على الرغم من أن نتائج الانتخابات الاسرائيلية تُظهر حسمًا واضحًا وقاطعًا، فيما يخص موازين القوى بين اليمين واليسار والمركز، إلا أن مهمة تشكيل الحكومة التي تنتظر أريئيل شارون، رئيس الحكومة، قد تكون الأصعب في الحياة السياسية الاسرائيلية حتى الآن. ويعلم شارون أن الأمكانيات المطروحة أمامه، ليست بالبراقة أو المريحة، وهو بالتالي صرح بما يلائم الوضع: إذا كان الخيار بين حكومة يمين ضيقة وبين تبكير الانتخابات، فإنه سيلجأ إلى الخيار الثاني. مثل هذ التصريح يضع باقي الأحزاب في حالة ضغط. فليس هناك حزب –بما في ذلك "الليكود"، المنتصر الأكبر- مستعد لدخول إنتخابات جديدة بعد أربعة أو خمسة أشهر من الآن.
من الجهة المقابلة، تحاول الأحزاب التي يغازلها شارون أن تناور في المساحة الضيقة التي خلقتها نتائج الانتخابات، وهناك من يحاول أن "يأكل الكعكة ويبقيها كاملة"، كما تقول العبارة الاسرائيلية الشائعة.
فيما يلي إستعراض لمواقف "الليكود"، "العمل"، "شينوي" و"شاس"، فيما يخص تركيبة الحكومة القادمة وطابعها.
• "الليكود": شارون معني بحكومة وحدة وطنية، تشمل "العمل" و"شاش"، بالاضافة إلى "شينوي" إذا أمكن. شارون يريد هذه الحكومة بأي ثمن. فيما لو اضطر لتشكيل حكومة يمين فإنه سيهتم بأن يعرف جميع المصوتين في الدولة أن "العمل" هو الذي جرّ الدولة إلى إنتخابات أخرى. المثير للانتباه هو أن بعض الوزراء من "الليكود" يفضلون حكومة يمين، وبالتالي قد يستطيعون إحراج شارون في داخل "الليكود" نفسه. نتنياهو سيستغل هذا الأمر في برايميرز "الليكود"، في حالة تبكير الانتخابات مرة أخرى، للتدليل على "يسارية" شارون وعجزه عن تشكيل حكومة. الاعتبارات الداخلية في "الليكود" حول توزيعة الكراسي الوزارية تلعب دورًا هامًا هنا أيضًا: فيما لو منح شارون حقيبة الخارجية لـ "العمل" في حالة إنضمامه، فإن نتنياهو سيتحول إلى زعيم "المعارضة" داخل "الليكود". نقطة أخرى تُضاف إلى مساعي شارون لتشكيل حكومة وعدم تبكير الانتخابات هي مسألة التمويل: سنتان في الكنيست لـ "الليكود" ستضمنان له القضاء على كل ديونه وتحويله في السنة الثانية إلى أغنى حزب في إسرائيل، كل ذلك من ميزانية تمويل الأحزاب (1.2 مليون شيكل سنويًا لكل عضو كنيست). أمام شارون (42) يومًا أبتداءً من الخامس من الشهر القادم لتشكيل حكومة. شارون سيستغل كل يوم من أجل تهيئة الرأي العام لإلقاء اللوم على "العمل"!
• "شينوي": طومي لبيد، زعيم "شينوي"، يخطط لتفعيل "ضغط جسدي معتدل" على "العمل". لبيد يريد حكومة وحدة علمانية. لبيد بحاجة للدخول إلى الحكومة من أجل تفعيل قوته الانتخابية على شكل إنجازات وميزانيات وتطبيق للوعود. عدم دخول "العمل" إلى حكومة وحدة علمانية سيضرّ بـ "شينوي" كثيرًا. من أجل ذلك يخطط لبيد ونوابه لتفعيل ضغط نفسي على أعضاء "العمل"، وحتى تنظيم مظاهرة حاشدة أمام مقر "العمل" لارغامهم على الانضمام للحكومة. هذه نقطة أخرى ضد "العمل" في حالة تبكير الانتخابات مرة أخرى. "العمل" سيكون المذنب الأكبر. من جهة أخرى، وفيما يخص الحريديم والمتدينين، فقد بدأ لبيد بكسر الجدار العازل الذي نصبه عاليًا في المعركة الانتخابية، بينه وبين الأحزاب الحريدية. أول ضربة لتصديع هذا الجدار هو ما يسمى بـ "حكومة طوارئ". هذه الحكومة ستقام في حالة إندلاع حرب قريبة. كلنا نعرف أن الحرب وشيكة وباستطاعة شارون أن يضيف إلى الحرب على العراق تصعيدًا أرعنَ على الجانب الفلسطيني، مثل إحتلال قطاع غزة وحتى إبعاد الرئيس ياسر عرفات. عندها ستنشأ الظروف لتشكيل "حكومة طوارئ" ولن يضطر لبيد لتفسير إنضمامه لحكومة مع حريديم. أفرهام بوراز، رقم 2 في "شينوي"، صرّح صباح اليوم ما يمكن فهمه على أنه تأشير لـ "العمل" بأن إنضمام "شينوي" إلى حكومة وحدة بدون "العمل" هو أمر واقعي في نهاية الأمر. من جهة أخرى قال يوسي باريتسكي ويهوديت نؤوت، نائبا "شينوي"، إن على شارون أن يتخذ قرارًا مصيريًا وأن يقرر بين "شينوي" وبين "شاس". "شينوي" في هذه الأيام تلعب على مسارين أساسيين: دفع "شاس" إلى الخارج ودفع "العمل" إلى الداخل.
• "شاس": في "شاس" يعون جيدًا الوضع الجديد الذي طرأ عليهم. من (17) مقعدًا إلى (11) مقعدًا فقط. القوة التي كانت لديهم في السابق تقلصت جدًا. في ليلة يوم الانتخابات وقف يهودا أفيدان، ممثل "شاس" في لجنة الانتخابات المركزية، وقال: "غدًا مساءً، عندما ستقفون أمام شاشات التلفزيون لتروا النتائج النوذجية... لا أعرف ما هو عدد المقاعد التي سنحصل عليها. لا يهمني كم... ولكن مهما كانت النتيجة عليكم أن تفرحوا فرحًا كبيرًا، لأن الجميع توقع لنا تحطمًا كبيرًا". هذه النفسية هي السائدة اليوم في "شاس". هم يعلمون أن عليهم الاكتفاء بما يُعطى لهم من حقائب وزارية، وربما عليهم أن يتذللوا قليلا من أجل ذلك. الراب عوفاديا يوسيف، زعيم "شاس" الروحي، يرغب جدًا في الدخول إلى الحكومة. هناك مؤسسات تعليم وتربية دينية بحاجة إلى نقود. الكثير من النقود. في "شاس" يشددون على أنهم لم ينفوا أبدًا الجلوس في الحكومة مع أي حزب، وأيلي يشاي يأمل في أن شارون لن يستطيع إقامة حكومة بدون "شاس". وحاليًا أرييه درعي يجلس جانبًا، وينتظر...
• "العمل": من موقعه في حضيض الهزيمة، يطل عمرام ميستناع على ما لا يريد. كل شيء يبدو ضده: عدد مقاعد "العمل"، عدد مقاعد "الليكود"، عدد مقاعد "شينوي"، عدد مقاعد "ميرتس"، عدد الذين ينتظرونه في بيت حزب "العمل" ليقوم بالخطأ الأول. حاليًا، لم يقم "السّكاكينيون" في "العمل" لينقضوا عليه في "اليوم الذي يلي" (كما حصل مع شمعون بيرس وأيهود براك). من يريد أصلاً أن يتورط في قيادة حزب متحطم مثل "العمل" اليوم؟ ربما عليهم الانتظار قليلا لاستشعار جهة هبوب الرياح. من جهة متسناع فإن عليه أن يعمل جاهدًا الآن على أمرين: تثبيت مكانته الداخلية في "العمل" ومحاربة الدعم لحكومة مع شارون. من أجل ذلك التقى مع عشرة من نواب ونواب سابقين من حزب "العمل". بالذات، يبدو أن بنيامين بن إليعيزر هو الذي يقف إلى جانب متسناع في معارضته للانضمام إلى حكومة شارون، من دون الشروط المسبقة التالية: البدء بمفاوضات فورية، إنهاء الجدار الفاصل وتمرير ميزانيات للطبقات المسحوقة. "عندها سيكون عمّا نتحدث عنه". بيرس بدا أمس أكثر ضبابية: "هناك حاجة أولا لائتلاف أفكار، ومن ثم لائتلاف أحزاب. من جهة أخرى سيلتقي متسناع اليوم مع لبيد، زعيم "شينوي"، وسيعرض عليه التعاون في صفوف المعارضة تحت قيادته، كزعيم للمعارضة. في "العمل" يأملون بألا يتنازلوا في "شينوي" عن رفضهم الانضمام إلى حكومة شارون، لأن ذلك قد يمس بتصميم أعضاء "العمل".
وأمران اثنان: هناك أصوات في "العمل" تخشى من أن ينجح شارون في تجزئة "العمل" لحثّ قسم منهم على الانضمام إلى حكومته؛ والأمر الثاني: "العمل" لا يرى نفسه الآن جزءًا من فكرة "الحزب الاشتراكي الديمقراطي"، لأنه سيكون من الجنون بمكان "أن يضع ‘العمل‘ نفسه نهائيًا في اليسار، في الوقت الذي تتجه فيه الدولة إلى اليمين". يتضح نهائيًا أن متسناع لم ييأس من إحتمالات إعادة "العمل" ليكون حزبًا مركزيًا وربما منافسًا لـ "الليكود" في المستقبل. من أجل ذلك هو بحاجة لالتقاط الأنفاس في المعارضة، بعيدًا عن شارون وبعيدًا عن اليسار. ولكن هل سيمنحه محبّو الوحدة في حزبه هذه المتعة؟..