لا يجوز التعاطي مع تبعات القرار الذي اتخذته الحكومة الإسرائيلية خلال جلسة خاصة عقدتها في هضبة الجولان السورية المحتلة يوم 26 كانون الأول 2021 وصادقت فيه على "خطة تطوير" استيطانية في هذه الهضبة وفي مستوطنة "كَتْسرين"، تنصّ على استثمار مئات الملايين من الشواكل من أجل مضاعفة عدد السكان في المنطقة خلال الأعوام المقبلة عبر إقامة وحدات سكنية جديدة وإنشاء مستوطنتين جديدتين، وتحسين نوعية الحياة، وتطوير الاقتصاد المحلي في منطقة الجولان، من دون التطرّق على نحو خاصّ إلى أداء "الطيف اليساري الصهيوني" في الحكومة والمتمثّل بالأساس في حزب ميرتس، نظراً إلى أن هذا الحزب كان حتى فترة قليلة يعتبر هضبة الجولان منطقة سورية محتلة بشكل لا لبس فيه، ويتبنى موقفاً فحواه أنه يتعيّن على إسرائيل، في نطاق اتفاقية سلام مع سورية، أن تنسحب منها إلى خطوط 1967.
ومعروف أن وزيرين من ميرتس شاركا في تلك الجلسة الحكومية الخاصة وصوتا إلى جانب "خطة التطوير" الاستيطانية، فيما امتنع الوزير الثالث من الحزب (الوزير العربي) عن المشاركة. ورأت عدّة تحليلات متطابقة أن امتناع هذا الأخير جاء كي يتجنّب التصويت ضد الخطة، وهو ما تكفله له الاتفاقيات الائتلافية لو كانت لديه معارضة فعلية لها.
وكتب مصدر موثوق به من قيادة حزب "أمل جديد" بزعامة وزير العدل جدعون ساعر، ويضم وزراء وأعضاء كنيست من "اللوبي من أجل الجولان" الذي وقف من وراء دفع الحكومة الإسرائيلية قدماً نحو قرار الحكومة السالف، أن "خطة تطوير" الاستيطان في الجولان كانت البند الأول في الاتفاق الائتلافي المُبرم مع هذا الحزب، ولم تكن الموافقة على هذا البند بحاجة إلى بذل أي جهد استثنائي لكونه يتماشى مع السياسة العامة التي تتبناها أغلب أحزاب الائتلاف الحكومي الجديد حيال موضوع الجولان، وهي أحزاب "يوجد مستقبل" و"يمينا" و"إسرائيل بيتنا" و"أزرق أبيض" وإلى حدّ ما حزب العمل.
ووفقاً للمصدر نفسه، كانت التوقعات هي أن يصوّت حزب ميرتس ضد الخطة، وبناء على ذلك فإن تصويته معها يُعدّ بمثابة تحوّل كبير في موقفه التقليديّ متعدّد الأعوام.
وقد طولب ميرتس بأن يسمع صوتاً معارضاً لهذه الخطة التي تُكرّس الضم الاحتلالي للجولان، سواء من جانب أعضاء قياديين في الحزب، أو من جانب أوساط أخرى ومنها صحيفة "هآرتس" التي أنشأت مقالاً افتتاحياً يوم 13/12/2021 شدّدت فيه على مسألتين: الأولى، أن الأراضي المحتلة هي أراضٍ محتلة، والضمّ هو ضمّ، حتى عندما يكون المقصود هضبة الجولان، وأيضاً عندما يطلقون على مشروع الضم اسماً تزويقياً هو "خطة لتشجيع النمو الديمغرافي المُستدام". والثانية، وجوب أن يُعرب وزراء ميرتس عن موقف يعارض توسيع الاستيطان في الجولان. ولم يتأخر الردّ على هذه المطالبات من جانب ميرتس، وأتى عبر مقال بقلم رئيس إدارة هذا الحزب أوري زكي ("هآرتس"، 19/12/2021) أكد فيه، من ضمن أمور أخرى، ما يلي: إن هضبة الجولان هي أرض محتلة، لكن في هضبة الجولان لا يوجد احتلال! وتابع أنه على الرغم من أن هضبة الجولان، مثل الضفة الغربية، احتُلَّت في حرب حزيران 1967 إلا إنه بعكس أراضي الضفة حيث بقيت هناك أغلبية سكانية مدنية كبيرة، لم تكن هضبة الجولان منطقة كثيرة السكان حتى في أيام الحكم السوري، وخلال تلك الحرب وبعدها، طُرد عدد كبير من السكان الذين كانوا يعيشون هناك. ومن مجموع قرابة 130 ألف نسمة، بقي أقل من عشرات الآلاف في القرى العربيّة الدرزية على سفوح جبل الشيخ. وبرأيه، عندما أُقرّ "قانون ضم الجولان" في العام 1981، "جرى إلغاء الحكم العسكري، وطُبِّق القانون الإسرائيلي والحقوق التي يمنحها على المنطقة وسكانها. وكل مواطن يرغب في ذلك في إمكانه الحصول على الهوية الإسرائيلية"، وفي ضوء ذلك جزم بأنه "لا يوجد في هضبة الجولان نظام احتلال مع كل تداعياته"!
وأوضح هذا المسؤول أنه لهذا السبب فإن برنامج ميرتس يتعامل مع الجولان بصورة مختلفة تماماً، فقد نصّ على أن "ميرتس تتعاطف مع معاناة الشعب السوري، ومع رغبته في حكم ديمقراطي حرّ. وهي تدين العنف الذي يمارسه نظام الأسد ضد مواطنيه. وإذا ما تم [في قادم الأيام] تأليف حكومة في دمشق ذات تمثيل يعترف بها المجتمع الدولي، يجب العمل على استئناف العلاقات مع سورية، على أساس مبادرة السلام الصادرة عن الجامعة العربية". وأكد أنه في ضوء الوضع الحالي، لا يوجد سبب سياسي أو أخلاقي يمنع "تطوير هضبة الجولان حالياً"!
في واقع الأمر فإنه على مستوى الرأي العام الإسرائيلي لا بُد من التذكير أنه طوال الوقت، كان البديل الذي يطرح تغييراً جذرياً لمحتوى العلاقات بين إسرائيل وسورية ويكون إيذاناً بحدوث اختراق، من نصيب فئات قليلة ليست مؤثرة في عملية اتخاذ القرار الإسرائيلي، برزت بينها، على سبيل المثال لا الحصر، "حركة السلام الإسرائيلية - السورية" التي أسسها الدبلوماسي الإسرائيلي المتقاعد ألون ليئيل، المدير العام الأسبق لوزارة الخارجية، وأجرت خلال الفترة بين الأعوام 2004- 2006 اتصالات سرية غير رسمية مع مندوبين عن النظام السوري بهدف دراسة إمكان التوصل إلى اتفاق سلام. غير أن ليئيل نفسه كتب يوم 5/3/2012 مقالاً في صحيفة "هآرتس" أكد فيه أنه مقتنع الآن بأن الرئيس بشّار الأسد فقد شرعيته كحاكم، وفقد بالتالي حقّه في المطالبة باستعادة الجولان في حال نجح في البقاء في الحكم، ما حدا بالمحلل السياسي السابق لصحيفة "معاريف" مناحيم راهط إلى إعلان أن "الإجماع القومي بشأن ضرورة الحفاظ على السيطرة الإسرائيلية في الجولان بات يشمل معظم الرأي العام واليسار في إسرائيل"!