قالت المحامية مريم زالكيند، مديرة قسم السياسة والتشريعات في "لوبي النساء في إسرائيل"، إن التعامل بمماطلة مستمرة يُميز طريقة العمل التشريعية والتنفيذية حيال حالات العنف ضد النساء في إسرائيل. وأكدت أن هذا التعامل يتفاقم بشكل خاص الآن في ظل انعدام وجود حكومة وكنيست.
وأشارت زالكيند إلى أنه منذ العام 2014 بعد مقتل 23 امرأة في العام الذي سبقه، اتخِّذ قرار حكومي بتشكيل لجنة عاجلة بين وزارية لمعالجة "ظاهرة العنف الأسري". وقدمت اللجنة توصياتها التي تمت الموافقة عليها في حزيران 2016 وشكِّلت لجنة بين وزارية أخرى لصياغة خطط عمل لتطبيقها. ووافقت لجنة وزارية بقيادة وزير الأمن الداخلي، غلعاد إردان، في حزيران 2017، على خطة العمل مبدئيا، ومع ذلك، فإن نطاق اعتماد الاستنتاجات ليس واضحاً تماماً، سواء تم اعتمادها مبدئيا أو
بالحرف. كما أن نطاق الميزانية ومصادر الميزانية لتطبيق الخطة غير واضحين كذلك، وبينما تستمر الدولة في المماطلة تُقتَل المزيد من النساء. وتؤكد أن القتل عادة لا يكون مفاجئا، فقد اشتكت غالبية ساحقة من النساء المقتولات من العنف أو كنّ معروفات لخدمات الرفاه الاجتماعي.
وبرأيها، الحقيقة المرة هي أنه ليست هناك أي امرأة، بغض النظر عن عمرها، دينها ومكانتها الاجتماعية، محصنة من العنف الذكوري الذي قد يكلفها حياتها. كما أن العنف ضد النساء هو ليس ظاهرة طبيعية لا يمكن السيطرة عليها، وقد كان بالإمكان منعها وإنقاذ الكثيرات لو كانت الدولة تحاول معالجة حالة الطوارئ هذه ولو كانت تستثمر مواردها كما تستثمرها في الأمن القومي مثلا. وتتصرف الدولة كما لو كان لديها وقت كافٍ، بالرغم من أنه منذ العام 2011 قتِلت 167 امرأة في إسرائيل، وفي العام 2018 قُتِلت 22 امرأة، وفي العام 2019 المشارف على الانتهاء قتِلت حتى الآن 12 امرأة (ست منهن عربيات وست يهوديات). وعادة ما نرى احتجاجات ومظاهرات شعبية، لكن لم تعلن الحكومة بعد عن حالة طوارئ.
وتضيف زالكيند أن أحد أصعب الأمور فيما يتعلق بالنساء ضحايا للعنف هو قلة التنسيق بين الجهات المختلفة. فوزارة الرفاه ليست على تواصل مع وزارة الصحة والوزارات المختلفة بالكاد تتواصل مع بعضها البعض.
ولفتت زالكيند إلى أنه تم تحقيق بعض الإنجازات لكن غالبية الأمور لا تزال عالقة تحت وطأة مماطلة رهيبة. فقد أعلنت وزارة الرفاه الاجتماعي مؤخراً عن انعقاد دورات تدريبية بين وزارية مخصصة لمهنيين يعالجون العنف الأسري، وتعطي منظورا شاملا وأدوات عملية لمكافحة الظاهرة ومعالجتها. وأبلغت وزارة الرفاه كذلك عن تطوير أدوات بين وزارية لتقييم مدى نسبة الخطر. وخُصصت وظائف شاغرة في السلطات المحلية: 68 لعلاج الأطفال ضحايا العنف الأسري، 60 لعلاج الرجال و60 لعلاج المسنين. وتتم في هذه المرحلة ملء هذه الوظائف في السلطات المحلية لكن لا يعرف كم من الوقت سيستغرق ذلك. وتحدثوا كذلك عن إقامة أربعة مراكز طوارئ توفر خدمات مختلفة تفتح على مدار الساعة طوال الأسبوع. وفهِمت الحاجة الماسة لهذا النوع من المراكز منذ زمن، ولكن الحديث عن افتتاح المركز الأول بدأ مؤخرا فقط.
وتابعت أنه إلى جانب المماطلة الرهيبة في تنفيذ وتطبيق القرارات، هناك إخفاقات أخرى في معالجة موضوع العنف ضد النساء:
أولاً، لا يوجد عدد كافٍ من الملاجئ. وهناك ملجآن فقط للنساء العربيات مثلا.
ثانياً، لا يوجد سوى مركزين لإعادة تأهيل الرجال العنيفين. وكان الالتزام ببناء ستة حتى العام 2017، أي ثلاثة أضعاف الموجودة اليوم، ما لم يحدث بالطبع. وحدث ذلك بسبب أحد المشاكل المتفشية الهدّامة في مجال الرفاه الاجتماعي – الخصخصة، خاصة وأن السيرورات المتعلقة بالخصخصة تحدث ببطء شديد. وقامت الدولة بالجهود اللازمة لبناء هذه المراكز مؤخرا فقط رغم أن الحديث عنها بدأ قبل أكثر من عامين. ويجدر بالذكر أنه وفقا للقانون، يقدَّم علاج الرجال العنيفين للرجال المتواجدين في إجراء جنائي فقط، ويعني ذلك أنه قد يكون هناك رجال عنيفون معروفون في خدمات الرفاه الاجتماعي لكن غير ملزمين بتلقي العلاج.
ثالثاً، هناك قانون عالق هو قانون القيود الإلكترونية الذي يهدف لإبعاد الرجال الذين من المحتمل أن يعتدوا على زوجاتهم. وتقول زالكيند: "يستطيع هذا القانون إنقاذ حياة النساء، لكنه عالق بعد أن تناولته جلسات كثيرة في الكنيست. توجهنا لوزارة العدل وسألنا عن السبب وراء ذلك، وتلقينا جوابا بأنهم يريدون دراسة الصعوبات والإخفاقات من دول خارج البلاد. المثير للسخرية في الأمر هو أن القيود هي منتج إسرائيلي، لكن الشرطة تسافر إلى إسبانيا لتعلم كيفية تشغيلها". وهناك قانون عالق إضافي ولا يبدو أنه سيتم سنّه أو تنفيذه في الوقت القريب هو قانون منع العنف الاقتصادي بمبادرة جمعية "روح نسائية". وبحسب تقديرات مختلفة، فإن حوالي 200 ألف امرأة في إسرائيل تعيش في عنف، على الرغم من أن منظمة الصحة العالمية تقدّر أن العدد أكبر من ذلك بأربعة أضعاف. وتقول تمار شفارتس، مديرة الجمعية، إن غالبية النساء اللاتي تعانين من العنف تعاني من عنف اقتصادي، والذي قد يكون ليس أقل صعوبة من أنواع العنف الأخرى، على الرغم من أنه عادة ما يهمّش ويدرَج بعد العنف الجسدي، الجنسي والنفسي. وتضيف أنه على الرغم من ازدياد الوعي لهذه الظاهرة، فإن نساء كثيرات لا يزلن غير قادرات على التعرف عليها وتحديدها. وتؤكد أن العنف الاقتصادي هو الأداة الأكثر نجاعة للتنكيل والسيطرة على شخص ما، حيث أن المال هو قوة والسيطرة من خلاله تمتد لجميع مجالات الحياة، وتلفت إلى أن العنف الاقتصادي هو ظاهرة تعاني منها النساء من جميع الخلفيات والطبقات الاجتماعية.
وتعتقد زالكيند أن التشريع ليس هو الحل الوحيد. فإلى جانب التشريع وإنفاذ القانون، هناك حاجة لسيرورات تربوية تغير المواقف والآراء المسيئة المنتشرة لدى الجمهور. وينطبق ذلك على مجالات مثل حوادث السير، التربية للاستدامة، حقوق الإنسان والمزيد. والتربية وحدها هي الكفيلة بإحداث تغيير طويل الأمد في معاملة النساء، ومنع وتقليل العنف ضدهن. ومع ذلك فإن التربية الجندرية في إسرائيل اليوم اختيارية تماماً، إذا كانت المدرسة معنية بها تبني برنامجا مخصصا لها إذا كانت الميزانية متوفرة بالطبع وإذا لم تكن معنية بذلك فلا تعطي للتربية الجندرية أيما حيز.
كما تؤكد أن ظاهرة قتل النساء غير مقتصرة على الفقراء والعرب، وبالرغم من أن النساء العربيات يقتَلن أكثر من نسبتهن في السكان، فإن هذا يحدث بتأثير عدم محاربة العنف في المجتمع العربي عامةً ما ينتج عنه أن فئة مستضعفة داخل مجتمع مستضعف تدفع ثمنا أعلى بكثير. والعنف موجود في كل مجتمع وكل طائفة لأنه يتعلق في نهاية الأمر بعلاقات القوى والرغبة في السيطرة. ويحدث القتل في عدد كبير جداً من الحالات بعد أن تعبّر المرأة عن رغبتها في الانفصال عن الرجل. وينبع ذلك من تصور المرأة على أنها ملكية، كشخص لا يستطيع اتخاذ قرارات بشأن حياتها. وهذه هي أيضاً أخطر فترة للنساء، من اللحظة التي يقررن الانفصال وحتى يقمن بذلك بالفعل. وعلى أي برنامج يريد توفير الرد للنساء أن يأخذ هذه اللحظة في عين الاعتبار.
كما يجدر بالذكر أن حوالي ثلث النساء قُتِلن بأسلحة نارية، جزء منها مرخص وجزء آخر غير مرخص. ومع ذلك قام وزير الأمن الداخلي جلعاد إردان ووزارة الأمن الداخلي بتمديد مفعول القانون المؤقت الذي ينص على أن بإمكان رجال الأمن وحاملي الأسلحة النارية في عملهم أخذ الأسلحة إلى منازلهم حتى نهاية كانون الثاني 2020. وتقول زالكيند إن وجود الأسلحة النارية في المنزل يزيد من خطر قتل المرأة بين ثلاثة حتى خمسة أضعاف.