أثارت عملية هروب ستة أسرى فلسطينيين من سجن جلبوع العديد من الأسئلة حول إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية، أو ما يعرف بـ "شاباص". على الأقل، حتى سنوات الثمانينيات، كانت إدارة مصلحة السجون جهازا سيء الصيت، وتجنب العديد من الإسرائيليين العمل داخلها باعتبارها مكانا رديئا ولا يحقق الاحترام لمن يعمل فيه. اليوم، تصل ميزانيتها إلى حوالي 3.8 مليار شيكل وتعتبر "دولة داخل الدولة"، ولها ميزات تجذب العديد من الإسرائيليين للانضمام اليها. مع ذلك، أعادت عملية الهروب التي حصلت في 6 أيلول إدارة مصلحة السجون إلى مركز النقاش الداخلي في إسرائيل وفتحت العديد من الأسئلة التي لم تحسم بعد. في صلب النقاش، ثمة قضايا تعلق بميزانية مصلحة السجون وطريقة توزيعها داخليا. هذه المقالة تلقي نظرة على عمل إدارة مصلحة السجون، وميزانيتها والمناكفات السياسية والأمنية التي ظهرت مؤخرا حول الموضوع.
"في كل ما يتعلق بمكانة اليهود الأميركان، يمكن القول، بمنظور تاريخي، إنهم كانوا محظوظين وإن الكأس كانت أكثر من "نصف ملأى" بكثير. والرؤية التشاؤمية التي تجزم بأن مؤشرات العداء اللاسامي تجاه اليهود خلال الفترة الأخيرة هي أكثر انتشاراً وبروزاً ـ وفي حالات مأساوية معينة لا يقتصر الأمر على عدائية تصريحية فقط، بل يتعداها إلى اعتداءات عنيفة، وقاتلة حتى في بعض الحالات ـ ليس فيها، في حد ذاتها، ما ينفي أو يدحض الكم الهائل من البراهين الضدية التي يمكن العثور عليها على امتداد التاريخ، البعيد والقريب على حد سواء. ويبدو أن للمرحلة الراهنة علاقةً وثيقةً جداً بالأحداث التي تجري في إسرائيل وأوروبا من جهة، وبقضايا داخلية ترتبط بواقع الحياة في الولايات المتحدة دفعت نحو تعميق الاستقطاب العام في الدولة. ولئن كان اليهود في الولايات المتحدة يشعرون بأن مكانتهم في المجتمع الأميركي قد تآكلت، إلا أن معظم العلامات والمؤشرات الاجتماعية القائمة حالياً لا تدل على ذلك، مطلقاً. ومع ذلك، ينبغي التنويه بأن هذا التناقض الواضح ليس نتاج "التاريخ" اليهودي، وإنما هو يعكس مدى التقدير الكبير الذي يكنه اليهود في أميركا للدولة التي يعيشون فيها وتوقعاتهم العالية منها، وهي توقعات ترافقها خشية كبيرة من الإصابة بخيبة الأمل".
هزّت عملية تحرّر الأسرى الفلسطينيين الستة من سجن جلبوع، الأكثر تحصينا من بين سجون الاحتلال، المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة برمتها، وكانت في حالة إرباك شديد وحرج على مدى ما يقارب خمسة أيام، حتى بدأت بالقبض مجددا على الأسرى. لكن يبدو أن هذه القضية، برغم حدتها على المستوى الإسرائيلي الداخلي، لا تؤثر على مستقبل الحكومة الحالية، خاصة وأنها حديثة العهد، وسيتم دحرجة المسؤوليات على الجهاز التنفيذي في سلطة السجون، وخاصة في السجن ذاته.
على النقيض تماما من المكانة السامية التي يحظى بها الأسرى الفلسطينيون لدى شعبهم بوصفهم قيادات وطلائع و"خيرة أبناء وبنات الشعب"، تميل معظم التحليلات والمقاربات الإسرائيلية إلى ترداد وجهة النظر الرسمية – الأمنية، التي تنظر إلى الأسرى الفلسطينيين من زاوية استعلائية عنصرية، فهم مخربون وقتلة ومتطرفون، وأفراد يمثلون خطرا على الجمهور، تحركهم رغبة القتل وليسوا جديرين بأية معاملة إنسانية ولا حتى وفق الحد الأدنى الذي تتيحه القوانين الإسرائيلية للسجناء الجنائيين والمدنيين، وينبغي مطاردتهم وسجنهم وإبقاؤهم رهن الاعتقال مع تشديد ظروف حبسهم. ونادرة هي المواقف ووجهات النظر التي تتطرق للأسرى الفلسطينيين باعتبارهم بشرا ذوي حقوق أولا، ناهيك عن الاعتراف بهم كمناضلين من أجل الحرية.
كشفت الهبّة الفلسطينية الأخيرة عن تحولات عميقة طاولت المجتمع الإسرائيلي في العقود التي شهدت هيمنة اليمين الصهيوني على الحكم، وليس آخرها انتقال المستوطنة وتمثّلاتها الخطابية والأيديولوجية وأجندتها السياسية إلى مركز المشهد السياسي والاجتماعي في إسرائيل؛ إذ استطاع هذا التوجّه، ولو نسبياً، أن يُحوّل كل موجة مواجهة مع الفلسطينيين إلى فرصة لإضفاء شرعية على مشروع المستوطنة؛ بما يتضمّنه هذا المشروع من معانٍ دينية وقومية ولاهوتية، وهو الأمر الذي يُمكن موضعته في إطار عمليات الإزاحة المستمرّة التي يشهدها المجتمع الإسرائيلي باتجاه اليمين؛ بمفاهيمه وتوجّهاته وخطابه.
أقرت الهيئة العامة للكنيست الإسرائيلي، في نهاية الأسبوع الماضي، بالقراءة الأولى، مشروع الميزانية العامة، للعامين الجاري 2021 والمقبل 2022، ورافق مشروع الميزانية 5 قوانين أخرى ذات صلة، أبرزها ما يسمى "قانون التسويات" الاقتصادية. وعلى الرغم من أن تمرير الميزانية بالقراءة الأولى ليس نهاية المطاف، وأن الضغوط ستتعاظم عند اعداد الميزانية لإقرارها نهائيا في مطلع تشرين الثاني، إلا أن "الهدوء" الواضح في الائتلاف هو مؤشر لاحتمال كبير لإقرار الميزانية العامة نهائيا بدون أزمات، وهذا مؤشر ثبات للحكومة في المدى المنظور.
الصفحة 102 من 324