أكدت تحليلات أمنية إسرائيلية متطابقة خلال الأيام القليلة الفائتة أن الأسبوع الأخير اتسم بعودة تدريجية إلى الأوضاع الأمنية المألوفة المعروفة خلال السنوات القليلة الماضية، وأنه بعد هدوء نسبيّ ساد في إثر تفشي فيروس كورونا، ونشوء فرص جديدة لتعاون مع دول من المنطقة، برزت مرة أخرى التحديات القديمة.
وقال المحلل العسكري لصحيفة "معاريف" طال ليف - رام إن معظم الاهتمام لدى قيادة الجيش الإسرائيلي في الأيام الأخيرة متجّه نحو الجبهة الشمالية. فردّاً على عملية هجومية نُسبت إلى إسرائيل في سورية، قام مقاتلو حزب الله يوم السبت قبل الفائت بعملية مثلثة في السياج الأمني الحدودي. وانطوت الرسالة التي أراد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله توجيهها من خلال تلك العملية، على مقولة فحواها أنه حتى في هذه الأيام الصعبة التي تمر على لبنان لن يتردّد في الردّ على أي مسّ بالحزب ولو بثمن حدوث تصعيد. ومثلما حدث في واقعة إطلاق النار في اتجاه سيارة إسعاف عسكرية في مستوطنة "أفيفيم" في أيلول الفائت، يوضح نصر الله أن أي رد فعل من جانبه يمكن أن يحدث على طول منطقة الحدود الشمالية وليس فقط في منطقة هار دوف (مزارع شبعا) كما كان في الماضي.
وأضاف ليف- رام: في إسرائيل يشعر المسؤولون بالقلق من كون حزب الله يحاول أن يبلور معادلة ردّ جديدة أشدّ حدّة، ويعتقد قادة الجيش الإسرائيلي أنه لا يجوز السماح بذلك. ومع ذلك لا يمكن التغاضي عن رسالة بشأن عملية تبعد خطوة واحدة عن التسلل إلى الأراضي الإسرائيلية وارتكاب عملية مسلحة نوعية في 3 مناطق مختلفة. ولا شك في أن نصر الله وجّه تهديده إلى البطن الرخوة للجيش الإسرائيلي واستغل نقاط ضعف عملانية، كما استخدم مناطق هي في منأى عن المراقبة وكثيفة الأشجار أتاحت للمقاتلين أن يبقوا متخفين طوال الطريق نحو السياج الحدودي. وتبقى النقطة الإيجابية الوحيدة من ناحية إسرائيل، برأيه، هي أن قوات الجيش هرعت إلى مكان العملية خلال 3 إلى 4 دقائق وتصرفت كما لو أن هناك عملية تسلل إلى الأراضي الإسرائيلية. ومثلما أن حزب الله ينقل رسائل إلى إسرائيل، فإن هذه الأخيرة تنقل رسائل إليه أيضاً. وجاء آخر هذه الرسائل من خلال عملية الهجوم ضد سيارة تابعة لحزب الله في منطقة الحدود بين سورية ولبنان قبل نحو 10 أيام والتي نُسبت إلى إسرائيل. ولم تنفذ هذه العملية بهدف تصفية مقاتلي حزب الله الذين كانوا داخل السيارة. ويمكن الافتراض أنه لو كان داخل السيارة مقاتلون تابعون للحرس الثوري الإيراني لكانوا لقوا مصرعهم. والصاروخ الأول الذي أطلق في اتجاه السيارة لم يصب الهدف، ولم يكن ذلك من قبيل المصادفة. وفي السنوات الأخيرة تمتنع إسرائيل من تصفية ناشطي حزب الله في الأراضي السورية. وسيتغير هذا القرار فقط في حال وجود حاجة إلى كبح عملية عسكرية متدحرجة، أو القضاء على بنية تحتية إرهابية. وهذا ما حدث مثلاً في كانون الثاني 2015 عندما قامت إسرائيل وفقاً لوسائل إعلام أجنبية بتصفية نجل عماد مغنية، أحد الناشطين المهمين في الحزب.
وتابع المحلل: إن المعادلة بين إسرائيل وحزب الله واضحة: أي إصابات في صفوف أحد الجانبين ستؤدي إلى تصعيد فوري للأوضاع في الجبهة الشمالية. وأثبت الجانبان أكثر من مرة أنهما غير معنيين بمثل هذا التصعيد، وبالرغم من ذلك فإن التصعيد يمكن أن يحدث. ونظراً لأن عملية الهجوم على سيارة حزب الله كانت ذات أهمية فإن ردة فعل الحزب كانت متوقعة.
وأشار ليف رام إلى أن التوتر في مقابل حزب الله ازداد في الشهور الأخيرة، حتى قبل وصول فيروس كورونا إلى المنطقة. ففي إثر اغتيال قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني من طرف الأميركيين في العراق، بات نصر الله الشخصية الأهم بالنسبة إلى المحور الشيعي في كل ما يتعلق بالصلة بين إيران وحزب الله. وإلى جانب إقامة بنية تحتية إرهابية تعتمد على مرتزقة لبنانيين، يعمل حزب الله على إقامة بنية تحتية عسكرية مهمة ذات قدرة على العمل من الأراضي السورية إلى جانب الجبهة اللبنانية. بالإضافة إلى ذلك يستمر الحزب في محاولة التقدّم إلى الأمام في كل ما يتعلق بمشروع الصواريخ الدقيقة.
وبرأيه فإن تموضع حزب الله في سورية ولا سيما بمحاذاة منطقة الحدود في هضبة الجولان، يثير قلق إسرائيل في الوقت الحالي أكثر من تموضع إيران في سورية، ويقف موضوع منع تعاظم قوة الحزب في رأس أولويات الجيش الإسرائيلي. وثمة من يعتقد في إسرائيل أن الضائقة الاقتصادية والصعوبات الماثلة أمام نظام الحكم في لبنان تشكل فرصة لممارسة ضغط عسكري أكبر على حزب الله. ولا بُد من الإشارة إلى أن الأوضاع الاقتصادية في لبنان كانت سيئة للغاية حتى قبل تفشي فيروس كورونا. وتشير التقديرات السائدة في إسرائيل إلى أنه في حال تفاقم الأوضاع الاقتصادية في لبنان ستتسع حملة الاحتجاج الاجتماعية في بلد الأرز وسيخرج السكان مرة أخرى إلى الشوارع وتندلع تظاهرات عنيفة. وعلى خلفية ذلك يبدو أن نصر الله معنيّ بأن يوضح أنه لا يخشى من وقوع مواجهة مع إسرائيل. ورسائله بهذا الشأن غير موجهة إلى إسرائيل فقط بل أيضاً إلى سكان لبنان وإلى أعدائه.
أما المحلل العسكري في موقع واينت رون بن يشاي فأكد أن أزمة الكورونا دفعت وكلاء إيران العنيفين في شتى أنحاء الشرق الأوسط إلى تخفيض نشاطهم، لكنهم لم يوقفوا عملياتهم بصورة مطلقة. وقال إن عناصر الحرس الثوري الإيراني يواصلون محاولاتهم لإقامة جبهة ضد إسرائيل في سورية، وتواصل الميليشيات الشيعية العراقية إطلاق صواريخ على الجنود الأميركيين في العراق، ويواصل حزب الله نشاطه في الجولان السوري ضمن ما يُطلق عليه اسم "ملف الجولان"، الذي في إطاره يقيم بنية تحتية إرهابية معادية لإسرائيل في القرى المتاخمة للحدود. وهذا النشاط لحزب الله هو الذي أدى، على ما يبدو، إلى التوتر في الساحة الإسرائيلية - اللبنانية. وثمة حادثتان وقعتا في مكانين مختلفين من لبنان - بعيدين عن بعضهما البعض - رفعتا مستوى التوتر. وظاهرياً، لا علاقة بينهما، لكن من المحتمل جداً أن الحادثة الأولى التي وقعت كانت جزءاً من المعركة السرية - المعركة بين الحروب - التي بواسطتها تقوم إسرائيل بإحباط مبادرات حزب الله الإرهابية في سورية. والحادثة الثانية كانت، على ما يبدو، رداً من حزب الله.
ويشير بن يشاي إلى حادثة تعرض سيارة لبنانية للقصف في بلدة جديدة - يابوس الموجودة على المعبر الحدودي الأكبر والرئيسي بين سورية ولبنان، على طريق بيروت- دمشق. والحادثة الثانية وقعت على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، في منطقة كيبوتسي المنارة والمالكية. وبحسب بيان الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي، التُقطت إشارة إنذار من السياج الممتد على طول الحدود بين إسرائيل ولبنان، ونشأ شك في حدوث محاولة تسلل. بعد مرور وقت ليس طويلاً، وبعد فحص قام به الجيش، استُبعد احتمال التسلل، لكن اكتُشفت ثلاث فتحات خطيرة في السياج جرت، على ما يبدو عن قصد، في ثلاثة أماكن مختلفة.
وأشار المحلل إلى أنه إذا كانت حادثة المسّ بالسياج رداً على مهاجمة السيارة، فإن المقصود إشارات حذرة ومدروسة، هدفها تبادل رسائل بين حزب الله وإسرائيل، من دون التسبب بتصعيد. وأكد أن هناك مصلحة لإسرائيل ولحزب الله أيضاً بالامتناع من حدوث اشتباكات، وخصوصاً في فترة أزمة الكورونا. لكن في الوقت عينه، يريد الطرفان الدفاع عن مصالحهما.
وخلص إلى القول: يمكن أن نفهم أن القاعدة القديمة، العين بالعين، لا تزال تطبّق في الشرق الأوسط كما في الماضي، لكن في زمن الكورونا، فإنها تجري بصورة أكثر حذراً وأكثر حكمة. والاستراتيجية الإسرائيلية هي مواصلة المعركة بين الحروب في سورية كلما دعت الحاجة، لذلك هي تتواصل، لكن بكثافة أقل مقارنة بالفترة التي سبقت تفشي الوباء. ويشدد مصدر أمني كبير على أن عمليات انتقامية تكتيكية كهذه وغيرها، كما شهدت الحدود اللبنانية في الأمس، لن تغيّر استراتيجية الجيش الإسرائيلي.
على صعيد آخر ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن إيران أطلقت لأول مرة قمراً اصطناعياً عُرّف رسمياً بأنه عسكري من طرف الحرس الثوري، وكشفت أثناء ذلك عن منصة جديدة لإطلاق الأقمار الاصطناعية، وعن تدشين موقع جديد لإطلاقها. ووفقاً لمسؤولين أمنيين تحدثت معهم الصحيفة، تعطي هذه الخطوات انطباعاً بأنه على الرغم من الأضرار الكبيرة التي لحقت بإيران من جراء فيروس كورونا، فإنها لا تهمل جهوزيتها العسكرية.
وأضافت الصحيفة: صحيح أن الحرس الثوري الإيراني كان شريكاً في إطلاق أقمار اصطناعية في السابق، لكن هذه هي المرة الأولى التي تعترف فيها طهران بأن الحديث يدور حول نشاط عسكري وحول نشاط لمنظمة أمنية هدفها الأول هو الدفاع عن نظام الملالي. ووفقاً لتقارير إعلامية فإن القمر الاصطناعي دخل إلى المسار المنخفض الذي يميّز أقمار التصوير حول الكرة الأرضية.
وقال طال عنبار، الخبير في شؤون برنامج الصواريخ والفضاء الإيراني، للصحيفة: "بموجب تقارير إعلامية غربية يبدو أن القمر الاصطناعي الجديد دخل إلى المسار المذكور، وإن كنا لم نر بعد صوراً قام بالتقاطها. ويمتلك الإيرانيون القدرة على الوصول إلى صور أقمار اصطناعية تجارية، وهذه القدرة ساعدتهم على تخطيط الهجوم الصاروخي الناجح ضد منشآت النفط السعودية، لكن ثمة أهمية أيضاً لتشغيل أقمار التجسس بصورة ذاتية". وأضاف عنبار: "تم إطلاق القمر الاصطناعي الجديد من دون إعلان مسبق وبسرعة من خلال منصة إطلاق متحركة ثلاثية المراحل. وبذا بثت إيران إشارات فحواها أن بمقدورها أن تطلق صواريخ بالستية من مواقع متنوعة في حال تعرّض مواقع الإطلاق المحصنة التي أنشأتها للهجوم".
وأضافت الصحيفة أن عملية إطلاق أول قمر اصطناعي عسكري إيراني جاءت في فترة تصاعد التوتر في مقابل الولايات المتحدة، بعد أن قام سلاح البحر الإيراني في مطلع الأسبوع قبل الماضي مرة أخرى باستفزاز سفن الأسطول الأميركي في الخليج الفارسي. وأصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب أوامر إلى الأسطول تقضي بتدمير سفن إيرانية تقترب في المرة المقبلة من السفن الأميركية.
وأشارت إلى أن إسرائيل شجبت إطلاق القمر الاصطناعي العسكري من طرف الحرس الثوري، ودعت الأسرة الدولية إلى فرض عقوبات إضافية على النظام الإيراني. وجاء من وزارة الخارجية الإسرائيلية أن "إيران تواصل تركيز جهودها في العدوانية العسكرية بدلاً من معالجة قصوراتها حيال أزمة الكورونا في أراضيها، ومن الاهتمام بعشرات ألوف المواطنين الإيرانيين الذين أصيبوا بالوباء".