لم تتأخر التعليقات المختلفة على دعوة رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت، إلى الإسرائيليين الذين يملكون رخصة سلاح بحمل أسلحتهم معهم طوال الوقت، إضافة إلى الطلب أيضا من جميع الجنود حمل أسلحتهم حين يخرجون إلى منازلهم من قواعدهم العسكرية. وهذه الدعوة التي جاءت وسط عمليات مسلحة في عدد من المدن الإسرائيلية، في الأسابيع الأخيرة، جذبت إلى رئيس الحكومة الذي تواجه حكومته أزمة ائتلافية أيضاً، انتقادات متباينة في المنطلقات والتشديدات.
فتحت عنوان ليس آمنا كتبت رالا مزالي في "هآرتس": تسير إسرائيل نحو التبني السريع لسياسة السلاح على نمط الولايات المتحدة – مسدس لكل مواطن، بادعاء تعزيز الأمن الشخصي. لكن لا حاجة لبحوث عميقة، مع أنه يوجد كثير منها، كي نفهم أن مثل هذه السياسة ستحقق النقيض التام للأمن.
وتذكّر كيف أنه بعد إجراءات تسهيل متطرفة لعملية ترخيص السلاح، سجل في إسرائيل ارتفاع حاد في عدد ضحايا إطلاق النار. فبين 2017 و 2020 ارتفع عدد ضحايا إطلاق النار (جرحى وقتلى) في المجتمع اليهودي بمعدل 49 في المئة. وعدد ضحايا النار في أوساط الفلسطينيين مواطني إسرائيل ارتفع بنسبة 72 في المئة. في السنوات الاخيرة قُتل بإطلاق النار نحو 120 شخصا بالمتوسط كل سنة – غالبيتهم الساحقة من مصابي العنف والجريمة، وقلة صغيرة من مصابي عمليات "الإرهاب" على حد قولها.
تلاحظ الكاتبة أن عمليات إطلاق النار الأمنية "تثير الرعب، والفزع والكثير من الانتباه – في الإعلام وبين الجمهور. في إسرائيل، مثلما في سائر العالم يشكل احتلال المنصة الإعلامية هدفا مركزيا لهذه الأعمال. لكن قائمة "العشرين سبب الأول للوفيات" التي نظمتها وزارة الصحة في السنوات الأخيرة لا تتضمن على الإطلاق خانة "الإرهاب والأعمال القتالية". هذا الصنف بالتأكيد موجود ضمن أسباب الموت. لكن خارج العشرين سبب الأولى". بالمقابل، فإن القتل على خلفية غير قومية والانتظار هما ضمن قائمة الأسباب العشرة الأولى لحالات الموت. من بين نزلاء المستشفى في مراكز الصدمة في إسرائيل في السنوات الأخيرة، كان 0.5 في المئة فقط من مصابي العمليات الأمنية والقتالية. بينما أدى العنف إلى إدخال نحو تسعة أضعاف أعداد الناس إلى تلك المراكز (4.3 في المئة). صحيح أنه ليست كل حالات القتل والعنف تتم بأسلحة نارية ولكن في العام 2017 أفادت مراكز الصدمات بأنه في السنوات الأخيرة "تنتشر ظاهرة الارتفاع في أعداد المصابين بالسلاح الناري في أوساط مصابي العنف (ليس العمليات الأمنية والقتالية) من 14 في المئة إلى نحو 19 في المئة".
من يمتلك صلاحية إجازة تسليح المدنيين في إسرائيل؟
وفقاً للإجراءات المعمول بها، فإن قسم ترخيص السلاح الناري التابع لوزارة الأمن الداخلي هو المخوّل بمعاينة طلبات ترخيص "السلاح الخفيف" (المسدسات عادة) والمصادقة عليها في ثلاثة أنواع رئيسة لهذه الرخص: رخصة خاصة، تصدر للفرد الذي يسعى لشراء سلاح ناري والاحتفاظ به في منزله؛ رخصة خاصة تصدر لشخص مسؤول عن حاملي سلاح آخرين وعن سلاحهم (على غرار مسؤول رفيع في شركة حراسة، أو مركز أمن في بلدة ما، أو مسؤول عن الأمن في مصنع)؛ رخصة محدودة لحمل السلاح في أثناء أداء الوظيفة وتصدر لشخص يعمل تحت صلاحية من يحمل الرخصة الخاصة ويحمل سلاحا في إطار وظيفته أو بحسب مكان سكناه.
أما الهيئات الرسمية المسؤولة عن السلاح عموماً في إسرائيل فهي: قسم ترخيص الأسلحة النارية في وزارة الأمن الداخلي المسؤولة عن السلاح الخاص (السلاح الذي بحوزة أفراد) والسلاح المؤسساتي (السلاح التابع لشركات حماية وحراسة، ومصانع، وبلدات)؛ الشرطة المسؤولة عن سلاح رجال الشرطة ورجال حرس الحدود؛ الجيش المسؤول عن قطع السلاح التي يحملها الجنود في أثناء الخدمة الإلزامية، النظامية، والاحتياطية، وفي فرق التأهب في البلدات اليهودية الواقعة في الضفة الغربية أي المستوطنات والمناطق التي يتم تعريفها بوصفها "مستحقة" على حدود "الخط الأخضر".
لقد تم تخفيف الكثير من القيود في السنوات الأخيرة على حمل السلاح، خصوصاً مع انتشار شركات الحراسة الخاصة. ربما أن أبرز تجسيد لهذه الإصبع الخفيفة على زناد ترخيص وتوزيع السلاح، هو "خصخصة" عدد من حواجز الاحتلال، إذ تم نقل مهام التفتيش المباشر عليها من جنود الجيش إلى موظفي شركات خاصة مسلحين. بالتوازي مع هذه السيرورة انطلقت حملات احتجاج ومشاريع جماهيرية حذرت من خطورة انتشار السلاح. فقام مثلاً مشروع "المسدس على طاولة المطبخ" التابع لمنظمة "امرأة لامرأة - مركز نسوي" من أجل الحد من انتشار السلاح الخفيف ونزعه من الحيز المدني على أساس المعرفة والرؤية الجندريين وصولا إلى تقليص العنف النابع من انتشار الأسلحة النارية.
بدأ المشروع، وفقا للمبادرات إليه، بتطبيق عملي لبحث جرى نشره العام 2009، وهو تقرير كشف المستور عن صناعة الحراسة في إسرائيل، بما فيه ظاهرة قتل والتسبب بقتل بنات وأبناء العائلة بواسطة. في العام 2008 تم تعديل قانون السلاح الناري للعام 1949 وجرت إضافة بند إليه يحدد بأن السماح بحمل الحارس للسلاح في شركة الحراسة ينبغي أن يكون مقتصرا على منطقة تشغيله. لم يتم تطبيق هذا القانون على مدار سنوات، وفي بداية طريق مشروع "المسدس على طاولة المطبخ"، طالب المشروع بفرض القانون وبإخراج سلاح عشرات آلاف الحراس والعاملين في شركات الحراسة من منازلهم الخاصة.
ثلث النساء الضحايا منذ- 2016 قتلن بسلاح مرخص
يتقوض الادعاء بأن السلاح المرخص هو وسيلة للدفاع فقط ولا يلعب دورا في العنف أو في الجريمة المسلحة (في اختلاف مبدئي عن السلاح غير المرخص) بفعل حقيقة أن نحو 200 قطعة سلاح مدنية مرخصة تُسرق كل سنة وحقيقة أن السلاح المرخص يستخدم المرة تلو الأخرى لأعمال القتل والتسبب بالقتل.
