المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
الملصق (يمين): "من المحظور فقدان ميرتس، والرد قبالته: لو لم تكن ميرتس سنحصل على 61.  (أ.ف.ب)
الملصق (يمين): "من المحظور فقدان ميرتس، والرد قبالته: لو لم تكن ميرتس سنحصل على 61. (أ.ف.ب)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1186
  • برهوم جرايسي

تبدو احتمالات تشكيل حكومة إسرائيلية ذات أغلبية ثابتة، متدنية، بعد أسبوع تقريبا من تكليف بنيامين نتنياهو تشكيل الحكومة المقبلة، وعلى الرغم من هذا، حتى يوم 18 أيار، فإن كل الاحتمالات واردة، بدءا من حل الكنيست مجددا والتوجه لانتخابات خامسة، وحتى تشكيل حكومة واسعة، تحت يافطة: "إخراج إسرائيل من أزمتها". من ناحية أخرى، دلت قراءة لنتائج الانتخابات على أن المعاقل القديمة لما يسمى بـ"اليسار الصهيوني"، قد استنفرت نسبيا في الانتخابات الأخيرة، لدعم قائمتي حزبي العمل وميرتس، وضاعفت أصواتها لهذين الحزبين، مقارنة مع انتخابات آذار 2020، التي كان فيها الحزبان متحالفين في قائمة واحدة.

وفي نهاية الأسبوع، استكمل بنيامين نتنياهو جولة اللقاءات الأولى مع شركائه الفوريين المفترضين، وبضمنهم كتلة "يمينا"، برئاسة نفتالي بينيت الذي يحاول تلمس طريق آخر له، ليصل الى رئاسة الحكومة، متكئا على الكتل التي تعلن معارضتها لاستمرار حُكم نتنياهو الشخص، على الرغم من ضعف هذا السيناريو.

فقد عقد نتنياهو اجتماعات مع رؤساء كتلتي المتدينين المتزمتين الحريديم شاس ويهدوت هتوراة، وكتلة "الصهيونية الدينية"، وهي الكتل الأكثر التصاقا بالليكود وبشخص بنيامين نتنياهو، وأوصت بتكليفه بتشكيل الحكومة لدى الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين. لكن القضية الأبرز في هذا المحور، وفق ما ينشر في وسائل الإعلام، هي الموقف من احتمال أن تدعم "القائمة العربية الموحدة" برئاسة منصور عباس، الحكومة من الخارج، في حال ضم الائتلاف كتلة "يمينا" وبات يضم 59 نائبا، بعيدا بنائبين عن الأغلبية الأدنى المطلوبة.

وتعارض كتلة "الصهيونية الدينية"، التي تمثل المستوطنين والمتدينين الصهاينة الأشد تطرفا، أي حكومة سترتكز على دعم خارجي من "القائمة العربية الموحدة". في حين أن الأخيرة لم تصرّح جهاراً باستعدادها لدعم حكومة كهذه، بل تعلن على لسان قسم من نوابها، أنه ليست لديها أبواب مغلقة، وأنها على استعداد لدعم كل حكومة تلبي طلبات تعرضها عليها. والقصد طلبات متعلقة بحقوق مدنية وخدماتية يومية للفلسطينيين في إسرائيل.

كما أن "العربية الموحدة" لم تطلق أي تصريح مواز، لبيان "الصهيونية الدينية"، بمعنى رفض حكومة تضم الأشد تطرفا، ما تم تفسيره في أوساط سياسية وإعلامية، على أنه لا اعتراض لديها، طالما أن الأمر من ناحيتها مرتبط بتحقيق مطالب خدماتية.
كان هذا السيناريو في الطرف الآخر، وهو سيناريو تشكيل حكومة برئاسة تناوبية بين نفتالي بينيت، ورئيس حزب "يوجد مستقبل"، يائير لبيد، إذ إن الأغلبية هناك ليست فورية، وانتشر في وسائل الإعلام عمّن وصفت بأنها مصادر في حزبي "يمينا" بزعامة بينيت، و"أمل جديد" بزعامة جدعون ساعر، أن لا اعتراض لديهما على تشكيل حكومة برئاسة بينيت ولبيد تكون مدعومة من الخارج من "العربية الموحدة"، ولكنهما يرفضان أي دعم من "القائمة المشتركة" التي تضم 6 نواب.

اللقاء بين نتنياهو وبينيت، الذي عقد ليلة الخميس/ الجمعة، وصفه حزبا الشخصين بأنه جرى "بأجواء إيجابية"، إلا أنه لم يمر يومان حتى بدأت تصدر أنباء تدل على أن لعبة شد الحبل على أشدها بين الشخصين. وحسب ما نشر، فإن بينيت الذي لكتلته 7 مقاعد برلمانية من أصل 120 مقعدا، يطالب برئاسة حكومة بالتناوب، وهو مطلب لا تذكره الحلبة السياسية الإسرائيلية في تاريخها، بأن يطالب رئيس حزب يُعد صغيرا نسبيا برئاسة حكومة بالتناوب.

ومن الصعب رؤية نتنياهو يوافق على مطلب كهذا، حتى لو انتقل بينيت الى "الضفة المقابلة"، حيث تتكدس مجموعة كتل صغيرة نسبيا، في محاولة لتشكيل حكومة يترأسها بينيت، ورئيس حزب "يوجد مستقبل" يائير لبيد بالتناوب، على الرغم من أن حكومة كهذه لا يمكن أن تقوم من دون دعم خارجي، أو حتى مشاركة فعالة، من أعضاء كنيست عرب، وهذا مشهد سيكون من الصعب تخيله، لأن حكومة كهذه ستضم أيضا من غلاة اليمين الاستيطاني المتشدد، أمثال بينيت وساعر وأفيغدور ليبرمان وغيرهم.

وحسب ما نشر، فإن بينيت طالب نتنياهو بأن يضغط على كتلة "الصهيونية الدينية"، كي تقبل باحتمال أن تقام حكومة تضم 59 نائبا، وتتلقى دعما خارجيا من القائمة العربية الموحدة.

كذلك، وكما كان متوقعا، فإن الليكود بدأ يفحص احتمالات شق كتل برلمانية، وأولها كتلة "أمل جديد لإسرائيل" برئاسة ساعر، إذ أعلنت النائبة المنشقة عن حزب الليكود، شيران هسكيل، أنها تلقت إغراءات من الليكود للانشقاق عن كتلتها والانضمام لليكود. وانشقاق كهذا يحتاج إلى نائبين من الكتلة التي تضم 6 نواب (ثلث كتلة على الأقل حسب القانون)، إلا أن الكشف عن هذه الضغوط يدل على نية الرفض، وكما يبدو لن ينجح الليكود في هذا السيناريو، إذا عرفنا أسماء باقي الكتلة، مثل ساعر رئيس الحزب، والوزير الأسبق بنيامين بيغن، والوزير الأسبق زئيف إلكين.

مفاجأة حزبي العمل وميرتس

من أبرز مفاجآت انتخابات آذار الماضي، كانت نتيجتا حزبي العمل وميرتس، المحسوبين وفق التعريفات الإسرائيلية على ما يسمى "اليسار الصهيوني". فلهذين الحزبين جمهور مشترك إلى حد ما، وكلاهما اقتربا من الهاوية والاختفاء الكلي من الخارطة السياسية، كما عرضنا في قراءات سابقة لنتائج الانتخابات.

فحزب العمل كاد يختفي كليا وفق المشهد الذي كان حاصلا حتى أوائل الشهر الأخير من العام الماضي، كانون الأول 2020، وكانت استطلاعات الرأي تشير إلى أنه لن يجتاز حاجز 2% في الانتخابات، بينما نسبة الحسم للتمثيل البرلماني 3.25%. ولكن الحزب بدأ يثبت في استطلاعات الرأي بعد انتخاب رئيسته الجديدة ميراف ميخائيلي، وتعزز أكثر بعد انتخاب قائمته للانتخابات، التي هي بغالبيتها وجوه جديدة. وحصل العمل على 7 مقاعد، وفق التوقعات له في الاستطلاعات.

ولكن في المقابل، وأمام قفزة العمل، كان يبدو في استطلاعات الرأي أن حزب ميرتس سيدفع ثمن "عودة الحياة" لحزب العمل إن صح التعبير، وأنه على الأغلب لن يجتاز نسبة الحسم، إلا أنه في نهاية المطاف اجتازها وحصل على نسبة 4.6%، وتمثل بـ 6 مقاعد.

في المجموع العام، قفز عدد أصوات قائمتي العمل وميرتس مجتمعتين بنسبة 76%، مقارنة مع ما حصل عليه الحزبان اللذان كانا في قائمة تحالفية في انتخابات آذار 2020 للكنيست الـ 23. وهذه الزيادة الكبيرة والمفاجئة، لم تكن سوى أن الحزبين استرجعا بعضا من قوتيهما السابقة، ليس فقط في الماضي البعيد، بل حتى في السنوات الأخيرة. وحينما نتحدث عن قوة مجتمعة لحزبي العمل وميرتس حاليا من 13 مقعدا، لا بد من أن نشير إلى أن الحزبين حصلا في انتخابات العام 1992 على 56 مقعدا. وحتى في العام 2015، في انتخابات الكنيست الـ 20، حصل الحزبان مجتمعين على 29 مقعدا؛ وعلى الرغم من أن العمل خاض تلك الانتخابات بقائمة تحالفية مع حزب الوزيرة السابقة تسيبي ليفني، إلا أن تأثيرها في نتيجة تلك الانتخابات كان هامشيا. وحصلت قائمتا العمل وميرتس في تلك الانتخابات على ما يقارب 952 ألف صوت، في حين أن القفزة التي نتكلم عنها هنا في انتخابات آذار الماضي، كانت بحصول الحزبين على 471 ألف صوت.

وعلى الرغم من مواقف حزب العمل وممارساته في كل الحكومات التي قادها أو شارك فيها، إلا أنه بموجب التعريفات الإسرائيلية هو محسوب على ما يسمى "اليسار الصهيوني"، ويعلن أنه يوافق على حل الدولتين، ولربما يذهب أكثر بخطوة أو اثنتين، عما يعلنه ما يسمى بـ "اليمين المعتدل"، أيضا وفق التعريفات الإسرائيلية.

وما يراد قوله، أن نتيجة الحزبين، هي أحد أبرز التحولات في الشارع الإسرائيلي منذ النصف الثاني من سنوات التسعين الماضية، وحتى الآن.

ورأينا في أبرز المدن التي كانت محسوبة في ما مضى على معاقل حزب العمل، وأيضا ميرتس، أن الحزبين ضاعفا تقريبا عدد الأصوات التي حصلا عليها، دون احتساب أولئك الذين صوتوا خارج أماكن سكناهم، وكانت نسبتهم الأعلى في هذه الانتخابات، 9.6% من إجمالي الناخبين، مقابل 7.1% في انتخابات آذار 2020، و3.8% في انتخابات نيسان 2019 للكنيست الـ 21 التي لم تصمد سوى شهرين.
3
ففي مدينة تل أبيب، حصلت القائمة التحالفية للعمل وميرتس في انتخابات آذار 2020، على قرابة 39 ألف صوت، وقفز مجموع أصوات الحزبين في الانتخابات الأخيرة، إلى ما يقارب 76 ألف صوت. وفي حيفا زادت الأصوات من 10400 صوت في آذار 2020، إلى حوالي 18 ألف صوت في آذار الماضي. وهاتان المدينتان عينة لنمطية تصويت مدن تتميز بكونها مدنا عصرية علمانية، ذات قوة اقتصادية كبرى.

من السابق لأوانه الحديث عن نهضة جديدة لحزبي العمل وميرتس، وهذا يتطلب مراقبة مستقبل هذين الحزبين وأدائهما في بحر السياسة الإسرائيلية العاصف، الذي يتخبط منذ أكثر من عامين، بين معسكرين: الأول متجانس، وهو اليمين المتشدد بقيادة الليكود ورئيسه بنيامين نتنياهو. والثاني، خليط غير متجانس من الأحزاب والقوائم التحالفية، التي شعارها الأول إبعاد نتنياهو الشخص عن رئاسة الهرم الحاكم بسبب قضايا الفساد التي تلاحقه، ولكنها لا تنتقص كثيرا من قوته كحزب.

ويقف الحزبان في وسط هذه المعادلة، ولأول مرة منذ تشكيله لا يرفض حزب ميرتس المشاركة في حكومة هدفها الأول إبعاد نتنياهو عن رئاسة الحكومة، حتى ولو كان أبرز شركائها من رموز اليمين الاستيطاني المتشدد: حزب "يمينا" برئاسة نفتالي بينيت، و"أمل جديد لإسرائيل" برئاسة جدعون ساعر، و"إسرائيل بيتنا" برئاسة أفيغدور ليبرمان.

وفي حال تشكيل حكومة كهذه، وحاليا صعب جدا رؤيتها تتشكل، فسيبدأ كل واحد من الأحزاب، وبالأساس أحزاب اليمين الاستيطاني، بتسديد الفواتير السياسية لجمهور الناخبين، وإلا فإنها ستتلقى الضربة في كل انتخابات تالية، وهذه "الفواتير" من المفترض أن تكون نقيضة لبرنامج حزب ميرتس. ولحد معيّن، ستكون إشكالية أيضا لحزب العمل الذي إن لم يستغل فرصة نهوضه، فإنه قد يعود الى حافة الهاوية السياسية من جديد.

هذا ما حصل في انتخابات نيسان 2019 للكنيست الـ 21، حينما انهار تمثيل حزب العمل من 24 مقعداً، في انتخابات 2015 للكنيست الـ 20، وكانت حصته المباشرة فيها 19 مقعداً، إلى 6 مقاعد في نيسان 2019. ما يعني أنه إذا أخضع حزب العمل المتجدد حاليا نفسه من جديد لأحزاب اليمين، قد تُسحب السجادة من تحت أقدامه.

حتى الآن فإن كل الأحزاب التي تدور في فلك الحكم تعلن أنها ستمنع بكل قوة انتخابات خامسة، وقد يكون دافع بعضها تخوفه من مواجهة خطر الزوال في الانتخابات المقبلة، على ضوء نتائج الانتخابات الأخيرة، التي فرقعت بالونات هوائية من جهة، ونفخت في بالونات أخرى فاجأت في حجمها رغم صغره، وهذا يدل على حالة عدم الاستقرار في الشارع الإسرائيلي.

ولكن رغم كل هذه البيانات والتصريحات، فإن إسرائيل قد تجد نفسها مجددا أمام انتخابات خامسة، ويمكن القول إن نسبة احتمال حصولها 50 بالمئة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات