من المتوقع ان يعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي ارئيل شارون الاربعاء 26 شباط التركيبة شبه النهائية لحكومته الثانية، بعد ان نجحت طواقمه التفاوضية في التوصل الى تركيبة ائتلافية <مريحة، بحق الضائقة>، هناك من يقول انها قد تكون سبباً في تقصير عمر حكومته في مرحلة تالية، وقبل الأوان.
وبعد أقل من اسبوعين على تكليفه بتشكيل الحكومة الاسرائيلية الجديدة، وأقل من شهر على ظهور نتائج الإنتخابات التشريعية في اسرائيل، قرر رئيس الوزراء وزعيم <الليكود> أرئيل شارون التراجع، مؤقتاً، عن خيار <الوحدة الوطنية> مع <العمل> وغيره من الأحزاب الممثلة في البرلمان الجديد، ذي الأغلبية اليمينية الحاسمة، والتوجه نحو تشكيل حكومة <يمين متطرف> مع <المفدال> و <شينوي>، وسط اتهامات متبادلة بين الحزبين الكبيرين بالتسبب في إفشال <المهمة الكبرى>، التي خاض شارون انتخابات 28 كانون الثاني تحت لوائها: مهمة تشكيل <حكومة طوارىء وطنية> تكون قادرة على مواجهة أوضاع اسرائيل المعقدة على مختلف الصّعد.
ومع التوصل الى اتفاق تحالف مع <شينوي>، يكون شارون قد صنع شرخاً في العلاقة التاريخية مع <الحرديم>، وقرر نقض <العهد القديم> الذي كان سيضمن له في البرلمان السادس عشر الدعم من 16 نائباً حريدياً هم ممثلو <شاس> (11) و <يهدوت هتوراه> (5)، الممثلان السفارادي والاشكنازي لجماعات <الحرديم>.
ولا يقل عن ذلك إثارة اتفاق <الليكود> مع <المفدال>، الذي يقضي بمنحه حقيبتين وزاريتين ونائب وزير ورئاسة لجنة برلمانية ونيابة لرئاسة الكنيست.
ومع ان شارون كان بانتظار وصول متسناع الى لقاء آخر معه ضمن <جهود الوحدة>، إلا أن وسائل الاعلام الاسرائيلية تناقلت نبأ الاتفاق بين <الليكود> و <المفدال> قبل أن يستمع متسناع الى ذلك مباشرة من شارون. <مشاركة المفدال في حكومة موسعة أمر ضروري وهام لإحداث الانطلاقة في المجالين السياسي والاقتصادي>، قال شارون لمتسناع عبر الهاتف، موجهاً لخصمه هذه المرة أيضاً <ضربة تحت الحزام>.
<لا حاجة لقراءة هذه الجملة مرتين لكي نقف على جوهرها الساخر>، يكتب يوسي فرتر في <هآرتس> (24 شباط). فحزب <المفدال>، حزب المستوطنين والحاخامات، اصبح بين عشية وضحاها، وعلى لسان شارون، شريكا في <إحداث الانطلاقة نحو السلام>. في تلك المحادثة من يوم السبت (22 شباط) <نسي> شارون إعلام متسناع بنيته ضمّ حزب <يساري> آخر لائتلافه الجديد: <الاتحاد القومي>، حزب افيغدور ليبرمن.
<الزواج بين متسناع وشارون كان محكوماً للفشل بطبيعة الحال>، يضيف فرتر المراسل الحزبي في <هآرتس> (24 شباط). <اعتقدَ شارون أن سحره الشخصي سيؤدي المهمة، وأن متسناع "اليساري" سيقع اسيراً للكلمات الجميلة والوعود الغامضة. بالمقابل، اعتقد متسناع انه سينجح في الحصول على توقيع من شارون على وثيقة خنوع كانت ستحوله الى مرشح طبيعي لقيادة الحزب الاشتراكي الديموقراطي، الى جانب يوسي سريد ويوسي بيلين. ولعل الاثنين لم يفكرا بهذه الطريقة حقاً. ولعل ذلك كان مجرد استعراض، وضريبة كلامية لازمة في هذه الايام، او محاولات متبادلة لتحميل المسؤولية كل للآخر>.
لكن المفاجأة الأكبر، في حقيقة الأمر، لم تكن في هذه الواقعة وحدها. فقد كان التنازل التاريخي لشارون عن <الحرديم> مفاجأة كبرى لدى الكثير من السياسيين الاسرائيليين المجربين، ممن آمنوا بأن ذلك لن يحدث أبداً. وفي ذلك تبدو حسابات شارون غير حسابات شركائه التاريخيين. فهو يرى ان حكومة مع <شينوي> عن يساره و <المفدال> عن يمينه ستوسع مجال المناورة لديه، في المجالين الرئيسيين الأكثر إلحاحاً على الأجندة الاسرائيلية في العام 2003: السياسي والاقتصادي. شارون يملك <اليسار> في حكومته الجديدة، ويملك اليمين أيضاً. وعندما يتطلب الامر، سيتجاوزهما عن اليمين وعن اليسار.
<الحرديم> يهددون بالانتقام. لكن قوّتهم لن تكفي في معارضة ممزقة. سيستصعبون ايجاد لغة مشتركة مع النواب العرب، او <ميرتس> او <العمل>.
* خيار <شينوي – المفدال>
كان رئيس بلدية القدس الغربية المستقيل عضو الكنيست ايهود اولمرت احد المحركين الرئيسيين نحو خيار <شينوي – المفدال>. فقد نجح خلال عشرة ايام من المفاوضات بالتقريب بين حزب ديني متطرف وحزب <اولترا – علماني>. لكن شارون لم يكن بحاجة لأن يكون مضغوطاً أكثر من اللازم: انه يحس بالراحة في الوسط، <شينوي> عن يساره و <المفدال> و <الاتحاد القومي> عن يمينه، لذلك لم يكن التنازل عن <الحرديم> صعباً. فقد <شبع> منهم في حكومته الاولى: <شاس> أطعمه المرّ في الميزانية الى ان اضطر الى اقالة وزرائه، و <يهدوت هتوراه> فرض عليه قوانين لا يؤمن بها.
ومن شأن حكومة مع <شينوي> واليمين المتطرف ان تساعد على تمرير الميزانيات التي يريدها شارون، وعلى تمرير التقليصات التي هو معني بها كذلك. هذه هي ميزة حكومة تتبنى خيار <شينوي – المفدال>، حيث لبيد وايتام وليبرمَن شركاء مخلصون في التقليصات. عندما يصل الامر الى المفاوضات السياسية، ستبدأ الامور بالتعقد. قبل هذا الفصل سيكون <شينوي> قد خاض تجربة التمأسس في مواجهة معارضة <العمل – ميرتس>، اللذين <سيُمرّران عيشته> في قضايا الدين والدولة في الاساس.
وقد ترددت في الجهاز السياسي تقديرات بأن شارون ذهب الى هذا الخيار لكي يسهل عليه التخلص عندما يحين الوقت من الحزبين اليمينيين <المفدال – الاتحاد القومي> لإفساح المجال لدخول <العمل> الى حكومته. وفي ذلك يكتب فرتر في <هآرتس>: <ذلك يبدو مغرياً، لكنه غير منطقي. فلو كان راغباً – لَصَنعَ ذلك الان، ولجنّبَ نفسه أزمةَ نصفِ الدورة الائتلافية التي قد تتسبب بسقوطه>.
* عودة الى متسناع
في الفصل التفاوضي القصير بين شارون ومتسناع بدا الاخير في حالة صعبة للغاية، يصح عليها توصيف احد كبار المفاوضين من <الليكود> عندما قال: <متسناع كالعذراء، التي تريد لكنها خائفة>.
بعد اعلان الطلاق على ورقة زواج غير موقعة مع شارون، توجه متسناع الى مركز حزبه معتقداً انه سيحظى باستقبال الابطال هناك، كونه كشف عن <وجه شارون الحقيقي>. لكن، بدلاً من التصفيق العاصف واجه متسناع كتلة متذمرة يغمرها الاسى والحقد والاحباط. <كلهم كانوا محبطين، مثل المدمنين المصابين بنوبة كريز. نوبة المدمن على السلطة>، قال عضو الكنيست ايتان كابل.
فرتر: <السكاكين التي ورد ذكرها عشية الانتخابات، والتي بقيت في غمدها بعدها، استلت في ذلك الاجتماع بصورة صاخبة. متسناع، الذي تملص بسهولة من تحمل المسؤولية عن الفشل في الانتخابات، مرَّ بشيء شبيه بالمؤامرة. فقد شكك الزملاء بصدقية تقاريره عن المفاوضات مع شارون>.
كان ابرز هؤلاء عضو الكنيست شمعون بيريس، الذي قال ما معناه ان اوري شاني (المفاوض الاول عن <الليكود>) أصدق من متسناع. لكن مقربي متسناع ردوا قائلين بسخرية: <هذا الشخص، لو أن عضو الكنيست ليبرمن شكل حكومة لهرول اليه متوسلا تعيينه وزيرًا للتجارة والصناعة لديه>. عضو الكنيست داليا ايتسيك اوضحت له انه ليس <صاحب البيت>. وعضو الكنيست بنيامين بن اليعيزر ذكّره بالفشل في حيفا في الانتخابات. وعضو الكنيست متن فلنائي احتج على تحركات متسناع والاتصالات التي اجراها وعلى <خطه اليساري> ايضا.
* الملابسات التي سبقت الفشل
وهكذا تبين، بعد ثلاثة لقاءات وعدد لا حصر له من الاتصالات من وراء الكواليس، أن الظروف لم تنشأ بعد للتعاون بين متسناع وشارون، وان الاتصالات لاقامة حكومة وحدة وصلت الى طريق مسدود.
وفي ذلك يتهم الطرفان بعضهما بعضا بالفشل. وفي يوم السبت دارت اتصالات هاتفية بين الطرفين، ولا سيما بين سكرتير عام حزب العمل، اوفير بينس، ورئيس طاقم المفاوضات الائتلافية عن الليكود، اوري شني، وحاول الرجلان التوصل الى صيغة متفق عليها لاعلان نوايا مشترك لزعيمي الحزبين. ولكن من دون طائل.
وقد أصر بينس ومتسناع على طرح كل المواضيع السياسية التي جرى الحديث فيها في اللقاءات كتابياً، وان يوقع عليها شارون كجزء من الاتفاق الائتلافي. ولكن اوري شاني حاول التملص والقول بان هناك امورًا لا يمكن التوقيع عليها أبدًا. مثل إزالة المستوطنات وتقليص الميزانيات والمفاوضات الفورية مع الفلسطينيين.
في سياق السبت جرت اتصالات بين الطرفين في محاولة لايجاد صيغة لإعلان النوايا المشترك. وكانوا في <الليكود> على استعداد لان يكتبوا انه في نهاية المطاف <ستنشأ دولة فلسطينية>، ولكن من دون الالتزام باخلاء المواقع الاستيطانية او تقليص الميزانيات. اما في <العمل> فلم يتنازلوا.
ورغم الخلافات لا يزال هناك من يؤمن بانه ستقوم حكومة وحدة. مسؤولون كبار في <العمل> تحدثوا في الاونة الاخيرة مع متسناع قالوا: <انه اكثر قرباً للدخول الى الحكومة منه الى محاسبة نفسه>. اما المقربون من متسناع فقالوا: <لم يتغير شيء. متسناع لم يذهب الى الوحدة. ينبغي ان يحصل شيء دراماتيكي جدًا كي ينكث متسناع وعده للناخب>. ويبدو انه في هذه المرحلة أفلح متسناع في الهرب من <عناق الدب> الذي اعده شارون.
وفي العمل غاضبون من ان متسناع رغم انه قبل اسبوعين فقط عقد المكتب السياسي لحزبه وقرر عدم اجراء مفاوضات مع <الليكود>، الا انه يلتقي شارون وعملياً يجري معه مفاوضات. وقال النائب ابراهام بورغ الذي يعتزم <القتال حتى الموت> اذا ما قاد متسناع الامور نحو الوحدة: <لست مستعدا ان يطعن بصدقيتي الجماهيرية. فلا يمكن اجراء التفافة حذوة حصان دون بلاغ مسبق>.
* مطالب العمل:
الاستعداد للتوصل الى تسوية دائمة مع الفلسطينيين في الولاية الحالية.
استئناف للمفاوضات السياسية مع الفلسطينيين وتشكيل طواقم للتفاوض فورا.
تأييد اقامة دولة فلسطينية في اطار التسوية الدائمة.
تجميد البناء في المستوطنات.
ايجاد حل فوري للمواقع الاستيطانية غير القانونية في المناطق.
تقليص ميزانية المستوطنات تحويلها الى مشاريع داخل الخط الاخضر.
اقامة جدار الفصل من بيسان وحتى عراد.
توقيع رئيس الوزراء شارون كتابيا على موافقته على كل المطالب آنفة الذكر.