المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات مترجمة
  • 938

أجرى المقابلة: بلال ظاهر

 

أصدرت لجنة مؤلفة من عدة وزراء في حكومة اسرائيل، الاسبوع الفائت، توصياتها حول تقرير "لجنة أور" التي عينتها الحكومة الاسرائيلية وحققت في مقتل 13 شابا عربيا من المواطنين العرب في اسرائيل، برصاص الشرطة الاسرائيلية، في اثناء هبة أكتوبر 2000. وتجاهلت اللجنة الوزارية، التي رئسها وزير القضاء يوسف لبيد، القضايا الهامة التي لفت اليها تقرير "لجنة أور". ولم تفاجئ احدا بهذه التوصيات، خصوصا ان غالبية اعضائها يمثلون اليمين المتطرف في اسرائيل، حتى ان بعضهم يدعو علنا الى ترحيل العرب عن ديارهم.

 

 

من جهة ثانية، نشر الاسبوع الفائت ايضا تقرير "مؤشر العنصرية" في اسرائيل الذي اشرف عليه عالم الاجتماع الاسرائيلي البروفيسور سامي سموحة. وكان ابرز معطى في هذا المؤشر ان 60% من اليهود في اسرائيل يؤيدون تشجيع الدولة لمواطنيها العرب على الرحيل عنها.

 

بالاضافة إلى ذلك تفيد المعطيات الاقتصادية في اسرائيل ان المواطنين العرب هم اكثر المتضررين من الأزمة الاقتصادية التي تجتاح اسرائيل في السنوات الاخيرة وذلك بسبب سياسة التمييز بحقهم على مر العقود الماضية منذ قيام اسرائيل. كما افادت احصائيات رسمية بان مؤسسة حكومية مثل بنك اسرائيل مثلا، التي يبلغ عدد الموظفين فيها حوالي 720 موظفا، خالية تماما من الموظفين العرب. وأشارت تحاليل لهذا المعطى إلى ان المشكلة ليست في عدم وجود اخصائيين اقتصاديين عرب، وانما في عدم قبول العرب في مثل هذه المؤسسات.

 

وفي حديث لـ"المشهد الاسرائيلي" مع البروفيسور شلومو زاند، استاذ التاريخ العام في جامعة تل ابيب والمعروف بمواقفه اليسارية وغير الصهيونية، حول هذه الاجواء العنصرية الآخذة بالتفاقم في اسرائيل، قال ان "الوضع مأساوي". وفي رأيه "لولا انه لم تنشب حرب بين اسرائيل والعرب ولولا أنه لم تحتل اسرائيل بقية فلسطين لكانت الافكار التي احملها هي الافكار السائدة. لكن مأساة اسرائيل ومستقبلها في الشرق الاوسط هي انها ألتهمت وابتلعت اكثر مما ينبغي. والان هي غير قادرة على الهضم ولا حتى على التقيؤ. ويشير تقرير سموحة الى وجود 60% من اليهود الاسرائيليين يؤيدون الترانسفير. ولكن فكر ايضا بالـ40%، وهذا امر هام. فهم اقرب الى النخب الثقافية والاقتصادية. ليس ان هؤلاء يحبون العرب او الفلسطينيين وانما هم يعلمون انه من غير الممكن تنفيذ الترانسفير وانه في حال تم ذلك فانه لا مستقبل لاسرائيل في الشرق الاوسط. انظر مثلا الى اتفاق جنيف. تشير الاستطلاعات الى ان اكثر من 30% من الاسرائيليين يؤيدونه. ليس لان هذا الإتفاق هو جيد للغاية، فهناك عدة امور يصعب علي الموافقة عليها، على سبيل المثال كتب فيه "اعتراف بدولة يهودية" وانا لا اوافق على ذلك. لكن الاساس في هذا الاتفاق هو حدود 1967. وطبعا المسجد الاقصى في الدولة الفلسطينية. المثير في الامر هو انه قبل ثلاث او اربع سنوات لم يكن 30% من الاسرائيليين يؤيدون الانسحاب الى حدود 1967. بالكاد كانت نسبتهم تصل الى 10%. ايهود باراك وحزب العمل لم يفكروا بمصطلحات 67. حتى في ميرتس لم يتحدثوا عن ان المسجد الاقصى سيكون تحت السيطرة الفلسطينية. وهذا يعني ان قسما من الجمهور الاسرائيلي، 30% منه، أيقن امرا واحدا وهو ان الاحتلال انتهى. من الناحية النظرية الايديولوجية انتهى الاحتلال ولكن من الناحية السياسية العسكرية فان دماء كثير ستسفك في الفترة القادمة. وهذا التغيير حصل، طبعا، بسبب الانتفاضة. فقبل ذلك لم يؤيد انسحاب اسرائيل الى حدود 1967 سوى الجبهة والتجمع. وهذه نقطة ضوء معينة. لكن لا اوهام عندي بخصوص إحالاتها".

 

* "المشهد الاسرائيلي": ربما لديك رغبة في رؤية نقطة الضوء هذه؟

 

زاند: "لا، لا. لست متفائلا لكني لست يائسا جدا ايضا. وانا اعتقد ان ثمة مصلحة عميقة جدا لدى الـ60% الذين يؤيدون الترانسفير في ان لا يتم التوصل الى سلام ابدا بين اسرائيل والفلسطينيين، لأن السلام سيجلب المساواة. واعلم ان ظهور عزمي بشارة ومحمد بركة واحمد الطيبي في وسائل الاعلام خلال العقد الاخير يزعزع ثلث المجتمع الاسرائيلي، لانهم يعلمون تماما ان السلام سيجلب المساواة. والمساواة بين اليهود والعرب في اسرائيل تهدد استمرار حصول هذا الثلث على الامتيازات الصهيونية. ان انصار حركة شاس وغالبية مؤيدي الليكود وقسم من المهاجرين من روسيا الذين يسمونهم يهودا عن حق، من وجهة نظرهم، خائفون من فقدانهم امتيازاتهم الصهيونية. انهم الصهيونيون الاخيرون الذين يتمتعون بقوة. ليس انهم يريدون الاستيلاء على المزيد من الاراضي، لكنهم لا يريدون المساواة. انهم يخافون من ان يتفوق الفلسطينيون في اسرائيل عليهم وان يبقوا في المؤخرة. ان مجرد تفكيرهم في هذا الامر يثير غضبهم. انني اتحدث مع الحراس في الجامعة حول ذلك. هؤلاء اناس بسطاء. يثير غضبهم رؤية طلاب الجامعة الفلسطينيين الاسرائيليين. يثير غضبهم المستوى الثقافي العالي الذي يتمتع به هؤلاء الطلاب اللامعون".

 

* "المشهد الاسرائيلي": هؤلاء الذين يخشون تفوق العرب هم الذين حسموا استفتاء الليكود حول خطة فك الارتباط؟

 

زاند: "نعم، لكن هناك امرًا اخر وهو الاساطير التي غرسها القياديون في عقول اليهود في اسرائيل. وانا لا اتحدث هنا عن القياديين من اليمين فقط وانما عن اليسار الصهيوني ايضا. فالاساطير حول ارض اسرائيل تعاملت مع الناحية الاقليمية وليس مع الناحية الاسطورية الخرافية. واليوم يدفع جميع الاسرائيليين ثمن ذلك. وشارون يدفع الثمن اليوم على انه كان طوال السنين الماضية عالقًا في شراك هذه الاساطير. والحقيقة هي ان اغلبية الاسرائيليين يريدون الانسحاب من قطاع غزة، لكني لست من اولئك الذين يرون بهذا الانسحاب امرا مهما. لا يمكنني معارضة الانسحاب من غزة لكني لست متحمسا له كثيرا. فانا اخشى ان شارون يريد الانسحاب من غزة ليبقى عشرين سنة اخرى في الضفة، كما انسحب باراك من لبنان من اجل مواصلة السيطرة على هضبة الجولان. فايهود باراك لم يرد سلاما مع سوريا. واشعر ان شارون يستخدم نمط التفكير ذاته".

 

* "المشهد الاسرائيلي": واليسار الصهيوني اصبح يحلم بفك الارتباط؟

 

زاند: "نعم. ان اليسار الصهيوني في اسرائيل لا يملك ايديولوجيا. والمشكلة تكمن في ان اليسار مرتبك جدا في السنوات الاخيرة. الوحيد في اليسار الصهيوني الذي لديه موقف ثابت والذي فهم في محادثات طابا انه بالامكان التوصل الى تسوية تاريخية مع القيادة المركزية الفلسطينية هو يوسي بيلين. ويمكن اضافة عامي ايلون. رغم ذلك فان مشكلة اليسار تكمن في انه مرتبك جدا ومبلبل وخصوصا في السنوات الثلاث الاخيرة. وذلك بسبب ايهود باراك. فقد الحق باراك اضرارا فادحة بالعلاقات بين اليهود والعرب في الشرق الاوسط، تماما مثل الاضرار التي الحقتها غولدا مئير. لا يوجد أي مسؤول في تاريخ اسرائيل الحق اضرارا مثل باراك وغولدا مئير".

