخل العائلات العربية، خصوصا وان نسبة عالية منها هي عائلات كثيرة الاولاد. في الاونة الاخيرة تلقت العائلات العربية ضربة اقتصادية عبر المساس بمخصصات الاولاد، عندما سنت الكنيست قانونًا يميز، من ناحية مخصصات الاولاد، بين اولئك الذين ادى ذووهم الخدمة العسكرية وبين الذين لم يؤد ذووهم هذه الخدمة، علمًا ان مواطني اسرائيل العرب معفيون من اداء الخدمة العسكرية بموجب القانون. ونتيجة لهذا القانون انخفضت القيمة المالية لمخصصات الاولاد التي يحصل عليها العرب.

وفي موازاة ذلك، فان معظم المجتمع الاسرائيلي سيعاني، ايضا، من الضربات التي توجهها له الحكومة بخطتها الاقتصادية الجديدة. فالغالبية الساحقة من هذا المجتمع من الطبقة المتوسطة التي تعتاش من دخل متوسط بالكاد يمكن هذه الشريحة من "اكمال الشهر". وقد تنجح الهستدروت في الدفاع عن الطبقة المتوسطة بالتصدي لمخطط نتنياهو وكبار المسؤولين في وزارة المالية ومنع سن قوانين من شأنها خرق اتفاقيات العمل وخصوصا ما يتعلق بخفض الرواتب، لكون ذلك يتعارض ايضا مع "القوانين الاساس"، بحسب محافظ بنك اسرائيل.

وتنص الخطة الاقتصادية على الغاء عدد من الخدمات التي لا تنطوي تحت شعار الرفاه فحسب، بل هي في صلب الخدمات التي يتوجب على دولة متقدمة، واسرائيل تدعي انها دولة متقدمة، ان توفرها لمواطنيها. ولعل احدى اهم هذه الخدمات التي سيتم الغاؤها هي الاقسام ذات التخصصات في المستشفيات، واغلاق كافة عيادات الام والطفل، ليصبح تلقيها منوطا برسوم جديدة. كذلك سيتضرر التعليم الجامعي من تقليصات الخطة الجديدة، عندما سترتفع قيم القسط التعليمي والمصاريف الجامعية، فيما كان الحديث قبل نحو سنتين يدور حول خفض هذه التكاليف الى حوالي النصف.

وزارة المالية الاسرائيلية مصرة، من ناحيتها، على فصل الاف المستخدين في القطاع الحكومي، وقد بدأت وزارة المعارف بتطبيق ذلك فعلا. وفي مطلع الاسبوع الماضي، عشية عيد الفصح العبري، بعثت وزارة المعارف الى نحو اربعة الاف معلم ومعلمة رسائل فصل، سلمت لهم باليد بواسطة شركات ارساليات خاصة. وتنوي الوزارة فصل 25 الف موظف حكومي اخر في الفترة القريبة القادمة.

الذريعة الرئيسية التي يوفرها نتنياهو وقيادة وزارة المالية لتبرير الخطوات الاقتصادية هي ان العجز المالي في ميزانية الدولة بلغ 30 مليار شيكل، وان صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يريدان رؤية ارتفاع في النمو الاقتصادي الاسرائيلي الذي لا يتعدى 0،5% في هذه الاثناء.

ويقول نتنياهو ايضًا، انه يتوجب تحسين صورة الوضع الاقتصادي في اسرائيل بشكل فعلي لرفع مستوى تدريج اعتمادها لدى شركات تدريج الاعتماد العالية، التي خفضت تدريج اسرائيل كدولة، مما يعني وجود صعوبة في منحها قروضا كبيرة وطويلة الأمد.

وكانت شركات تدريج الاعتماد العالمية قد خفضت في نهاية العام الماضي تدريج اسرائيل بسبب الاوضاع الامنية السائدة في المنطقة في اعقاب اندلاع الانتفاضة، بحيث لم يعد بامكان اسرائيل الحصول على قروض بمبالغ كبيرة الا في حال حصولها على ضمانات من الادارة الامريكية.

التقليصات التي تتضمنها الخطة الجديدة شملت كافة المجالات والوزارات باستثناء وزارة الامن، التي اضيف الى ميزانيتها مليارا شيكل على حساب التقليصات من الوزارات الاخرى، والبالغ حجمها اكثر من 11 مليار شيكل.

وعقب وزير المالية الاسبق (في حكومات حزب "العمل") ابراهام شوحط، بالقول انه لم تكن لدى نتنياهو خطة اقتصادية استراتيجية فعلية عندما قدم ميزانية الحكومة. وبناء على ذلك فشل وزير المالية الاسرائيلي في تقدير حجم معارضة الهستدروت والمنظمات الاجتماعية لخطته. ويرى شوحط ان نتنياهو يخشى من الاضراب الذي تهدد الهستدروت به بعد انتهاء عيد الفصح العبري منتصف هذا الاسبوع.

ويستعد نتنياهو وكبار المسؤولين في وزارة المالية لهذا الاضراب، كما يستعدون للتوجه الى محكمة العمل لالغاء الاضراب من ناحية، وتجهيز قوى عاملة بديلة من الناحية الاخرى. وفي هذه الاثناء يبدو نتنياهو كمن لا يخشى من المواجهة مع الهستدروت، وهو يحظى حتى الان بدعم كامل من جانب رئيس الوزراء اريئيل شارون، ويأمل بأن يستمر هذا الدعم في ايام الاضراب ايضًا.

وزارة المالية الاسرائيلية ابلغت الكنيست أنها ستقدم الخطة الاقتصادية في 27 نيسان الجاري للتصويت عليها. واعلن ديوان رئيس الحكومة ان شارون سيطالب كافة اعضاء الكنيست من الليكود بالطاعة الائتلافية مما يعني الزامهم بالتصويت الى جانب الخطة. كذلك يؤكد المراقبون ان الكنيست سوف تقر خطة نتنياهو، ربما مع بعض التعديلات تجاوبًا مع بعض مطالب الهستدروت.

اما البنود التي تتعلق بخدمات الرفاه، هدف الخطو الاقتصادية الجديدة، فسوف تصادق عليها الكنيست، بسبب وجود عدد كبير من اعضاء الكنيست الجدد الذين يحملون افكارًا يمينية من الناحية الاقتصادية ويؤيدون الخط العام لخطة نتنياهو. واذا ما تم ذلك واقرت الخطة الاقتصادية الجديدة فان عهدًا جديداً سيبدأ في اسرائيل من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية تغيب معه دولة الرفاه.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات