المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 898

 باتت البطالة، ما بعد انتهاء أزمة الكورونا، الهاجس الأكبر الذي يطارد الحكومة وبنك إسرائيل. والسؤال المطروح: ما نسبة البطالة المتبقية بعد عودة الاقتصاد إلى وتيرته الاعتيادية؟ وهناك فجوة كبيرة نسبيا في التقديرات بين وزارة المالية، الأكثر تشاؤما، وبنك إسرائيل الأكثر تفاؤلا. وفي المجمل، فإن التقديرات تتراوح ما بين 6% كأدنى حد، إلى 12% كأقصى حد، بدلا من 8ر3% قبل اندلاع الأزمة الاقتصادية.

وحتى الأيام الأخيرة، بلغت نسبة المُعطّلين عن العمل، ما يلامس 26% من إجمالي قوة العمل، حتى عشية اندلاع أزمة الكورونا وفرض قيود الإغلاق، وتجاوز عددهم 1ر1 مليون شخص. إلا أن 88% من بينهم، 880 ألف شخص، فرضت عليهم إجازة ليست مدفوعة الأجر. لكن الحكومة أقرت أنظمة جديدة، لتسهيل الحصول على مخصصات البطالة، بموجب أنظمة الطوارئ. وتم التعامل مع هذه الشريحة وكأنها عاطلة عن العمل تستحق مخصصات بطالة.

وجرى الغاء الكثير من القيود على تلقي مخصصات البطالة، فبات عمر الحد الأدنى لتلقي المخصصات 20 عاما بدلا من 28 عاما، وأن تكون فترة الحد الأدنى للعمل لاستحقاق المخصصات، 6 أشهر قبل الخروج من العمل، بدلا من عام كامل قبل اندلاع الأزمة.

وضمن هذه الاحصائيات، نرى أن من فقدوا عملهم كليا بلغ 60 ألف شخص، إضافة إلى 160 ألف عاطل عن العمل، حتى قبل اندلاع الأزمتين الصحية والاقتصادية. وأقر تمديد فترة تلقي مخصصات البطالة للعاطلين عن العمل قبل اندلاع الأزمتين، ما يعني أنه من دون الذين فرضت عليهم الاجازة غير مدفوعة الأجر، فإن نسبة البطالة الفعلية، لمن فقدوا عملهم كليا، ارتفعت من قرابة 4% إلى 5ر5%. إلا أن التقديرات تتحدث عن نسب أكبر بكثير. وحسب تقديرات بنك إسرائيل المركزي، فإنه بعد عودة الحركة التجارية والاقتصادية ستكون البطالة الفعلية 6%، وهذا على اعتبار أن تعود الحركة إلى سابق وتيرتها حتى نهاية حزيران.
ولكن إذا تأجل رفع القيود كليا لشهر إضافي، فإن نسبة البطالة ستكون مع نهاية العام الجاري 8%، ما يعني أكثر من ضعفي النسبة التي كانت عليها عند نهاية العام الماضي 2019، حوالي 8ر3%، وبين جيل العمل الفعلي 25- 64 عاما، 4ر3%. غير أن البنك المركزي يتوقع أن تنخفض البطالة في بحر العام المقبل 2021 تدريجيا، وتصل حتى نهاية ذلك العام إلى 5%. وفي المقابل، فإن وزارة المالية وضعت تقديرات أشد تشاؤما. وبحسبها، فإن رفع القيود حتى نهاية حزيران سيرفع البطالة الفعلية إلى 9%، وفي حال استمرت القيود إلى نهاية تموز فإن البطالة سترتفع إلى 12%.

ويقول المحلل الاقتصادي سامي بيرتس، في تحليل له في صحيفة "ذي ماركر"، إن هذه ليست نسبة قليلة، فكل 1% تعني 40 ألف شخص. وهذا يعني أن الفجوة بين البنك المركزي ووزارة المالية تتراوح ما بين 1% إلى 4%، أي ما بين 40 ألفا إلى 160 ألف شخص، وهذه أعداد هائلة، يتبعها صرف هائل من مؤسسة الضمان الاجتماعي (مؤسسة التأمين الوطني).

ويسأل بيرتس: إذن من على حق؟ وما هي الفجوة المتوقعة بين وزارة المالية وبنك إسرائيل وماذا تعكس؟ هل هذا مجرد تفاؤل مقابل نهج متشائم أم أن هناك فجوات في المعلومات بين الجانبين تملي مناهج مختلفة؟ ومن على حق؟

ويقول بيرتس: أولا، إن الكليشيهات التي تتناول التنبؤات، خاصة فيما يتعلق بالمستقبل، مسألة معقدة. في المرحلة الحالية من أزمة كورونا هذه مسألة أكثر تعقيدا، ومجال الأخطاء كبير. فلدى وزارة المالية مصدر رئيسي للمعلومات، وهي مداخيل خزينة الضرائب، ومنها يتم اشتقاق بعض التوقعات. وهذه إحصائيات تعكس حالة العمل. لكن شهر آذار بدأ على ما يرام وانتهت الكارثة، وكان من الصعب وضع افتراضات واضحة. المصدر الثاني للمعلومات هو تنفيذ موازنة الدولة لإضافات الموازنة الاستثنائية المعتمدة لها، 80 مليار شيكل. ويرى بيرتس أن لدى بنك إسرائيل بيانات من الميدان، من الجهاز المصرفي، عن حالة الأعمال. ويمكنهم الحصول على أحدث المعلومات التي تصنف الشركات حسب مرونتها للأزمة. ولكن هنا أيضا، تعد هذه مرحلة مبكرة نسبيا لأنه من غير الواضح مدى قدرة برنامج الحكومة للمساعدة التجارية على التغلب على هذه الصعوبات والسماح لها بالبقاء في الأسابيع القليلة القادمة. وفي الغالب، من غير الواضح أيضا ما هو نفس البقاء. بعد كل شيء، يمكن للأعمال البقاء على قيد الحياة ولكن على حساب فصل نصف الموظفين.

وحسب بيرتس، فإن كلا الجسمين يستخدمان بيانات جزئية جدا ويعملان في ضباب المعركة، مما يجعل من المستحيل رؤية لقطة كاملة وواضحة. وفرق آخر محتمل بين الجانبين هو تحليل سوق العمل قبل الأزمة. وقد تم تعريف هذه السوق على أنها "سوق ضيقة". فوفقا لمحافظ بنك إسرائيل، البروفسور أمير يارون، فإن معدل البطالة سيعود بحلول نهاية عام 2021 إلى المستوى الذي كان عليه عشية أزمة كورونا. وهذه نظرة متفائلة للغاية، وتفترض أن السوق بحاجة بالفعل إلى عدد العمال الذين كانوا يعملون فيها قبل الأزمة، وأنه يمكن أن تعود إلى تلك النقطة في غضون عام ونصف العام. و"في وزارة المالية أقل تفاؤلا، ربما لأنهم لم يروا سوق العمل على أنها "ضيقة" ولكن على أنها تعتمد على العديد من الوظائف الهشة. وإذا فعلوا ذلك، فهذا يعني أنهم لا يستطيعون النجاة من أزمة شديدة مثل كورونا. من وجهة نظر وزارة المالية، فإن مسألة عدد العاطلين عن العمل، بالطبع، تتعلق أيضا بمسألة الحوافز لتشجيع التوظيف".

وكتب بيرتس "تعلم كلٌ من وزارة المالية وبنك إسرائيل أن هناك عددا قليلا من الشركات التي لن تنجو من هذه الأزمة، وليست هناك نية لمحاربة أي عمل. ولكن يبدو بطريقة ما أن بنك إسرائيل يؤمن أكثر بقدرة الاقتصاد على التعافي. وهنا يجب أيضا مراعاة الاختلافات بين المالية وبنك إسرائيل: وزارة المالية هي التي تقود السياسة الاقتصادية وميزانية الدولة. بنك إسرائيل هو المستشار الاقتصادي للحكومة، وهو مسؤول عن استقرار النظام المالي".

وجاء في ذات التحليل "إذا كان بنك إسرائيل متفائلا بشأن قدرة الاقتصاد على التعافي والعودة إلى معدل بطالة منخفض، فهذا سبب للتشجيع. ولكن إذا أدرك مسؤولو المالية، الذين يعيشون يوميا مع النظام السياسي، القيود السياسية، ووتيرة صنع القرار وصعوبة اتخاذ قرارات غير شعبية، فإنهم ليسوا متفائلين بشأن وتيرة انتعاش الاقتصاد، فهذا سبب للقلق. وهذا أيضا أحد التفسيرات للفجوة المتوقعة فيما يتعلق بمعدل البطالة، والتي سيتعين علينا التعامل معها في المستقبل القريب".

وتتفق تقريبا كل التقارير على أن القطاع الأكثر تضررا، والذي سيشهد حالات الإفلاس الأكبر، وبالتالي ستكون مساهمته أكبر من غيره، في رفع نسبة البطالة، هو قطاع الخدماتية، مثل قطاع المطاعم والفنادق والأماكن الترفيهية. ولكن ليس هذا القطاع وحده، بل أيضا قطاع السياحة. فإذا كان الحديث الآن عن توقف السياحة الخارجة والداخلة، أو انهيارها إلى معدلات قليلة في الربع الأخير من العام الجاري، فإن قطاع الفنادق لا يتوقع سياحة داخلية بمستوى كاف، بعد انتهاء الأزمة الاقتصادية.

وجاء في تقرير لصحيفة "كالكاليست" أنه في تحليل لسلطة التشغيل الإسرائيلية، فإن 20% ممن فرضت عليهم إجازات ليست مدفوعة الأجر، لن ينجحوا بالانخراط فورا في سوق العمل بعد انتهاء الأزمة، بمعنى قرابة 176 ألف شخص، وهؤلاء يشكلون نسبة تقارب 5ر4%، وهي قريبة من توقعات بنك إسرائيل المركزي.

ضغوط لرفع القيود

وكما ذكر في تقارير سابقة، فإن تقديرات مؤسسة الضمان الاجتماعي الحكومية، مؤسسة التأمين الوطني، تشير إلى أن الصرف الإجمالي على مخصصات البطالة الطارئة، لفترة شهرين ونصف الشهر، بمعنى بدءا من منتصف آذار وحتى نهاية أيار، سيصل إلى 15 مليار شيكل (معدل سعر الدولار حاليا 6ر3 شيكل للدولار)، وهذا أكثر بحوالي 8 أضعاف من الصرف الشهري على مخصصات البطالة، وضمان الدخل، والأخيرة تدفع للعاطلين المزمنين عن العمل. وفي تقديرات مؤسسة التأمين، أن هذا الصرف الزائد على مخصصات البطالة من جهة، والتراجع الحاد في مداخيل المؤسسة، بسبب توقف الأعمال، وتراجع مداخيل الأفراد، من جهة أخرى، سيضع المؤسسة أمام عجز مالي يتراوح بما بين 34 مليار شيكل إلى 52 مليار شيكل.

وهناك من يتخذ من هذه التقديرات، إلى جانب التقارير المالية القاسية التي تطرحها وزارة المالية، ذريعة للضغط على الحكومة من أجل رفع القيود على الحركة العامة، والنشاط الاقتصادي، بدعوى أن هذا سيقلص البطالة، لا بل هناك من يرى أنه من الأفضل للحكومة تقديم مساعدات مالية سخية، ومن بينها تأجيل مدفوعات الضرائب، وتحويلها لقروض مسهلة جدا.

ويقول الخبير الاقتصادي دورون سيتبون، في مقال له في صحيفة "كالكاليست"، إن لجم البطالة يستوجب تقديم دعم وتسهيلات مالية كبيرة للقطاع الخاص، كي يكون قادرا على استيعاب العاملين من جديد. وهذا ما يستدعي، حسب سيتبون، "خطة اقتصادية وطنية سريعة"، تهدف إلى تقصير فترة الإغلاق، وبالتالي تقليص أضراره.

وحسب ذات الخبير، فإن ما أعلنت عنه الحكومة من خطط دعم للشركات والمرافق التجارية وغيرها في القطاع الخاص ليست كافية، بل تحتاج إلى أدوات أكثر، وتخفيف البيروقراطية من أجل الحصول على الدعم. ومن بين ما يقترحه سيتبون، تحويل كل الديون لسلطة الضرائب، إلى قروض مسهلة تدعمها الحكومة، ويتم تمديد تسديدها لفترة تكون كافية، حتى يعود الاقتصاد إلى وتيرته السابقة. ويطالب سيتبون أن يمتد تسديد هذه الديون لفترة خمس سنوات على الأقل، رغم أن الحديث عن اغلاق مستمر، حتى الآن 45 يوما، وقد يستغرق شهرا إضافيا، وفق التقديرات، في حين أنه في فترة الاغلاق وتوقف النشاط الاقتصادي، لن تكون ضرائب جديدة، طالما أن العمل متوقف.

كما تطالب جهات في القطاع الخاص بدعم حكومي لمسألة ايجار المحال التجارية العالية أصلا، خاصة في المراكز الكبرى، وفي المجمعات التجارية. وحسب ما نشر، فإن شبكة مجمعات تجارية واحدة أعلنت عن تسهيلات للمستأجرين، إلا أن الغالبية الساحقة من شبكات المجمعات التجارية، لم تعلن موقفها بعد. وبين هذا وذاك، فإن من أكثر ضحايا القطاع الخاص هم المستقلون، الحرفيون أصحاب المصالح الصغيرة، التي يقتصر فيها العمل على صاحب المحل، أو أبناء عائلته، ولربما لديه عامل وحتى خمسة عمال. فهؤلاء يطلقون صرخة دون تلقي مساعدات، وهم الشريحة الأقرب للأجيرين، ولكن القوانين لا تمنحهم مباشرة مخصصات بطالة. وحتى أنظمة الطوارئ القائمة لم تلب احتياجاتهم الفورية، ولذا فإن الحديث هو أن أكبر حالات الإفلاس تنتظر هذا القطاع بالذات.

المصطلحات المستخدمة:

التأمين الوطني

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات