يسرح الجيش الإسرائيلي آلاف الجنود من الخدمة العسكرية في كل عام على خلفية مواجهتهم أزمات نفسية مختلفة.
ويحاول الجيش مواجهة هذه الظاهرة، التي يقول إنها آخذة بالاتساع. وفي الطريق إلى الحصول على مساعدة وحدة الخدمة النفسية، يواجه الجنود قوانين متناقضة، ويحصلون على معلومات جزئية حول أزمتهم النفسية، إلى جانب وجود نقص كبير في الأطباء النفسانيين لأن قسما كبيرا منهم يفضلون العمل في السوق المدنية.
وذكر تقرير نشرته القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي، مؤخرا، أن أكثر من رُبع الجنود في الجيش الإسرائيلي يتوجهون خلال فترة خدمتهم العسكرية لتلقي علاج نفسي. ووفقا للتقرير فإن غالبية هؤلاء الجنود يخدمون في وحدات ليست قتالية وإنما في الجبهة الداخلية.
وتشير المعطيات حول هذه الظاهرة إلى أن عدد الجنود الذين يتوجهون لتلقي العلاج النفسي هو ضعفا عدد المجندات. وفي العام 2013 بلغت نسبة الجنود 28ر67% من بين الذين توجهوا لتلقي علاج نفسي، بينما كانت نسبة المجندات 72ر32%. وفي العام الماضي كانت نسبة الجنود 67ر66% والمجندات 33ر33%.
ولفت التقرير إلى أن جهاز الصحة النفسية في الجيش الإسرائيلي يواجه مشكلة كبيرة تتعلق بتناقض القوانين، وتتمثل بأنه، من جهة، يلزم قانون الخدمة الأمنية بتحويل معلومات طبية إلى الجيش، لكن من الجهة الأخرى، يوجد قانون حماية سرية المعلومات الطبية بين القاصرين. وبسبب التناقض بين هذين القانونين، فإنه إذا كان جندي معين غير معني بأن يعرف الجيش أنه تلقى علاجا نفسيا قبل خدمته العسكرية، فإن بإمكانه إخفاء هذه المعلومات عن الجيش.
ولهذا السبب، على سبيل المثال، تظهر خلال فترة الخدمة العسكرية فقط مشاكل تؤدي إلى زج جنود في السجن العسكري أو حتى إلى تسريحهم بسبب نسبة كفاءة صحية متدنية جدا. ورغم أن الجيش يتلقى من وزارة الداخلية قائمة بأسماء أشخاص يشكلون خطرا على أنفسهم، ويكونون ممنوعين من حمل السلاح، ويستبعدون من الخدمة العسكرية فورا، لكن عددهم لا يتجاوز العشرات في كل عام.
وبسبب هذه الصعوبات، يحاول الجيش الإسرائيلي التملص أمام الجهات المختلفة في الدولة. فالمعلومات التي يتلقاها قليلة، وضباط الصحة النفسية في الجيش يقولون إن الفئة العمرية 18 – 21 عاماً، سن الخدمة العسكرية، هي فئة تتميز بظهور أمراض نفسية، وذلك إلى جانب صعوبات في التأقلم مع البيئة الجديدة وقوانين الجيش الصارمة.
جندي أحرق طائرة مقاتلة
هناك عدة أمثلة على ما يمكن أن يفعله جنود يعانون من أمراض وأزمات نفسية.
وتحدثت وسائل الإعلام الإسرائيلية مؤخرا عن سجن جندي بعد أن أحرق طائرة مقاتلة.
وقال الجندي أثناء التحقيق معه إنه فعل ذلك بسبب "اهتياج" شعر به. وتبين لاحقا أنه تم تجنيد هذا الجندي، رغم أنه يعاني من مرض نفسي وحصل على اعتراف بإعاقة بنسبة 100%. وقال والده إن الأمر الغريب والمستهجن هو أن ضابط الصحة النفسية في القاعدة العسكرية التي خدم فيها ابنه أمره بأن يتوقف عن تناول ثلاث حبات دواء تخفف من حالته النفسية ويتعاطاها منذ أن كان في سن 14 عاما، وذلك رغم أن الضابط ليس طبيبا نفسيا. وأضاف والد الجندي أنه "لم يكن ينبغي أن يجنده الجيش الإسرائيلي، فالجيش لا يعرف كيف يواجه مثل هذه الأمور".
وفي حالة أخرى، تم زج مجندة في السجن بسبب تهربها من الخدمة العسكرية. ولدى عرضها على المحكمة العسكرية قررت القاضية أنه لم يكن ينبغي أبدا تجنيدها بسبب وضعها النفسي.
واعتقل الجيش شابة أخرى، معروفة لسلطات الرفاه الاجتماعي بأنها مدمنة على الكحول والمخدرات وتعاني من مشاكل نفسية، لمدة 11 يوما بعد أن تم تعريفها بأنها فارة من الخدمة العسكرية. وبرغم ذلك، قرر ضابط الخدمة النفسية أنه لا مانع في سجنها، لكن طبيبة نفسية عسكرية أمرت بإطلاق سراحها تحسبا من تفاقم وضعها النفسي. وفي النهاية وافقت القاضية في المحكمة العسكرية على اتفاق بين النيابة العامة العسكرية ومحامية المجندة. ويبدو أن هذه القضية توضح بعض إشكاليات تجنيد أشخاص يعانون من مشاكل نفسية.
ويبدو أن بعض هذه المشاكل تنشأ في الجيش الإسرائيلي على خلفية أن المجتمع الإسرائيلي هو مجتمع عسكري، إذ يصرح الجيش بأن الهدف هو تطبيق القدرة الكامنة لدى كل مرشح للخدمة العسكرية. وقالت ضابطة كبيرة في سلاح الصحة الإسرائيلي إنه "نحن جيش الشعب ولدينا دور بمساعدة أولئك الجنود الذين لديهم صعوبات نفسية أيضا، لأن الكثير منهم بإمكانهم أن يخدموا في مهمات ملائمة لهم. ويحظر عدم تجنيد كل من زار طبيبا نفسيا في ماضيه. فهذه وصمة غير منطقية".
نقص في الأطباء النفسيين
شدد تقرير القناة الثانية على أن أحد الأسباب الأساسية للمشكلة الجهازية في الجيش الإسرائيلي هي النقص في القوى البشرية، رغم أن الجيش لا يعترف بذلك علنا. وتشير المعطيات إلى أنه يوجد في الجيش اقل من 30 طبيبا نفسيا و300 ضابط صحة نفسية الذين ينبغي أن يعتنوا بمئات آلاف الجنود. إضافة إلى ذلك فإن عددا من هؤلاء أبلغوا الجيش بأنهم سيغادرونه لصالح العمل في السوق المدنية حيث يحصلون على أجر أعلى بكثير مما في الجيش.
وأضاف التقرير أنه على الرغم من محاولات الجيش تجنيد أطباء نفسيين للعمل في صفوفه إلا أنه لا ينجح في ذلك، وبسبب هذا النقص فإن الجيش منح صلاحيات طبيب نفسي لعدد من ضباط الصحة النفسية غير المؤهلين لذلك. وقالت ضابطة كبيرة في سلاح الصحة إنه في السوق المدنية "يغرون ضباطنا وأنا لست متفائلة. نحن المكان الأفضل، سواء من ناحية العطاء أو القيم، لكن المال يؤثر أكثر".
ويأتي ذلك على خلفية إصلاحات جهاز الصحة النفسية في إسرائيل. وقال مسؤول في جهاز الصحة المدني إن التوجهات إلى أولئك الأطباء النفسيين العسكريين متواصلة طوال الوقت. "هناك نقص عام في الأطباء النفسيين وعلى الجيش أن يستعد لمواجهة ذلك، وفي هذه الأثناء لا يتردد هؤلاء الأشخاص أبدا في مغادرة الجيش لأن شروط الإصلاحات أفضل بكثير" من ظروف العمل في الجيش.
وأشار مصدر خدم في الماضي في جهاز الصحة النفسية العسكري إلى أنه بسبب الإصلاحات، التي يتوقع أن تزيد من تحويل معلومات حول الجنود من الجهاز المدني، فإن الجيش سيعاني من نقص أكبر في القوى البشرية المتخصصة في الصحة النفسية. وقال إنه "في نهاية الأمر يتعين على هؤلاء الأفراد أن يعيلوا عائلاتهم والرواتب في الجيش ليست مرتفعة".