تنبأوا ما تريدون عن الحكومة الـ 30 لدولة اسرائيل، يبقى أمر واحد مؤكد: انها سوف تزودنا بإثارة واهتمام كبيرين.المزاوجة بين لبيد وأيتام، مع ليبرمان علاوة عليهما، تبدو - ظاهريا - كوصفة لبرنامج صراخ في التلفزيون، لا كقاعدة لحكومة ستخرج الدولة من الوحل.دارت المفاوضات، حتى يوم الجمعة الأخير، في مسارين متوازيين - واحد في منزل وزير المالية الموعود ايهود اولمرت، والثاني بواسطة اوري شاني. اولمرت تركز في "شينوي" و "المفدال"، وشاني – في "شاس" و "العمل". حتى منتصف ليلة امس، حين استدعاهم شارون جميعًا الى القدس، كان يبدو ان مسار اولمرت هو المنتصر.
هل ثمة قاسم مشترك بين طرفين مثل لبيد وأيتام؟ الجواب ايجابي.القاسم المشترك الأول هو الجوع الكبير للسلطة. شارون هو بطل في اكتشاف وتحديد نقاط ضعف كهذه، ربما لأنها تذكره بسنوات جوعه هو. فقد اكتشف لدى لبيد انهراقاً كبيرًا للإنضمام الى الحكومة، ناجماً عن سِنّه المتقدم او ربما عن حظه الذي لن يتكرر في صناديق الإقتراع، كما اكتشفه بكميات اكبر بكثير حتى، لدى ايفي أيتام.
القاسم المشترك الثاني بينهما هو العزلة. فكلاهما ليس له جذور عميقة في كتلته. عاجلا ام آجلا سيحصل تمرد ضدهما. لذلك ادرك شارون ان عليه فطم الحزبين بحقائب وزارية. المقياس الذي تحدثوا عنه في البداية - وزير لكل 5 أعضاء كنيست - ألقي الى سلة النفايات، كما كان مصير التعهد بتشكيل حكومة من 18 وزيرا فقط. فقد كان شارون سخياً جدًا، الى درجة المخاطرة بحصول تمرد داخلي في "الليكود".
القاسم المشترك الثالث هو المرونة الأيديولوجية. فالإتفاق الذي تم التوصل اليه بين "المفدال" و "شينوي"، يدل على مدى عدم الجدية والضحالة في كفاح "شينوي" ضد الأحزاب الدينية وتأثيرها. "قانون هلبرت" الذي تم الأتفاق على الغائه هو قانون بالأسم، حبر على ورق، ليس الا: فالحكومة السابقة افرغته، تدريجياً، من جزء كبير من دلالاته وتجلياته المالية. و "قانون طال" الذي سيتم الغاؤه ايضا، كان ثمرة ضغط العلمانيين وليس المتدينين. فقد ميز هذا القانون، بشكل فضائحي، لصالح المتدينين، لكنه فتح ثغرة لإمكانية خروجهم الى سوق العمل. وسنرى كيف يمكن لهذه الأحزاب ان تنجح في ايجاد قانون جديد يضمن تجنيد المتدينين في الجيش.
الإنجازات الحقيقية لكلا الحزبين هي في ما لم يكتب في الأتفاق: "شاس" في الخارج. وكذلك "يهدوت هتوراة"، على ما يبدو: هذا هو الإنجاز الأكبر لـ "شينوي". المستوطنات في الداخل، جميعها وحتى تلك غير القانونية منها: هذا هو انجاز "المفدال" الأكبر.
لم يكن لبيد يسارياً في يوم من الأيام. الإحتلال، المستوطنات، الدمار الذي حصل للأقتصاد؛ كل هذه الأمور ليست على جدول اعماله. إيتام لن يذرف دمعة على "شاس". ما لهذا التائب الأصولي من كيبوتس "عين غيف"، وللحريديم الشرقيين؟
لبيد وناخبوه سيفرحون، بلا شك، حين يسمعون ان الحاخام عوفاديا يوسيف أصيب بذعر شديد من تشكيل هذه الحكومة. انه يشعر بتعرضه للخيانة. ايلي يشاي اختار مهاجمة لون الحكومة: فيها اشكنازيون اكثر من اللازم. انه يؤمن بأن هذه الحكومة مؤقتة. سيضطر شارون الى استدعائه، قريباً، ان شاء الله.
في البداية اراد شارون حكومة على اساس الشراكة مع حزب العمل. المفاوضات جمعت بين شخصين مختلفين في طبائعهما وفي تجربتهما الحزبية. شارون ومتسناع، مثل الزيت والماء. لا عجب ان بيرس لايستطيع فهم سبب عدم توصلهما الى اتفاق. ما المشكلة؟ يجلس شخص معين، حاييم رامون مثلا، مع اوري شاني، فيكتبان نص اتفاقية.
الضحية في موضوع المفاوضات هو ليس متسناع، وانما سيلفان شالوم. أراد وزارة المالية - ولم يرد. استوعب، نوعاً ما، ترشيح يعقوب فرنكل، الذي سقط بالسعة نفسها التي عرض بها. لم يستطع استيعاب ترشيح اولمرت، وفجأة اكتشف أن جميع الحقائب ربما أصبحت محجوزة: الخارجية لنتنياهو، المالية - كما يبدو - لأولمرت، والداخلية - ألطف يا رب - لشينوي. ها هو سبب جيد للحرب، دون ان نتكلم عن الحروب الأخرى التي ستنفجر، حين يكتشف وزراء الليكود انه لم يبق لدى شارون ما يوزعه غير القليل القليل.
ناحوم برنياع ("يديعوت احرونوت" ـ 24/2)
ترجمة: "مدار"