 

دولة جميع مواطنيها

 

نشر زاند مؤخرا مقالا في صحيفة "هآرتس" دعا من خلاله الى "تأسيس هوية فوقية في اسرائيل تمنح الانتماء لكافة مواطنيها". وقال لـ"المشهد الاسرائيلي" ان "الفكرة الاساسية هي انه لا يمكنني التنكر، بعد نقاشات عديدة وبعضها نقاشات هستوريوغرافية، إلى ان ثمة صبغة ثقافية مهيمنة لفكرة دولة جميع مواطنيها. المشكلة هي كالتالي: واضح انني اؤيد دولة جميع مواطنيها، لانه بالنسبة لي لا حق بالوجود لدولة ليست دولة جميع مواطنيها. والفارق الدقيق بين ما اطرحه وبين ما يطرحه ممثلو المواطنين الفلسطينيين في اسرائيل، الذين يطالبون بدولة جميع مواطنيها، يكمن في ادعائي بان عليهم في هذه المرحلة التاريخية ان يعترفوا بان الصبغة الثقافية المهيمنة هي اسرائيلية. وانا لا اقول يهودية. لانه لو قام جدي من قبره اليوم وشاهد في أي ثقافة اعيش انا اليوم لما وصفها بالثقافة اليهودية. كان سيقول ان هذه شيء وان هذه ليست الثقافة التي حلم بها واراد ان تسود في اسرائيل. واعتقد اني لن أكون يهوديا بالنسبة له. ما نشأ هنا هو خليط ثقافي جديد، يرفض المشروع الصهيوني الاعتراف به ويصر على تسميتها ثقافة يهودية. وانا، كمؤرخ، ادرك ان ثمة قواسم مشتركة من ناحية المصير التاريخي بيني وبين اليهودي في نيويورك. لكني اعتقد ايضا ان هناك قواسم مشتركة بالدرجة ذاتها على الاقل بيني وبين الفلسطيني في اسرائيل. وقد لاحظت في الاونة الاخيرة ان قسما من طلابي الفلسطينيين-الاسرائيليين اصبحوا يميلون الى كونهم اسرائيليين من ناحية ثقافتهم وشجاعتهم وغرورهم، لكنهم اصبحوا في الوقت ذاته اكثر عدائية لاسرائيل من ناحية مواقفهم السياسية. وهذا الامر دفعني الى التفكير والاقتراب لموقف دولة جميع مواطنيها لكني كنت سأضيف دولة جميع مواطنيها الاسرائيليين. لان فرنسا ليست لكل مواطنيها وانما هي لكل الفرنسيين التابعين لها. وبريطانيا ليست لكل مواطنيها وانما لكل البريطانيين التابعين لها. فهناك مميزات للاسكتلنديين ولسكان اقليم ويلز لكن الثقافة البريطانية هي المهيمنة".

 

* "المشهد الاسرائيلي": وكيف ينسحب هذا على حالتنا هنا بين الفلسطينيين والاسرائيليين؟

 

زاند: "عندما انظر الى خارطة حدود 1967، أي اسرائيل 67، فانني أطلب من اصدقائي الفلسطينيين في اسرائيل الاعتراف بحقيقة وجود ثقافة مهيمنة، في هذه المرحلة التاريخية، وان نعرف كيفية استخدامها من اجل تغيير الواقع في اسرائيل وتحويلها من دولة يهودية الى دولة اسرائيلية. لكن هذا لا يعني باي حال من الاحوال محو الهوية اليهودية او الهوية العربية، لكن لن تكون أي منهما هوية فوقية. ويجب ان تكون اللغتان، العبرية والعربية، ليس فقط رسميتين وانما ان يتعلم كل طفل يهودي اللغة العربية تماما كما يتعلم كل طفل عربي اللغة العبرية. كذلك يتوجب ترجمة الحياة اليومية الثقافية الاسرائيلية من خلال اجهزة الدولة واقصد تغيير جزء من الاعياد وايام الذكرى. فمثلا، بين يوم الذكرى لجنود اسرائيل الذين سقطوا في الحروب وبين يوم الاستقلال يجب ان يكون هناك يوم رسمي لشهداء النكبة. من دون ذلك لن تكون هناك دولة اسرائيل في المستقبل".

 

واعتبر زاند أن رموز اسرائيل، مثل النشيد الوطني والعلم الاسرائيلي، ستتغير مع مرور الوقت، "لكن الامر الاهم في هذه المرحلة هو التركيز على الجانب العملي الثقافي اليومي. اذ بالامكان افراغ هذه الرموز من مضمونها. بالنسبة لي أن يكون رئيس حكومة اسرائيل فلسطينيا-اسرائيليا أهم من استبدال نجمة داوود في العلم. وانا لا اقلل من هذا الرمز الذي يعني بالنسبة لك اخراجك من اللعبة السياسية الدمقراطية الجماعية. صحيح ان الرموز هي امر هام. لكن اذا بدأ التغيير من خلال هدم هذه الرموز فلن يتم التقدم. واريد ان اشير هنا الى النشيد الوطني الاسرائيلي، فهو لا يمثلني انا ايضا لأنه نشيد لليهود غير الاسرائيليين أي المتواجدين خارج البلاد".

