المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 889
  • سليم سلامة

تطوران رئيسيان اثنان حصلا خلال اليومين الأخيرين في المساعي المحمومة التي يقوم بها حزب "الليكود" الحاكم ورئيسه، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، لسن القانون الجديد المعروف باسم "قانون التوصيات" الي يمنع الشرطة من تقديم توصيات في ختام تحقيقاتها الجنائية ونشرها على الجمهور بشأن تقديم، أو عدم تقديم، لائحة اتهام ضد المشتبه به (اقرأ تغطية مفصلة عن مشروع القانون، ص 6). فمن الجهة الأولى، أعلن رئيس "لجنة الداخلية" البرلمانية وصاحب المبادرة لسن هذا القانون، عضو الكنيست دافيد أمسالِم، تأجيل جلسة اللجنة التي كان مقررا عقدها أمس الاثنين لمواصلة النظر في تحفظات المعارضة على القانون، في إطار إعداده للقراءتين الثانية والثالثة. ومن الجهة الثانية، أعلن أمسالم نفسه أنه سيجري تعديل نص "مشروع قانون التوصيات" بحيث لا يسري على التحقيقات الجارية الآن مع رئيس الحكومة، نتنياهو.

ومن شأن هذين التطورين أن يؤشرا على تحوّل جوهري قد يُفضي إلى إحدى نتيجتين: الأولى ـ نزع الفتيل الأكبر من هذا القانون وإفراغه من هدفه الأساسي ـ تجنيب رئيس الحكومة، نتنياهو، توصيات خطية تقدمها الشرطة وتنشرها على الملأ تقضي بتقديم لائحة اتهام جنائية ضده؛ الثانية ـ التراجع عن هذه المبادرة التشريعية تماما، بعد إفراغها من هدفها الأساسي، كما ذكر، أو تأجيل التصويت عليها إلى بضعة أشهر، حيال اتضاح الصورة التي تثير قلق "الليكود" وقادته ـ عدم توفر أغلبية برلمانية مؤيدة لمشروع القانون، ولا حتى ضمن ممثلي الائتلاف الحاكم، وهو ما استجد خلال الساعات الأخيرة بإعلان كتلة "كولانو" برئاسة وزير المالية، موشي كحلون، تراجعها عن تأييد مشروع القانون بصيغته الحالية وعزمها على تقديم تحفظ (على مشروع القانون) يدعو إلى تأجيل موعد سريان مفعول القانون، في حال إقراره، إلى ما بعد ثلاثة أشهر.

التطوران الرئيسيان المذكوران ـ تأجيل جلسة مواصلة البحث في التحفظات على مشروع القانون وتعديل نصه كي لا يسري على التحقيقات مع نتنياهو ـ لم يأتيا صدفة أو من فراغ، وإنما بتأثير مباشر من المظاهرة الحاشدة التي جرت في مدينة تل أبيب مساء يوم السبت الأخير بمشاركة عشرات الآلاف من الإسرائيليين وأطلق عليها عنوان "مسيرة العار"، للمطالبة بعدم تشريع "قانون التوصيات". ورفع المتظاهرون لافتات كبيرة كُتبت عليها شعارات، من بينها: "كفى للفساد"، "سئمناكم أيها الفاسدون" و"اذهب إلى البيت يا نتنياهو"! وتحدث في المتظاهرين اثنان من أقرب المقربين السابقين لنتنياهو، هما عوزي أراد وعميرام ليفين. وفيما حذر الأول من أن "الفساد السلطوي قد وصل إلى قدس أقداسنا ـ المشتريات الأمنية والأمن عموما"، قال الثاني إن "الفساد ليس مرضا، وإنما عَرَض لحكومة ومنتخبي جمهور يسيطرون على الحكم منذ وقت طويل وقد أصبحوا يعتقدون بأن الأخطاء لا تستدعي دفع أي ثمن"!

وحيال النجاح الكبير وغير المتوقع لهذه المظاهرة، أعلن منظموها أنها ستصبح "مظاهرة أسبوعية ضد الفساد السلطوي" تجرى في مدينة تل أبيب، ابتداء من مساء السبت القريب ومساء كل سبت.

التراجُع يطال نتنياهو نفسه!
في أعقاب هذه المظاهرة الحاشدة، لوحظ تغيير حاد وهام في موقف حزب "كولانو"، كما في مواقف أعضاء كنيست آخرين في الائتلاف الحكومي، وبضمنهم من الليكود نفسه أيضا، أعلنوا جهراً أنهم لن يؤيدوا مشروع القانون بصيغته الحالية! وفي ضوء ذلك، جاء التغيير الأبرز والأهمّ وكان في موقف رئيس الحكومة، الذي أعلن على صفحته على موقع "فيسبوك"، صباح أمس الأول الأحد، أنه قد طلب من صاحب "مشروع قانون التوصيات"، عضو الكنيست أمسالِم، تعديل نصّه "بحيث لا يسري على التحقيق الجاري بشأني شخصياً في هذه الأيام"، كما كتب نتنياهو. وأضاف: "للأسف، فقد تحول البحث في قانون التوصيات إلى أداة للطعن بالحكومة المنتخبة التي تحقق إنجازات غير مسبوقة في الأمن، الاقتصاد، المجتمع وفي الحلبة الدولية... وكي يكون البحث في القانون موضوعياً وبعيدا عن الاستغلال لأغراض الدعاية السياسية، طلبتُ من عضو الكنيست دافيد أمسالِم التأكد من صياغة القانون بصورة تضمن عدم سريانه على التحقيق الجاري بشأني".

واعتبر نتنياهو إن "قانون التوصيات هو قانون جيد. يصون كرامة الإنسان وينظم الفصل الواضح في النظام الديمقراطي بين وظيفة الشرطة ووظيفة المستوى القضائي". وأوضح أن "القانون يريد منع نشر توصيات الشرطة التي تترك سحابة على أشخاص أبرياء، وهو ما يحصل يوميا".

أما في موضوعه الشخصي، فقد اتهم نتنياهو الشرطة بأنها "قد حسمت الأمور ضدي منذ بداية التحقيق... من الواضح أن ليست ثمة أية أهمية لتوصيات الشرطة بشأني، لأنها تقررت وحُسمت منذ بدء التحقيق معي، تم تسريبها طوال الوقت، ولم يطرأ عليها أي تغيير، رغم الحقائق الواضحة التي يتم عرضها المرة تلو الأخرى والتي تثبت أن شيئا من هذا كله لم يكن"!

رئيس الائتلاف الحكومي في دائرة الشبهات
بموازاة هذه التطورات المتسارعة وبالتزامن معها، حصل تطور آخر لا يقل خطورة من وجهة نظر الائتلاف اليميني الحاكم، وخاصة "الليكود" ورئيسه ورئيس الحكومة، نتنياهو. فقد أخضع رئيس الائتلاف الحكومة، عضو الكنيست دافيد بيطان، أمس الأول الأحد، إلى تحقيق جنائي استمر أكثر من 14 ساعة، وذلك بشبهات جنائية خطيرة في مركزها: الرشى، غسيل الأموال، الغش وخيانة الأمانة.

وتبرز خطورة التحقيق والشبهات ضد بيطان على خلفية كونه الشخصية الأقوى في الائتلاف اليميني الحاكم في إسرائيل اليوم والذراع البرلمانية الأطول لرئيس الحكومة نتنياهو. وبينما كان بيطان يتهدد ويتوعد، نهاية الأسبوع الأخير، بأن "قانون التوصيات سيُطرح على الهيئة العامة للكنيست لإقراره بالقراءتين الأخيرتين، الثانية والثالثة، رغم كل العقبات وكل الانتقادات"، يجد نفسه الآن خارج "هذه اللعبة" بعد أن أعلن المستشار القانوني للكنيست أن بيطان لا يستطيع المشاركة في التصويت "بسبب التحقيقات الجنائية التي تجرى معه"!

وتتمحور الشبهات حول بيطان بأنه، لدى إشغاله منصب نائب رئيس البلدية في مدينة "ريشون لتسيون"، وكذلك في الفترة الأولى من عضويته في الكنيست، أقام علاقات "اقتصادية" مع بعض عصابات الإجرام ورؤسائها ومع عدد من رجال الأعمال، إذ استغل منصبه وتأثيره لإرساء مناقصات وبيع أراض عامة في المدينة لتنفيذ مشاريع اقتصادية ـ تجارية كبيرة فيها على رجال أعمال ورؤساء عصابات إجرام، مقابل دفع أموال باهظة له لتسديد ديون تراكمت عليه بمبالغ خيالية جراء قروض كان استلفها من قبل من "السوق السوداء" (عصابات إجرام).
وفي إطار هذه الشبهات نفسها، جرى التحقيق مع 17 شخصاً آخرين ممن أشغلوا مناصب مسؤولة في بلدية ريشون لتسيون، في مقدمتهم رئيس البلدية، دوف تسور، الذي مددت المحكمة اعتقاله بخمسة أيام إضافية، ونائبه إيال موشيوف.

ولدى وصوله إلى الكنيست، ظهر أمس الاثنين، رفض بيطان أي حديث عن إمكانية تقديم استقالته من الكنيست، مؤكداً: "الوضع ليس مريحا تماما، لكنني سأواصل عملي وبرامجي كالمعتاد"!

مجلس الصحافة: قلقون من التشريعات المعادية للديمقراطية
حيال المبادرات التشريعية المتواترة التي يطلقها ويقودها اليمين الحاكم في إسرائيل لتعزيز حكمه ومواقعه، من خلال تضييق الحيز الديمقراطي في البلاد، أصدر "مجلس الصحافة الإسرائيلي" بيانا خاصا دعا فيه الكنيست إلى "التوقف عن دفع مبادرات تشريعية واقتراحات قانون ستكون نتيجتها الحتمية المساس الخطير بعمل الصحافة ووسائل الإعلام عامة".

وأعرب "مجلس الصحافة" عن "قلق عميق إزاء محاولة نشر جو عام يسحب شرعية التحقيق الصحفي الذي يسعى إلى كشف عن الفساد، حتى في المناصب العليا"، ناهيك عن أن "اقتراحات القانون الأخيرة، وفي مقدمتها "قانون التوصيات"، تعكس توجها معاديا للديمقراطية ويشكل خطرا على أسسها".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات