اشتد مؤخرا النزاع المسلح بين أذربيجان وأرمينيا حول إقليم ناغورنو كاراباخ، وهو جيب في أذربيجان تسكنه أغلبية ساحقة من الأرمن، ويطالب بالانفصال والانضمام إلى أرمينيا. ولا يزال هذا النزاع دائرا منذ انهيار الاتحاد السوفييتي السابق قبل 24 عاما. ورغم البعد الجغرافي بين منطقة هذا النزاع وإسرائيل، إلا أن الأخيرة طرف فيه بشكل معين، كما أنها تعتبر أن لها مصلحة في استمراره.
وترتبط إسرائيل وأذربيجان بعلاقات متينة جدا، بدأت بعد فترة قصيرة من إعلان أذربيجان عن استقلالها في العام 1991. وبمرور السنين تحسنت هذه العلاقات، لدرجة أن الرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف، يصفها بأنها "تحالف إستراتيجي". وكانت وقائق ويكيليكس قد كشفت اقتباسا على لسان علييف في برقية أرسلت من السفارة الأميركية في باكو، وقال فيها إن "العلاقات المتبادلة بين أذربيجان وإسرائيل هي أشبه بجبل جليدي، تسعة أعشاره موجودة تحت سطح البحر".
وكشف النقاب، خلال الأسبوع الماضي، عن جانب من هذه العلاقات الحميمة، بعد أن نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية صورة لطائرة بدون طيار من طراز "هاروب" من إنتاج الصناعات الجوية الإسرائيلية. وتتميز هذه الطائرة بأنها "انتحارية" وموجهة عن بعد وتتفجر على هدفها.
ووفقا لتقارير نشرت في الصحافة الإسرائيلية، في الأسبوعين الماضيين، فإن إسرائيل تدعم أذربيجان في حربها ضد أرمينيا والانفصاليين في ناغورنو كاراباخ. وهذا الموقف الإسرائيلي نابع من مصالح متعددة ومتبادلة في العلاقات الإسرائيلية – الأذرية.
فقد تحولت أذربيجان في السنوات الأخيرة إلى مزودة النفط الرئيسة لإسرائيل، وذلك من خلال أنبوب يمر عبر جورجيا وتركيا. وتأمل أذربيجان، ولا يخفي ذلك مسؤولون في العاصمة باكو، بأن تستخدم إسرائيل في المستقبل أنبوب النفط المذكور من أجل أن تضخ الغاز الطبيعي الذي تستخرجه من البحر المتوسط.
الأمر الثاني هو أن أذربيجان تشترى كميات كبيرة من السلاح من إسرائيل، وهي ثاني أكبر مستورد للسلاح الإسرائيلي بين دول آسيا بعد الهند. وتشتري أذربيجان من إسرائيل طائرات من دون طيار ومنظومات دفاع جوي. ولا توجد مصلحة لإسرائيل في حل النزاع في ناغورنو كاراباخ كي لا تفقد زبونا غنيا لصناعاتها العسكرية وتحافظ على علاقات مع أذربيجان، حسبما أكد الصحافي أنشيل بيبر في صحيفة "هآرتس" قبل أسبوعين. وتشير التقديرات إلى أن أذربيجان اشترت سلاحا من إسرائيل بمليارات الدولارات.
ومن أجل صيانة هذه العلاقات تجري زيارات متبادلة ولقاءات على مستوى وزراء بين الدولتين. والتقى الرئيس الإسرائيلي السابق، شمعون بيريس، مع علييف في العام 2012، كما أن وزيري دفاع إسرائيليين على الأقل زارا باكو، هما بنيامين بن إليعازر وموشيه يعلون.
وزار يعلون باكو قبل عام ونصف العام، للمشاركة في معرض للسلاح وكان فيه جناح إسرائيلي. والتقى يعلون خلال هذه الزيارة مع نظيره الأذري ووزير الخارجية والرئيس علييف. ورافق يعلون رئيس دائرة المساعدات الأمنية في وزارة الدفاع الإسرائيلية، شيماعيا أفيالي، الأمر الذي يدل، وفقا للمحلل الأمني في صحيفة "معاريف"، يوسي ميلمان، على أن إسرائيل ترى في أذربيجان سوقا هامة لبيع السلاح.
ويبدو أن لهذه العلاقات أهمية خاصة. فقد ذكرت نشرة "إنتلجنس أو لاين" الفرنسية، قبل ستة أشهر، أن الصناعات الجوية الإسرائيلية تسعى إلى بيع أذربيجان قمرا اصطناعيا لأغراض التجسس بمبلغ 150 مليون دولار، وهذا لا يشمل تكلفة إطلاقه ومحطة أرضية. ووفقا للنشرة الفرنسية، فإن هناك ثلاث شركات أخرى، أميركية وفرنسية ويابانية، تبدي اهتماما بصفقة كهذه. وتمارس الولايات المتحدة ضغوطا على علييف من أجل إبرام الصفقة مع الشركة الأميركية، لكن النشرة الفرنسية قالت إن ثمة أفضلية للصناعات الجوية الإسرائيلية على منافساتها، لأنها الأولى التي قدمت عرضا للقمر الاصطناعي وأيضا بسبب العلاقات الوطيدة مع إسرائيل.
إضافة إلى ذلك، فإن النشرة الفرنسية أفادت أيضا بأن أذربيجان تفضل أحواض بناء السفن في حيفا على منافس فرنسي لبناء 12 زورقا لصالح خفر السواحل الأذري. وتبلغ قيمة هذه الصفقة ربع مليار دولار.
وهناك عامل آخر في العلاقات الأذرية - الإسرائيلية يتعلق بتدهور العلاقات الإسرائيلية – التركية، إذ ينظر الأذريون إلى تركيا على أنها "أمة شقيقة" ولا تقيم علاقات مع أرمينيا. وامتناع إسرائيل عن الاعتراف بإبادة الأرمن على أيدي الأتراك إبان الحرب العالمية الأولى، يعود بين أسباب أخرى إلى علاقاتها الإستراتيجية مع أذربيجان.
وأحد أهم المصالح الإسرائيلية في هذه العلاقة هو أن أذربيجان هي جارة وخصم في الوقت نفسه لإيران، وتشكل بالنسبة لإسرائيل "بابا خلفيا" إلى إيران، علما أن أغلبية الأذريين ينتمون إلى المذهب الشيعي. وتوجد لأذربيجان حدود طويلة مع إيران، إضافة إلى حدودها مع روسيا وأرمينيا وجورجيا.
وكتب ميلمان أنه "بموجب تقارير نشرت في وسائل إعلام أجنبية، فإنه تعمل في أذربيجان محطة كبيرة للموساد، وتستغل الحدود المشتركة مع إيران من أجل مراقبة مجرى الأمور في الجمهورية الإسلامية". وكان متحدثون إيرانيون قد اتهموا أذربيجان بأنها تسمح للاستخبارات الإسرائيلية بتنفيذ عمليات تجسس، بما في ذلك تنصت ومراقبة. وقبل أكثر من عام قالت وسائل إعلام إيرانية إن طائرة من دون طيار من صنع إسرائيلي كانت في مهمة تصوير ومراقبة في الأجواء الإيرانية وسقطت في الأراضي الإيرانية. لكن الحكومة الإسرائيلية تلتزم الصمت حيال هذه التقارير ولا تعقب عليها.
وأضاف ميلمان أن السفير الإسرائيلي في باكو، أرتور لانك، التقى مع السفيرة الأميركية في باكو، آن درس، في العام 2007. وخلال هذا اللقاء أطلع لانك نظيرته الأميركية على لقاء بين علييف ووزيرة الخارجية الإسرائيلية في حينه، تسيبي ليفني، على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في سويسرا. وقال لانك إنه يوجد بين إسرائيل واذربيجان اتفاق تعاون أمني، وإن مستشار علييف، الذي وصل إلى إسرائيل حينذاك لغرض العلاج الطبي، استغل الزيارة وأجرى محادثات أمنية مع نائب وزير الدفاع الإسرائيلي في حينه، إفرايم سنيه، ومع مندوب عن الموساد.
وكشفت أجهزة الأمن الأذرية، في العام 2009، خطة للاستخبارات الإيرانية بالتعاون مع حزب الله اللبناني تهدف إلى تنفيذ عمليات مسلحة ضد السفارة الإسرائيلية ومؤسسات يهودية في باكو، بحسب ميلمان. وأشار هذا المحلل الإسرائيلي إلى أن هذه الخطة كانت جزءا من مجهود بذلته إيران وحزب الله في أنحاء العالم يرمي إلى الرد على مقتل القيادي العسكري في حزب الله، عماد مغنية. وكانت إسرائيل قد اغتالت مغنية في دمشق، في العام 2008، بواسطة تفجير في سيارته. ووفقا للأنباء التي ترددت حينذاك فإن الموساد نفذ عملية الاغتيال بالتعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي.أي.إيه).
ولم تخرج هذه الخطة إلى حيز التنفيذ، بعد أن تم إحباطها على أثر معلومات نقلها الموساد إلى الاستخبارات الأذرية. وتمكن قسم من العملاء الإيرانيين من الفرار والعودة إلى إيران، لكن تم اعتقال قسم منهم. وأشار ميلمان إلى أن التحقيقات مع المعتقلين كانت مشتركة وأجراها ضباط في الموساد والاستخبارات الأذرية.