تقول تقارير صحافية إن جدول أعمال الكنيست يشهد تراجعا حادا في الدورة الصيفية الجارية، كما أن الصخب الذي كان منتظرا لم يحدث بالقدر المتوقع، مع مرور نصف فترة الدورة التي ستنتهي في نهاية الشهر المقبل، تموز. في موازاة هذا تقول احصائيات لمركز الأبحاث في الكنيست إن الولاية البرلمانية الحالية تسجل ذروة غير مسبوقة في عدد القوانين التي يبادر لها النواب، وفاقت 4300 مشروع قانون، وهو عدد كان يطرحه النواب في ولاية برلمانية كاملة من 4 سنوات؛ وهو ما جعل الكنيست في المرتبة الثانية بعد السويد، التي يسجل برلمانها المرتبة الأولى من حيث مشاريع قوانين النواب.
ويقول تقرير للصحافي شاحر إيلان في صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية، إن الأضواء تطفأ مبكرا في الهيئة العامة للكنيست، في يومي الاثنين والأربعاء، الأكثر نشاطا في الاسبوع البرلماني للهيئة العامة، الذي يمتد من يوم الاثنين وحتى يوم الاربعاء، فيما عمل اللجان البرلمانية خفيف جدا يومي الخميس والأحد، وعادة في حالات طوارئ، وخاصة لجنتي المالية والاقتصاد الأكثر عملا من باقي اللجان البرلمانية.
كما يُلاحظ تراجع محدد في كم مشاريع ومبادرات القوانين السياسية، ومنها العنصرية وتلك الداعمة للاحتلال والاستيطان، إن كان على مستوى المبادرة، أو على مستوى دفع مسار التشريع، بعد أن سجل الكنيست في العامين الأخيرين ذروة غير مسبوقة. ويعود هذا التراجع المحدود إلى الكم الهائل الذي تم طرحه حتى الآن، وثانيا إلى حقيقة أن نواب كتل اليمين الأشد تطرفا من الليكود وغيره قد أظهروا في الأسابيع الأخيرة تراجعا ما في مبادراتهم لطرح مشاريع قوانين تهدف إلى فرض ما يسمى "السيادة الإسرائيلية" على مستوطنات الضفة، أو حتى على الضفة المحتلة كلها.
ويقول إيلان إن ضرب جدول الأعمال شمل أيضا اللجان البرلمانية الأساسية، إذ أن جدول أعمالها يشهد هو أيضا تراجعا.
وعلى الرغم من هذا، يجب ان نذكر أن الدورة البرلمانية الصيفية بدأت بالمصادقة من حيث المبدأ (القراءة التمهيدية) على مشروع قانون ما يسمى "إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي" في العالم، وهو مشروع القانون الذي طرح مرارا منذ العام 2011، ولم تتجرأ أي حكومة على طرحه للتصويت، نظرا لمضامينه الخطيرة. وكانت صيغة القانون التي أقرت تلك التي بادر لها النائب آفي ديختر من حزب الليكود مع نواب آخرين، في حين أعلنت الحكومة أنها ستطرح قانونا بصيغة من عندها حتى منتصف الشهر المقبل، كي تدفع القانون للتشريع النهائي، إلا أن خلافات في الائتلاف تعرقل الأمر منذ منتصف الشهر الجاري.
كذلك فإن الحكومة صادقت على مشروع قانون النائب اليعازر شطيرن من كتلة "يوجد مستقبل" من المعارضة، ويقضي بخصم أموال الضرائب التابعة للسلطة الفلسطينية، بنفس قدر مخصصات عائلات الأسرى والشهداء. وقد صادق الكنيست في الشهر الجاري على مشروع القانون بالقراءة التمهيدية (من حيث المبدأ).
ونشير إلى أن ضرب جدول أعمال الكنيست بدأ من الناحية الفعلية منذ الدورة البرلمانية الـ 17، في فترة حكومة حزب "كديما" برئاسة إيهود أولمرت، من ربيع 2006 وحتى ربيع 2009، إذ عملت تلك الحكومة وفق أجندة واضحة لضرب الهيئة التشريعية، كجزء من سلسلة متغيرات في نظام الحكم. وقد بادرت الحكومة في حينه إلى تغيرات ملموسة في عمل الكنيست، وحاولت قلب الكثير من أنظمة جهاز القضاء، وخاصة تعيين القضاة، بموازاة استمرار السياسة الاقتصادية الصقرية، حتى وإن ظهرت تعديلات محدودة بفعل تركيبة الائتلاف الحاكم.
ومن تابع عمل الكنيست على مدى سنوات طوال، لمس التغير الواضح في وتيرة العمل البرلماني، إذ في تلك الدورة الـ 17، جرى تقليص حاد في جدول الأعمال، خاصة للمواضيع التي يطرحها أعضاء الكنيست. فبدلا من ثلاثة أيام أسبوعيا تشهد صخبا كبيرا في عمل الهيئة العامة، بات العمل يتركز في يومين، بينما اليوم الثالث بقي ضعيفا. وسبق هذا فرض قيود على القوانين التي يبادر لها النواب، ويحتاج تطبيقها لميزانيات، إذ تم فرض أغلبية كبيرة لكل قانون يتطلب ميزانية سنوية تفوق 3ر1 مليون دولار، وهي ميزانية هزيلة جدا. وجرى الحديث طيلة الوقت في تلك المرحلة عن ممارسات حكومية لإضعاف مكانة السلطة التشريعية أمام السلطة التنفيذية. وقد عملت الحكومات اللاحقة بنفس الوتيرة حتى يومنا هذا.
ذروة في مشاريع القوانين
من ناحية أخرى، انشغلت أوساط برلمانية في الأسابيع الأخيرة في مسألة كم مشاريع القوانين التي يطرحها النواب على جدول أعمال الكنيست، إذ أن الولاية الـ 20 الجارية تسجل ذروة جديدة في عدد مشاريع القوانين. فمنذ بدء الولاية البرلمانية في مطلع أيار 2015، وحتى منتصف حزيران الجاري 2017، بلغ عدد القوانين التي طرحها النواب 4310 قوانين. وللمقارنة، فإنه في الدورة البرلمانية الـ 19 السابقة، التي استمرت 26 شهرا، بمعنى ذات الفترة الزمنية منذ الانتخابات البرلمانية الأخيرة وحتى اليوم، طرح النواب 3100 مشروع قانون.
ومن متابعة خاصة أسبوعية لمركز "مدار" لمشاريع القوانين، فإن نسبة ليست قليلة من مشاريع القوانين ينسخها النواب عن بعضهم، في اطار سباق شديد بين النواب حول عدد القوانين التي يطرحونها، ولكن المقياس الأهم في نهاية المطاف، هو عدد القوانين التي ينجح كل نائب في الحصول على مصادقة الحكومة عليها، وتمريرها حتى القراءة النهائية في الكنيست. ولكن هذا المقياس لا يدل على القدرات المهنية والبرلمانية للنائب، بل أولا إذا كان عضوا في الائتلاف الحاكم، وثانيا مدى قدرته على التأثير على الائتلاف، وعادة فإن القدرة على التأثير مرتبطة هي أيضا بقدرات النائب الجماهيرية، بمعنى إذا كانت له قوة بين جمهوره، فإن حزبه ومن ثم الائتلاف يسعيان أيضا للتعاون معه. وهذا يعني أنه في حالات كثيرة، حتى لو قدم نائب من المعارضة مشروع قانون اجتماعيا ولو أنه غير مكلف، فإنه في الغالب جدا ستمنع الحكومة اقرار القانون، كي لا يتم تسجيل نقاط شعبية للنائب ومن ثم للمعارضة.
وتقول ورقة احصائية لقسم الأبحاث في الكنيست، إن أحد النواب بادر لوحده لقرابة 500 مشروع قانون، دون تسميته. إلا أن بحثا أجريناه في مركز "مدار" في سجلات النواب، بين أنه النائب دوف حنين، من الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة في كتلة "القائمة المشتركة"، الذي كان حتى منتصف حزيران الجاري قد بادر إلى ما يزيد بقليل عن 500 قانون، كما أنه انضم إلى عدد مماثل تقريبا من مشاريع قوانين بادر لها نواب آخرون، في المجالات الاجتماعية والاقتصادية. ونذكر أن الغالبية الساحقة من مشاريع القوانين هذه يحملها النواب معهم من ولاية برلمانية إلى أخرى، ما يؤدي إلى هذا العدد الضخم من مشاريع القوانين. كما تبين أن سبعة نواب، بادر كل واحد منهم إلى ما بين 100 وحتى 200 قانون، و20 نائبا ما بين 50 إلى 100 قانون، و56 نائبا ما بين 10 إلى 49 قانونا، و10 نواب حتى 10 قوانين. وبموجب أنظمة الكنيست، فإن الوزراء والنواب لا يستطيعون تقديم قوانين باسمهم مباشرة لجدول أعمال الكنيست. وحسب تقدير خاص في هذه الدورة فإن 25 نائبا على الأقل لم يطرحوا أي مشروع قانون، وهم الوزراء ونواب الوزراء، الذين شكلوا الحكومة بتركيبتها الأولى، في حين أن عددا آخر من الوزراء ونواب الوزراء، الذين انضموا إلى الحكومة لاحقا، كانوا قد قدموا مشاريع قوانين، ولكن لا يمكنهم الآن الدفع بها لمسار التشريع.
المقارنة الدولية
وتعرض ورقة احصائية أخرى لقسم الأبحاث في الكنيست، مقارنة مع برلمانات عدة دول في العالم، ليتبين أن الكنيست يحتل المرتبة الثانية بعد السويد في طرح القوانين الخاصة، التي قدمها أعضاء الكنيست في وكانت نحو 5 آلاف قانون، خلال الدورة البرلمانية الـ 18 للكنيست، التي امتدت بين العامين 2009 و2013.
بينما في أقدم برلمان في التاريخ المعاصر، البرلمان البريطاني، وفي الدورة البرلمانية الممتدة بين العامين 2005 و2010، بلغ عدد القوانين التي بادر لها النواب 517 مشروع قانون، مقابل 173 قانونا بادرت لها الحكومة.
وعلى الرغم من هذه الذروة في مشاريع القوانين، إلا أن نسبة القوانين التي بادر لها أعضاء الكنيست، وتم اقرارها نهائيا في الولاية البرلمانية الواحدة، تعد من أدنى النسب في العالم. ففي الولاية البرلمانية الـ 19، بمعنى السابقة، كان 4% من اجمالي القوانين التي اقرت نهائيا هي قوانين بادر لها النواب، مقابل 6% في الولاية البرلمانية الـ 18 التي سبقتها.
وترى أوساط برلمانية في الكنيست أن عدم وجود قيود على أعضاء الكنيست في طرح مشاريع القوانين يثقل على عمل جهاز الكنيست، وبشكل خاص على جهاز الاستشارة القضائية، الذي يشرف على مشاريع القوانين، وحتى أنه يقدم المساعدة للنواب في حال طلبوا هذا، ثم يعد مشروع القوانين بصيغته الأولية، ليطرح لاحقا على جهاز سكرتارية الكنيست، كي يحصل مشروع القانون على رقم تسلسلي، ويتم ادراجه على جدول أعمال الكنيست.
وحسب تجربة السنين فإن غالبية مشاريع القوانين التي يطرحها النواب لا يبادرون لطرحها لاحقا على الهيئة العامة للكنيست، بسبب وجود قيود على عضو الكنيست، من حيث كم مشاريع القوانين التي بإمكانه طرحها على جدول أعمال الكنيست. وحسب الأنظمة القائمة، فإنه يحق لكل كتلة برلمانية أن تقدم 7 مشاريع قوانين عن كل عضو كنيست فيها في كل عام برلماني، الذي يتشكل من دورة صيفية تستمر قرابة 6 أشهر، ودورة شتوية تتشكل من قرابة شهرين ونصف الشهر.
وتبقى هناك استثناءات تسمح للنواب بطرح مشاريع قوانين أكثر. فمثلا إذا وجد نائب أن عضو كنيست طرح مشروع قانون ما على الهيئة العامة للكنيست ولديه مشروع قانون مطابق، يطلب من رئاسة الكنيست أن يطرح مشروعه كمشروع "ملحق" لمشروع النائب الأول. وهذه واحدة من المناورات البرلمانية التي في خلفيتها تسجيل نقاط شعبية للنائب.
وفي السنوات الأخيرة طرحت أكثر من مرّة مسألة القيود على كمية القوانين التي يمكن للنائب طرحها. لكن على الرغم من الأحاديث والمبادرات لا تبدو حاليا أي مبادرة جدية لفرض قيود كهذه.