كان من أبرز تجلّيات هيمنة اليمين الصهيوني على المشهد السياسي الإسرائيلي خلال العقد المنصرم الظهور والانتشار المتزايد للجمعيات اليمينية- على مختلف التوجّهات المنضوية تحتها- في المجالات الهامّة في الدولة ومشروعها السياسي؛ المجتمع المدني؛ الاستيطان؛ الإعلام؛ التربية والثقافة.... إلخ. وقد استند اليمين في توجّهه هذا إلى الفرضية القائلة بأن اليمين وعلى الرغم من وصوله إلى سدّة الحكم (بالانتخابات)، إلّا أنه يُعاني باستمرار من ضعف قدرته على الحكم و"تحقيق" مشروعه بسبب توغّل اليسار، أو تجّذره، في المؤسسات الهامة كالإعلام والقضاء والمجتمع المدني- على سبيل المثال لا الحصر، وهو ما يُفسّر المحاولات الحثيثة التي يبذلها اليمين الصهيوني لإعادة موضعة نفسه، حاضراً ومستقبلاً، والأهم؛ ماضياً، في المشهد الإسرائيلي بوصفه شريكاً، بل وفاعلاً رئيساً في المشروع الصهيوني وأهدافه التي يسعى لتحقيقها على المدى البعيد.
تميزت الأشهر الستة الأولى من العام الحالي 2021 بدخول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض، واستمرار مكافحة البرنامج النووي الإيراني، وجولة إضافية من القتال في قطاع غزة، وتأثير معركة انتخابية إضافية على علاقات إسرائيل الخارجية، وتشكيل حكومة جديدة لا يترأسها منذ سنوات طويلة بنيامين نتنياهو.
من واشنطن، أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت بشكل واضح أنه "لن تقوم دولة فلسطينية". بغض النظر عن الأسباب التي ساقها، ومن ضمنها المصاعب التي تعانيها السلطة الوطنية الفلسطينية، يتوجب أولا أن تتوافق الأجندة الرسمية لإسرائيل مع الأجندة الرسمية للولايات المتحدة كي تنعم إسرائيل بحالة استقرار سياسي داخلي وانسجام دولي مع حليفتها واشنطن. قد يبدو هناك اختلاف حقيقي بين أجندة بينيت الرافضة لإقامة دولة، وبين أجندة بايدن الداعية إلى حل الدولتين. لكن هذا الاختلاف هو اختلاف ظاهري، بل إن هناك هامشا كبيرا يسمح للطرفين بإيجاد أرضية مشتركة للعمل فيما يخص الملف الفلسطيني. هذه المقالة تحاول أن تضع معالم هذه الأرضية المشتركة في أعقاب زيارة بينيت الأولى إلى واشنطن.
تمكّنت إسرائيل بعد حرب العام 1967 واحتلالها لكلّ من الضفّة الغربيّة، قطاع غزّة، هضبة الجولان وشبه جزيرة سيناء، من فرض منظومة قانونية عسكريّة على الضفَّة الغربيَّة هدفت لتأسيس إطار قانونيّ واستراتيجيّة قوميّة صهيونيَّة للمشروع الاستيطانيّ في الضفَّة الغربيَّة لا يزال مستمرّاً حتّى اليوم. ومن بين هذه القوانين والأوامر العسكريّة، كان ثمَّة العديد من الأوامر العسكريّة والاستراتيجيات الاستيطانيَّة التي هدفت إلى السَّيطرة على الموارد المائيَّة الفلسطينيَّة والاستيلاء عليها لتخصيص الجزء الأكبر من المخزون المائيّ الجوفيَّ لصالح الاستخدام الاستيطانيّ والإسرائيليّ اليهوديّ، وحِرمان الفلسطينيين من حقّ الوصول أو استخراج مواردهم المائيَّة.
وجدت فرق الإنقاذ وخدمات الدفن العام الماضي 2020 في إسرائيل، 158 مواطنا، معظمهم من المسنين، وهم أموات في بيوتهم وحيدين، بدون أن ينتبه لهم أحد إلا بعد مرور فترات متباينة من الزمن. بينما في العام الذي سبقه 2019 كان عدد الضحايا 132 إنساناً. وفي العام 2018 كان عدد الأموات الوحيدين 104، وفي العام 2017 كان عدد هؤلاء المواطنين المتروكين وحيدين في وجه الموت 98 إنسانا. يمكن القول إن العدد ارتفع جديّاً خلال 5 أعوام.
تلقى رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت، الأسبوع الماضي، دعوتين: الأولى لزيارة قريبة إلى واشنطن، سيبدأها يوم الثلاثاء هذا الأسبوع، والثانية لربما ستكون بعدها بقليل، لزيارة القاهرة، بعد أن كان بينيت قد التقى الملك الأردني عبد الله الثاني، بعيدا عن الأضواء، في شهر تموز الماضي. وهذه اللقاءات الدولية، التي تبدو روتينية، إلا أنها في واقع حال بينيت أمام ساحته الداخلية تعزز مكانته، وتساهم في إقناع جمهور أكبر بأنه رئيس حكومة ثابت.
الصفحة 104 من 324