المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
موجة كورونا الجديدة في إسرائيل: من المبكر الوصول لاستخلاصات اقتصادية.  (أ.ف.ب)
موجة كورونا الجديدة في إسرائيل: من المبكر الوصول لاستخلاصات اقتصادية. (أ.ف.ب)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 910
  • برهوم جرايسي

تشتد حالة الترقّب في أوساط الحكم الإسرائيلي، والأوساط والمؤسسات الاقتصادية والمالية، لمستقبل موجة كورونا الحاليّة، والتي تسجّل معدّلات غير مسبوقة في عدد الإصابات اليومية، في حين أن التقديرات تشير إلى احتمال أن تصل الحالات النشطة إلى ما بين 800 ألف وحتى مليوني شخص في غضون أسبوعين، وما سيرافق هذا من انعكاسات على الجهاز الصحي، وبشكل خاص على الاقتصاد من كل جوانبه، بعد أن سجّل الاقتصاد في العام الماضي 2021، وفق التقارير الأولية، معطيات فاجأت إسرائيل بكونها إيجابية نسبيا، مقارنة مع التوقعات الأولى وحتى المعدّلة لاحقا.

ورغم مرور أسبوع وأكثر على التقديرات المستقبلية، بمعنى عن حالات نشطة بما بين 800 ألف إلى مليوني شخص، إلا أن عدد الحالات النشطة، في مطلع الأسبوع الجاري، بأكثر من 280 ألفا، لا يقترب من تلك التقديرات. ففي الأيام الأخيرة، يسجّل عدد الإصابات بكورونا يوميا ذروة بعد ذروة، إلا أنه كما يبدو فإن النسبة العظمى من هذه الإصابات هي بمتحوّر أوميكرون، إذ أن أعداد المصابين الضخمة لا تنعكس على أعداد متلقي العلاج في المستشفيات، ولا من هم في حالة الخطر، وبالتالي أعداد الوفيات، إلا أن هذا لا يلغي التخوّف الإسرائيلي من أن تكون المستشفيات عاجزة عن استيعاب الأعداد المتزايدة لاحقا، رغم أن التوقعات العلمية الإسرائيلية تقول إن هذه الموجة ستبدأ في التراجع مع نهايات الشهر الجاري، أو لربما في مطلع الشهر المقبل.

وأيضا مقابل هذه الأعداد الضخمة من المصابين، هناك أكثر من 200 ألف شخص في حالة حجر حتى مطلع هذا الأسبوع، والحجر عادة ينعكس مباشرة على قطاع العمل، ولذا فإن أحد الحسابات في إسرائيل هو انعكاسات تضخّم أعداد المصابين والذين يفرض عليهم الحجر على الاقتصاد والحياة العامة، رغم أن المؤسسة الصحية الإسرائيلية ذات الشأن قلّصت عدد أيام الحجر لسبعة أيام بدلا من 10 أيام، لمن ليس لديهم عوارض المرض.

ففي إسرائيل يدور جدل حول جدوى فرض إغلاقات ولو جزئية، إن كان على المدارس، وفي هذا الملف هناك معارضة من وزيرة التعليم يفعات شاشا بيطون؛ أو إغلاق مطاعم ومرافق جمهرة، وهنا الصرخة وصلت مسبقا من قطاعات الاقتصاد. إلا أن التقارير الإسرائيلية تقول إن الجائحة فرضت نفسها على الجمهور الذي بادر بذاته إلى تقليص حركته، وارتياده للأماكن العامة، ومنها المطاعم وغيرها. وتداهم إسرائيل الجائحة، في الوقت الذي عرضت فيه التقارير الاقتصادية معطيات مفاجئة للاقتصاد الإسرائيلي، مثل العجز في الموازنة العامة في العام الماضي، الذي بلغ نسبة 4.5% من حجم الناتج العام، بدلا من توقعات عجز بنسبة 6.7%، على أساسها تم إعداد ميزانية العام الماضي. كما أن مداخيل الضرائب سجّلت ارتفاعا فاق التقديرات الأولى والمعدّلة لاحقا، لتسجّل ذروة غير مسبوقة في الاقتصاد الإسرائيلي.

وكما يظهر من حجم الاعتراضات على اتخاذ إجراءات صارمة مثل إغلاقات وقيود على الحركة، فإن القلق على الاقتصاد بات يطغى على القلق الصحي. إلا أن الأمور لم تنته، وجميع الاحتمالات بشأن الإجراءات تبقى واردة في الأيام المقبلة.

التضخم المالي والعجز في الموازنة العامة

سجّل التضخم المالي في العام الماضي 2021 ارتفاعا بنسبة 2.8%، بموجب ما أعلنه مكتب الإحصاء المركزي الحكومي، في منتصف الشهر الجاري، كانون الثاني. وهي النسبة الأعلى منذ العام 2012، ومشابهة لما كانت عليه في العام 2011. والمرتكز الأساس لارتفاع التضخم بهذه النسبة، هو ارتفاع المواد الغذائية والأساسية الحياتية، التي تسجّل ارتفاعات متواصلة وبشكل زاحف منذ صيف العام 2020. إضافة للصرف على المسكن وصيانته.

إلا أن الإسرائيليين في سدة الحكم يسعون دائما للمقارنة مع الوضع القائم في الدول المتطورة الكبرى، بهدف تسهيل الغلاء على الجمهور، فالتضخم يضرب جميع الدول المتطورة والغنية، وأبرزها الولايات المتحدة الأميركية، التي سجّل فيها التضخم في العام الماضي ارتفاعا بنسبة 7%، وهي النسبة الأعلى منذ 41 عاما، حسب ما قالته التقارير الأميركية.

إلا أن هذا الفارق لا يلغي كون أن كلفة الحياة اليومية في إسرائيل أغلى بنسبة 20% من معدلات الكلفة في الدول المتطورة، حتى وفق تقارير إسرائيلية. وعلى سبيل المثال، فإن أسعار المواد الغذائية على مختلف أصنافها، أغلى بنسبة 25% بالمعدل، مقارنة مع الأسعار في الأسواق العالمية، وبشكل خاص أسعار اللحوم التي هي أعلى بنسبة 30% من الأسعار في العالم، بسبب شروط الحلال اليهودي المكلفة.

وسبق الإعلان عن التضخم المالي، الإعلان عن العجز في الميزانية العامة في العام الماضي 2021، الذي بلغ، كما ذكر هنا، نسبة 4.5%، وهي نسبة مفاجئة للأوساط الإسرائيلية، لأنها جاءت أقل من جميع التوقعات، في حين أن خزينة الضرائب سجّلت مداخيل هي الأخرى فاقت كل التوقعات، حتى الأخيرة منها.

وحسب ما ورد في التقارير الأولية لوزارة المالية، بشأن العجز في الميزانية العامة، فإن خفض العجز كان نتيجة لارتفاع حاد في جباية الضرائب، فاق التوقعات وكل التعديلات اللاحقة، وبموازاة ذلك، كان هناك خفض في الصرف الحكومي. إلا أن العجز كان من الممكن أن يكون أقل، لولا الصرف الزائد في الشهر الأخير من العام الماضي، وأساسا على وزارة الدفاع.

وحسب تقرير وزارة المالية، فإن العجز في الموازنة العامة مع نهاية العام الماضي بلغ 68.6 مليار شيكل، وهذا يعادل 4.5% من حجم الناتج الإسرائيلي العام، ما يعني أن حجم الناتج العام، بلغ في العام الماضي 1.525 ترليون شيكل، وهذا يعادل قرابة 491 مليار دولار، على أساس معدّل الصرف في الشهرين الأخيرين من العام الماضي، 3.11 شيكل للدولار.

وكانت الموازنة العامة للعام الماضي 2021، قد تم إعدادها في وزارة المالية على أساس عجز في الموازنة بنسبة 6.7%، ما يعني أن العجز جاء أقل بنحو 33.5 مليار شيكل. وبعد إقرار الموازنة العامة، خفّضت وزارة المالية تقديراتها للعجز إلى نسبة 5.5%، ولكن النتيجة الأولية جاءت أقل، علما أن نسبة العجز النهائية قد تتضح خلال الشهرين المقبلين، ولربما تكون النسبة أقل بقليل.

ويُستنتج من تقرير الوزارة، أنه في الأشهر الـ 11 الأولى من العام الماضي بلغ العجز المالي 47.6 مليار شيكل، ما يعني عجزا بمعدّل سنوي بنسبة 3.1% من الناتج العام، ولكن العجز قفز في الشهر الأخير وحده بنحو 21 مليار شيكل، وهذا جرى في الأسبوعين الأخيرين، حينما طلبت الحكومة، وأقرت اللجنة المالية البرلمانية، تحويل فوائض ميزانيات لبنود صرف أخرى، ما يعني صرفا زائدا بنحو 16 مليار شيكل، منها 7.5 مليار شيكل تم دفقها على وزارة الدفاع.

وكما ذكر، فإن جباية الضرائب حققت قفزة فاقت كل التوقعات التي كانت ترتفع تباعا، وبلغ إجمالي مداخيل الضرائب 413 مليار شيكل، مقابل 318 مليار شيكل في العام 2020. وكانت ميزانية 2021 قد تم إعدادها على أساس مداخيل ضريبية بقيمة 343 مليار شيكل، وشرعت وزارة المالية لاحقا برفع التقديرات، حتى بلغت 395 مليار شيكل، وفق آخر تقديرات ليتبين أن المداخيل النهائية أكبر.

تحذير من انبهار ومغامرة

يحذر محللون الحكومة والمسؤولين في المؤسسات المالية من الانبهار الزائد بمعطيات الاقتصاد الإسرائيلي، خاصة وأن موجة كورونا الجديدة ما تزال في أوجها، وليس واضحا مستقبلها وانعكاساتها على الاقتصاد، الذي فيه مواطن ضعف ليست قليلة يجب أخذها بالاعتبار.

ومن بين هؤلاء المحللين أدريان بايلوت الذي كتب في مقال له في صحيفة "كالكاليست" بأن هذه المعطيات تعد إنجازا لوزير المالية أفيغدور ليبرمان، خاصة وأن العجز في الميزانية يشمل الميزانية الإضافية المخصّصة للصرف على أزمة كورونا، ولولاها لكان العجز قد انخفض بقدر أكبر.

إلا أن بايلوت كتب محذّرا: "يجب ألا نخلط بين كل هذه البيانات المدهشة التي لا ينبغي الاستهانة بها، فمن الواضح بالفعل أنها ليست كل شيء. إن إسرائيل العام 2022 هي دولة مزدوجة مقسمة، تقريبا، إلى مجموعتين. الأولى والأصغر من الناحية العددية، مؤلفة من أولئك الذين ترتبت أمورهم، وبضمنها أساسا العاملون في قطاع التقنية العالية، الهايتك، الذين يحصلون على معدّل رواتب ضعف معدّل الرواتب العام، وسوية معهم العاملون في القطاع العام ومنظمون نقابيا ويحصلون على شروط عمل جيدة، ومضمونة. وهناك موظفون يتقاضون راتباً يزيد بالفعل عن ضعف متوسط الراتب العام، إضافة إلى المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال الذين ابتسم لهم القدر". ويتابع بايلوت: "من ناحية أخرى، فإن معظم شعب إسرائيل ينهار تحت العبء. وكورونا لم تخلق أي شيء، فقط سلطت الضوء على الفجوات الاقتصادية الاجتماعية، وأبرزتها ووسعتها كثيرا. تجري أحداث إسرائيل في العام 2022 في مساحة أصبحت مزدحمة بشكل لا يطاق. هذا بلد يشهد ازدحامات متنوعة. فإلى جانب الاختناقات المرورية على الطرقات والحدائق والشوارع، هناك ازدحام وضغوط في الجهاز الصحي، كما في وسائل النقل، والتعليم، وقطاع العقارات وغيره". ويرى بايلوت أن آلية العمل في جهاز الدولة والاقتصاد، سوية مع نسبة التكاثر الطبيعي الأعلى بين الدول المتطورة، والبيروقراطية القديمة، تشدّ إسرائيل سنوات إلى الوراء. وبعد كورونا سيكون وضع لم يكن قائما من قبل، وعلى الحكومة بلورة استراتيجية جديدة للاقتصاد الكلي، لا تستند فقط على حجم الناتج العام، ونسبة النمو السنوية فيه. فالعجز في الميزانية سيستمر، وهو أمر مهم لمعرفة كيفية إدارة الاقتصاد والمال العام، لهذا يجب أن يكون التركيز على جوهر الإنفاق والدخل. أين نضع الشيكل الهامشي ليكون أفضل للجميع هنا، ولا أقل أهمية: ممن يتم أخذ الشيكل، بحسب تعبير بايلوت.

غير أن من فاجأ الأوساط الاقتصادية الرسمية والخاصة كان محافظ بنك إسرائيل المركزي، أمير يارون، الذي قال في بيان له أمام اللجنة المالية البرلمانية في الكنيست في الأسبوع الماضي، إن الوضع الاقتصادي العام في إسرائيل ما زال متخلفا عن ركب الدول المتطورة، وكي تلحق إسرائيل بهذا الركب، وتكون ضمن الدول الـ 15 الأولى الأكثر تطورا اقتصاديا في العالم، عليها تغيير عدد من القواعد والمعادلات الاقتصادية التي وضعتها منذ سنوات، من أجل زيادة الاستثمارات الحكومية في مختلف المجالات، ما من شأنه أن يدفع قدماً بعجلة النمو الاقتصادي.

وخلافا لكل سابقيه في المنصب، دعا يارون إلى زيادة سقف العجز في الميزانية العامة، من النسبة المتوخاة والمطلوبة 2%، التي وضعتها وزارة المالية، وحتى بنك إسرائيل المركزي، الذي طالب بأقل منها سابقا، إلى نسبة تتراوح ما بين 3% إلى 4%.
ولم يكتف يارون بهذا، بل دعا أيضا إلى عدم الاستمرار بالتمسك بنسبة دين عام لا ترتفع عن نسبة 60% من حجم الناتج العام، وهي النسبة التي حققتها إسرائيل في الأعوام 2017 وحتى 2019، وارتفعت إلى 74% في العام 2020، وحسب التقديرات، فإن هذه النسبة تراجعت بشكل ملحوظ في العام الماضي، استنادا لنسبة العجز في الميزانية، ونسبة النمو المتوقعة بنحو 7% ولربما أكثر.

ويقول يارون إنه لا مانع من رفع سقف الدين العام إلى نسبة 70%، مدعيا أن الاقتصاد الإسرائيلي قادر على تحمل نسبة كهذه، رغم كلفة هذا الدين من الميزانية العامة، من حيث الفوائد البنكية. ويقول يارون إن مستويات الفائدة البنكية في العالم منخفضة وهذا يشجّع على زيادة الدين من أجل زيادة الاستثمارات.

يشار إلى أنه في العام 2019، وقبل اندلاع جائحة كورونا، بدأ الحديث في إسرائيل عن وضع سقف أقل للدين العام، ليصل إلى حدود 50% من حجم الناتج العام، حتى تفجرت جائحة كورونا وانعكاساتها على الاقتصاد، فقلبت كل الموازين والمعادلات الاقتصادية.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات