تظهر "مؤشرات هرتسيليا للمناعة القومية"، وهي واحدة من أهم "أوراق الموقف" التي تصدر عن مؤتمر هرتسيليا السنوي، الذي عقد مؤتمره الخامس عشر، الأسبوع الماضي، أن مؤشرات المناعة للعام 2014، في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، دلت على كبح معين للاتجاهات التي تطورت في السنوات الأخيرة.
وكان قد طرأ تحسنا في مناعة إسرائيل الاقتصادية حتى العام 2013، وتم خلال ذلك سد الفجوة مقابل دول التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، على خلفية أزمة اقتصادية مستمرة في العالم ومتانة الاقتصاد الإسرائيلي نسبيا، لكن الأنشطة الاقتصادية الإسرائيلية في العام 2014 لم تكن كافية من أجل الاستمرار في سد الفجوة، وعزا معدو الورقة ذلك بالأساس إلى تحسن الأوضاع الاقتصادية في عدد من دول OECD.
في مقابل ذلك، أشارت مؤشرات هرتسيليا إلى أن الصورة الاجتماعية ما زالت إشكالية، الأمر الذي يعكس حقيقة أن تحسن الوضع الاقتصادي لا يترجم من أجل تحسين الوضع الاجتماعي. وأشارت ورقة الموقف في هذا الصدد إلى أن "تحسين الوضع الاجتماعي يستوجب قيام الحكومة بمبادرات سياسية واتخاذ قرارات صعبة، من خلال إجراء تغيير في سلم الأولويات القومية، التي من دونها ليس مضمونا استمرار المناعة القومية وحتى أنه قد يتراجع".
واستعرضت ورقة الموقف مؤشرا مختلطا اقتصاديا – اجتماعيا، يوازن بين المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، بهدف "التعامل كميا مع معضلة السنوات الأخيرة، التي تتمثل بوجود صورة اقتصادية كلية تدل على نشاط جيد، خصوصا إذا ما قورنت مع الدول الغربية، بينما الصورة الاجتماعية تدل، في أفضل الأحوال، على جمود". ويسمح هذا المؤشر بمقارنة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في إسرائيل على مر الزمن وأيضا مقابل دول OECD.
ويدل مؤشر هرتسيليا للعام الماضي على أن المناعة الاقتصادية لإسرائيل استمر في التحسن، لكن هذا التحسن لم يكن كافيا من أجل الاستمرار في تقليص الفجوة بينها وبين دول OECD. ويجري التعبير عن هذه المناعة الاقتصادية من خلال استمرار إسرائيل في مواجهة الأزمة العالمية، وذلك على الرغم من بروز إشارات على ضعف الاقتصاد الإسرائيلي في العام الفائت.
إذ أنه على الرغم من استمرار النمو الاقتصادي في إسرائيل، العام الماضي، إلا أن هذا نمو التاج للفرد كان أقل من معدله في دول OECD وأقل من قدرات الاقتصاد الإسرائيلي نفسه. ويتبين أن التضخم المالي غير موجود بتاتا، وهو تحت الغاية الدنيا للتضخم التي أقرتها الحكومة، ما يعبر عن ضعف الطلب والفجوة في الناتج للفرد، علما أنه استمر الارتفاع في نسبة المشاركة في دائرة العمل وانخفاض نسبة البطالة، ووجود فائض في الحساب الجاري لميزان الإنفاق.
وأشارت المعطيات إلى نمو الناتج بنسبة 2.4% فقط، وهو يعبر عن نسبة نمو الناتج للفرد بنسبة 0.8%. وانخفضت نسبة البطالة إلى 6%، والحساب الجاري لميزان الإنفاق أغلق على فائض بنسبة 3% من الناتج، وبلغت نسبة التضخم المالي -0.2%.
ووفقا لورقة الموقف التي أصدرها مؤتمر هرتسيليا، فإنه خلال الأزمة الاقتصادية العالمية نجحت إسرائيل في تقليص الفجوة الاقتصادية بينها وبين الدول المتطور. لكن هذا التحسن توقف بسبب انخفاض نسبة النمو الاقتصادي بينما ارتفعت هذه النسبة في عدد من دول OECD. ويدل مؤشر المناعة الاقتصادية على أنه لم يطرأ تحسنا على وضع إسرائيل الاقتصادي، وبقيت في المرتبة ال18 في العام الماضي.
من جهة ثانية، فإن المؤشر الاقتصادي – الاجتماعي يحاول التعبير كميا عن التطورات الاقتصادية والاجتماعية. وهذه المرة الثانية التي يُستخدم فيها هذا المؤشر، وأضيفت إليه في الناحية الاجتماعية مؤشرات حجم الفقر وانعدام المساواة ونسبة البطالة المزمنة، أي نسبة العاطلين عن العمل منذ أكثر من عام. ويتبين من مقارنة هذا المؤشر مع الدول المتطورة أن ثمة تحسن طفيف في إسرائيل، لكنه يجري بصورة بطيئة، وذلك لأن الإستراتجية في هذا المجال تستند إلى قوى السوق فقط.
وشددت ورقة الموقف على أن المشكلة الأساسية في هذا السياق تكمن في حجم الفقر في إسرائيل وانعدام المساواة في تقاسم الدخل. ولذلك فإن إسرائيل ما زالت متأخرة في هذه الناحية قياسا بدول OECD الأمر الذي يؤكد ضرورة قيام الحكومة الإسرائيلية بمبادرات وعدم الاعتماد على قوى السوق فقط. وفي المقابل فإن وضع إسرائيل فيما يتعلق بالبطالة المزمنة ونسبة التشغيل جيد نسبيا.
وتوقعت ورقة الموقف أن يشكل الارتفاع في نسبة التشغيل ونسبة البطالة المنخفضة "حلا أساسيا للمشاكل الاجتماعية في الأمد البعيد، وتؤثر ببطء على الفقر وانعدام المساواة، لكن من أجل حدوث تحسن أساسي أكثر فإن المطلوب هو تدخل حكومي مباشر وخاص".
وتحتل إسرائيل في المؤشر الاقتصادي – الاجتماعي مرتبة متدنية، العشرين، بين دول OECD، وتتقدم على دول تواجه أزمات شديدة مثل اسبانيا والبرتغال واليونان وهنغاريا وتركيا.
ورأت ورقة الموقف أنه "من أجل الحفاظ على مناعة قومية في العام 2015 والمستقبل، يتعين على الحكومة الحفاظ على عجز مالي منخفض، من خلال مواصلة خفض الدين القومي مقارنة بالناتج الاقتصادي والإستراتيجية الاقتصادية المتوازنة، وتحسين أداء القطاع العام. وعلينا أن نحافظ على الاستقرار المالي، من خلال الالتزام بغايات التضخم في أفق عام أو عامين. إضافة إلى ذلك، يجب وضع سياسة اقتصادية – اجتماعية طويلة الأمد، تستند إلى غايات اجتماعية محددة، التي ينبغي الاستمرار بإصرار على تحقيقها، وأن ترافق ذلك خطوات فعلية في المدى القصير، من أجل تقليص حجم الفقر وانعدام المساواة".
وخلصت ورقة الموقف إلى التحذير من أنه "يوجد تخوف من أن السياسة الاجتماعية التي اتبعت في العام 2003، وخاصة في مجال المخصصات، والتي حققت نتائج جيدة في مجال نسبة المشاركة في سوق العمل، الذي يشكل حلا أساسيا للمشاكل الاجتماعية، سيتم تغييرها على أيدي الحكومة الجديدة الأمر الذي سيؤدي إلى تراجع في الانجازات. وثمة تخوف من أن خطوة كهذه ستنعكس سلبا على الفقر وانعدام المساواة".
وتشير ورقة الموقف بذلك إلى الاتفاق الائتلافي بين حزب الليكود، الذي يتزعمه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وحزب شاس، بشأن زيادة مخصصات الأولاد. وكان نتنياهو نفسه، كوزير للمالية في العام 2003، قد بادر إلى خفض مخصصات الأولاد بادعاء أن المستفيدين منها هم العرب، وهم ما تم تفسيره حينئذ بأنها حرب ديمغرافية يشنها نتنياهو ضد العرب.