المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • اقتصاد ومجتمع
  • 1024

"هذه محاولة لإحداث تغيير شامل في المجتمع الاسرائيلي، وجميعنا يفهم اننا اذا لم نتحرك فسنستيقظ على مجتمع آخر مختلف"، قال د. نيسيم كلدرون، استاذ الأدب الاسرائيلي في جامعة تل أبيب، وأحد منظمي المبادرة. وهو يرفض ادعاء مسؤولي وزارة المالية بأن الهستدروت ومؤيديها استيقظوا الآن فقط لأن الخطة تمسّ جيوبهم هم، بينما التزموا الصمت حتى الآن لأن الطبقات الفقيرة هي التي كانت تتضرر..

"إذا كنت تتخيل انك تحارب من اجل مخصصات او مقابل او رسوم تقاعد، فأنت مخطىء. انك تحارب من اجل روح هذه البلاد ومستقبلها"، هذا ما كتبه الشاعر ناتان زاخ لعضو الكنيست عمير بيرتس عشية اجتماع الادباء الذين حضروا الى مقر نقابة العمال العامة في اسرائيل(الهستدروت) في تل أبيب، لدعم النضال الذي يخوضه رئيس الهستدروت ضد الخطة الاقتصادية الحكومية.
صحيح ان الكلمات التي القاها زاخ في تمجيد بيرتس اثارت بعض التململ بين مجموعة الاساتذة الجامعيين والكتاب الذين حضروا اللقاء (الذي منعت وسائل الاعلام من حضوره)، لتمكينهم من التعبير عن آرائهم بحرية، وبخاصة في ما يتعلق بعمل الهستدروت ورئيسها اللذين يهتمان، اساساً، باللجان (النقابية) القوية على حساب العاطلين عن العمل والضعفاء.

ولكن كلمات زاخ عبرت، افضل تعبير، عن الشعور العام الذي ساد بين الحاضرين بأن الخطة الاقتصادية الحكومية ليست معدة فقط لإشفاء الاقتصاد الاسرائيلي، وانما هي ترمي ايضًا الى إحداث تغيير ايديولوجي في الاقتصاد والمجتمع الاسرائيليين. "هذه الخطة السيئة ستؤدي إلى إسمان السمان أكثر فأكثر، وإضعاف الضعفاء أكثر فأكثر"، قال الكاتب سامي ميخائيل. "انها حملة تشويه وارهاب، ليس ضد عمير بيرتس والهستدروت فحسب، بل ضد جميع الضعفاء في هذه الدولة".

"انها محاولة لإحداث تغيير شامل في المجتمع الاسرائيلي، وجميعنا يفهم اننا اذا لم نتحرك فسنستيقظ على مجتمع آخر مختلف"، قال د. نيسيم كلدرون، استاذ الأدب الاسرائيلي في جامعة تل أبيب، وأحد منظمي اللقاء. وهو يرفض ادعاء مسؤولي وزارة المالية بأن الهستدروت ومؤيديها استيقظوا الآن فقط لأن الخطة تمسّ جيوبهم هم، بينما التزموا الصمت حتى الآن لأن الطبقات الفقيرة هي التي كانت تتضرر. صحيح ان اجور المحاضرين والاساتذة الجامعيين ستتقلص، مثل بقية الأجيرين، لكن هؤلاء يتمتعون بوضع اقتصادي واجتماعي متين، يقول كلدرون.

ولكن، ليس جميع الأكاديميين مشبعين بروح التضامن الاجتماعي. منظمات السلك الأكاديمي في الجامعات، مثلا، لم تنخرط حتى الآن في النضال الذي تشنه الهستدروت، وذلك خشية ان يمسّ تأييدها العلني للهستدروت بمعركتها من اجل تحجيم التقليصات في اجورهم وخفض عدد المستخدمين الذين سيتم فصلهم من العمل في المؤسسات الأكاديمية.

اليقظة بين الأكاديميين والمثقفين بدأت في شهر كانون الثاني، وتزامنت مع النضال الذي خاضته الهستدروت ضد فصل 900 من الموظفين العاملين في "بنك هبوعليم" (العمال). وتحت شعار "نحن نحارب على شخصية المجتمع الاسرائيلي"، وقع عشرات الفنانين والأكاديميين على مجموعة من العرائض تولت الهستدروت نشرها. وكان من بين الموقعين على تلك العرائض الشاعران حاييم غوري وايرز بيطون، والكاتب المسرحي يهوشواع سوبول، والكاتبان أ.ب. يهوشواع ورونيت مطالون، والمخرج دورون تسبري، والفنان منشي كديشمان وغيرهم.

احتجاج المثقفين هو امر فريد من نوعه، لأن اعضاء هذه المجموعة ليس من عادتهم التعبير عن آرائهم في القضايا الاجتماعية - الاقتصادية. في الصيف الماضي، حين تم تأسيس "هيئة المنظمات الاجتماعية لمقاومة ميزانية الدولة للعام 2003" كان المثقفون الوحيدون الذين شاركوا في الاعتصامات الاسبوعية امام منزل وزير المالية سيلفان شالوم، بعض الأكاديميين النشيطين اصلا في منظمات اجتماعية - مثل، د. يتسحاق سبورطه ود. يوسي دهان.

"حاولنا تجنيد الأكاديميين في جميع الجامعات، لكن الأمر كان عسيرا"، يقول المحامي يوفال البَشان، عضو قيادة الهيئة. "قالوا لنا ان ذلك بسبب العطلة الصيفية. ثم نظمنا، بعد ذلك، لقاء في جامعة القدس فلم يحضر سوى بروفيسورين اثنين. وقالوا ان الجميع مشغولون بسبب بدء السنة الدراسية".

التحول بدأ يحصل بعد عدد من هذه المحاولات الفاشلة، حين توجهت ادارة "معهد فان لير" في القدس الى رؤساء المنظمات سائلة اياهم كيف بامكانها مساعدتهم. "قلنا اننا نحتاج الى جبهة خلفية ايديولوجية والى نصائح عملية"، يقول البشان.

من هناك ولدت سلسلة من اللقاءات بين مجموعة من الأكاديميين وبين نشطاء اجتماعيين، عقدت في "معهد فان لير" خلال الشهرين الأخيرين وتمت فيها مناقشة القضايا الاجتماعية والاقتصادية المترتبة عن الميزانيات والخطط الاقتصادية. كما بادر "مركز أدفه" الى عقد لقاءققبل بضعة اسابيع، حضره عدد من البروفيسوريين المعروفين لإبداء آرائهم حول الخطة. وعلى اثر هذا اللقاء بدأت ترد طلبات من اكاديميين للانضمام الى طاقم النضال. في اللقاء الذي عقد في الهستدروت (الاثنين 14/4) كان بين الحاضرين عدد من الذين وقعوا على العريضة بشأن بنك العمال.

يقول د. كلدرون انه "ينبغي ألا ّ يكون النضال بكائيًا. يجب طرح بديل، طريق اقتصادي ثالث بين الاشتراكية والرأسمالية". اما البروفيسور ارئيل روبنشطاين، من جامعة تل أبيب والحائز على "جائزة اسرائيل" في الاقتصاد، فيبدو له ان الأكاديميين يملأون فراغاً نشأ عن غياب احزاب المعارضة - العمل، وميرتس، وشاس - والتي كان يفترض بها مقاومة الخطة الاقتصادية.

ولكن، ليس هناك جواب واضح على السؤال ما اذا كان الأكاديميون والادباء والفانون مستعدين للنزول من ابراجهم العاجية والخروج من اللقاءات في الغرف المغلقة للتظاهر في الشوارع. بعضهم، مثل البورفيسور روت بن يسرائيل الحائزة على جائزة اسرائيل، يعتقد بأن مكانهم وأهميتهم، بالذات، في الحضور المكثف على صفحات المنشورات العلمية، حيث يستطيعون هناك التعبير عن آرائهم في المواضيع التي يفهمونها. آخرون، مثل كلدرون، يعتقدون بأن تأثيرهم قوي جدًا في الشارع ايضًا. وهو ينوي تأسيس كادر من الأكاديميين والفنانين الذين يمكن دفعهم الى المظاهرات لإكسابها وزنًا نوعياً من التضامن الاجتماعي الواسع.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات