بقلم: يوئيل ماركوسفي دولة طبيعية، فإن رئيس حكومة يشتبه بتلقيه الرشوة ونقض العهد وحققت وتعتزم الشرطة التحقيق معه، اول شيء نتوقعه منه ان يتنحى عن منصبه. ذلك أن المشتبه بالمخالفات المذكورة جراء قرض بحجم غير اعتيادي (7 مليون شيكل او 14 مليون قائم) وبفائدة غير معقولة، تتكرر بالأحابيل والمراوغات وبواسطة شركات وهمية، في مسار دولي مشبوه، لا يمكن ان يسقط الواجب عن نفسه بتوجيه التهم عبر وسائل الاعلام. ليست وسائل الإعلام من أوجد وثيقة الإدانة، مثلما انها لم تكن من أوجد الفساد في "البرايمريز"، وانما مؤسسات تطبيق القانون الرسمية التابعة للدولة. وثيقة رسمية عن صديق اقرض 1،5 مليون دولار لاعادة دَين من معركة انتخابات شارون في الـ 99 تؤكد انه نسي ببساطة تقديم تقرير عن القرض كما يقضي القانون.
لو لم يكن لدي شارون ما يخفيه، لا بد من الافتراض انه بعد النشر في "هارتس" مباشرة، كان سيظهر على الشاشة الصغيرة ويحاول الاقناع بأن كل شيء سليم وقانوني. لكن عندما يتميز شارون غضبا ويقول ان كل شيء فرية مشينة، ومستشاره الاستراتيجي يصرخ في كل برنامج اذاعي وتلفزيوني ان كل شيء كذب ولا توجد كلمة واحدة صحيحة، فانها مناسبة للتذكير برد محرر "واشنطن بوست" بن برادلي على انكار مشابه من نيكسون لقضية ووترغيت: "هذا نفي لا ينفي". انكارات شارون تبدو مثل غضب انسان ضبط متلبسا بؤسه، اكثر مما لو كانت انكارا للشكوك الجنائية ذاتها.
وحتى لو اتضح في ختام التحقيق ان كل شيء كان سليما من ناحية القانون الجنائي، فمن الناحية العامة ستبقى رائحته موجودة. عدم قول الحقيقة للمراقب و "عدم معرفة" ما فعله الابناء في هذه القضية او غيرها، لا تبدو معقولة. ولمعرفتنا بمدى تعلق شارون بمزرعته، يصعب ان نصدق انه لم يعلم ان نجليه يرهنان مزرعته ويبرمان الصفقات، اما رجل التفاصيل الصغيرة هذا، فلم يعلم او يسمع.
ليس معقولا انه لم يعلم من اين او كيف وصل المليون ونصف المليون دولار، والاغرب من ذلك انه ردا على سؤال عن اسباب التزام ابنه عومري الصمت اجاب "لقد اصبح ولدا كبيرا". وعلى ذكر قضية ووترغيت يجدر ان نتذكر ان نيكسون لم يسقط بسبب الاقتحام بل نتيجة للتستر وتشويش الدلائل. على شارون ان يطبق على نفسه نفس الحكم الذي طبقه على نعومي بلومنتال: شخصية عامة تختار حق الصمت حكمها الإقالة.
في قضية حساب الدولارات تحمّل اسحاق رابين المسؤولية واستقال من الحكومة في ليل العاشر من ابريل 1977، قبل الانتخابات بستة اسابيع. ولأن الحكومة كانت حكومة انتقالية (لا احد يخرج او يدخل) اضطر رابين شكليا لتنحية نفسه. لكنه عمليا ذهب الى البيت. اذا لم يقدم شارون سريعا تفسيرا مقنعا للشرطة وللرأي العام يجب عليه الاستقالة والذهاب الى البيت، الى اشهر المزارع المرهونة في الدولة.
عندما يستقيل شخص مركزي ذو اطلاع على مادة حساسة في مصنع كبير او تتم اقالته، يقومون باخراجه من البناية مباشرة بعد الاقالة، لسلبه اية قدرة على الحاق الاضرار. لكن شارون، الذي يعرف سلفا ان ما بدأ الان بالذات بعد الانتخابات – قيام الشرطة بالتحقيق معه ومحاربته دفاعا عن نفسه – قد يشكل بمجرد بقائه في الوظيفة عبئا وخطرا على الدولة.
مضغوطا بطبيعة الحال لفشله في ادارة الدولة، وفي مواجهة عمليات تفجيرية لم ينجح بمنعها، وبكونه مقيدا من جانب بوش في رد الفعل العسكري الى ما بعد الحرب في العراق، مع توقعات بأن بوش ذاته سيفرض عليه في نهاية الحرب انسحابا من المناطق الفلسطينية – قد يقوم شارون كشخص غير متوقع، ولكي يصرف الانظار عن تحقيقات الشرطة، بتوريط اسرائيل في إعمال مفاجئة وخطيرة. تصفية عرفات فجأة، بقذيفة عشوائية، على سبيل المثال.
بطبيعة الحال بات واضحا اليوم ان شارون لن يكون الشخص الذي سيخرج من المناطق الفلسطينية ويقوم بالتنازلات المؤلمة. فقد قيد نفسه وقيد الدولة بسياسته الحالية، التي جلبت علينا ازمة اقتصادية وحياة الروليتا الروسية في ظل العمليات الانتحارية. من رجل عملاق اصبح حيوانا جريحا قد يورط الدولة في حريق كبير. اذا لم يستجب لمطلب الاستقالة، يبقى ان نتمنى ان يمتنع الناخب عن اعطائه القوة لمواصلة تحطيم الامل بأنه بالامكان القيام بأشياء اخرى في هذه الدولة.
(هآرتس, 10 يناير)