 

* "المشهد الاسرائيلي": وماذا بخصوص الهوية الذاتية، الفلسطينية؟

 

زاند: "هذه هويتك ولن يتمكن احد من الغائها، حتى عندما تصبح هناك هوية فوقية في اسرائيل وتصبح دولة جميع مواطنيها. وهذا على العكس تماما من الوضع السائد اليوم. فاليوم يوجد دولة لليهود. وهذا وضع غير ممكن وليس لها حق بالوجود. الادعاء هو ان اسرائيل هي دولة يهودية ودمقراطية وهذا غير ممكن. انه امر ونقيضه. ولكن عندما نتحدث عن دولة جميع مواطنيها يتم الغاء هذا التناقض. وبالمناسبة، عندما نتحدث عن هيمنة الثقافة الاسرائيلية فان ذلك حاصل في الفترة الحالية، لكني اعتقد انه في المستقبل المنظور، اذا لم تحدث هنا كارثة بحجم كبير وشامل، فان احفادي سوف يعيشون في ظل ثقافة تهيمن فيها الثقافة العربية".

 

* "المشهد الاسرائيلي": تقصد دولة واحدة ثنائية القومية؟

 

زاند: "في هذه المرحلة التاريخية، اعتقد انه يتوجب ان تقوم دولتان، اسرائيل وفلسطين. واي مشروع سياسي مختلف سيؤدي الى كارثة كبيرة. لكنهما لن تتمكنا من البقاء منفصلتين. وفي مرحلة ما يتوجب الربط بينهما. وعندها، اعتقد ان الثقافة المسيطرة ستكون العربية. لكني آمل ان تكون هذه الثقافة التي سيعيش احفادي في ظلها متسامحة وليبرالية. وبالنسبة للمرحلة التاريخية الحالية، فانه لا يمكنك ان تطرح مسألة تغيير الهيمنة الثقافية من خلال مشروع سياسي. لكن بامكانك ان تقول لليهود ان اسرائيل ليست دولة يهودية باي شكل من الاشكال. لا يجوز ان يكونوا هم اولي الامر لوحدهم من الناحية القانونية والدستورية وانما يتوجب ان يكون جميع المواطنين، اليهود والفلسطينيين، أولي الامر في الدولة الاسرائيلية. قيام دولتين هو ضرورة بسبب الصراع العربي- الاسرائيلي والعداء الكبير بينهما. لكن بعد قيام دولة فلسطينية لا يمكن ان يستمر الانفصال فترة طويلة. فهاتان الدولتان هما توأمان سياميان. انهما مترابطتان للغاية وانا اؤيد فكرة الربط بينهما فيدراليا في البداية ثم تصبحان دولة واحدة. لكن لا يمكن، هنا ايضا، طرح ذلك من خلال مشروع سياسي، لانه عندها سيشعر اليهود بان هذا المشروع يهددهم".

 

متى وأين أوجدوا الشعب اليهودي؟

 

يعمل زاند في هذه الاثناء على تأليف كتاب جديد حول متى وكيف أوجدوا الشعب اليهودي. ويقول زاند ان "هذا موضوع صعب للغاية. لقد أوجدوه في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وقد عرف المؤرخ الاول لليهود ان الحديث عن حضارة دين كبير مرت عليها مئات السنين. لكن اليهود لم يكونوا شعبا بالمفهوم العصري. كذلك فان الاغلبية الساحقة منهم لم يأتوا من فلسطين. يجب ان يتم فهم هذا الامر. وانا ابحث هذا الموضوع من الناحية التاريخية العلمية، كمؤرخ. انني ابحث في المؤلفات التاريخية التي اوجدت الشعب اليهودي بشكل تراجعي. هذا شبيه بعمل المؤرخين الذين اوجدوا الشعب الفلسطيني بشكل تراجعي. واليهود يهزؤون من هذه المؤلفات، لكني ايضا اهزأ من اليهود الذين يعتقدون انهم من نسل الملك داوود". واضاف زاند انه على الرغم من انه لا يزال يعمل على الكتاب لكن رأيه استقر فيما يتعلق بالاهداء، حيث سيكتب فيه ما يلي: "الى جميع المهاجرين اليهود الذين وصلوا الى الشواطىء هنا والى جميع اللاجئين الفلسطينيين الذين اضطروا الى النزوح".

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات