المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات مترجمة
  • 923

ما الذي كان سيحصل لو طلب فجأة من كل من أمسك بميكروفون على منصة التظاهرة الكبيرة التي جرت مساء يوم السبت تشكيل حكومة؟ كانوا سيوافقون فوراً على تنظيم أنفسهم لبدء إخلاء غزة. لكن أشك فيما اذا كانوا سيذهبون أبعد من ذلك. ليست الفوارق الاصطناعية ـ بما في ذلك حروب الأنا ـ كبيرة جداً فحسب، بل الفوارق الحقيقية أيضاً، وهذه مشكلة تستدعي عملية تمحيص علنية.

 
التظاهرات بحد ذاتها ليست قيمة، وهي لا تغيّر الواقع إلا عندما تخلق ديناميكية تغيير، أو تُشكل ايذاناً ببدء التغيير: التظاهرة الأسطورية في العام 1982 أنقذت كرامة اسرائيل امام نفسها وأمام العالم، لكنها لم تضع حداً للحرب، ولم تؤد إلى تغيير السلطة، وتركت الجيش عالقاً في حرب عصابات طوال 18 عاماً اضافية. كما أن التظاهرة الكبيرة التي قتل في نهايتها اسحاق رابين لم تتمكن من منع انتقال السلطة إلى الليكود. وثمة شك كبير في أن هذا ما سيحصل ايضاً مع هذه التظاهرة في حال لم يُترجم فوراً هذ ا الكنز من الارادة الحسنة الذي ظهر في ساحة الاحتفال إلى مصطلحات لبناء قوة سياسية بديلة عن اليمين.

 

العوائق عديدة. فالهيئات والأحزاب السياسية التي كانت في ميدان رابين لا تمتلك ايديولوجيا منظمة مشتركة، ولا رؤية شاملة متماثلة، وحتى انها لا تملك حداً أدنى من برنامج الانتخابات. شمعون بيريس قال ذلك بوضوح: التظاهرة لم تكن تظاهرة اليسار، بل تظاهرة الأغلبية. أية اغلبية؟ الأغلبية التي تريد التخلص من عبء القتال في غزة، والتي ترفض رؤية الشباب يسقطون في رمال رفح، الأغلبية، التي فهمت بعد تأخير بلغ جيل كامل عبثيةة الاستيطان في أراضي قطاع غزة.

 

الآن، بعد أن طويت الاعلام واللافتات، يُسأل السؤال التالي: ماذا بعد؟ ما هي الأهداف الوطنية التي تحظى بموافقة الجميع؟ ماذا بالنسبة للاحتلال بشكل عام؟ هل إن قيادة حزب العمل المستعدة للانضمام الى حكومة الليكود بحجة أن هذا الانضمام وحده سيُنقذ خطة فك الارتباط، ستطالب بشكل تلقائي ايضاً باخلاء الضفة؟ وهل سينقسم الحزب، ومَنْ مِن ناشطيه سينضم الى ابراهام بورغ، عمرام متسناع ويولي تامير؟ بحسب ما هو معروف الآن، فان بيريس نفسه يُدين مبادرة جنيف، يبتعد عن ميرتس ـ ياحد كابتعاده عن النار، وهو يرى في حركة السلام الآن مقاول تظاهرات في الإجمال.
لكن المشكلة لم تنتهِ بعد. فحركة السلام الآن لم تقرر بعد أي مسار ستختار: هل ستنضم الى مبادرة جنيف، ام ستسير سوية مع العمل إلى احضان الوحدة الوطنية في حال قرر شارون أنه مضطر إلى تغيير عجلة في عربته الغارقة في المناقشات حول غوش قطيف. إن حالة عدم الوضوح التي تخيم على الطريق المستقبلي لحركة السلام الآن تشكل احد عناصر شلل اليسار.

 

نقطة الضوء، تمثلت في ظهور عمير بيرتس، محاطاً بلافتات "عام إيحاد" (شعب واحد). فحتى الآن، حافظ بيرتس وزملاؤه على وتيرة منخفضة جداً من المواقف في كل ما يتعلق بمسألة الأراضي المحتلة. فالواقع الذي يدفع الهيئات والنقابات المهنية إلى التركيز حصراً على النضال على الأجور وعدم تجرؤهم على رفع رأسهم في مواضيع أُخرى، يمس كثيراً باليسار في كل مكان بالعالم، بيد أن الأمر أخطر بأضعاف في اسرائيل.


ان التدمير الجماعي للبيوت في رفح هو نتيجة ملازمة للاستعمار: سيأتي يوم ونخجل جميعنا، بمن في ذلك قضاة محكمة العدل العليا، مما يحصل اليوم باسمنا. إن القيادة القوية قادرة على احداث العجائب: حان الآن الوقت المناسب ـ الذي لم يحن منذ أيام أوسلو ـ للتمسك بالمصلحة الوطنية الحقيقية لبلورة جبهة من دون حسابات صغيرة وبشكل رئيسي على أساس الاعتراف أن الاستيطان كله هو كارثة واحدة كبيرة.

 

( "هآرتس"، 18/5/2004، ترجمة: إسماعيل عباس)

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس, الليكود, عمير بيرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات