المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
ارتفاع قيمة الشيكل أمام العملات العالمية يؤزم قطاع الصادرات.  (رويترز)
ارتفاع قيمة الشيكل أمام العملات العالمية يؤزم قطاع الصادرات. (رويترز)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 2211
  • برهوم جرايسي

أظهر التضخم المالي في الأشهر الـ 11 الأولى من العام الجاري، والذي ظهرت معطياته قبل أسبوعين من انتهاء العام، أن الاقتصاد الإسرائيلي سيسجل لأول مرّة منذ ثماني سنوات تضخما ماليا يتجاوز نسبة 2.2%، إذ أن آخر نسبة كهذه كانت في العام 2013، لتتبعه 7 سنوات من التضخم القريب للصفر. وهو يعكس موجات الغلاء في السوق التي اندلعت منذ صيف العام 2020، في حين سجلت أسعار البيوت منذ مطلع العام ارتفاعا حادا بنسبة 10.3%. في المقابل فإن ارتفاع قيمة الشيكل أمام العملات العالمية يخلق أزمة في قطاع الصادرات، وقد ينعكس على جوانب عدة في الاقتصاد الإسرائيلي.

وأعلن مكتب الإحصاء المركزي، الأسبوع الماضي، أن التضخم المالي سجل في شهر تشرين الثاني الماضي تراجعا طفيفا بنسبة 0.1%، ومنذ مطلع العام الجاري ارتفع التضخم بنسبة 2.5%، وسط تقديرات بأن تضخم الشهر الجاري، الخاتم للعام الجاري 2021، سيسجل هو أيضا تراجعا طفيفا.

تتفاقم مشكلة الغلاء القائمة في السوق الإسرائيلية، لأن الحديث يجري أساسا عن ارتفاع أسعار المواد والبضائع الاستهلاكية الأساسية، وخاصة المواد الغذائية، وأيضا البضائع والحياتية اليومية. ولا تتوقف التقارير الاقتصادية التي تتحدث عن غلاء يتلوه غلاء لمواد غذائية متنوعة، آخرها على سبيل المثال أسعار المعكرونة، التي قال تقرير صدر في الأسبوع الماضي، إن أسعار هذه السلعة قد ترتفع في الفترة القريبة المقبلة بنسبة تتراوح ما بين 20% إلى 30%، بسبب ارتفاع أسعار حبوب القمح الخاصة بإنتاجها بشكل خاص في إيطاليا وتركيا، وهو بحسب التقارير غلاء ناجم عن تراجع المحاصيل.

كذلك في الأسبوع الماضي أقرت لجنة المالية البرلمانية في الكنيست الضريبة الإضافية التي طلبت وزارة المالية فرضها على المشروبات الخفيفة، والمُحلاة، بذريعة حماية صحة الجمهور، إلا أنه تم استثناء نبيذ خاص من دون كحول، يشربه المتدينون اليهود، ويسمى "تيروش"، من هذه الضريبة، تجاوبا مع ضغوط النواب المتدينين.
وسترفع الضريبة الجديدة سعر القنينة بما بين 30% إلى 40%، سيتكبدها أساسا الفقراء الذين لا تعوّضهم الحكومة بسياستها الاقتصادية عن الغلاء الفاحش، لجعلهم قادرين على شراء بدائل صحية لهذه المشروبات التي كثرتها مضرّة للصحة.

وبموجب قرار لجنة الكنيست الذي سيكون نافذا ابتداء من اليوم الأول من الشهر المقبل، مطلع 2022، سيرتفع سعر الليتر من المشروبات الخفيفة بشيكل واحد، ما يعني أن قنينة لتر ونصف اللتر الأكثر شيوعا في الأسواق، سيرتفع سعرها بـ 1.5 شيكل، وهذه ضريبة ثابتة، ولذا فإنها سترفع سعر القنينة بما بين 30% إلى 40%، بحسب سعر قنينة المشروبات الأصلي. أما المشروبات المُحلاة ببدائل السكر، وحسب التسميات التسويقية دايت وزيرو، فإن الضريبة ستكون 70 أغورة على كل لتر.
وحسب التقديرات فإن هذه الضريبة الجديدة ستدخل لخزينة الضرائب الإسرائيلية 380 مليون شيكل سنويا. وقررت لجنة المالية البرلمانية تخصيص 40 مليون شيكل منها فقط لحملات توعية ضد أمراض السكري.

ويدعي كبار مسؤولي شبكات التسوق أن ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية يعود إلى سلسلة عوامل، أولها ارتفاع أسعار المواد الخام عالميا، وفي دول المنشأ، مثل الحبوب على أنواعها والزيوت والسكر، إضافة إلى ارتفاع أسعار النقل البحري، بفعل قيود جائحة الكورونا، ولكن أيضا في الأشهر الأخيرة بسبب القفزات العالية في أسعار النفط والوقود عالميا. يضاف إلى هذا أن شبكات التسوق قلصت، بدرجة كبيرة جدا، حملات التخفيض التنافسية التي كانت دائرة في السنوات الأخيرة، ما سيساهم الآن في رفع الكلفة بالنسبة للمستهلك.

ما يقلق أكثر الاقتصاد الإسرائيلي هو ارتفاع أسعار البيوت، التي لا تدخل ضمن حسابات سلة المشتريات التي تحدد نسبة التضخم المالي. فقد سجلت أسعار البيوت منذ مطلع العام ارتفاعا حادا بنسبة 10.3%، بدون أن تكون الحكومة قادرة على لجم هذا الارتفاع المتواصل.

في المقابل، من المتوقع أن تعلن وزارة المالية في هذه الأيام أنظمة جديدة تعفي العديد من أصناف المنتوجات الزراعية والحيوانية المستوردة من الجمارك، ما يعني خفض أسعارها، حسب المتوقع، وهو ما يلقى معارضة شديدة من المزارعين في إسرائيل، ومعهم أيضا قوى سياسية داعمة لهم في الائتلاف الحاكم.
وقالت الوزارة إنها ستدفع تعويضات للمزارعين المتضررين، إلا أن التعويض المعلن هامشي جدا، وهو 100 شيكل (نحو 32 دولارا) للدونم الزراعي الواحد، وهو تعويض صفري بالنسبة للمزارعين.

ويقول المحلل الاقتصادي سامي بيرتس، في مقال له في صحيفة "ذي ماركر"، إن التضخم يرفع رأسه في العالم. وفي الأسبوع الماضي قالت التقارير إن أسعار السلع والخدمات في الولايات المتحدة ارتفعت في العام المنتهي في تشرين الثاني، بنسبة 6.8%، وهي أعلى نسبة تضخم منذ أوائل سنوات الثمانين من القرن الماضي.

وارتفاع الأسعار بهذا الشكل الحاد تأثر من عاملين لأزمة الكورونا: تدفق أموال بشكل غير مسبوق من الإدارة الأميركية من أجل دعم الاقتصاد، إلى جانب الصعوبات في مسألة العرض، بسبب الاضطرابات في سلسلة التوريد العالمية، ما أدى إلى نقص في العديد من البضائع والسلع والمعدات. على سبيل المثال قفزت أسعار السيارات المستعملة بنسبة 43% في العام المنتهي في تشرين الثاني. وساهم في ارتفاع أسعار السلع والبضائع، ارتفاع أسعار الطاقة، في أعقاب قرار منظمة "أوبك"، خفض الإنتاج النفطي.

وحسب بيرتس فإن هذه الأسباب تنطبق أيضا على إسرائيل. وكتب: "لدينا أيضا كورونا والحكومة وبنك إسرائيل المركزي أدفقا الأموال على الأسواق والجمهور، والأضرار التي لحقت بسلسلة التوريد العالمية انعكست علينا أيضا. علاوة على ذلك، فإن عامل التجارة الخارجية للاقتصاد الإسرائيلي أقوى من تأثيره على الاقتصاد في الولايات المتحدة، إلا أن التضخم في إسرائيل في الأشهر الـ 11 الأخيرة سجل ارتفاعا بنسبة 2.5% فقط، وحسب التوقعات، فإن النسبة الإجمالية للعام الجاري 2021 ستكون أقل".
وليس فقط في الولايات المتحدة التضخم المالي عال، ففي ألمانيا سجل التضخم ارتفاعا سنويا بنسبة 4.5%، وفي كتلة دول اليورو بلغ إجمالي التضخم 4%.

ويسأل بيرتس: لماذا ترتفع الأسعار في إسرائيل بوتيرة أكثر اعتدالا من الولايات المتحدة وأوروبا، بينما تواجه جميع الاقتصادات نفس آثار أزمة كورونا؟ ويجيب: هناك نوعان من العوامل على الأقل للحد من التضخم في إسرائيل: الأول هو تعزيز قيمة الشيكل أمام العملات العالمية، إذ تتدفق على الاقتصاد الإسرائيلي أموال ضخمة، بالعملات العالمية للاستثمار في قطاع التنقية العالية. هذا العام، سيتم كسر رقم قياسي للاستثمار الأجنبي، وسيتجاوز إجمالي الاستثمارات الأجنبية 20 مليار دولار. وهذا يقوي الشيكل ويضر بالمصدرين، لكنه في نفس الوقت يقلل من أسعار السلع المستوردة، بسعرها بالشيكل، رغم ارتفاعها في العالم. والسبب الثاني، بحسب بيرتس، يصعب قياسه: وهو أن كلفة المعيشة في إسرائيل أعلى بنحو 20% منها في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، OECD، وحساسية الجمهور لارتفاع الأسعار في هذه الظروف مرتفعة نسبيًا.

وتابع: "على سبيل المثال، في الشهر الماضي فكرت بعض شبكات التسوق وكبار المنتجين في رفع الأسعار، والتشبث بالعوامل العالمية، مثل ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وتأخر وصول البضائع والمواد الخام، لتبرير هذه الخطوة. لكن تحقيق سلطة المنافسة في الاقتصاد، الذي تم فتحه للاشتباه في انتهاك قوانين مكافحة الاحتكار من قبل موردين وشبكات تسوق، وشركات البيع بالتجزئة الكبيرة، أدى إلى تجميد الخطط. من الصعب تقدير نتائج التحقيق، لكن من المحتمل أن يحد التحقيق من ارتفاع الأسعار، وهذا الأمر، سوية مع تعزيز سعر الشيكل، من شأنه أن يجبر المنتجين والمستوردين على أن يضبطوا أنفسهم في مسألة رفع الأسعار".

قيمة الشيكل

تواصل قضية ارتفاع قيمة الشيكل أمام الدولار إشغال المؤسسات المالية الرسمية والقطاع الاقتصادي ككل، بعد أن ارتفعت قيمته منذ شهر نيسان من العام الجاري بنسبة تجاوزت 5%، ومنذ نيسان العام الماضي 2020 بنسبة تجاوزت 12.5%، ومنذ مطلع العام 2019 بنسبة 16.5%. ويتراوح سعره في الأيام الأخيرة حول 3.13 شيكل للدولار، وكان قد سجل سعر الدولار أعلى ذروة له في صيف العام 2004، حينما بلغ سعره 4.85 شيكل للدولار، يعني أكثر بنسبة 36% من سعره الحالي.

وكما ذكر في تقارير سابقة، فإن ارتفاع قيمة الشيكل لا تعكس نفسها على قيمته الشرائية، رغم أن هناك من يرى من المراقبين الاقتصاديين أن ارتفاع قيمة الشيكل لجم أسعار مواد وبضائع مستوردة، أو أن موادها الخام مستوردة.

وخلافا لموجات سابقة لهبوط سعر الدولار، لا نشهد في الشهرين الأخيرين ضجة من جانب المستوردين، الذين كما يبدو من تقرير لبنك إسرائيل اتبعوا إجراءات وقائية، تحمي مردودهم المالي بالشيكل من الصادرات، ولربما منها رفع أسعارهم في الأسواق العالمية.

وقال المحلل الاقتصادي أدريان بايلوت في استعراضه لتقرير لبنك إسرائيل المركزي صدر في الأيام الأخيرة، إن مسببات ارتفاع قيمة الشيكل كانت واضحة للعيان مسبقا، من خلال حركة سوق العملات، وأيضا التوقعات بتدفق الاستثمارات الأجنبية غير المسبوق بحجمه هذا العام على الاقتصاد الإسرائيلي، إلى جانب أن المستثمرين الإسرائيليين باتوا يتخلصون من احتياطي العملات الأجنبية وخاصة الدولار الذي لديهم منعا لخسائر أكبر.

ووفقا لتقرير البنك الذي تداول سوق الصرف الأجنبية، فإنه في الربع الثالث من العام الجاري 2021، والذي يتضمن الأشهر من تموز وحتى أيلول، والتي تراوح فيه سعر الدولار ما بين 3.2 شيكل إلى 3.3 شيكل، ظهرت مؤشرات أولية لتراجع سعر الدولار.

وكتب بايلوت أن من النقاط الرئيسة في موضوع تعزيز قيمة الشيكل دور كل قطاع في الديناميكيات، أي من هم المشترون ومن هم البائعون، وليس أقل أهمية، ما هو وزنهم في "اللعبة".

إحدى النتائج البارزة في التقرير هي القفزة الحادة للعوامل الخارجية في التجارة بالشيكل. في الربع الثالث من العام الجاري استحوذ هؤلاء على أكثر من نصف التجارة بالعملة، وتجاوز وزنهم 50% لأول مرة منذ عقد. وتجدر الإشارة إلى أن آخر مرة كان فيها وزن الأجانب أكثر من نصف تجارة النقد الأجنبي تمت في الربع الثاني من العام 2011.

علاوة على ذلك، فإن كل التجارة الخارجية تقريبا (نحو 97%) تتم بواسطة مؤسسات مالية أجنبية. وإليكم الأرقام المطلقة: من بين 564 مليار دولار تم تداولها في العملات الأجنبية في السوق خلال الربع الثالث، تم تحقيق نحو 234 مليار دولار من قبل مؤسسات وشركات مالية أجنبية.

ومن بين الذين لعبوا دورا حاسما في رفع قيمة الشيكل في العام الماضي، إلى جانب الكيانات الأجنبية، كيانات مؤسسية إسرائيلية، حيث قامت بشراء ما يمكن تسميتها احتياطات وقائية (بيع الدولار واليورو) بغرض الحماية من التغيرات في سعر الصرف.

وإذا كان هؤلاء بحلول منتصف عام 2020 قد اشتروا دولارات أكثر مما باعوا، فقد انعكست الصورة تماما وبدأوا في بيع الدولارات بشكل حاد. وبحلول الربع الثاني من هذا العام اشتروا أكثر من 11 مليار دولار، وبحلول الربع الثالث من عام 2021 وصلوا إلى صافي بيع 24.7 مليار دولار.

وقال بايلوت إن بنك إسرائيل يفحص كل هذه التحركات بهدف الحد من ارتفاع قيمة الشيكل. ومنذ العام 2019 حتى نهاية الربع الثالث من العام 2021، كان الأجانب والمؤسسات المالية الإسرائيلية هما القوة الأكثر مركزية وقوة في التقدير. وباعا معا ما مجموعه نحو 63 مليار دولار، وقام بنك إسرائيل بمحاولة تحييد التأثير، ولهذا اشترى ما مجموعه أكثر من 54 مليار دولار.

وإجمالاً يرى محللون أن بنك إسرائيل المركزي عالق في دوامة في هذه المرحلة، فمن ناحية هناك غلاء وحالة تضخم مالي لم تشهدها إسرائيل منذ 8 سنوات، ما يلزم برفع الفائدة البنكية الأساس، التي ترسو منذ أكثر من عام ونصف العام عند نسبة 0.1%. ولكن من ناحية أخرى، فإن ارتفاع قيمة الشيكل أمام العملات الأجنبية يمنع البنك من رفع الفائدة البنكية، على الأقل في المدى المنظور، خاصة وأن كل عمليات شراء الدولارات لم تنجح في مواجهة ارتفاع سعر الشيكل أمام العملات العالمية.

المصطلحات المستخدمة:

الشيكل, لجنة الكنيست, دورا, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات