تنص اتفاقية الائتلاف لحكومة بنيامين نتنياهو الخامسة، التي سينطلق عملها هذا الأسبوع، بعد 17 شهرا من عمل الحكومة الانتقالية، بفعل حل الكنيست ثلاث مرات في غضون 12 شهرا، على أنه يحق لرئيس الحكومة نتنياهو أن يشرع في إجراءات فرض ما يسمى "السيادة الإسرائيلية" على المستوطنات ومناطق شاسعة في الضفة الغربية المحتلة، ابتداء من مطلع شهر تموز المقبل 2020. ورغم ذلك، فإن هناك العديد من الأسئلة المطروحة، تتعلق بعملية الضم ذاتها، من حيث توقيتها وحجمها، إذ أنه ستكون عوامل مؤثرة على كل واحد من السيناريوهات المحتملة، رغم ما يظهر من دعم مطلق لكل خطوة إسرائيلية، من البيت الأبيض.
فقد نصّ البند 28 في اتفاقية الائتلاف على أن "رئيس الحكومة، ورئيس الحكومة البديل، يعملان سوية، وبالتنسيق، من أجل الدفع باتفاقيات سلام، مع كل جيراننا، والدفع نحو تعاون إقليمي، بمجالات اقتصادية متنوعة، وبمجال كورونا. وفي كل ما يتعلق بتصريح الرئيس ترامب ("صفقة القرن")، فإن رئيس الحكومة ورئيس الحكومة البديل، يعملان بالتوافق الكامل مع الولايات المتحدة الأميركية، بما في ذلك مسألة الخرائط، أمام الأميركان والمجتمع الدولي بشأن هذا الموضوع، وكل هذا في إطار السعي للحفاظ على المصالح الأمنية والاستراتيجية لدولة إسرائيل، بما في ذلك الحفاظ على الاستقرار الإقليمي، والحفاظ على اتفاقيات السلام (القائمة) والسعي لاتفاقيات سلام مستقبلية".
ونصّ البند 29 أنه "على الرغم مما ذكر في البند 3، والبند 20، والبند 28، وبعد أن تجري الأبحاث والمشاورات بين رئيس الحكومة، ورئيس الحكومة البديل، حول الأسس المفصلة أعلاه، يستطيع رئيس الحكومة أن يُحضر المصادقة التي يتم التوصل لها مع الولايات المتحدة الأميركية، حول سريان السيادة، ابتداء من 1/7/2020، للبحث في الكابينيت (الطاقم الوزاري المقلص للشؤون الأمنية والسياسية) وللحكومة، للمصادقة عليه في الحكومة، و/ أو الكنيست". و"في حال أراد رئيس الحكومة عرض اقتراحه على الكنيست، فإنه يستطيع فعل هذا بواسطة عضو كنيست، وفقط يكون من كتلة الليكود، الذي سيلتزم لدى التصويت عليه بالقراءة التمهيدية، بأن يكون نص القانون مطابقا للاقتراح الذي عرضه رئيس الحكومة في الكابينيت والحكومة. وبعد إقرار القانون بالقراءة التمهيدية، يتم نقل القانون إلى مسار التشريع الأسرع، وبشكل لا يشوش ولا يعرقل المسار، من قبل رئيس لجنة الكنيست، للبحث في القانون في لجنة الخارجية والأمن".
ويعتقد قادة كتلة "أزرق أبيض" بزعامة بيني غانتس، أن البند 28 جاء لاجما للبند 29، الذي يتحدث بوضوح، مع تفاصيل، للشروع بعملية الضم. إذ حسب "أزرق أبيض"، فإن المقصود بالدفع نحو سلام اقليمي، والحفاظ على اتفاقيات السلام القائمة، هو عدم القيام بخطوات من شأنها أن تهدد "اتفاقيتي السلام مع الأردن ومصر". إلا أن البند 29 جاء واضحا، مع تاريخ محدد لإطلاق العملية، وأن القرار سيكون بيد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، حتى لو اعترض عليه القائم بأعماله بيني غانتس. ففي كل الأحوال، إذا تم عرض الأمر كمشروع قانون على الكنيست، فإنه يحظى، بكل الأحوال، بتأييد فوري من 65 نائبا، وحتى 67 نائبا، وهذا العدد يضم الليكود وحلفاءه الفوريين، حتى لو بقيت كتلة "يمينا" في صفوف المعارضة، والنائبة أورلي ليفي- أبكسيس، وحزب "يسرائيل بيتينو" بزعامة أفيغدور ليبرمان، الذي سيكون في المعارضة.
ولكن العامل المؤثر الفوري على قرار نتنياهو وحلفائه في كتل اليمين الاستيطاني المتطرف، بمن فيهم كتلتا المتدينين المتزمتين الحريديم، هو قرار البيت الأبيض. ولهذا فإن نتنياهو يستثمر كل قدراته الشخصية، واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، وبالذات في داخل البيت الأبيض، لجعل القرار بما يتوافق مع تطلعات نتنياهو.
ويشار إلى أنه بموجب القانون، فإن قرار ضم أي منطقة جغرافية لما يسمى "السيادة الإسرائيلية"، ليس بحاجة لقرار من الكنيست، أو قانون، بعكس الانسحاب من منطقة واقعة تحت السيادة، الذي يلزم بقرار كنيست، يوافق عليه لا أقل من 80 عضو كنيست، وإذا وجدت أغلبية عادية يتم عرض "الانسحاب" على استفتاء عام. ولكن في هذا القانون، تمت إضافة بند بطلب من المستشارين القانونيين، للحكومة والكنيست، يقضي بأن الغاء القانون ممكن بأغلبية عادية من 61 نائبا. ما يعني إذا وجدت أغلبية في الكنيست للانسحاب بأقل من 80 نائبا، فبإمكانها أن تلغي القانون أولا، ثم تصوت على الانسحاب. ولكن على ضوء التغيرات في تركيبة المحكمة العليا، فإن هذا البند قد يتم تعديله لاحقا، لتشديد صعوبة الانسحاب من أي منطقة "تحت السيادة". ولكن مسألة التوجه إلى الكنيست جاءت في أعقاب سابقتي القدس ومرتفعات الجولان، إذ طلبت الحكومة في كل واحدة من الحالتين مصادقة الكنيست عليهما.
خلفية التسارع الإسرائيلي
بل أن تداهم أزمة كورونا العالم، وبشكل خاص الولايات المتحدة الأميركية، كان في حسابات نتنياهو، كزعيم وقائد للتيار اليميني الاستيطاني، أن مهمة الضم يجب أن تتم قبل الوصول ليوم انتخابات الرئاسة الأميركية في مطلع تشرين الثاني المقبل، وحتى قبل الدخول في الأجواء الانتخابية الأميركية. فحتى قبل اندلاع أزمة كورونا، كان القلق لدى نتنياهو ومحيطه، من احتمال خسارة دونالد ترامب والحزب الجمهوري الانتخابات أقل. أما الآن، فإن القلق تعاظم بفعل فشل الإدارة الأميركية في لجم انتشار الفيروس، وتسجيل أعداد ضحايا مرعبة، وتواصل ارتفاعها.
في المقابل، فإن الحزب الديمقراطي حسم أمره بترشيح نائب الرئيس الأميركي السابق، جو بادين، الذي أعرب عن معارضته لعملية الضم من دون إبرام اتفاق نهائي مع الجانب الفلسطيني قائم على أساس حل الدولتين.
والأزمة بين نتنياهو واليمين الاستيطاني من جهة، وبين الحزب الديمقراطي الأميركي من جهة أخرى، قائمة بالفعل منذ سنوات. فقد أقدم نتنياهو في الانتخابات الرئاسية الأميركية في العامين 2012 و2016، على ما لم تفعله أي من الحكومات الإسرائيلية، بالوقوف علنا لصالح أحد الحزبين الأميركيين في الانتخابات. ففي العام 2012 سعى نتنياهو لإسقاط الرئيس باراك أوباما وفشل. وفي العام 2016، سعى لفوز دونالد ترامب على منافسته من الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، رغم مواقفها المؤيدة لإسرائيل. ونذكر أنه من حيث عدد الأصوات في انتخابات 2016، فقد تفوقت كلينتون على ترامب بأكثر من مليوني صوت، ولكنها خسرت الانتخابات بفعل توزيعة الوحدات الانتخابية على الولايات الـ 50. ويتهم الحزب الديمقراطي نتنياهو واللوبي الصهيوني، المدعوم من الطائفة الأفنجيلية، بخسارة الانتخابات. وحسب محللين إسرائيليين، فإن الحزب الديمقراطي في حال فاز في انتخابات الرئاسة، بعد أن فاز بأغلبية الكونغرس في انتخابات 2018، فإنه سيصفي حساباته مع شخص نتنياهو، ولكن بالتأكيد هذا لا يعني التخلي عن إسرائيل، كحليف استراتيجي.
ويريد نتنياهو الوصول إلى يوم الانتخابات الأميركية، ويكون قد حقق أقصى ما يمكن من مشروع الضم، ليسجل لنفسه إنجازا سياسيا أمام معسكره، رغم كل التحذيرات في إسرائيل من تبعات مشروع الضم، على مستقبل إسرائيل، التي قد تجد نفسها في مرحلة لاحقة أمام مسؤولية مباشرة من جديد على حوالي ثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة، في حين يتزايد الضغط في قطاع غزة مع التزايد السكاني هناك في ظل الحصار.
ومن بين الأسئلة المركزية التي تطرح نفسها ابتداء من الآن، وحتى بدء إجراءات حكومة نتنياهو بعملية الضم، مدى حجم وتأثير رد الفعل الفلسطيني والإقليمي، بالذات من الأردن ومصر، ودول عربية أخرى، ومن أوروبا والاتحاد الأوروبي، عدا الموقف الأميركي، الذي قد يطلب من نتنياهو عدم الذهاب في مسار الضم الكلي، فهذا احتمال وارد.
باعتقاد نتنياهو ومحيطه أن العالم وبالذات الدول المتطورة الكبرى غارقة في أزماتها الداخلية بفعل انتشار كورونا: دول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الخمس ومثلها ألمانيا وغيرها. أما بشأن الساحة الفلسطينية والمحيط العربي، فإن نتنياهو ومعه مساعديه في دوائر القرار، يعتقدون أن قرار الضم لن يقود لانفجار، مستندين بذلك إلى ما كان بعد قرار الاعتراف الأميركي بالقدس "الموحدة" كعاصمة لإسرائيل، ومن ثم نقل السفارة إلى المدينة. وأيضا بعد قانون حجب أموال الضرائب الفلسطينية عن السلطة، وغيرها. إذ أن الفرضية في محيط نتنياهو، أنه سيكون عدم اعتراف عالمي بالضم، كما هي حال القدس ومرتفعات الجولان من قبل، ولكن هذا لن يمنع الضم.
غير أن حسابات نتنياهو ليس مفروضا أن تكون دقيقة، لأنه ليس هو من يحدد شكل ردود الفعل، ولذا فنحن أمام عدة سيناريوهات وهي على النحو التالي:
طبيق مخطط الضم كاملا
هذا السيناريو يعني أن البيت الأبيض يتفق كليا مع مخطط نتنياهو وكتل اليمين الاستيطاني في الكنيست، ويذهب إلى فرض ما يسمى "السيادة" على كل المستوطنات، ومناطق شاسعة في الضفة، بما فيها منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت، التي حسب تقسيم الاحتلال فإن حجمها يبلغ 30% من مساحة الضفة.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السيناريو هو ما تسميه إسرائيل "الحدود": فهل تعني خطوط البناء القائمة في المستوطنات الحالية، أم تشمل "مناطق النفوذ" التي حددتها سلطات الاحتلال لكل مستوطنة؟ ففي كثير من الأحيان، مناطق النفوذ هذه تصل إلى خطوط بناء قائمة للبلدات والمدن الفلسطينية، بمعنى الإطباق عليها ومنعها من التوسع، بقرارات من الاحتلال.
في هذه النقطة، قد تظهر خلافات داخل اليمين الاستيطاني، بين من يريد فرض كامل على كل الضفة، حتى بثمن إعادة الحكم العسكري إلى سابق عهده، وتحمل مسؤولية عن كل الفلسطينيين في الضفة، أو "تحفيز الفلسطينيين على الهجرة"، كما يظهر هذا في البرنامج السياسي لأحد مركبات تحالف "يمينا" البرلماني، حزب "هئيحود هليئومي" (التكتل القومي). وبين من يريد ضم مناطق عينية من المناطق المفتوحة في الضفة، لغرض تخفيف وطأة رد الفعل العالمي، حسب ما يعتقده أولئك في اليمين.
مسألة "الحدود" قد تواجه اعتراضات في البيت الأبيض، رغم ما يبديه ممثلوه، وأولهم السفير ديفيد فريدمان، من دعم كامل لكل مخططات اليمين الاستيطاني، فهو يتصرف ليس كدبلوماسي، وإنما كعضو في أكثر الأحزاب الاستيطانية تطرفا. وقد يكون الطلب الأميركي للجم ما في مسألة الحدود، في محاولة لإعطاء "مصداقية" ما للخطة المسماة "صفقة القرن".
كذلك في هذا السيناريو سيكون نتنياهو وحلفاؤه أمام سؤال التبني الكامل لخطة ترامب وفريقه. ففي هذه الخطة ورد مصطلح "دولة فلسطينية"، وهذا ما يرفضه المستوطنون وأحزابهم ومؤيدوهم. فهم يرفضون "مصطلح الدولة" من حيث المبدأ، حتى لو أن الحديث في الخطة ذاتها عن كيان ممسوخ، مقطّع الأوصال، لا سيطرة له على أي تواصل مباشر مع العالم، ولا على الأجواء، ولا على ما هو تحت الأرض؛ مجرد كيان، بأقل من حكم ذاتي، وتسميه الخطة
"دولة".
والتقدير هو أنه على الرغم مما يُظهر نتنياهو من قوة وإصرار، فإن هذا السيناريو يبقى أضعف باحتمالاته من السيناريوهات الأخرى، ولكنه يبقى فرضية قائمة.
ضم جزئي
سيناريو الضم الجزئي في المرحلة الأولى، قائم في حال واجهت إسرائيل اعتراضات إقليمية وعالمية، وبطبيعة الحال في كل الأحوال الاعتراضات الفلسطينية قائمة، فإنها قد تقسم مخططها على مراحل. أي أنها ستضع جدولا زمنيا، فيه تباعد ما، والشروع بفرض ما يسمى "السيادة الإسرائيلية" على منطقة تلو الأخرى.
ولكن تمرير هذا المخطط سيوازيه سن قانون يقضي بسريان كل القوانين الإسرائيلية على المستوطنين في جميع أنحاء الضفة، بمعنى أن القوانين سارية على الأشخاص، ولكن ليس على الأرض في كل مكان. ومشروع القانون هذا طرحه المستوطنون مرارا على جدول أعمال الكنيست في السنوات الماضية، كحل مرحلي إلى حين تحل ظروف تسمح بفرض "السيادة" على الأرض.
وعلى أرض الواقع، فإن هذا القانون هو القائم على الأرض، دون أن يتم اقراره في الكنيست، فلا أحد من المستوطنين يخضع لأحكام الحكم العسكري في الضفة. وعادة، فإن القوانين "المدنية" الإسرائيلية تتحول في حال الضرورة لأحكام عسكرية تسري على المستوطنين. ولكن غالبية القوانين تطبق على المستوطنات، دون أن تكون قد حُولت لأحكام عسكرية.
وفرضية الضم الجزئي في حالت طبقت، ستستثني في مرحلتها الأولى منطقة غور الأردن، بادعاء أن هذا سيقلل من حدة رد الفعل الأردني الرسمي، ويترك مجالا للمناورة أمام دول عربية، منها ما ستجد نفسها ملزمة بإصدار مواقف أكثر جدية ضد الضم. وهذا ما يدفع الإدارة الأميركية للطلب من إسرائيل أن تأخذ بعين الاعتبار الظروف الإقليمية.
ضم رمزي
ليس واضحا مدى جدية هذا السيناريو، ولكنه يبقى قائما. ففي حال كان رد الفعل المحلي والإقليمي والعالمي أشد مما يتوقعه نتنياهو وحلفاؤه، فإنه سيتجه إلى إعلان مبدئي عن الضم، ويفرضه على منطقة واحدة أو اثنتين، مثل التكتل الاستيطاني المسمى "غوش عتسيون"، الذي بات يمتد من غرب بيت لحم وحتى مدينة الخليل.
هذا السيناريو قد يواجه معارضة شديدة داخل أوساط المستوطنين وأحزابهم، ولكن هذا لم يعد يؤثر كثيرا على حسابات نتنياهو، الذي يقود المعسكر كله، فهو برئاسته لليكود، يتوغل في كل أوساط اليمين الاستيطاني، بما فيه التيار الديني الصهيوني. وهذا القرار، بمعنى "الضم الرمزي"، سيكون بيد نتنياهو وحده.
في كل الأحوال، فإن نتنياهو يرى أن هذه هي الفرصة الأمثل لتطبيق مخططه على الأرض: مرحلة ما قبل الانتخابات الأميركية، وسيطلب مساعدة الطائفة الأفنجيلية للضغط على ترامب، هذا إذا احتاج أصلا لضغط كهذا، وأيضا الأزمة الصحية الاقتصادية التي تعصف بدول العالم. لهذا فإنه سيسعى لتطبيق أقصى ما يمكنه أن يحققه، ولن يتنازل عن تحقيق أي شيء ممكن في الأشهر المقبلة.
المصطلحات المستخدمة:
لجنة الكنيست, لجنة الخارجية والأمن, باراك, الليكود, الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو, أفيغدور ليبرمان