كتب محمد دراغمة:
البيانات الصادرة عن قمة العقبة (الاربعاء 4 حزيران) لن تكفي بالتأكيد لإيجاد حل لصراع تاريخي معقد كالصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، لكنها، بما حملته من جديد، قد تنقله إلى مرحلة جديدة..
ومن جديد هذه القمة، التي جاءت بعد ما يزيد عن عامين ونصف العام من مواجهة مسلحة ضارية سال فيها الكثير من الدماء، مشاركة رئيس الدولة المتربعة على عرش العالم دون منازع، ورغبته في ترتيب جديد للمنطقة عقب التغيير الكبير الذي سببه اجتياح واحتلال جيشه لواحدة من اكبر وأقوى وأغنى وأكثر دولها تأثيراً.
وكما كان متوقعاً، لم تحمل هذه القمة مفاجآت، لكنها أشرت على بدايات تغيير في مواقف الأطراف الثلاثة، الإسرائيلي والفلسطيني والأمريكي، من حالة الصراع الراهنة.
فرئيس الوزراء الإسرائيلي، وإن ظل على مواقفه وشروطه، المعلنة منها والمضمرة، لتطبيق خارطة الطريق، فقد أعلن قبوله بمبادئ تصلح أساساً لعودة المفاوضات، مثل مبدأ الدولة الفلسطينية ذات التواصل الجغرافي، بما يعنيه ذلك من الحاجة لتفكيك مستوطنات، شاء الرجل أو أبى.
والطرف الفلسطيني أعلن قبوله لوقف كامل للعنف أو الانتفاضة المسلحة.
والرئيس الأمريكي دعا الى إنشاء دولتين فلسطينية وإسرائيلية، وخصص دبلوماسياً، وإن لم من الصف الاول، لمراقبة تطبيق خارطة الطريق، وأوعز لكبار معاونيه أمثال كوندوليسا رايس وكولن باول، لدعم ومواكبة تطبيقها.
وربما للمرة الأولى منذ بدء الانتفاضة في نهاية أيلول عام 2000، بدا إعلان الطرف الفلسطيني عن وقف العنف مبرراً سياسياً.
فقد جاء هذا الإعلان مواكباً لتغير في الطرف الآخر، تمثل في مناداة الرئيس الأمريكي، على ما يحيط به من عصبة المحافظين الجدد الأكثر موالاة لإسرائيل في تاريخ العلاقة بين البلدين، مناداته بإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، وممارسته نوعاً من الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي لقبول خارطة الطرق.
وأثمر ذلك في تغير ملموس في الجانب الإسرائيلي تمثل في إطلاق رئيس الوزراء أرئيل شارون تصريحات بدت مفاجئة عن سوء الاحتلال، وعدم رغبة إسرائيل في حكم شعب آخر ..الخ
ولم يفاجىء إعلان رئيس الوزراء محمود عباس عن وقف العنف المسلح، الشارع الفلسطيني، ذلك أنه جاء عقب سلسلة حوارات داخلية بشأن التوصل إلى هدنة.
وقد قطعت هذه الحوارات شوطاً كبيراً في ذلك، حيث وافق عليها البعض، فيما تعهد البعض الآخر بعدم إعاقتها.
وفي الشارع الفلسطيني الذي لا يبدي الكثير من التفاؤل من المفاوضات مع حكومة إسرائيلية برئاسة شارون، أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة التي تمحورت حول خارطة الطريق رغبة في تجريب هذا المسار الذي لا يبدو مكلفاً على أي مستوى.
وقال محمد الكوبري 39 عاماً من نابلس: إذا لم تحقق المفاوضات الكثير لنا، فإننا لن نخسر منها، وذلك على العكس من الحالة الراهنة التي يسفك فيها دمنا يومياً، ويدمر اقتصادنا وحياتنا، فيما العالم يراقب كل هذا دون أن يهتز له جفن".
وتبعاً لتعهدات والتزامات الأطراف الثلاثة، كما أعلنت في هذه القمة، فقد تفتح مرحلة جديدة في علاقة الصراع القائمة بين الشعب الفلسطيني ودولة الاحتلال الإسرائيلي، وإن كان الكثير من المراقبين لا يبدون تفاؤلاً بذلك.
وقال الدكتور علي الجرباوي أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت: قد نكون على أعتاب مرحلة جديدة إذا ما نفذت إسرائيل ما عليها من التزامات، لكن ما قاله شارون في العقبة لا يبشر بذلك، فقد وضع العبء كله على الفلسطينيين، وحول التزامنية في الخاطرة إلى اشتراطية وتسلسلية.
وأضاف يقول: شارون لم يلتزم بأي شيء، وعندما تحدث عن خارطة الطريق تحدث عنها بالشروط التي وضعتها حكومته".
ويرى الجرباوي أن مثل هذه المرحلة الجديدة تتحقق فقط بوجود ضغط أمريكي على إسرائيل وهو غير متوقع بسبب قرب انخراط الرئيس بوش في السباق الرئاسي.
وفي الوقت الذي لا يبدي فيه الكثيرون تفاؤلاً من حدوث تقدم يجتاز تطبيقات المرحلة الأولى من خارطة الطريق، فإن من المتوقع أن تخلق هذه المفاوضات آلية جديدة قد تؤدي مستقبلاً لحدوث تغيير في المشهد السياسي الإسرائيلي.
وقد لعبت المفاوضات بين الجانبين، على الدوام، الدور المركزي في التغيير السياسي في إسرائيل.
فهي – أي المفاوضات - قادت الى سقوط حكومة الليكود بقيادة إسحق شامير وقدوم حكومة العمل بقيادة رابين عام 92، ثم سقوط مرشح العمل شمعون بيرس وفوز خصمة نتنياهو عام 96 ثم سقوط هذا وفوز خصمة باراك عام 99 ثم سقوط الأخير وفوز شارون عام 2001.
وقد عاد شارون ليحقق فوزاً هو الأكبر في تاريخ الدولة العبرية في الانتخابات الأخيرة، معتمداً على مخاوف الإسرائيليين من الهجمات الفلسطينية.
وتحمل خطة خارطة الطريق العديد من العناصر الإيجابية للفلسطينيين، مثل الدولة المستقلة في الأراضي المحتلة عام 67، وقبل ذلك تجميد الاستيطان وغيرها.
لكنها ترتب عليهم أولاً التزامات صارمة أهمها وقف كل أشكال العنف ضد الإسرائيليين وانتهاج إصلاح داخلي وتوحيد أجهزة الأمن.
وفي جميع الأحول فإن ليس لدى الفلسطينيين ما يخسرونه من انخراطهم في خطة خارطة الطريق، خصوصاً وأن الكثير من الخطوات المطالبين بها في هذه الخطة كانت على نحو أو آخر مطالب داخلية مثل الإصلاح الداخلي والعودة إلى الانتفاضة الشعبية ووقف العمليات التي تستهدف المدنيين على ما تسببه من عزلة دولية ومن تصاعد البطش والتدمير الإسرائيلي.
والسؤال المطروح على الفلسطينيين اليوم هو ما إذا كانوا سيمنحون حكومتهم فرصة لتطبيق ما تعهد به رئيسها أمام العالم، وتجريب المسار التفاوضي من جديد على ما يحمله هذا الاسم من ذكريات ليست سعيدة على الإطلاق في ذهن كل فلسطيني؟؟