الأرقام الرسمية واضحة في هذا الصدد: نحو ثلث النساء اللاتي قتلن في إسرائيل منذ 2016 قتلن بسلاح مرخص. وتلفت الكاتبة المذكورة أعلاه إلى أنه "في الولايات المتحدة، التي تشكل نموذجا يقتدى لواضعي السياسة المطروحة (لتسهيل التسليح)، معروف منذ سنين بأن وجود الأسلحة في البيوت يرفع بثلاثة أضعاف حتى خمسة أضعاف الخطر بقتل الزوجة في ذاك البيت. كل الأسلحة النارية التي في البيوت، سواء مرخصة أو غير مرخصة، ترفع جدا الخطر على حياة نساء في تلك البيوت. على هذه الخلفية بالضبط، تم إدراج السؤال "هل توجد أسلحة في البيت؟"، في استبيانات القبول في أقسام معالجة العنف في العائلة. ولكن في الواقع الحالي سلطات الرفاه وسلطات الترخيص غير جاهزة لتتعاون فيما بينها وتتبادل المعلومات لغرض منع المخاطر والتقليص المسبق للتهديدات".
خلصت لجنة رونين في العام 2019 إلى أن المعلومات من سلطات الرفاه لا تنتقل بشكل منتظم وجارٍ الى سلطات ترخيص السلاح. وهي لجنة عامة شكلها وزير الأمن الداخلي الأسبق في 20 أيلول 2018 "لفحص إجراءات الحصول على رخصة حيازة أسلحة نارية". وتوصيتها القاطعة كانت: يجب نقل كل طلب لتلقي رخصة واقتناء سلاح إلى وزارة الرفاه لأخذ موقفها قبل اتخاذ القرار. لكن هذه التوصية الهامة جدا لم تطبق حتى اليوم.
بالإضافة إلى التأثير الفتاك لانتشار السلاح الناري على زيادة جرائم قتل النساء، معروف في العالم وفي البلاد بأن السلاح الناري هو "محفز على الانتحار" ومعظم الأسلحة التي تستخدم لهذا الغرض المأساوي هي أسلحة مرخصة. ووفقا لوزارة الصحة فإن 11 في المئة من إجمالي عمليات الانتحار تستخدم فيها أسلحة نارية. في إسرائيل في غضون ثلاث سنوات فقط (2018 – 2020) انتحر 20 حارسا بالسلاح الذي تلقوه لغرض عملهم.
وتختتم الكاتبة بالتحذير: إن الأمن منوط بإقرار مسؤول وضيق لعدد رخص السلاح وتشديد الرقابة أيضا بعد إصدار الرخصة. إن الأمن المدني لن يتحقق من خلال ترخيص السلاح بالجملة للمواطنين العاديين لاستخدام القوة المسلحة. وإلا فسوف نصبح أميركا.
كذلك، فإن جمعية حقوق المواطن دعت إلى الحد من عدد تراخيص الأسلحة للمدنيين، قائلة "إغراق الشوارع بالأسلحة ليس هو الحل، هذه هي المشكلة - لأن مثل هذا الإجراء يتجاهل المخاطر المؤكدة الكامنة في الأسلحة المملوكة ملكية خاصة. إن العلاقة بين توافر الأسلحة وحالات الانتحار وحالات القتل في العائلة أمر لا جدال فيه. نحن لا نتجاهل الوضع الأمني ولكن في الميزان العام يجب أيضا مراعاة المخاطر".
ولقد أظهر تقرير لصحيفة "هآرتس" أن عدد الطلبات المقدمة إلى وزارة الأمن الداخلي للحصول على رخص أسلحة لمواطنين إسرائيليين، قفزت بـ40 ضعفاً خلال نحو أسبوع، بين العمليتين في بئر السبع وبني براك. علماً بأن هناك حوالي 148 ألف مواطن يحملون حالياً ترخيصاً خاصاً للأسلحة النارية. وأظهرت بيانات الوزارة أنه بينما يبلغ متوسط عدد الطلبات 60 في اليوم فإن أن العدد قفز إلى 143 طلباً وواصل الارتفاع بشكل شبه يومي.
بين فوضى السلاح الجنائي وانتظام مسلحين في شبه ميليشيات
هناك وجهات نظر تنتقد دعوات مسؤولين حكوميين للتسليح ليس من جهة مدنية ترى مدى خطورة المترتب عليها، بل من منطلق أن الامر تعبير عن فشل وإخفاق سياسيين وأمنيين. وهي تشير بالتحديد إلى مسألة انتشار السلاح أو فوضى السلاح في المجتمع عموماً، وفي المجتمع العربي داخل إسرائيل خصوصاً. فالمحلل والمعلق العسكري في جريدة "يديعوت أحرونوت"، يوسي يهوشع، في إطار دعوته إلى ضرورة "إعادة الحوكمة والسيادة وتخفيض مستوى الإرهاب"، تطرّق إلى ما اعتبره "فشل جهاز الشاباك" في معالجة قضية السلاح غير المرخص. وكتب: "الاستخبارات يمكنها أن ترى فقط مناطق تقرر فحصها. وفي هذه الحالة يتضخم القصور الهائل إلى مستويات خطيرة إذ أن الشاباك ليس فقط لم يضع عرب إسرائيل على بؤرة الاستهداف وبالتالي فشل استخباريا بل وأيضا المنظومة كلها فضلت النظر إلى اتجاه آخر والتجاهل (...) ولهذا يوجد فقط تفسير واحد: لم يصدر أحد التعليمات اللازمة – جمع ترسانة السلاح في المجتمع العربي".
رئيس الحكومة بينيت كان قال- في مقطع الفيديو المشار إليه أعلاه- وسط التفاقم الأمني الأخير: "نحن نسرع في جمع الأسلحة غير المرخصة في المناطق العربية، تلك الأسلحة غير المرخصة تراكمت بكميات لا تصدق على مدى سنوات عديدة، وحان الوقت للتخلص منها".
يشمل مشهد فقدان قدرة المؤسسة على ضبط الحاصل بل كل السيرورات المتفاعلة في سياق انتشار السلاح "بدرجات أميركية"، تطوراً خطيراً آخر، خلاصته "مبادرة وتطوّع" مجموعات من أصحاب الأسلحة المرخصة للقيام بما يعتبرونه مهام حراسة وأمن. حدث هذا في اللد إذ تم إطلاق مشروع "نحمي اللد"، وهو "مشروع تطوعي لسكان المدينة الذين قرروا كما قالوا بأنهم يأخذون الأمن في أيديهم"، كما أشارت تقارير صحافية. لكن هذه الخطوة التي حرّكها أفراد اتخذت صورة ومعنى مختلفين وأكثر خطورة حين ظهرت في الدعوة لاجتماعها التأسيسي لوغوات شرطة إسرائيل وبلدية اللد و"النواة التوراتية" في المدينة، المؤلفة من متشددين مغالين في السياسة بغطاء الدين.
تكررت هذه الممارسة في بئر السبع أيضاً، وكما حدث في اللد تماماً، ظهرت الشرطة والبلدية كشريكين في الأمر لكنهما عادتا وتراجعتا في ضوء الانتقادات وكشف قيامهما بمنح غطاء لما يمكن الادعاء بأنه تشكيل لميليشيا. وتوجهت جمعية حقوق المواطن بتاريخ 9.3.2022 إلى كلّ من المفتش العام للشرطة ورئيس بلدية اللد باستفسار عن هكذا خطوة، مؤكدة أن الحديث يدور تماما حول ميليشيا مسلّحة، مطالبة بعدم السماح بالخصخصة المرفوضة لدور العمل الشرَطي، ومنع تسلل آراء عنصرية إلى الأعمال الشرطية وأعمال حفظ الأمن، لأن هذا الأمر من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم التوتر القائم في اللد، وإلى تصعيد الأحداث المستقبلية.
صحيح أن الشرطة أعلنت أنها لن تشارك في المبادرتين في اللد وبئر السبع. لكن إطلاق بينيت دعوة جماعية عشوائية فضفاضة لكل من يحمل رخصة سلاح بحمله، وبالتالي استعماله، يهدّد بخلق بنية تحتية هائلة الحجم والخطورة لنشوء ميليشيات لمدنيين سيقدمون تفسيراتهم الخاصة لما يعتبرونه خطراً أمنياً ولكيفية مواجهته، بالسلاح طبعاً.
المصطلحات المستخدمة:
حرس الحدود, الخط الأخضر, اللد, يديعوت أحرونوت, هآرتس, يهوشع, دورا, رئيس الحكومة, نفتالي بينيت