البرامج الإخبارية الثلاثة في القنوات التلفزيونية المركزية الثلاث في اسرائيل اختارت التزود بمعلقين مساعدين استعدادًا للحرب الوشيكة على العراق. العنصر الأساسي في هوية الثلاثة جميعاً هو الماضي العسكري – "الموسادي": ايتان بن الياهو وعاموس مالكا هما جنرالان سابقان في الجيش، ورؤوفين مرحاف، من "الموساد". هذه الحقيقة تشكل مرحلة اخرى في عسكرة الأعلام الأسرائيلي، منذ اندلاع الأنتفاضة.النقطة المركزية هي الفرق الحاسم بين البرامج السياسية التي تشرح "السياسي" وتفسره وبين الأخبار (نيوز). تأثير البرامج السياسية ليس كبيرًا جدًا. فالمشاهد يدرك انه يشاهد خليطاً (سوبرماركت) من المواقف - يسار، يمين، متدينين (حريديم)، علمانيين - وتساعده منظوماته الدفاعية على الفهم ان لكل متحدث موقفاً مسبقاً يأتي الى البرنامج لترويجه.
اما في كل ما يتعلق بالأخبار، فالمسألة مختلفة تماما. ذلك ان المشاهد يتلقى النشرة الأخبارية دون أي موقف نقدي. الأخبار لا تفسر الواقع. الأخبار تنتج الواقع. المعلقون في النشرات الأخبارية - وبخاصة العسكريون منهم، الذين يعرفون كل ما لن يستطيع المشاهد معرفته، ابدًا - هم ليسوا معلقين. انهم "منتجو واقع معين". انهم يشكلون - ظاهريا - صوتاً موضوعياً، خالٍ من أي تسييس، يحكي رواية حدثت بالفعل ثم يفسرها للمشاهد.
في ما يتصل بالحرب الوشيكة، استغلت النشرات الأخبارية - ولا تزال تستغل - هذا الرصيد من الهيبة بصورة تضليلية، بإخلائها الحلبة لنوع واحد من التعليقات: العين العسكرية. المعلقون الجدد ينتجون واقعا لا يستطيع فيه المشاهد الا ان يفهم الحرب في العراق كحملة عسكرية خالصة ضد الإرهاب.
وماذا يبقى في الخارج؟ كل شيء. يبقى الجانب الأخلاقي للحرب، التغييرات التي قد تحصل في العالم العربي، كيف سيقيمون نظاما جديداً، دمقراطيًا، في دولة ليست فيها تقاليد دمقراطية. ويبقى في الخارج ايضًا اللقاء العنيف المقبل بين الغرب وبين الفضاء العربي، والتوجهات التي سيعززها في العالم العربي. بدلا من الإستعانة بأشخاص يوضحون الواقع الآيل الى الأنفجار والمتعدد الدلالات بكل عمقه، تلجأ النشرات الأخبارية الى تقليص مساحة الإهتمام وتقدم للمشاهد منظارًا اساسيًا واحدًا من التحليلات لكل الأحداث - المنظار العسكري.
تماما كما حصل في ايام اوسلو السعيدة، حين لم تقدم النشرات الإخبارية للمشاهدين الإسرائيليين الرؤية العربية لنبوءة بيرس بشأن الشرق الأوسط الجديد - خوف وهلع من وضع افتراضي يكون فيه الفضاء العربي ليس اكثر من فرع اوروبي رأسمالي - هكذا الآن ايضًا، سقوط العراق الوشيك واحتلاله بأيدي الغرب هو بمثابة تحقق كابوس بالنسبة لكثيرين من العرب. ولكن حين يقتصر المعلقون ذوو الماضي العسكري المواجهة على انها مواجهة بوش ضد صدام، وامريكا ضد العراق، والمارينز ضد الحرس الجمهوري - تتلاشى وتختفي كل آفاق التحليل والتفسير الأخرى التي يفترض فيها توسيع الصورة لنا. اسرائيل تواصل النظر الى الشرق الأوسط، اساساً، من خلال فوهة العجرفة العسكرية. انها تواصل الصمم حيال المخاوف العربية من التمغرب والعولمة وفقدان الهوية الحضارية.
هذا العمى، الذي ترسخه بتطرف، هذه الجماعة من المعلقين الجدد - القدامى الثلاثة، لا يتيح لمشاهد النشرات الأخبارية فهم شيء، ولو القليل، عن الفضاء الثقافي - السياسي - الإجتماعي الذي يعيش فيه. انه مرض تكابده أسرائيل منذ قيامها. لكنه ان كان في السابق مبرَّرًا، فليس ثمة أي مبرر له اليوم.
النشرات الإخبارية في اسرائيل، التي تجلب الواقع من الخارج الى غرف الصالون، ينبغي عليها تفسير العالم الذي من حولنا بمفاهيم اخرى، غير عسكرية. لا يمكن الإنغلاق كل الوقت عن الفضاء الذي يلف اسرائيل ويحيط بها. واجب النشرات الإخبارية ليس ان تكون فرعًا آخر للناطق الرسمي بلسان الجيش، وانما ان تكون اداة مدنية تنقل المعلومات الى المجتمع المدني في اسرائيل.
هذا كله لا يتعلق بالموقف من الحرب، معها او ضدها. المشكلة اكثر عمقاً واتساعاً وإقلاقاً: لا يجوز القبول باستمرار هذا الوضع الذي تتخلى فيه اسرائيل، كلياً، عن صبغتها المدنية وتنبعث من جديد كدولة عسكرية، في كل مرة تنشأ فيها حالة طوارىء معينة. ان مصادرة النشرات الإخبارية لصالح ممثلي المؤسسة العسكرية في اوقات الطوارىء - بالمناسبة، ما هو التعريف الدقيق لحالة الطوارىء؟ - تفرغ الأخبار من كل ما يفترض ان تقدمه وترمز اليه في النظام الديموقراطي، ثم تتركنا في منازلنا جالسين قبالة التلفاز متسربلين بذلك الدوبون العسكري القديم والمعروف من الخدمة الأخيرة في الإحتياط.
("معريف" ـ 23/2، ترجمة: "مدار")