المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • منوعات
  • 3471

نشر "معهد فان لير" في مدينة القدس، الأسبوع الفائت، النتائج التي توصل إليها في ختام البحث الخاص الذي أجراه لإعداد "مؤشر فان لير لجودة الحياة في إسرائيل"، وذلك في العدد رقم 22 (كانون الثاني 2016) من مجلته الدورية "الاقتصاد والمجتمع"، التي تصدر عن "برنامج الاقتصاد والمجتمع في معهد فان لير في القدس".

وهذه هي المرة الأولى التي ينشر فيها هذا المؤشر، وهو الأول من نوعه في إسرائيل من حيث تغطيته مركّبات وجوانب عديدة تعكس "مستوى وجودة الحياة في إسرائيل"، لم يكن يشملها أي من المؤشرات المعتمدة في هذا المجال والقائمة حتى اليوم.

مؤشر حكومي جديد

قبل عام واحد، تقريبا، قررت الحكومة الإسرائيلية الشروع في اعتماد منهجية جديدة وإعداد مؤشر إسرائيلي جديد لقياس جودة ومستوى الحياة في إسرائيل، علاوة على المنهجية القائمة التي يتم وفقها قياس مستوى المعيشة بمعايير الناتج القومي والناتج المحلي للفرد. وقد جاء قرار الحكومة الإسرائيلية هذا اقتفاء لما هو متبع في دول متقدمة عديدة، وخاصة على ضوء الواقع الجديد الذي فرضته عضوية إسرائيل في "منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية" (OECD).


ويشكل هذا الانتقال ـ من اعتماد الناتج القومي والمحلي إلى اعتماد مركّبات أخرى لقياس جودة ومستوى الحياة في دولة معينة ـ جزءاً من سيرورة طويلة المدى تعكس وعياً متزايدا لدى علماء الاقتصاد والسياسيين، على حد سواء، بمدى الحاجة إلى معطيات أخرى مكمّلة تساعد في رسم وتقديم صورة أكثر اتساعاً وشمولية، ثم أكثر تعبيراً حقيقياً بالتالي، عما يقدمه قياس معدلات الناتج القومي ووتائر النمو الاقتصادي. فالمعطيات المستخلصة عن الناتج القومي تتركز في مجالات محددة، تُبرز جوانب محددة من مستوى المعيشة وجودتها وتغفل جوانب أخرى هامة، وخاصة تلك التي تشكل مصلحة مشتركة لعموم المواطنين في الدولة.

وعلى هذه الخلفية، تصاعدت في السنوات الأخيرة دعوات مختلفة لإضافة ودمج مؤشرات إضافية أخرى يمكن من خلالها قياس جودة الحياة في الدولة على نحو أوسع وأشمل، بما يضمن تقديم صورة حقيقية عن الوضع المعيشي للسكان تتيح لصناع القرار وضع الإصبع على المجال العيني الذي يتطلب تدخلا علاجيا سريعا واستثنائيا، سعياً إلى تحسين مستوى المعيشة وجودتها.

وبالرغم من الجهود الكبيرة التي تم توظيفها، حتى الآن، في تطوير وإعداد المؤشر الحكومي الجديد، إلا أن الحكومة لن تستطيع نشر مركّبات القياس الجديدة قبل أواسط ـ أواخر شهر شباط الحالي، ما يعني أن عملية القياس نفسها لم تجر بعد وسيمر وقت طويل، نسبيا، حتى يتم نشر معطيات هذا المؤشر الجديد.

"مؤشر فان لير"

يمثل "مؤشر فان لير لجودة الحياة في إسرائيل"، الذي ينشر للمرة الأولى، مشروعا جديدا لقياس ما يسميه القائمون عليه (في "برنامج الاقتصاد والمجتمع في معهد فان لير") "جودة الحياة والاستدامة" (أي، القدرة على المحافظة على مستوى معيشي مرتفع لفترة زمنية طويلة)، من خلال استجواب عشرات الخبراء والمختصين الإسرائيليين في تسعة مجالات حياتية، طبقاً لمنهجية "دلفي" البحثية. أما المجالات الحياتية التسعة هذه، فهي التالية: الصحة، التربية والتعليم، العمل، المشاركة المدنية، الرفاهية الشخصية والاجتماعية، السكن، الأمن الشخصي (الفردي)، جودة البيئة والرفاهية المادية.

وأكد القائمون على البرنامج وعلى المؤشر الجديد أن اختيار الخبراء، في جميع المجالات المذكورة، "كان متوازناً، من حيث ضمان التمثيل المتساوي للرجال والنساء، كما لمجموعات الأقليات أيضا"!

أما الشرط المسبق لبناء هذا المؤشر فهو الحسم واتخاذ القرار بشأن الناتج النهائي المتوقع (المرغوب!)، والذي قد يتراوح ما بين محاولة الإحاطة بجميع العناصر والمركّبات التي تؤثر على سعادة الإنسان، ثم سبر غورها وفهمها تالياً ("التوجه العلمي")، من جهة، وبين السعي إلى تحقيق أهداف أخرى، مختلفة تماماً. أما "التوجه العلمي" فيشمل بين طياته، أيضا، عناصر مؤثرة على سعادة الإنسان، مثل مدى الاكتفاء الجنسي، تحقيق الذات ومدى الرضى عن وضع الأبناء والبنات وغيرها من العناصر والمركّبات التي لا تنطوي على أي تأثير على أداء الحكومة، قراراتها، سياساتها وأنشطتها.
ونوه مسؤولو "برنامج الاقتصاد والمجتمع" في "معهد فان لير" بأنه في ختام سلسلة من المشاورات مع الخبراء والمختصين المعنيين، استقر القرار على أن يشمل المؤشر، بدرجة معينة من الإبراز، المجالات الأساسية فقط التي تؤثر على حياة المواطنين في دولة إسرائيل، والتي تضطلع السياسة الحكومية بتأثير حاسم عليها. وأوضح هؤلاء أن هذا القرار ينسجم، تماما، مع المهام المنوطة بـ "برنامج الاقتصاد والمجتمع في معهد فان لير"، باعتباره "منتدى للتفكير المدني"، وهو (التفكير المدني) وما يميز هيئات وأجساماً هامّة أخرى تنشط في الميدان نفسه، من بينها الهيئة الخاصة التابعة لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) المكلفة بإعداد "المؤشر لحياة أفضل" (Better Life Index)، والذي تنشر المنظمة معطياته السنوية تباعاً، منذ بضع سنوات.

وأشار مسؤولو البرنامج إلى أن قرارهم استقر، في نهاية المطاف، على أن يشمل "مؤشر فان لير" مجالات حياتية مماثلة، موازية، لتلك التي يتم اعتمادها في مؤشر منظمة التعاون والتنمية المذكور، مع فارق أساس بين المؤشرين، هو: اختيار المعايير.

فالمعايير في "مؤشر فان لير" تم اختيارها من قبل خبراء إسرائيليين ـ بعد وضع شرط مسبق تمثل في حد أدنى من المعايير ـ طبقاً لآرائهم وتوجهاتهم وعلى قاعدة "الإجماع المهني" بينهم هم (وهي منهجية البحث المعروفة باسم "استبيان دلفي"). فطبقاً لهذه المنهجية، وفي إطارها، يتم الحصول على المعايير المحددة في أي مجال من خلال مشاركة عشرات الخبراء، الباحثين، الأكاديميين، العاملين الميدانيين وصناع القرارات في كل مجال ومجال، بحيث يتوصل هؤلاء جميعا، في نهاية المطاف، إلى عدد محدود من المعايير التي تعكس مستوى معيشيا مرغوبا في كل مجال على حدة. ثم يجري، لاحقا، "استنباط" المؤشر العام في كل مجال ومجال بعد إعطاء المعايير التي تشكله أوزانها المناسبة، علما بأن وزن المعيار يمثل ـ من وجهة نظر الخبراء ـ مدى أهميته وقدرته على تمثيل المجال المعني بأكمله.

وبهذا المعنى، يتجلى أحد الانعكاسات الأبرز للفوارق ما بين "مؤشر فان لير" والمؤشرات الأخرى في مجال المشاركة المدنية: ففي "المؤشر لحياة أفضل" المذكور، يشمل هذا المجال، بصورة أساسية ومركزية، نسبة التصويت والمشاركة في الانتخابات، مما وضع إسرائيل في المرتبة الأخيرة خلال السنوات الأخيرة (جراء تدني نسبة التصويت في الانتخابات البرلمانية العامة فيها). أما في "مؤشر فان لير"، في المقابل، فثمة معايير أخرى إضافية كثيرة (عدا المشاركة في التصويت والانتخابات) تمثل المشاركة المدنية وتعبر عنها، من بينها: مدى الثقة العامة بمؤسسات الحكم والسلطة، مدى حرية الصحافة (كما تعبر عنها تقارير منظمة "بيت الحرية"/ "فريدوم هاوس" ـ Freedom House، وهي منظمة غير حكومية مقرها الولايات المتحدة الأميركية، تدعم وتجري البحوث حول الديمقراطية والحرية السياسية وحقوق الإنسان(، نسبة المؤمنين بأنهم وأصدقاءهم يستطيعون ممارسة التأثير على سياسة الحكومة، نسبة الراضين عن الديمقراطية الإسرائيلية ومعيار الثقافة السياسية الديمقراطية، كما يعبر عنها مؤشر صحيفة "إيكونوميست" البريطانية.

ويلاحظ مسؤولو البرنامج إنه بعد إدراج هذه المعايير وشملها في الحسبان، ترتقي إسرائيل من المرتبة الأخيرة في "المؤشر لحياة أفضل" (كما ذكر، آنفا) إلى المرتبة الـ 21، من أصل 34 دولة.

جودة الحياة في إسرائيل... أقل
بـ 10% من المتوسط في دول OECD

تشير المعطيات والنتائج التي توصل إليها "مؤشر فان لير لجودة الحياة في إسرائيل" إلى أن دولة إسرائيل تحتل ـ فيما يتعلق بجودة ومستوى الحياة فيها ـ المرتبة الـ 21 من أصل 34 دولة في الدول الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)، وذلك "استنادا إلى معدل بسيط لمعايير المجالات المختلفة كلها"!

فخلافاً للمعطيات حول الناتج المحلي للفرد، والتي تقترب إسرائيل فيها من المتوسط العام في دول منظمة OECD، يتضح أن إسرائيل تتخلف بـنسبة 10% تقريباً عن متوسط تلك الدول من حيث جودة الحياة (الحالية، في الوقت الراهن) والاستدامة (القدرة على المحافظة على مستوى معيشي مرتفع لفترة زمنية طويلة في المستقبل).

وتبين، أيضا، أنه طوال الفترة التي استغرقها إعداد المؤشر، من العام 2005 وحتى العام 2014، احتلت إسرائيل في مجال الاستدامة مرتبة أكثر تخلفا وتدنيا من مرتبتها في مجال جودة الحياة، وذلك خلافاً لدول أخرى في منظمة OECD، ككوريا الجنوبية مثلاً.

أما المجالات التي سُجل فارق كبير جدا بين ما هو عليه وضعها في دول منظمة OECD وما هو عليه وضعها في إسرائيل، بمعنى تخلف إسرائيل بنسبة تصل حتى 40% عن المتوسط السائد في دول هذه المنظمة، فتشمل: السكن وجودة البيئة، بصورة أساسية!

ففي مجال السكن، مثلا، حصلت إسرائيل على تدريج متدن جدا، وبشكل لافت، في نسبة البيوت (الوحدات العائلية) التي لا تتوفر فيها مياه الشرب، وهي مشكلة حارقة جدا تعاني منها، بالأساس، قرى عربية في مختلف أنحاء إسرائيل، وخصوصا عدد من القرى والتجمعات التي يسكن فيها مواطنون عرب بدو، في منطقة النقب جنوب إسرائيل بوجه خاص، والتي تسمى "القرى غير المعترف بها". وتضاف إلى مشكلة نقص / انعدام مياه الشرب، أيضا، مشكلة معدلات الصرف على خدمات السكن ونسبتها (حصتها) من الدخل الصافي للوحدة العائلية في إسرائيل.

أما في جودة البيئة، فتحصل إسرائيل على علامة متدنية جدا في مجال تخصيص مناطق وأراض لغايات الحفاظ على البيئة وفي مجال استخدام الطاقة المتجددة وحصتها من مجمل استهلاك الطاقة في إسرائيل.

الأمن الشخصي- تدهور حاد!

يبين "مؤشر فان لير" أن أحد المجالات التي طرأ فيها تدهور حاد جدا في إسرائيل خلال السنوات بين 2011 و 2014 هو مجال الأمن الشخصي، بالمقارنة مع المتوسط العام في دول منظمة OECD بين الأعوام 2005 و 2014. فقد تراجعت إسرائيل ـ في هذا المجال ـ من المرتبة السادسة "المحترمة"، كما يشير معدو المؤشر، في العام 2011، إلى المرتبة الـ 17 في العام 2014.

وبالمقارنة مع الأعوام بين 2010 و 2014، يبرز الارتفاع الحاد في مؤشر "العنف القومي"، كما أعدته شرطة إسرائيل، فضلا عن التدهور الحاد، أيضا، في المعطيات حول نسبة المواطنين الذين يشعرون بالأمن والأمان "لدرجة السير في الشوارع وحيدين في ساعات الليل"!

التعليم ـ تخلف خطير!

ومجال آخر يبين فيه المؤشر الجديد تخلفاً إسرائيلياً، قياساً بالمتوسط السائد في دول منظمة OECD، هو: مجال التعليم، رغم ما يشكله هذا المجال من تحد كبير جدا في إسرائيل، إذ من المعروف أنها تؤسس تفوقها الاقتصادي والعلمي عليه، علاوة على ما فيه من تأثير حاسم في كل ما يتصل برأسمالها البشري. ولهذا، فهو تخلف في مجال خطير جدا، كما يرى معدو المؤشر.

وحيال التحول المتوقع في التركيبة السكانية (الديمغرافية) في إسرائيل حتى العام 2059 ـ طبقاً للتوقعات الديمغرافية المختلفة المتداولة في إسرائيل ـ والذي يتنبأ بارتفاع نسبة الحريديم والعرب إلى نحو 50% من مجموع السكان في إسرائيل، على ما يميز هاتين المجموعتين السكانيتين من رأسمال بشري متدنّ، نوعيّاً، "يصبح من الملح جدا إيجاد حل للمدى البعيد لهذا الموضوع"، كما يؤكد معدو المؤشر!

المصطلحات المستخدمة:

معهد فان لير

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات