المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

في الرابع من حزيران 1982 اطلق مسلح فلسطيني الرصاص على السفير شلومو أرغوف موفراً لوزير الدفاع، ارئيل شارون، مبرراً لشن حرب للقضاء على <<منظمة المخربين المسماة م.ت.ف.>> . وبعد مرور 21 عاما، وقف رئيس الحكومة، ارئيل شارون، الى جانب ممثل رفيع عن "م.ت.ف" معلنا تعهده بتأييد اقامة دولة فلسطينية مستقلة. ليس هذا مجرد تزامن احداث بالصدفة: الطريق نحو العقبة بدأت في حرب لبنان. هناك بدأت صحوة كلا الشعبين من حلم حل النزاع بقوة الذراع. هناك بذر شارون بذور تقسيم ارض اسرائيل (فلسطين) الكاملة. وها هو يحصدها، اليوم، ربما بفرح وربما بالدموع.

في حرب لبنان رسم شارون لنفسه هدف طرد (الرئيس ياسر) عرفات من لبنان ووضع حد للكفاح الفلسطيني الرامي الى ابادة دولة اسرائيل. وفعلا، غادر عرفات الى تونس. بعد بضع سنوات، في العام 1988، اعلنت م.ت.ف اعترافها بقرار مجلس الامن رقم 242، الذي يكتفي الفلسطينيون، بموجبه، بـ 22% فقط من مساحة فلسطين الاجمالية. نجح شارون في وضع عرفات في الزاوية، التي كان المخرج الأخير منها هو الاعتراف بوجود اسرائيل والتحول الى الخيار السياسي. هدية الوداع التي قدمتها ادارة ريغان كانت فتح الحوار الامريكي مع م.ت.ف.

كان ذلك نوعا من الانتقام على جرّ الولايات المتحدة الى المستنقع اللبناني، الذي أوقع اكثر من 250 قتيلا من بين جنود "المارينز" الامريكيين. وكان ذلك، ايضا، اسلوب ريغان في تصفية الحساب مع حكومة بيغن التي رفضت، بشكل مهين، خطة السلام التي عرضها الرئيس الامريكي. رئيس الحكومة آنذاك، اسحاق شمير، وصف اللقاء الاول بين السفير الامريكي في تونس مع قادة م.ت.ف. بأنه "يوم أسود". بنظرة تنقيحية الى الخلف من قمة العقبة، من الصعب العثور على تشخيص اكثر دقة. الحوار الامريكي مع م.ت.ف. حوّل رؤساء المنظمة من <<عصابة ارهابيين>> الى ممثلين شرعيين للشعب الفلسطيني.

رد شارون على مبادرات السلام التي قدمها ريغان ووزير خارجيته، جورج شولتس، ثم الرئيس جورج بوش الأب ووزير خارجيته، جيمس بيكر، كان ردا واحداً وموحداً: المزيد والمزيد من المستوطنات. كان شارون يؤمن بأن خلاص الاراضي سوف يخلّص اسرائيل من الضغوطات الداخلية والخارجية للانسحاب من المناطق (الفلسطينية). لا يزال شارون متمسكا، حتى اليوم، بالايمان بأنه حتى لو كان الزمن يخذل اليهود هنا وهناك، الا ان الامساك بالسلاح لا بد ان يكون مثمرًا على المدى البعيد. الانتفاضة الاولى، التي استوحت الكثير من الضربات التي أنزلها متعصبو الاسلام باسرائيل في لبنان، لم تغير وجهة نظر شارون. كذلك حرب الخليج الاولى لم تفتح عينيه.

في العام 1991، وإثر النصر الامريكي غير المكتمل في الحرب ضد العراق، تحدث بوش الأب عن نظام جديد في الشرق الاوسط. بادر الى عقد مؤتمر دولي برعاية الامم المتحدة ومارس ضغوطا على اسرائيل للشروع في مفاوضات مع ممثلين متفق عليهم للشعب الفلسطيني. آنذاك أثبت شمير، من دعاة الأنظمة القديمة، انه لا يوجد من هو افضل منه في إبعاد السقف الامريكي. كلما بدا ان العرب يقتربون منه، أوجد شمير شروطا جديدة. الشرط الأخير، أن يرفض الرئيس حافظ الاسد الدعوة الى مؤتمر دولي برعاية الدولتين العظميين، لم يكن مجديا. فقد وجد شمير نفسه في مؤتمر مدريد، ترافقه احتجاجات شارون ودافيد ليفي.

قاد مؤتمر مدريد، المنعقد في تشرين الاول 1991، الى مفاوضات ثنائية بين اسرائيل وبين كل واحد من الاطراف العربية المشاركة. وبموازاة تلك المفاوضات العقيمة، تواصل النشاط الاستيطاني المكثف، بقيادة ارئيل شارون. موجات الهجرة من دول "الاتحاد السوفييتي" اضطرت الحكومة الى طلب ضمانات امريكية لقروض بقيمة 10 مليارات دولار. أصر بوش الأب على ان يختار شمير بين الضمانات وبين المستوطنات.

وفيما كان شارون يشده من الخلف، قرر شمير تفضيل المستوطنات والقى على المنظمات اليهودية مهمة تحريض الكونغرس على الرئيس. انتهت تلك الحقبة بخسارة الليكود السلطة لصالح حزب العمل بقيادة اسحاق رابين.

كانت اتفاقية اوسلو، التي تم التوقيع عليها في ايلول 1993، اليوم الاسود الثالث بالنسبة الى اليمين الاسرائيلي. وعلى الرغم من ان الاتفاقية لم تتضمن تعابير مثل "الاحتلال"، او "دولة فلسطينية"، الا ان شارون وصف راسميها وواضعيها بأنهم "مجرمون". الارهاب، المجزرة في الحرم الابراهيمي الشريف في الخليل، مظاهرات اليمين، وأخيرا اغتيال رئيس الحكومة في تشرين الثاني 1995، مهّدت الطريق امام بنيامين نتنياهو لاحتلال السلطة في صيف العام 1996. وزير البنى التحتية، ارئيل شارون، حثّ المستوطنين ودعمهم بملايين عديدة من اموال الجمهور. وفي نهاية العام 1998، شارك وزير الخارجية، شارون، في مؤتمر واي بلانتيشن، الذي تم الاتفاق خلاله على نقل نسبة 13% اخرى من المناطق الى سيطرة السلطة الفلسطينية. ولدى عودته الى البلاد، دعا، صراحة، الى احتلال كل تلة خالية في المناطق المحتلة.

أخلى السقوط السريع لحكومة نتنياهو الطريق امام شارون لتسلم رئاسة الليكود. الارهاب الفلسطيني، وسلسلة الاخطاء التي ارتكبها رئيس الحكومة ايهود براك، وزيارة شارون الى الحرم القدسي الشريف، قصّرت الطريق امام شارون لفوز برئاسة الحكومة. لقد وصل الى هناك يحمل عبرتين اثنتين من حرب لبنان: من اجل شن حرب اختيارية ينبغي ضمان اجماع داخلي وتأييد من الرئيس الامريكي. تمسك قادة حزب العمل بكراسي السلطة وبالسطوة اتاح لشارون اقامة الحكومة الاوسع في تاريخ البلاد. اسامة بن لادن وفّر له، في 11 ايلول 2000، دعم الأخ في السلاح من البيت الابيض للحرب ضد الارهاب. النصر على صدام حسين أعاد عائلة بوش الى موضوع النظام الجديد.

قال شارون ذات مرة ان شمير راهن على رفض الاسد الانضمام الى عملية السلام، فوجد نفسه يجلس مع ممثلي عرفات في مؤتمر مدريد. منذ تلك اللحظة، قال شارون، فقدت اسرائيل سيطرتها على الاجراءات والتطورات السياسية. راهن شارون على رفض عرفات تعيين ابي مازن رئيسا للحكومة الفلسطينية، فوجد نفسه يجلس مع ممثله في قمة العقبة. ابتداء بتلك اللحظة، فقدت اسرائيل، حقا، سيطرتها على الاجراءات والتطورات السياسية.

(هآرتس 5 حزيران)

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات