المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1611
  • ليئور شتيرنفيلد ومنشيه عنيزي

تعمل دولة إسرائيل في السنوات الأخيرة على إعادة كتابة التاريخ المرتبط ببدايات الصهيونية. وعلى الرغم من أنه خلال معظم سنوات وجود الدولة كان التاريخ مجندا من الناحية الأيديولوجية لخدمة الفكرة الصهيونية، فإن ذلك لم يكن كافياً لتبرير الممارسات السياسية لحكومات إسرائيل. ويبدو أن جهود إعادة كتابة التاريخ الحالية تهدف إلى تحضير النفوس من أجل القيام بعمليات سياسية متشددة، من خلال منح صك براءة تاريخي للأحداث الراهنة. فعلى سبيل المثال، يساعد تسليط الضوء على معاداة السامية المتأصلة في العالم الإسلامي، على تبرير عدم الرغبة في تشجيع التحركات الساعية للعيش المشترك في إسرائيل والشرق الأوسط.

في الآونة الأخيرة فقط، أفاد نير حسون، المراسل في صحيفة "هآرتس"، بأن بلدية القدس قررت تسمية شوارع في سلوان على أسماء حاخامات يمنيين، وذلك تخليداً لذكرى السكان اليهود من أصل يمني الذين عاشوا في هذا الحي في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وعلى امتداد قرون، إن لم يكن أكثر، فإن سلوان فلسطينية بالكامل تقريبا. والسكان اليهود في السنوات الأخيرة هم بمثابة "إصبع تفقأ عين" هؤلاء السكان. كذلك، وفقاً لأحد أعضاء مجلس بلدية القدس، فإن إطلاق الأسماء على الشوارع هو خطوة لإثبات وجود السيادة الإسرائيلية، وهو أمر لا يمكن أن ينساه بالتأكيد أيٌّ من سكان الحي حتى بدون الأسماء الجديدة.

إن إطلاق الأسماء العبرية على الشوارع في سلوان هو ممارسة شائعة تسعى إلى التمييز بين اليهود العرب والعرب الفلسطينيين. فلن تدخل أسماء الحاخامات اليمنيين في الذاكرة التاريخية الجماعية لإسرائيل بمساعدة الشوارع الجديدة في حي سلوان، حيث أن معظم الإسرائيليين لا يزورون سلوان كل يوم؛ أي أن السلطة "أطلقت أسماء لشرقيين" وفي الوقت نفسه لم يتردد صداها لدى الجمهور الإسرائيلي العام، لأنه لا أحد يمر في هذه الشوارع أصلا. ولكن مكاناً مثل سلوان كان يمكن أن يكون احتمالا لقصة تاريخية بديلة: أحد الحاخامات الذين يخلّد اسمهم الآن في شوارع الحي، الحاخام ميموني، وقع ذات مرة على هذه الرسالة: "نحن الموقّعون أدناه، سكان كفار هشيلوح نعلن على الملأ أننا ملزمون بأن نعرب عن امتناننا للرجل العزيز وطيب القلب السيد الحاج محمد غزلان، أحد وجهاء إخوتنا العرب سكان كفار هشيلوح سلوان وصحبه طيبي القلوب الذين أبدوا معاملة إنسانية غير عادية لجيرانهم سكان أحياء هشيلوح اليهود خلال فترة اضطرابات 1929... نحن نأمل بأن تسود هذه المعاملة بيننا وبينهم على مدى الأيام، على أمل أن يعيد الرب الكريم الخير لأصحاب أفعال الخير على صنيعهم".

بعد احتلال القدس الشرقية مباشرة في عام 1967، جمع مراسل جريدة "يديعوت أحرونوت" بين يوسف ميموني، ابن الحاخام شلومو ميموني - أحد الموقعين على الرسالة - وبين محمد غزلان، ابن الحاج غزلان. وقد قال ميموني لغزلان إنه "يشعر بالواجب لاحترام توقيع الوالد المرحوم ... لا قدّر الله أن نكون ناكري الجميل، وسوف نفعل كل شيء من أجلك" (يديعوت أحرونوت، 20 أيلول 1967).

