المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
الانتهازية الإسرائيلية في المسألة الأوكرانيية: الهامش يضيق. (أ.ف.ب)
الانتهازية الإسرائيلية في المسألة الأوكرانيية: الهامش يضيق. (أ.ف.ب)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1657
  • برهوم جرايسي

يُجمع المحللون الاقتصاديون الإسرائيليون على أن على إسرائيل أن تقلق من حجم العقوبات الاقتصادية التي يفرضها الغرب على روسيا على خلفية الحرب في أوكرانيا، فحتى لو لم تشارك إسرائيل في هذه العقوبات فإن شركاتها ومستثمريها سيكونون عرضة لعقوبات بسبب علاقاتهم مع روسيا. وفي واقع الإحصائيات الرسمية يوجد فرق شاسع بين حجم العلاقات الاقتصادية الإسرائيلية- الروسية، وتلك التي مع دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وهي أكبر بما لا يقاس، إلا أنه في الكواليس، لحيتان مال روس كبار دور في الاقتصاد الإسرائيلي، حيث بنوا علاقات مع وزراء وأقطاب في مؤسسة الحكم الإسرائيلية، وهذا هو الأساس؛ وإلى جانبه، حجم المهاجرين الروس والأوكرانيين إلى إسرائيل، وغالبيتهم الساحقة لا تزال تحمل جنسيات أوطانها الأم، إلى جانب الإسرائيلية.

وعلى الرغم من أن إسرائيل صوتت في الهيئة العامة للأمم المتحدة تأييدا لمشروع قرار إدانة روسيا، فإن الانطباع العام في الساحة الإسرائيلية هو أن الموقف الإسرائيلي الرسمي ظهر مرتبكا إلى حد ما، وليس ملاصقا كليا للموقف الأميركي الحاد. وهذا لا يأتي من فراغ، فالعلاقات الإسرائيلية- الروسية متشعبة في مجالات عدة، وأقواها الجانب الاقتصادي، وعدا حجم التبادل التجاري الرسمي، فإن حجم استثمارات كبار الأثرياء الروس في الاقتصاد الإسرائيلي كبير، ومن الصعب حصره، لأنه في حالة دائمة من الصعود والهبوط.

زد على ذلك أنه في العقود الثلاثة الأخيرة، هاجر إلى إسرائيل ما يزيد عن 1.4 مليون شخص من الجمهوريات السابقة في الاتحاد السوفييتي، وغالبيتهم الساحقة من روسيا وأوكرانيا، وما زالت غالبيتهم الساحقة تحمل جنسيات أوطانها الأم، وحسب تقديرات منشورة، فإن ما بين 130 ألفا إلى 200 ألف شخص من هؤلاء المهاجرين، عادوا إلى أوطانهم، ولكن غالبيتهم تواصل حمل الجنسية الإسرائيلية.
إلى ذلك، هناك التنسيق العسكري الدائم بين روسيا وإسرائيل في سورية، وهذا شأن ظاهر، على ضوء الهجمات الإسرائيلية المتكررة على سورية، واستهداف الجيش السوري وحلفائه، دون تحرك روسي كابح.

ويبقى الجانب الاقتصادي هو الأقوى في هذه العلاقات، فبحسب تقارير مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، ووزارة الاقتصاد الإسرائيلية، فإن حجم التبادل التجاري بين روسيا وإسرائيل بلغ في العام 2020 حوالي 3.8 مليار دولار، والميزان التجاري يميل لصالح روسيا، بينما بلغ حجم التبادل مع أوكرانيا في العام ذاته 955 مليون دولار.

وقالت تقارير اقتصادية إسرائيلية إن العديد من قطاعات الاقتصاد الإسرائيلي ستتضرر بشكل جدي من العقوبات المفروضة على روسيا، وهذا ما قد يؤثر على أسعار العديد من البضائع، عدا الخسائر التي ستتكبدها شركات إسرائيلية. فعلى سبيل المثال، الحصة الأكبر من الاستيراد الإسرائيلي للقمح والحبوب، وأيضا الفحم لتوليد 23% من الكهرباء مصدرها روسيا، وهذا ما قد يقود إلى ارتفاع أسعار مواد غذائية ورفع آخر لأسعار الكهرباء.

وبحسب تلك التقارير أيضا، فإن إسرائيل تستورد الغالبية العظمى من الحنطة والحبوب التي تستخدم في تغذية الحيوانات، من روسيا وأوكرانيا، وعلى الشركات الإسرائيلية البحث عن بديل، فالتخوف نابع من أن النقص في الاستيراد سيقود إلى ارتفاع الأسعار، إلى حين يتم إيجاد البدائل، وبأسعار مماثلة في العالم إن وجدت.

وتشكل روسيا مصدرا أساسيا للاستيراد الإسرائيلي من الأخشاب والحديد، الذي يستخدم في قطاع البناء، ما قد يخلق أزمة جدية في هذا القطاع، وعلى أساسها ستكون ذريعة جديدة لرفع أسعار البيوت.

ويعمل الكثير من كبار المستثمرين في إسرائيل في مجال العقارات في كل من روسيا وأوكرانيا، وهذا القطاع من شأنه أن يتضرر في حال تضرر الاقتصاد الروسي من عقوبات الغرب عليه.

كما أن شركات إسرائيلية ضخمة ستواجه أزمة جدية بفعل الحصار الاقتصادي على روسيا، ومن أبرزها شركة الأدوية "طيفع" التي تبيع للسوق الروسية بما مقداره سنويا ملياري دولار، وأرباحها غير الصافية تصل إلى أكثر من 580 مليون دولار.
كذلك هناك قطاع مهم جدا بالنسبة للاقتصاد الإسرائيلي، وهو قطاع تصنيع المجوهرات، وتشكل روسيا مصدرا أساسيا لاستيراد المجوهرات الخام، التي يتم تصنيعها في إسرائيل ومن ثم تصديرها للأسواق العالمية.

وحسب معطيات مكتب الإحصاء الإسرائيلي المركزي، فإن حجم استيراد المجوهرات من روسيا بلغ في العام 2021 الماضي 688 مليون دولار، بينما باقي أصناف الاستيراد مجتمعة بلغت قيمتها 275 مليون دولار.

الدور الكبير لحيتان المال

تتحدث الإحصائيات الرسمية عادة عن حجم التبادل التجاري والاقتصادي، إلا أنها لا تشمل حركة رؤوس الأموال التي تدخل إلى الاقتصاد الإسرائيلي وتخرج منه، بحسب مصالح أصحابها. وهذا الجانب يبرز في العلاقات الاقتصادية الإسرائيلية- الروسية، وبشكل خاص في جانب حيتان مال روسيين كبار جدا، على مستوى روسيا وحتى العالم.

وفيما يخص إسرائيل، فإن غالبية اللاعبين منهم في الاقتصاد الإسرائيلي هم من أبناء الديانة اليهودية، ومنهم من طلب الجنسية الإسرائيلية وحصل عليها، إضافة إلى جنسية وطنه الأم، ولربما جنسيات أخرى يحصلون عليها حيثما يحطّون مع أموالهم.
في العقود الثلاثة الأخيرة، وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي، وظهور شريحة ممن اغتنوا بسرعة البرق، في غضون سنوات قليلة جدا، في روسيا وجمهوريات سابقة كانت ضمن الاتحاد السوفييتي، رأينا قسما منهم يدخلون الاقتصاد الإسرائيلي، مستفيدين من الامتيازات الضريبية التي منحتها إسرائيل للمهاجرين في العقود الثلاثة الأخيرة، ومن بينها امتيازات ضريبية ضخمة لكبار أصحاب رأس المال.

ومن هؤلاء من كانوا يظهرون في القائمة السنوية لأكبر 500 ثري في إسرائيل، التي بدأت صحيفة "ذي ماركر" نشرها ابتداء من العام 2004. وحتى سنوات قليلة جدا سابقة، كان يظهر في مقدمة القائمة عدد من حيتان المال الروس، الذين حصلوا على جنسية إسرائيلية، إلا أنه في القائمة الأخيرة التي نشرت في شهر حزيران من العام 2021، بقي ثري واحد في المقدمة، رومان أبراموفيتش، الذي حلّ ثانيا في القائمة، بثروة إجمالية فاقت 17 مليار دولار، حتى ربيع العام الماضي.

وباقي حيتان المال على الأغلب هاجروا مجددا من إسرائيل ليحطوا في دول أخرى، أو ليعودوا إلى أوطانهم الأم، ومنهم من ترك الجنسية الإسرائيلية وراءه وغادر، وكل هذا بما تحكمه مصالحهم.

وفي العقدين الأخيرين، لم يكتف قسم من حيتان المال هؤلاء بالاستثمار في الاقتصاد الإسرائيلي، بل منهم من سعى لمد يده لسلطة الحكم للتأثير عليه بما يخدم مصالحه الاقتصادية، وتخلل هذا قضايا فساد، وأحدهم قبع في السجن سنوات، وآخر هرب قبل أن يرى قضبان السجن أمامه، عدا عن أسماء ظهرت في فضاءات الحملات الانتخابية كداعمة لسياسيين وأحزاب.

في الأسبوع الماضي، كشف موقع "واللا" الإخباري الإسرائيلي، عن أن وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد، حذر وزراء الحكومة من تقديم مساعدة لحيتان مال روس من أصل يهودي، تخوفا من أن تكون العقوبات على روسيا تطالهم، أو أنهم مرشحون لتطالهم العقوبات لاحقا.

وقال "واللا" إنه حصل على هذه المعلومة من ثلاثة وزراء شاركوا في جلسة الحكومة، وتزامن هذا النبأ مع أنباء إسرائيلية تحدثت عن زيادة ملحوظة في عدد الطائرات الخاصة التي وصلت إلى المطار الدولي الإسرائيلي، وهي لأثرياء روس، ومنها طائرات كانت تقل شخصا واحدا. وبحسب الاعتقاد فإنهم أثرياء كبار، اختاروا الابتعاد عن الحلبة المشتعلة، من أجل التصرف بمصالحهم من دون قيود، بقدر الإمكان.

وحسب ما ورد من أنباء عالمية، فإن جزءا جديا من العقوبات الدولية على روسيا تستهدف حيتان مال عينيين. وإن البيت الأبيض يعد لائحة لملاحقة أموال وممتلكات حيتان المال الروس في العالم، تمهيدا لطلب تجميدها، وهذا من شأنه أن يزيد القلق الإسرائيلي.

وتقول التقارير الإسرائيلية إن الكثير من حيتان المال الروس لديهم استثمارات وحتى ممتلكات عقارية وغيرها في إسرائيل. وقال موقع "واللا" إن قسما من هؤلاء هم خصوم للرئيس فلاديمير بوتين، لكن قسما آخر يعد كبيراً، هم من المقربين لبوتين.
وأضاف الموقع أن حديث الوزير لبيد في جلسة الحكومة جاء على خلفية الحديث في إسرائيل، عن الثري الروسي الإسرائيلي، السابق ذكره هنا، رومان أبراموفيتش، الذي حلّ ثانيا في القائمة بثروة إجمالية فاقت 17 مليار دولار، الذي وصل إلى إسرائيل على متن طائرته الخاصة بسرعة، بعد يوم واحد من اندلاع الحرب. وبرز اسم أبراموفيتش في الآونة الأخيرة لأنه قدم تبرعا سخيا جدا لمتحف تخليد ذكرى ضحايا النازية اليهود في القدس، وتبرعات أخرى قدمها لجامعة تل أبيب، ومستشفى "شيبا" في منطقة تل أبيب.

وفي الأسبوع الماضي قال الصحافي الإسرائيلي، يارون أبراهام، في القناة التلفزيونية الإسرائيلية 12، إن هذه الجهات الثلاث التي تلقت التبرعات توجهت للسفير الأميركي لدى إسرائيل، بطلب أن لا تشمل العقوبات الثري أبراموفيتش.

وقال لبيد في تحذيره للوزراء، بحسب ما نشر: "نحن نعلم حاليا من الذين طالتهم العقوبات، لكننا لا نعلم من ستطالهم العقوبات لاحقا، ولربما قسم منهم يكونون يهودا. وعليكم (الوزراء) أن تحذروا جدا، لأن لهؤلاء الأصدقاء علاقات في إسرائيل، وباستطاعتهم الوصول إليكم هاتفيا، ليطلبوا منكم أمورا، ولهذا عليكم أن لا تلتزموا بأي أمر، فهذا قد يتسبب بضرر سياسي لإسرائيل، وليكن ردكم أنه ليس لديكم ما يمكن مساعدتهم به، وعليهم التوجه لوزارة الخارجية (الإسرائيلية)".

وبحسب تقديرات في وزارة الخارجية الإسرائيلية، فإنه عاجلا أم آجلا ستجد إسرائيل نفسها أمام طلبات دولية، وخاصة أميركية، بالانضمام إلى العقوبات ولو جزئيا. فحتى الآن قررت إسرائيل البقاء خارج دائرة فرض العقوبات، ولربما تطلب استثناء من باب خصوصية وضعيتها أمام كل من روسيا وأوكرانيا.

وبحسب صحيفة "ذي ماركر"، فإن تقديرات البنوك الإسرائيلية هي أنه سيكون عليها الانصياع للقيود الأوروبية والأميركية على روسيا وعلى حيتان المال المستهدفين. وقالت الصحيفة إنه منذ اندلاع الحرب، بدأ عدد من حيتان المال الروس، يستفسرون بشأن التعليمات لنقل أموالهم من البنوك الإسرائيلية إلى الخارج، وكما يبدو إلى روسيا.

ورغم هذا، وحسب تقديرات إسرائيلية أخرى نقلتها "ذي ماركر"، فإن عددا من حيتان المال الروس اليهود سيطلبون العودة إلى إسرائيل، خاصة وأن بحوزة غالبيتهم جنسية إسرائيلية، وسيطلبون الاستفادة من الامتيازات الضريبية، التي تقدمها إسرائيل لكبار المستثمرين المهاجرين إليها، أو العائدين.

وتضيف ذات التقديرات أن هؤلاء سيأتون حاملين مليارات الدولارات، ومنهم من سيشترون عقارات كبيرة، ويستثمرون في قطاعات مختلفة في الاقتصاد الإسرائيلي.

علاقة وزراء حاليين بحيتان مال

نشر الملحق الأسبوعي لصحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية التابعة لصحيفة "هآرتس" في نهاية الأسبوع الماضي، تقريرا مطولا حول حيتان المال الروس، وتركز جانب غير قليل منه في الجانب الإسرائيلي لهؤلاء الأثرياء الكبار. ومما برز في هذا التقرير هو علاقة عدد من وزراء الحكومة الإسرائيليين الحاليين بحيتان مال روس، حتى وقت قريب.
وهؤلاء هم:

**بيني غانتس، وزير الدفاع، الذي حتى نهاية العام 2018، كان رئيس مجلس إدارة شركة هايتك تنتج معدات تقنية استخباراتية عسكرية، حكومية ومدنية، وأحد كبار المستثمرين في هذه الشركة كان الثري الروسي اليهودي فيكتور فاكسلبيرغ، وكان أحد أسباب انهيار تلك الشركة العقوبات الأميركية التي طالت فاكسلبيرغ في العام 2018، في إطار العقوبات التي فرضت على روسيا في السنوات الأخيرة.

**وزير المالية أفيغدور ليبرمان، المعروف بعلاقاته مع الحُكم الروسي، بموازاة علاقات طويلة الأمد مع حيتان مال روس، وفي الجمهوريات السابقة في الاتحاد السوفييتي، وأحدهم ميخال تشيرنوي، الذي يملك عقارات كثيرة في إسرائيل.

**وزير البناء والإسكان، زئيف إلكين، على علاقة كبيرة بحيتان مال، ساعدوه بمنحه ضمانات مالية حينما تنافس على رئاسة بلدية القدس في العام 2018. ومن بين هؤلاء، الثري الروسي تيمور بن يهودا (حاحينشفيلي)، الذي يترأس مجلس الأعمال الإسرائيلي- الروسي. وأيضا يوري زبلينسكي وليف كنغو. وقال إلكين لصحيفة "ذي ماركر" إنه لا أحد من داعميه ومقدمي الضمانات المالية من مؤيدي بوتين. يضاف إلى هذا أن إلكين حصل على تبرعات مالية لحملته من الثريين فلاديمير غوجينسكي، وميخائيل ميريشفيلي. كما يضاف إلى هذا، أن مدير عام وزارة الإسكان الإسرائيلية أفيعاد فريدمان كان سابقا مدير أعمال في واحدة من شركات غوجينسكي.

**وزير العدل جدعون ساعر حصل مرتين على تبرعات من الثري فلاديمير غوجينسكي، في العامين 2008 و2012. وكان ساعر قد توجه إلى دائرة تسجيل السكان الإسرائيلية لمساعدة غوجينسكي في استصدار جواز سفر إسرائيلي، بحسب ما نشرته سابقا القناة 14 التلفزيونية الإسرائيلية.

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات