في الأيام الأخيرة تقدم وزير العدل الإسرائيلي جدعون ساعر، عضو الائتلاف الحكومي عن حزب "أمل جديد"، بمشروع قانون يقضي بتحديد فترة ولاية رئيس الحكومة الاسرائيلية بثماني سنوات متواصلة كحدٍ أقصى. ويرى مراقبون إسرائيليون أن مشروع القانون هذا، الذي كان على سلم أولويات الائتلاف الحكومي، انما يستهدف بالدرجة الأولى بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق والذي استمرت ولايته الأخيرة مدة 12 عاماً، والذي أبدى قدرة على المحافظة على منصبه لفترة طويلة نسبياً. بيد أن مشروع القانون، بشكله الحالي، لا يسري بأثر رجعي، الأمر الذي قد لا يمنع نتنياهو من العودة إلى الحكم مرة أخرى شريطة أن لا تستمر مدة ولايته (الجديدة) أكثر من 8 سنوات. في حال تمت المصادقة النهائية على مشروع القانون، ستكون له انعكاسات هامة: أولا، سيحدث القانون تغييرات دراماتيكية في طريقة الحكم في إسرائيل قد تنعكس على طبيعة السلطة التنفيذية، وقدرتها على مراكمة مصادر القوة، وعلى طبيعة التحالفات والاصطفافات داخل الأحزاب الكبرى في إسرائيل، مثل الليكود. ثانيا، يعتبر هذا القانون سابقة تاريخية على صعيد العالم، بحيث أن نظم الحكم الديمقراطية البرلمانية لم تشهد تحديدا كهذا لفترة ولاية رئيس الحكومة الذي يعينه البرلمان نفسه وليس من خلال انتخاب مباشر من قبل عامة الناس.
هذه المقالة تحاول أن تشرح تبعات هذا القانون الذي ما يزال في طور المشروع.
بغض النظر عن الطبيعة الاستعمارية لدولة إسرائيل والتي قد تنفي عنها صفة الديمقراطية القائمة على المساواة، إلا أنه بالنظر إلى الحياة السياسية داخل إسرائيل فإنها تصنف كدولة ديمقراطية غربية، على الأقل فيما يتعلق بطريقة تداول الحكم. إن نظام الحكم في إسرائيل هو نظام ديمقراطي برلماني، بمعنى أن المجتمع الإسرائيلي ينتخب بشكل دوري أحزابا سياسية لتقوم هذه الأحزاب المنتخبة بتشكيل المجلس التشريعي، أو الكنيست. ثم يقوم الكنيست بدوره بتعيين رئيس الحكومة بناء على قانون أساس الحكومة والذي يفصل الآليات التي تحكم هذه العملية. وبذلك، تختلف الديمقراطية الإسرائيلية عن دول غربية أخرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا، على سبيل المثال، حيث يتم انتخاب رئيس السلطة التنفيذية بشكل مباشر. كما أن هاتين الدولتين تعتبران من الدول الرئاسية، بمعنى أن الرئيس، وليس رئيس الحكومة، هو صاحب الصلاحيات الأوسع والذي يترأس السلطة التنفيذية. لكن إسرائيل أيضا تتشابه مع دول ديمقراطية أخرى عديدة والتي يتم فيها انتخاب رئيس السلطة التنفيذية بشكل غير مباشر. في هذه الدول بالتحديد، أي الدول التي تصنف باعتبارها ديمقراطية برلمانية، لم يحصل في تاريخ الممارسة السياسية الحديثة أن تم تقييد فترة ولاية رئيس الحكومة المنتخب بشكل غير مباشر. وربما يعود السبب إلى أن هذا التقييد قد يعني تقييداً للبرلمان نفسه الذي يعتبر الهيئة التي تعين رئيس الحكومة.
من هذا المنطلق، يعتبر مشروع القانون المقدم في إسرائيل حاليا سابقة في تاريخ الممارسة الديمقراطية في الدول الغربية. وبعيدا عن دواخل السياسة، فإن مشروع القانون قد يحول إسرائيل إلى نموذج منقطع النظير، ومادة للدراسة قد تدخل في معظم مناهج التعليم المتعلقة بالحكم الديمقراطي الحديث. ومشروع القانون المقصود، يحدد فترة ولاية رئيس الحكومة الإسرائيلية بثماني سنوات فقط. وحسب نص مشروع القانون، فإن التحديد يشير إلى ثماني سنوات، ولا يشير إلى عدد الولايات التي قد تتعاقب خلال السنوات الثماني.
ويستند المفكرون السياسيون إلى فرضية عامة، ومنطقية، تجعلهم يميلون إلى مثل هذا التحديد، وهي أن رئيس الحكومة الذي يستمر في الحكم فترات طويلة سيتمكن من مراكمة نفوذ وقوة كبيرين، بحيث يسمح له نفوذه في الاستمرار في المحافظة على حكمه من خلال تشكيل مجتمع منتفعين وداعمين مكون من رأس المال، الإعلام، التابعين السياسيين، وبالتالي سيحكم سيطرته على الدولة العميقة. إن مراكمة النفوذ ضمن هذا السياق، هو ما يطلق عليه في العلوم السياسية اسم "الرئاساتية" أو presidentialization. لكن في المقابل، يرى قسم آخر من المفكرين أن هذا الافتراض عار عن الصحة، لأنه في الدول الديمقراطية تتوفر آليات رقابية، ومحاسبة، وإعلام حر وفعال، وبالتالي من غير المرجح أن يترك المجال لرئيس الحكومة لأن يراكم نفوذا بشكل مخالف للدستور من دون أن تردعه قواعد اللعبة الديمقراطية.
من جانب آخر، يصر المفكرون السياسيون على أن قواعد اللعبة الديمقراطية في الدول الغربية الحديثة تقوم على مبدأ هام لا يجب إغفاله، وهو تدوير السلطة. بحسب هذا الرأي، فإن أفضل النظم الديمقراطية هي تلك التي تقوم على استبدال قادتها، وإنتاج قادة جدد، والذين بدورهم سيضخون دماء جديدة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة. وقد صرح نتنياهو في العام 1995 بأن على أي رئيس حكومة إسرائيلية أن يحكم فقط ولايتين، فإذا لم يستطع تحقيق برنامجه في الأولى، أمامه الولاية الثانية، وإذا لم يستطع تحقيق برنامجه في الثانية فهذا يعني أن برنامجه قد أفلس أو أصبح غير مقبول وعليه أن يرحل. لكن نتنياهو لم يلتزم بأقواله وحكم لمدة 12 عاما متواصلة.
مهما يكن من أمر، فإن مشروع القانون المقدم لا يسعى بالدرجة الأولى إلى تحقيق مساهمة على مستوى النظرية والممارسة المتعلقة بطرق الحكم الديمقراطي، وإنما ينبع بالأساس من انتقاد أطياف سياسية متعددة في إسرائيل لنتنياهو الذي بالفعل تحوّل إلى "ملك" وأقوى شخصية سياسية حتى بعد إزاحته عن الحكم قبل أشهر معدودة. وربما قد يتمكن نتنياهو من العودة إلى الحكم مرة أخرى، وقد يتمكن أيضاً من الاستمرار في ولاياته لمدة ثماني سنوات متتالية جديدة. لكن القانون الجديد، في حال تمت المصادقة عليه، قد تكون له انعكاسات ذات دلالة على شكل التحالفات والاصطفافات داخل حزب الليكود، أو أي حزب سياسي كبير آخر. في حال كان القانون يمنع زعيم الحزب الأول من الاستمرار لمدة تتجاوز الثماني سنوات، فإن كادرات وقيادات الحزب نفسه سوف تبدأ في التفكير ببديل عنه لضمان استمرار حكم الحزب. وهذا يعني أن القانون قد يؤثر على العلاقات الداخلية للأحزاب السياسية أكثر من تأثيره المباشر على الحياة السياسية داخل إسرائيل، على الأقل في المدى المنظور.
مراجع:
المعهد الاسرائيلي للديمقراطية (2021) تحديد ولاية رئيس الحكومة: حسنات وسيئات. أنظر الرابط التالي: https://www.idi.org.il/articles/34207
كوهين أوري (2021) تحديد ولاية رئيس الحكومة قد يحول إسرائيل إلى دولة فريدة. غلوبس. أنظر الرابط التالي: https://www.globes.co.il/news/article.aspx?did=1001391459