ماذا عن إيران وتونس؟

يبدو جليا أن الدولة تقوم في السنوات الأخيرة باستثمار موارد وجهود كبيرة لتعزيز حضور تاريخ يهود الشرق الأوسط. لكن بالتوازي مع هذا الاتجاه المهم، تنصب الجهود من أجل جعل ذلك التاريخ يتناسب مع التاريخ الصهيوني، أو وضعه في حدوده وتحت سقفه. إنها رواية تصف تاريخ اليهود من كارثة إلى كارثة، من ترحيل إسبانيا عبر مختلف الأعمال العدائية وصولا إلى ترحيلهم إلى إسرائيل. ويضاف إلى ذلك وجود نزعة في وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى قراءة الواقع المعاصر في أوروبا من منظور معادٍ للمسلمين. والتعبير البارز عن هذا هو وصف فرنسا كأنها تعاني تحت وطأة هجرة المسلمين ومعاداة السامية، وبالتالي الدعوة لهجرة اليهود إلى إسرائيل ومنحهم "الخلاص" الصهيوني نفسه.

وهكذا، بعد عقود من التجاهل شبه التام لتاريخ يهود الشرق الأوسط، يطرح اليوم مشروع لإعادة كتابة تاريخهم على طاولة المؤرخ الانتهازي للصهيونية.

إن قراءة تاريخ يهود الشرق الأوسط ملوثة منذ عقود بمنظور الصراع العربي- الإسرائيلي. لقد كتب الكثير عن الاستهتار العام بالتفاصيل وبالثروة التاريخية والثقافية لهؤلاء اليهود، وكذلك عن الفعل الإشكالي المتمثل في تضمين وتغطية تاريخ المهاجرين من أكثر من 20 دولة ضمن إطار سردية عمومية مبسطة واحدة.

إن اليهود، كما يحكون لنا، قد عاشوا برأس خانعة وهم ينتظرون الخلاص الصهيوني، وما أن أقيمت دولة إسرائيل حتى بدأوا بالتدفق عليها بأعداد كبيرة، وفي قصة تتضمن أيضاً عملية ترحيل نشطة. هذه الرواية تخطئ مرارا في خصوص الحقيقة التاريخية: أولاً، إنها تتجاهل آلاف السنين من الوجود اليهودي في البلدان الإسلامية، وهو وجود لم يكن جيداً فحسب أو سيئاً فحسب، بل كان في الأساس وجود لحياة طبيعية، مع الكثير من الخير والكثير من السوء، ومع علاقات مركبة مع مجموعة سكان الأغلبية، مع الأقليات السكانية والبُنى السياسية الإمبريالية والمحلية. وهذه هي طبيعة التاريخ.

وثانياً، عندما تنفي هذه الرواية عن يهود البلدان الإسلامية إمكانية الانتماء إلى المجتمع المحيط الذي يعيشون فيه، فإنها تربط كل العمليات التي مروا بها بالعمليات الكبرى المرتبطة بتاريخ الصهيونية في أوروبا وأرض إسرائيل (فلسطين) والشرق الأوسط، وتموضعهم داخل جسم مصطنع فوق- تاريخي لمجموع "يهود البلدان الإسلامية".

وثالثا، تُخضِع هذه القصة التقاليد الدينية ليهود الدول الإسلامية إلى الشكل الذي تخيلوا فيه يهود الشرق، من خلال تجاهل التنوع الموجود في هذا المجال أيضاً: أرثوذكسية إلى جانب تقاليد حاخامية محلية، شيوعية مع عناصر دينية، قومية عربية، إيرانية أو تركية وغيرها.

هل يمكن الحديث عن هجرة اليهود اليمنيين بنفس الطريقة التي نتحدث بها عن يهود المغرب أو مصر؟ هل يصح القول إن اليهود المصريين تم ترحيلهم على الرغم من أن رحيلهم في عام 1956 كان جزءاً من تحرك كبير للحكومة المصرية الكبرى لطرد رعايا أجانب وليس اليهود حصراً بالضرورة؟ وما هو دور إسرائيل في تدهور العلاقات بين يهود المنطقة وبين السلطات؟ هل غادر اليهود العراقيون بنفس الطريقة التي رحل بها اليهود اللبنانيون؟ إن الطريقة التي يتم بها سرد القصة اليوم تقدم التاريخ في وحدة عمومية تبسيطية، وكذلك مجمل التاريخ اليهودي في الشرق الأوسط.

في العام 2014، أقر الكنيست قانون يوم إحياء ذكرى خروج وترحيل اليهود من الدول العربية وإيران. على الرغم مما يستشف ضمنياً من اسم القانون، فإنه لم يتم طرد اليهود من إيران. كيف، إذن، سوف نتعامل مع حقيقة أنه في إيران، وكذلك في المغرب وتونس، على سبيل المثال، لا تزال هناك مجتمعات يهودية، بينما أصبح التاريخ اليهودي في مصر والعراق جزءاً من نقاش وطني حول الثقافة المحلية؟ هل من الصواب القيام بما عمله فرانسيس فوكوياما وإعلان نهاية التاريخ اليهودي في الشرق الأوسط؟

نظرة تعميمية

في الصيف الماضي، عرض "متحف أرض إسرائيل" معرضاً بعنوان "خروج من دون عودة - تحية ليهود دول العرب وإيران". ويثير اسم المعرض بحد ذاته تساؤلات حول هذا النوع من "التحيات".

روى المعرض قصة عشرة مجتمعات: إيران والعراق وسورية واليمن ومصر وتونس وليبيا والمغرب والجزائر ولبنان، وقدم لها جميعاً نفس الرواية: عاش اليهود آلاف السنين في ذلك المكان، وعانوا من عهود الاضطهاد الأخيرة، وأجبروا في نهاية المطاف على "خروج من دون عودة" الى المكان. تصميم المعرض استحضر ذلك ووضّحه بهذه الصيغة. كانت الصورة التي رافقت المعرض بأكمله، وربطت بين أجزائه، هي "الطاليت"، وشاح الصلاة اليهودية. لكن هذا ليس قاسما مشتركا للقداسة والصلاة، وإنما وشاح للصلاة كان يُجبر اليهود في معسكر جادو في ليبيا على استخدامه كقماشة بعد الاحتلال النازي. أي أن القاسم المشترك لجميع المجتمعات اليهودية هو الاضطهاد والملاحقة، وربطهم الفظ جميعاً مع الهولوكوست. ويتضح بالتالي إذن أن "التحية" هي تذكير بإنقاذ من المصير الوحشي الذي انتظر يهود الشرق لولا أن الصهيونية أنقذتهم.

كان كل جزء من المعرض مخصصاً لذكرى واحد من المجتمعات وعرض صورا وأغراضا من الحياة المجتمعية (أحياناً أيضاً مع تبسيط استشراقي، مثل إبراز تعاويذ وكتب شعوذة في كل مجتمع من الشرق، كما لو كان ميزة فريدة من نوعها في هذه المنطقة). وقد اختتمت كل مجموعة من مجموعات المعرض بقائمة من حوادث الاعتداءات على اليهود، وبالتالي قدّمت السياق العام مرة أخرى والذي يقوم بتلطيخ حياة بأكملها كحياة من العنف والاضطهاد والملاحقة. وأكدت الجمل الأخيرة في كل مجموعة على أنه بقي اليوم يهود معدودون في هذه الدولة، هذا إن وجدوا أصلا.

بالإضافة الى التوجه العام، فإن تلك الأمور تستنتَج أيضاً من تفاصيل المعرض. فالعرض الخاص بالمجتمع اليهودي الإيراني يصف حياتهم على أنها حياة بائسة تعيسة، مشيراً إلى "مجموعة من الأحداث التي تعرض فيها اليهود للأذى": منذ المذبحة ضد اليهود في مدينة مشهد ووصولا إلى الثورة الإسلامية. من بين الأحداث التي يقدمها المعرض، دمج القيّمون عليه برقية كان قد أرسلها كبير الحاخامات في طهران في عام 1874 إلى شركة "إليانس" في العاصمة الفرنسية باريس، تصف محنة اليهود الإيرانيين. يبدو أن حتى برقية مكتوبة بقلم حاخام يمكن اعتبارها عملا عدائيا ضد اليهود.

في مقابل ذلك، لم يكن هناك أي شيء على هذا المحور الزمني يقدم لنا شيئا عن حياة حوالي 100 ألف يهودي في إيران. عن كونهم فخورين بأنهم إيرانيون، عن ارتباطهم بالثقافة والدولة، وعن المعجم المهم الذي كتبه سليمان حاييم حول الصحافة اليهودية التي وصلت في فترة الذروة الى حوالي اثنتي عشرة جريدة متوازية، عن الشعر والأدب، وعن معدل الأطباء اليهود، أو عن أنشطتهم في الأحزاب الوطنية والشيوعية وحتى عن تعاطيهم المثير واللافت مع الصهيونية. ما يمكن أن يتعلمه زوار هذا المعرض هو أن هناك ستة أحداث بدأت في المذبحة في العام 1839 وانتهت في الثورة في العام 1979. ويجب على المرء أن يسأل، هل يمكن حقا تلخيص الحياة اليهودية في إيران في حين لا يزال يعيش هناك مجتمع يضم 20 ألف رجل وامرأة؟
يتكرر هذا النمط في جميع العروض الأخرى. لكن القراءة المتأنية والنقدية تظهر أن التاريخ له أوجه أخرى. بهذه الطريقة فقط، يمكن رؤية نشاط التاجر اليهودي العراقي أبراهام جفاني، شريك وزير المالية محمد الحديدي، بوصفه جزءا من العصر الذهبي الاقتصادي والثقافي للعراق في النصف الأول من القرن العشرين. بنفس الطريقة، يمكن اقتراح تضمين قصة حياة الموسيقية اليهودية التي تحظى بالحب والإعجاب، حبيبة مسيكا، كجزء لا يتجزأ من التاريخ التونسي، مثلما تسعى تونس إلى القيام به الآن، وليس فقط كقصة يهودية مأساوية. من هذا المعرض بالذات نتعلم بأنه سوف يتم عرض بيانو مسيكا قريباً في متحف خاص تخليدا لذكراها في تونس.

هناك عرض لقصة تاريخية مماثلة في كتاب بعنوان "نهاية اليهودية في البلدان الإسلامية"، الذي حرره شموئيل تريجنو وصدر عن دار النشر "كرمل" العام الماضي. يقدم هذا الكتاب لأول مرة، كما يدعي، نظرة شاملة عن العمليات التي أدت إلى طرد اليهود من الدول الإسلامية. وتريجنو يصف الغرض من توحيد سردية كل قصص "الترحيل" من عشرة بلدان مختلفة، والذي بموجبه "تعرض يهود الدول العربية للاضطهاد والمذابح لعدة أجيال، قبل مئات السنين من ظهور الصهيونية. وقد ساء وضعهم أكثر فأكثر في العصر الحديث ومع ظهور القومجية العربية في القرن الـ20. الرواية التي تصف هجرتهم إلى إسرائيل بأنها استعمار هي نقيض للحقيقة، فهؤلاء كانوا لاجئين مضطهدين وجدوا لهم ملاذا في دولة إسرائيل". إن هذه النظرة ضيقة وتعميمية، تعتمد حقائق معينة وتتجاهل العديد من الحقائق الأخرى، لغرض تقديم سيرورة معروفة النتائج مسبقاً، بل معلنة النتائج مسبقاً.

تشهد إسرائيل اليوم عمليات اجتماعية مهمة. المجموعات التي تعرضت للإقصاء عن الخطاب، مثل المجتمعات الكبيرة التي هاجرت من البلدان الإسلامية، تجد لها الآن تعبيرا معينا لها في المجتمع وفي المواقع التذكارية العامة. لكن الثمن المطلوب منها كبير، وينعكس في ربط التاريخ الشرقي بالرواية الصهيونية: ثقافة، صهيونية، اضطهاد وهرب أو ترحيل، وخاتمتها "الخلاص" في إسرائيل.

لا يتسع المجال للحديث عن الحياة المركبة لليهود والمسلمين معاً لأكثر من ألف عام. ويبدو أن محو التاريخ اليهودي الشرقي من سياقه العربي والإسلامي يسير بالتوازي مع محو التاريخ الفلسطيني من بلادنا. وكمؤرخين مشاركين في بحث وتدريس اليهود الذين عاشوا في البلدان الإسلامية، فإننا نرحب بتوسيع الرواية وإدماج يهود الدول الشرقية في الرواية الوطنية، ولكننا ندعو إلى عرض متعدد الأوجه وعرض السياق العام لتاريخ يهود الدول الإسلامية.

إن التقديم الانتقائي للحقائق والعمليات التاريخية، بما يخدم أهدافاً سياسية ضيقة، يضر بتاريخ مجيد عمره 2000 عام ولا يزال حياً يرزق. كما أن نصف الحقيقة أسوأ من الكذب.
_________________________________

(*) د. ليئور شتيرنفيلد يدرّس تاريخ إيران والشرق الأوسط في جامعة "بن ستيت" في ولاية بنسلفانيا الأميركية. ود. منشيه عنيزي يدرّس في كلية تاريخ شعب إسرائيل في جامعة بن غوريون في بئر السبع. ترجمة خاصة. المصدر: الملحق الأسبوعي لصحيفة "هآرتس".

 

المصطلحات المستخدمة:

الصهيونية, يديعوت أحرونوت, هآرتس, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات