وجهة نظر إسرائيليةبقلم بروس ميدي – فايتسمان
من أكثر المظاهر الحافلة بالتناقضات للمواجهة الإسرائيلية الفلسطينية مواقف وميول الرأي العام الإسرائيلي. وتظهر استطلاعات الرأي باستمرار أن غالبية أفراد الجمهور مستعدة للقبول بشكل عام بمبادئ كلنتون لإحلال تسوية، وهذه المباديء تستدعي إنشاء دولة فلسطينية وتفكيك المستوطنات، ونوعا من تقسيم القدس. وفي غياب تسوية قائمة على التفاوض، فإن نسبة أكبر من القطاع اليهودي تفضل مبدأ الفصل من جانب واحد وإنشاء حدود أمنية وتجميع المستوطنات في كتل قليلة رئيسية.
ويؤمن حزب العمل، بقيادة عمرم متسناع، بقوة بكلتا هاتين الفكرتين، بينما يفضل رئيس الوزراء أرئيل شارون، في أحسن الأحوال، حلا محدودا بشكل أكبر بكثير، وانتقاليا على المدى البعيد، ولكن ليس قبل أن يتجنب الفلسطينيون العنف ويتعهدوا بالقيام بإصلاحات جذرية. ومع ذلك ففرص متسناع في إقصاء أرئيل شارون والحيلولة دون تسلم ائتلاف بقيادة الليكود الحكم تبدو ضئيلة، إذ يرفض الجمهور بعناد تحميل شارون مسؤولية المستوى غير المسبوق للضحايا المدنيين الإسرائيليين ومسؤولية التدهور الاقتصادي على مدى السنتين الفائتتين. لا بل إن مستوى القسوة الذي اصطنعه شارون في خوض الصراع يلقى قبولا من جانب الجمهور الذي بات يرى الجانب الفلسطيني، وياسر عرفات تحديدا، المسؤول عن الحرب. في الوقت نفسه تستمر أغلبية من الجمهور الإسرائيلي في تفضيل صيغة حكومة الوحدة، ويبدو مرجحا أن هذا الميل سيستمر. ولاسيما إن كانت الحكومة بقيادة الليكود مع وجود حزب العمل فيها شريكا أصغر، لكن مهما.
على المدى القريب فإن هذه الحقيقة لا تتيح أملا لأولئك الفلسطينيين الذين يؤثرون العودة إلى طاولة المفاوضات على أساس خطة كلنتون. لقد استمد الفلسطينيون البراغماتيون والليبراليون أملا من واقع نجاح متسناع في الانتخابات الداخلية لحزب العمل، إذ إن هذا التطور اعتبر مؤشرا إلى أن قطاعا مهما من الجمهور الإسرائيلي كان يبحث عن مخرج من الهاوية التي ينحدر فيها المجتمعان كلاهما. ذلك الانتخاب عزز ميلا لديهم لإعادة تقييم الاستراتيجية الفلسطينية، ولوضع حد للعمليات الانتحارية والعودة إلى تكتيكات أقل عنفا تقوم على المشاركة الجماهيرية كما كان الحال في الانتفاضة الأولى.
لا شك في أن هجمات إرهابية كبيرة من شأنها أن تزيد دعم الجمهور الإسرائيلي لخط شارون المتشدد. وبالمقابل فإن قيام القيادة الفلسطينية بالترحيب بقوة وعلنا بمتسناع، ناهيك عن الترويج له في أوساط الإسرائيليين الفلسطينيين، سوف يدفع الناخبين اليهود باتجاه اليمين أكثر فأكثر.
ولكن حتى لو أن الفلسطينيين "أحسنوا السلوك" في الأسابيع الستة المقبلة فإن فرص هزيمة شارون تبدو صغيرة. إن إيمان الإسرائيليين بحسن نية الفلسطينيين قد تعرض لضربة قاصمة (والعكس صحيح أيضا)، مما يعني أنه ليس متوقعا حدوث تحولات سريعة باتجاه مواقف أكثر تصالحية. سيكون خطأ أن يفسر الفلسطينيون إعادة انتخاب شارون على أنها تبديد للأمل الأخير في تحسن الوضع. رغم أنهم الطرف الأضعف، فإن ما يفعلونه يؤثر، وسوف يستمر في الإسهام في تشكيل معالم النزاع بما في ذلك طبيعة السياسات التي ستنتهجها الحكومة الإسرائيلية الائتلافية المقبلة.
وكما أن الفلسطينيين مهتمون جدا بالحوار الداخلي في إسرائيل فإن آذان الإسرائيليين تصيخ السمع إلى الخطاب الفلسطيني، من سري نسيبة إلى حماس. هذا الخطاب، حسبما يفهم الإسرائيليون، لا يعتبر استهلالا لتليين جذري للموقف الفلسطيني، لا تكتيكيا ولا استراتيجيا. ما يفهمه الإسرائيليون هو أن نسيبة متقدم كثيرا عن الموقف الفلسطيني العام فيما يتعلق بالخطوط الحمر في اعتبار إسرائيل، والمتمثلة في حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وأراضيهم في إسرائيل حسب حدود ما قبل 1967.
هناك اعتقاد سائد داخل فتح بأن العنف يدك جهود شارون وأن وقف العنف سيكون تنازلا لا مبرر له لإسرائيل (وهذا الموقف صورة أخرى لرفض إسرائيل "مكافأة الإرهاب" بإزالة المستوطنات والانسحاب من غزة). إن تفضيل قطاعات داخل حماس والجهاد الإسلامي لحكومة إسرائيلية يمينية ضيقة، وتصميم السلطة الفلسطينية على تجنب اقتتال فلسطيني كبير، يشيران إلى أن العنف الفلسطيني والرد الإسرائيلي عليه باستخدام القوة سيستمران في تشكيل دينامية النزاع.
وماذا عن عرفات؟ مهما انتقد الفلسطينيون عرفات همسا، ومهما توصل البعض إلى الإدراك أنه جزء من المشكلة، فإنهم يبقون غير مستعدين و/أو غير قادرين على التقليل من مركزيته سواء كرمز لكفاحهم أم كقائد لمؤسساتهم التي غدت متداعية الآن. والإسرائيليون، من جانبهم، يعتقدون كلهم تقريبا أن عرفات فوت الفرصة التاريخية لعقد اتفاقية سلام مشرفة، وأنه غير جدير بالثقة. ومن هنا فإن إعلان متسناع عن استعداده لاستئناف التفاوض مع السلطة لفحص نواياها قوبل باستياء في إسرائيل وألحق الأذى بمتسناع سياسيا، ومن جهة أخرى فإن مزيجا من لهجة متسناع الصريحة غير المألوفة والطبيعة الوسطية لقائمة حزب العمل للكنيست قد يقويان فرصه في أوساط الناخبين المعتدلين.
إن نهاية رسمية وقاطعة للنزاع الذي دام مئة سنة، ناهيك عن مصالحة تاريخية بين الشعبين، هي أمر غير وارد. ومع ذلك فبعد سنتين من المواجهة العنيفة، والابتعاد عن القيم الإنسانية ومن التوحش، يبدو أن الإسرائيليين والفلسطينيين يقتربون من مفترق. لا شك في أن هناك عوامل خارجية ستؤثر بشكل كبير على التطورات في الأشهر القادمة، ولاسيما الحرب الأميركية التي تلوح في الأفق ضد العراق، وأثر هذه التطورات على جميع الأطراف المعنية. وأما الانتخابات الإسرائيلية نفسها فمن غير المرجح أن تؤدي إلى تحول جذري في العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية. ولكن الفترة القادمة سترغم المجتمعين، وترغم النخب السياسية والثقافية فيهما على وجه الخصوص، على مواجهة خيارات صعبة داخليا وتجاه المجتمع الآخر.
الكاتب زميل بحث مميز في مركز موشيه دايان للدراسات الشرق أوسطية والإفريقية بجامعة تل أبيب، وكان محررا على مدى السنوات السبع الماضية للمسح المعاصر السنوي للشرق الأوسط الذي يصدره المركز. وقد نشر مؤخرا "النخبة الثقافية الفلسطينية والإسرائيلية في ظل أوسلو وانتفاضة الأقصى"، بحث رقم 14، مركز تامي شتاينمتز لأبحاث السلام، جامعة تل أبيب، 2002.