تناولت هيئات سياسية وإعلامية إسرائيلية، في الفترة الأخيرة، قضيّة تعود لتشغل الرأي العام مع عودة موسم الأمطار سنوياً. وهي كما أطلق عليها موقع التحقيقات الصحافية "شَكُوف": قضية فشل مواجهة الفيضانات المتواصل؛ بدلاً من منع وقوع كارثة تقتصر الاستعدادات على معالجتها. وهو ينوّه منذ البداية في تقرير له إلى أن التغيرات المناخية المتفاقمة لن تؤدي إلا إلى زيادة عدد الفيضانات، ومع ذلك ففي إسرائيل لم يتم تحديث قانون الصرف الصحي، منذ نصف قرن وأكثر. وهو يشير إلى نقاشين أخيرين عُقدا في هيئات الكنيست يوضحان كيف أنه بدون تغيير تشريعي واسع النطاق، من المتوقع تكرار نفس السيناريوهات ونفس الفيضانات لأن البنية التحتية غير مستعدة لأثر التغير المناخي.
فقد ناقشت لجنة الاقتصاد في الكنيست في أواسط تشرين الثاني الجاري "تعديلا صغيرا" لقانون الصرف الصحي، وهو نفس القانون الذي لم يخضع لتعديل واسع النطاق منذ سنّه في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي. بينما وعدت وزارة المالية في جلسة اللجنة المذكورة بزيادة ميزانيات الصرف لصالح تحسين البنية التحتية بمرتين ونصف المرة. ولكن بعدها بأسبوع واحد، ظهرت صورة قاتمة أخرى خلال جلسة أخرى في الكنيست: ليس هناك حتى الآن هيئة واحدة محدّدة تتحمل مسؤولية منع كارثة الفيضانات التالية.
ومما يتبيّن، وجود توتر أو شبه صراع على الصلاحيات وتحمل المسؤولية ما بين الحكم المركزي، ممثلا بوزارة الزراعة، وبين سلطة الحكم المحلي – المجالس المحلية والبلدية، بعد انتقادات قاسية سجّلها مراقب الدولة قبل أشهر، مفادها أن هناك صعوبة في تدخل المسؤولين الحكوميين في سلطات الصرف الصحي، حين يكون أداؤها منقوصاً؛ وهي الهيئات التي تبين في تقرير مراقب الدولة أنها غير ناجحة تماماً. وتنص توصية المراقب على أن تكون وزارة الزراعة قادرة على تعيين مدير خارجي وبالتالي استبدال أصحاب الوظائف بشكل فعال إذا لم يؤدوا واجباتهم بشكل صحيح.
لكن مركز الحكم المحلي عارض هذه الخطوة، لأن "الوضع معقّد"، كما وصفه، ولا يكفي حلّه تقليص صلاحيات السلطات المحلية. وأشار الموقع الصحافي إلى أنه في جميع المرات السابقة حين حاول الطرفان – الحكومة والحكم المحلي - تعديل قانون الصرف الصحي فشلا في التوصل إلى اتفاق "لذلك بقينا مع قانون من الخمسينيات حتى يومنا هذا"!
قانون الصرف الصحي جامدٌ على حاله منذ سبعة عقود!
كخلفيّة تاريخيةّ، يُشار إلى أنه تم تشريع قانون الصرف العام 1957 لغرض حماية المناطق الزراعية المفتوحة بشكل أساس، وألقيت صلاحية إنفاذه على وزارة الزراعة. لم يتوقع القانون في ذلك الحين إنشاء البناء الهائل بالقرب من الأودية ومسارات المياه، ولا أزمة المناخ وهطول الأمطار الغزيرة بكثافة وفي وقت زمني قليل، والتي من شأنها أن تؤدي إلى حدوث فيضانات في المدن والقرى أيضاً. وقد أوصى المراقب، العام 2008، الأطراف المعنية بوجوب العمل سريعاً لتعديل التشريع. لكن على مر السنين فشلت وزارة الزراعة وسلطة المياه ووزارة الداخلية وسلطات الصرف الصحي في ذلك. في العام 2010 اتخذ قرار حكومي بتعديل القانون، وفقط في العام 2014 بعد أربع سنوات وصل التعديل إلى القراءة الأولى لكنه عاد إلى لجنة الاقتصاد وعلق هناك.
استمر الخلاف بين مركز الحكم المحلي ووزارة الزراعة حول تنظيم مسألة الصرف ونطاق القانون حتى أواخر العام 2017 عندما "تم دفن التعديل على القانون أخيراً"، يقول تقرير "شكوف". وقبل نحو عامين، استأنفت وزارة الزراعة محاولات التعديل لكن الأمر فشل هنا أيضاً. فلم يشمل التعديل إنشاء هيئة شاملة، "مجلس وطني للصرف"، من شأنه أن يتعامل مع القضية برمتها.
قبل أسبوعين عقد اجتماع للجنتي الداخلية والأمن الداخلي، وهناك تواصل الخلاف. لكن الجميع اتفقوا على أن هناك مشاكل قاسية في البنية التحتية، وأن القصورات تجعل عودة الفيضانات مسألة مؤكدة. وأسمَعَ نوّابٌ في الاجتماع مقولات تحذيرية دراماتيكية مثل: "في السنوات الأخيرة مات أشخاص بسبب ذلك، فلنتجنب الموت القادم". ممثّل منظمة "تسَالول" البيئيّة، لاحظ أن الجميع تحدثوا عن كيفية التعامل مع الكارثة فقط حين تقع، أي افتراضها كحقيقة ناجزة مسبقاً، ولكن ليس عن كيفية منعها. فمن المتوقع حدوث عواصف ممطرة خطيرة في كانون الأول ويجب الاستعداد لها على مستوى التخطيط وعلى المدى الطويل.
أما ممثل البنية التحتية والتنمية الحضرية في مركز الحكم المحلي فقال إن الفيضانات سببها البنى التحتية القديمة للصرف الصحي، أو تلك التي لم يتم تكييفها من حيث الحجم والسّعة لاستيعاب كميات المياه المتدفقة من الأمطار حين تسقط بكثافة وغزارة. وقال إنهم منذ 2016 اتصلوا بوزارة الداخلية عدة مرات بشأن الميزانيات "لكن دعوتنا لم تُقبل". مرة إضافية، النقاش انتهى دون قرارات وخلاصات حاسمة.
لقد أشار تقرير لمراقب الدولة في حزيران 2021 الفائت إلى أن الفيضانات ترجع بشكل رئيس إلى هطول الأمطار الغزيرة لفترة قصيرة نسبياً. مياه الجريان السطحي هي مياه الأمطار التي تتدفق أو تتراكم على الأرض. وتتسبب الفيضانات في إسرائيل كل عام في إلحاق أضرار جسيمة بالممتلكات والبنية التحتية والأراضي الزراعية والنشاط الاقتصادي، بل تودي بحياة ناس. في شتاء 2019/2020 الماضي غرق ومات سبعة أشخاص في الفيضانات. وهو يشرح أنه في العقود الأخيرة، تسارع البناء الحضري في البلاد، ونتيجة لذلك تم تقليل المساحات المفتوحة، وبالتالي زيادة المساحة المغلقة أمام الجريان السطحي. كل هذا يزيد من خطر تفاقم أضرار الفيضانات ويجعل التحضير في مجال البنية التحتية لمعالجة الجريان السطحي ومعالجة أحداث الفيضانات، مسألة ضرورية للغاية.
تعمل في إسرائيل 11 سلطة تصريف يتمثل دورها في العمل على تيسير الصرف المنتظم للمياه في المنطقة المخصصة لكل سلطة منها. تحقيقا لهذه الغاية، تقوم بتطوير محطات الصرف التي هي في الواقع مشاريع بناء أو بنية تحتية من المفترض أن تمنع أضرار الفيضانات أو تشغل مساحة من الأرض للحفاظ على مناطق الجداول والأودية. وزارة الزراعة هي المسؤولة بموجب القانون في مجال الحفاظ على الأراضي وفي مجال إدارة جريان السيول؛ وهي الجهة المنظمة لسلطات الصرف. أما السلطات المحلية فهي مخولة بالتعامل مع قضايا الصرف في مناطقها ومسطحاتها الهيكلية.
ملخص للمعطيات وجوانب الأضرار ومكامن النقص
وفقاً لبيانات وزارة الزراعة، التي تمت معالجتها من قبل مكتب مراقب الدولة:
*معدل الفيضانات من بين جميع الكوارث الطبيعية التي حدثت في العام 2019 يصل إلى 49%.
* معدل الزيادة في عدد الفيضانات في العالم بين العام 1971 والعام 2019 وصل إلى 1133% (ألف ومئة و33!).
*عدد سكان العالم الذين من المتوقع أن يتأثروا بأضرار الفيضانات كل عام حتى العام 2030 سيصل إلى 132 مليون شخص.
* الدعم السنوي لوزارة الزراعة لمشاريع الصرف للأعوام 2013 – 2020 معدله 55 مليون شيكل.
* إجمالي الإيرادات المتوقعة لجميع هيئات الصرف للعام 2020 بحدود 347 مليون شيكل.
* إجمالي المبلغ المطلوب لمشاريع الصرف الضرورية في إسرائيل حوالي 6 مليارات شيكل.
* التكلفة المطلوبة لتشغيل مركز التنبؤ بالفيضانات سنوياً 2.4 مليون شيكل.
* تكلفة الدعاوى المفتوحة ضد سلطات الصرف في السنوات 2013-2020 وصلت إلى 702 مليون شيكل.
فحص مكتب مراقب الدولة، من شباط 2020 إلى كانون الثاني 2021: الجوانب المتعلقة بإدارة الجريان السطحي في إسرائيل وتقليل أضرار الفيضانات. تم فحص البنية التحتية المعيارية بشأن هذا الموضوع؛ جوانب التخطيط والبناء المتعلقة بمسألة الجريان وإنشاء محطات الصرف؛ إدارة ميزانية سلطات الصرف، بما في ذلك جوانب التأمين والمطالبات القانونية بتعويضات عن أضرار الفيضانات؛ مسائل متعلقة بنشر المحطات الهيدرومترية وإنشاء مركز التنبؤ بالفيضانات وتصريف المياه المتدفقة "من أراضي السلطة الفلسطينية إلى أراضي دولة إسرائيل".
مما تبيّن، أن مقترحات مخططات محطات الصرف المعتمدة لا تتضمن المعلومات التي تقدمها وزارة الزراعة للجمهور حول خطط محطات الصرف، ولا ترفع على موقعها على الإنترنت وثائق الخطة وبرامجها. الميزانية الحكومية لهيئات الصرف الصحي التي تبلغ 550 مليون شيكل لمدة عشر سنوات، تم تحديدها في العام 2010 ولا تعكس احتياجات الصرف الحالية والاحتياجات المستقبلية المتأثرة باتجاه التحضر والتغيرات المناخية. وتوقف عند حسابات الرسوم التي يدفعها المواطنون مقابل خدمات الصرف، والديون المستحقة على السلطات المحلية لشركات الصرف.
كذلك، هناك نقص في عشر محطات هيدرومترية في المناطق المفتوحة مما يتسبب في نقص البيانات الهيدرولوجية الأساسية التي تعتمد على بيانات المحطات الهيدرومترية المستخدمة لرصد وتوثيق المعلومات المتعلقة بارتفاع وسرعة التدفق وتدفق الجريان السطحي. ولا يتم تخزين جميع المعلومات التي تم جمعها في محطات قياس المياه في قاعدة بيانات الخدمات الهيدرولوجية.
وعلى الرغم من إنشاء مركز التنبؤ بالفيضانات، لم يتم تحديد الفجوات المتعلقة بمشاركته في الإنذارات بوقوع الفيضانات، ولم تتم صياغة أي رؤى فيما يتعلق بالإعداد المطلوب لتنظيم أنشطته. بالإضافة إلى ذلك، فإن تواريخ نقل المعلومات ومحتوياتها وكيفية تحديثها لم تتم صياغتها وتنسيقها مع مستهلكي مركز التنبؤ. كما لم يتم الاتفاق على تخصيص الميزانية اللازمة لتشغيله اليومي وتطوير قدراته.
يجب وضع رؤية استراتيجية لتقليل المخاطر ومنع أضرار الفيضانات
كشفت المراجعة، قال التقرير الرسمي، أن سلوك الدولة في مجال الحد من أضرار الفيضانات كان يتم منذ سنوات بشكل رئيس من خلال السلطات المحلية وسلطات الصرف العاملة في مختلف الأحواض في جميع أنحاء البلاد، ولكنها لا تعتمد على رؤية الحوض التكاملي والتحليل على مستوى قطري شامل. كما تبين أنه لا توجد جهة تنظيمية واحدة تتعامل مع مجال الجريان السطحي، وأن القضية موزعة بين العديد من الجهات الحكومية والبلدية ذات الاهتمامات والأولويات المختلفة. نتيجة لذلك، على مر السنين، تراكمت أوجه قصور في البنية التحتية للصرف في إسرائيل، وظهرت الحاجة إلى فحص تخصيص الموارد لسد الفجوة بين الاحتياجات والموارد.
في ضوء ذلك، يتعين على جميع الجهات المسؤولة عن إدارة المياه والجريان السطحي والجداول ومحطات الصرف الصحي، برئاسة وزارة الزراعة وسلطات الصرف الصحي، جنباً إلى جنب مع سلطة المياه ووزارة المالية، العمل معاً، على الصعيد القطري، ووضع رؤية استراتيجية لتقليل المخاطر ومنع أضرار الفيضانات. من بين أمور أخرى، يجب عليهم تعزيز تنظيم جميع القضايا المطلوبة في مجال الجريان السطحي، وإكمال عملية رسم الخرائط المتعلقة بالمعلومات حول جميع مخاطر الفيضانات، وتضمين هذه المعلومات في إنشاء خطة قطرية لإدارة مخاطر الفيضانات في منظور وطني، وتحديد أولويات المشاريع من أجل تقييم التكلفة والفوائد، وتجسيد هذا في الخطط السنوية ومتعددة السنوات. هناك أيضاً حاجة لتحسين الشفافية حول الموضوع والمعلومات المقدمة للجمهور في مجال إدارة الجريان السطحي والوقاية من الفيضانات، ونشر تنبؤات وتحذيرات حول أضرار الطقس والفيضانات التي يمكن استخدامها أيضاً من قبل هيئات الطوارئ.
وفي الوقت نفسه، ينبغي الاستمرار في مراقبة أداء سلطات الصرف الصحي على نحو مستمر، بالنظر إلى التحديات المقبلة، للتأكد من أنها تعمل وفقاً لغرضها وفحص الميزانية القطرية المخصصة لتنفيذ مشاريع الصرف. ففي كثير من الحالات، يمكن أن تكون الأضرار التي تحدثها الفيضانات المستقبلية في الأرواح والممتلكات أعلى بما لا يقاس من تكلفة المشاريع المطلوبة لمنع هذه الفيضانات، لذلك هناك قيمة كبيرة في الاستثمار في المشاريع والبنية التحتية بناءً على صورة معلومات كاملة وتحديد الأولويات الذكية.
المصطلحات المستخدمة:
مراقب الدولة, القراءة الأولى, لجنة الاقتصاد, مركز الحكم المحلي, الكنيست