المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • كلمة في البداية
  • 1267
  • أنطـوان شلحـت

صادقت الحكومة الإسرائيلية خلال جلسة خاصة عقدتها في هضبة الجولان المحتلة يوم 25 كانون الأول الفائت على "خطة للتطوير" في هذه الهضبة وفي مستوطنة "كَتْسرين"، تنصّ على استثمار مئات الملايين من الشواكل من أجل مضاعفة عدد السكان في المنطقة خلال الأعوام المقبلة، وتحسين نوعية الحياة، وتطوير الاقتصاد المحلي في منطقة الجولان. وتضمنت الخطة تخصيص 567 مليون شيكل في مخططات التخطيط والإسكان، وتشمل إضافة 3300 وحدة سكنية في منطقة "كتْسرين" خلال 5 أعوام، وزيادة عدد المنازل في المستوطنات التي تنتمي إلى المجلس الإقليمي في الجولان بنحو 4000 منزل، ومن المتوقع زيادة عدد السكان بنحو 23 ألف نسمة. بالإضافة إلى ذلك، وافقت الحكومة الإسرائيلية على إقامة مستوطنتين جديدتين في هضبة الجولان، هما "أسيف" و"مطر"، وستشمل كل واحدة منهما قرابة 2000 وحدة سكنية. ومن أجل التوظيف في مجال الإسكان، تم الاتفاق على تشكيل لجنة خاصة للتخطيط ستدفع قدماً بمخطط مفصل، وستجري الموافقة على مخطط أولي شامل لمنطقة "كتسرين" وتنفيذ خطط الإفراج عن مناطق الحرائق ونزع الألغام من المنطقة. كما ستُخصّص

الحكومة مبلغ 160 مليون شيكل من أجل تحسين نوعية الحياة في الجولان. وستوظَّف هذه الأموال في البنى التحتية والمواصلات التي تربط الجولان بوسط البلد، وفي تطوير شبكة مواصلات بين مستوطنات "مجلس كتْسرين". وتضمن الجزء التكنولوجي من الخطة تشجيع الاستثمارات في المنطقة وتخصيص مبالغ غير مسبوقة من أجل إيجاد أكثر من 2000 فرصة عمل في الجولان في مجال الزراعة المتقدمة والفنادق والصناعة والمناطق التجارية. كما ستقوم الحكومة بجمع أموال طائلة من القطاع الخاص من أجل توظيفها في برامج للطاقة الشمسية، بينها أجهزة لتخزين الطاقة في منطقة تبلغ مساحتها 4000 دونم.

لا بُدّ من أن نتوقف عند مسألتين تستدعيهما هذه الخطة:

المسألة الأولى أن هذه الخطة غير مسبوقة من حيث الحجم. وقد تزامنت المصادقة عليها مع مرور الذكرى الـ40 لتطبيق القانون الإسرائيلي على هضبة الجولان. وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق مناحيم بيغن هو الذي بادر في كانون الأول 1981، وبصورة فجائية، إلى طرح "قانون الجولان" ومرّره في الكنيست خلال يوم واحد، ونال تأييداً واسعاً شمل كل الكتل. ووفقاً للأدبيات الإسرائيلية، تمثّل الغرض الرئيس من هذا القانون في تبديد الغموض بشأن كل ما له علاقة بمستقبل الهضبة. ففي تلك الأعوام أبرمت إسرائيل اتفاق سلام مع مصر أعادت إليها، بموجبه، شبه جزيرة سيناء كلها، وهذه الحقيقة أوحت أن إسرائيل يمكن أن تتنازل عن الجولان كما تنازلت عن سيناء. لكن على الرغم من القانون فإن القليل تغيّر خلال الـ40 عاماً الأخيرة، منذ إقراره. وتقريباً لم تُقَم مستوطنات جديدة، وازداد عدد المستوطنين الإسرائيليين بصورة ضئيلة. ويسكن الجولان حالياً، بحسب الإحصاءات الإسرائيلية الرسمية، نحو 50 ألف شخص، قرابة 60 بالمئة منهم من السوريين الدروز والباقون من المستوطنين الإسرائيليين.

وما قرأناه في التحليلات الإسرائيلية يشير إلى أنه في تسعينيات القرن الماضي، وفي الألفية الثانية، عبّرت الحكومات الإسرائيلية عن استعدادها للانسحاب من الجولان في مقابل اتفاق سلام مع دمشق. وكل ما تبقى لها هو التفاوض مع السوريين بشأن مسألة هل سيصلون إلى بحيرة طبرية أم سيبقون على بُعد عشرات الأمتار بعيداً عن شواطئها؟ ووفقاً لتلك التحليلات من المحتمل أن يكون استعداد العديد من الحكومات الإسرائيلية للبحث في مستقبل الجولان هو الذي ردعها عن الاستثمار فيه وتنميته والدفع قدماً بالاستيطان فيه. غير أنه في العقد الأخير حدث منعطف حيال الموقف من الجولان، بدايةً على خلفية الحرب الأهلية التي نشبت في سورية، بالإضافة إلى قيام الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في آذار 2019 بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان، وبذلك أغلق الباب على إمكان تنازُل إسرائيل عنها. وفي هذه الظروف، كما كتب أحد المحللين، اقتنع آخر مؤيدي "الخيار السوري" في إسرائيل بأنها احتلت الجولان في العام 1967 كي تبقى فيه.

المسألة الثانية، مع تبدّل الإدارة الأميركية أعرب وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن عن تحفظه من اعتراف إدارة ترامب بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان. ومع ذلك شدّد على أنه "إذا وضعنا جانباً الموضوع القانوني، فإن السيطرة على الجولان لها أهمية كبيرة بالنسبة إلى أمن إسرائيل في الوضع الحالي في سورية."

ولم تعتبر جلّ التحليلات الإسرائيلية تصريحات بلينكن هذه تراجعاً عن الإرث الأميركي الداعم للاحتلال الإسرائيلي لهذه الهضبة الاستراتيجية، بقدر ما اعتبرتها تحفظاً على قانونية قرار الإدارة الأميركية السابقة الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية عليها، لم يحن أوان حسمه إلى هذه الناحية أو تلك، ولذا فهو لا يرقى إلى مستوى التهديد القانونيّ حتى. ورأت التحليلات كذلك، أن هذا التحفظ لا يُضعف التأييد الأميركي التقليدي لماهية الموقف الإسرائيلي إزاء الجولان، فضلاً عن أنه تحفظ تبقى فاعليته مرهونة بـ"تغيّر الوضع في سورية.. لكننا لسنا قريبين من ذلك"، كما أكد المسؤول الأميركي مُضيفاً "أن الجولان مُهّم للغاية لأمن إسرائيل من الناحية العملية. وطالما أن الطاغية بشار الأسد في السلطة، وأن إيران موجودة في سورية، وطالما أن الميليشيات المدعومة من إيران ونظام الأسد نفسه تشكل تهديداً أمنياً كبيراً لإسرائيل، فإن السيطرة على الجولان في هذا الوضع لا تزال ذات أهمية حقيقية لأمن إسرائيل من الناحية العملية".

ولدى استعادة وقائع الموقف الأميركي إزاء مسألة أهمية الجولان لأمن إسرائيل، فإن أول ما يطالعنا أنه موقف لم يتغيّر منذ أكثر من 45 عاماً، وتبلور بادئ ذي بدء عبر الرسالة التي تلقاها رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق إسحاق رابين عام 1975 من الرئيس الأميركي آنذاك جيرالد فورد، وورد فيها ما يلي: "تدعم الولايات المتحدة موقفاً فحواه أن اتفاقاً شاملاً مع سورية، في إطار معاهدة سلام، يجب أن يضمن أمن إسرائيل من هجمات تُشنّ من هضبة الجولان. كذلك تدعم الولايات المتحدة الموقف الذي فحواه أن السلام العادل والدائم، الذي لا يزال الهدف الذي نسعى له، يجب أن يكون مقبولاً من كلا الطرفين. إن الولايات المتحدة لم تبلور موقفاً نهائياً من مسألة الحدود، وحينما ستفعل ذلك ستمنح وزناً كبيراً لموقف إسرائيل القائل إن أي اتفاق سلام مع سورية يجب أن يشمل بقاء إسرائيل في هضبة الجولان".

في العام 1991، على أعتاب انعقاد مؤتمر مديد للسلام في الشرق الأوسط، كتب وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر رسالة جديدة إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك إسحاق شامير جدّد فيها ما ورد في رسالة فورد السالفة. وكذلك وجّه وزير الخارجية الأميركي وورن كريستوفر العام 1996 رسالة مماثلة إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو تعيد الالتزام بما نصّت عليه رسالة فورد.

هذه الرسالة الأخيرة جاءت في إثر بدء اتصالات بين إسرائيل وسورية برعاية أميركية في بدايات تسعينيات القرن الفائت، أعرب فيها رابين على مسامع كريستوفر عن استعداده للانسحاب من هضبة الجولان في إطار اتفاق سلام مع سورية، فيما عُرف لاحقاً باسم "وديعة رابين". وفي صيف 1996 طلب نتنياهو، إبان ولايته الأولى في رئاسة الحكومة، من مستشاره السياسي، دوري غولد، فحص مكانة تلك الوديعة لدى المسؤولين الأميركيين، وخصوصاً بعد أن أكد وجودها شمعون بيريس، الذي تولى رئاسة الحكومة الإسرائيلية مؤقتاً بعد مقتل رابين. وعقب فحص مع كريستوفر أوضح الأميركيون إلى الجانب الإسرائيلي أن الوديعة لا تحمل أي صبغة رسمية، وكانت شفاهية وتتطرّق إلى سيناريو افتراضي، ولذا فهي ليست مُلزمة. وطلب نتنياهو من الإدارة الأميركية التزاماً مكتوباً بمضمون رسالة فورد يكون ممهوراً بتوقيع وزير الخارجية. وبعد أسابيع قليلة أرسلت واشنطن التزاماً كهذا وقعه كريستوفر، وأرفق أيضاً بوثيقة مكتوبة أخرى يقرّ فيها الأميركيون بأن "وديعة رابين" تفتقر إلى أي مكانة ملزمة. وبذا ما زالت رسالة فورد هي المرجع المؤسس للإرث الذي تلتزم به الولايات المتحدة بشأن الجولان، ولا نحتاج إلى عناء كبير كي نستنتج أن إعادة إنتاجه كانت منضفرةً على نحو جليّ في تصريحات بلينكن، كما لو على شكل تأويل من شأنه أن يبدّد إثارة أي مشاعر قلق إسرائيلية من تحفظه القانونيّ، الذي لن يسري مفعوله في إشعار قريب!

المصطلحات المستخدمة:

الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات