المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1331

يباشر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في الأيام المقبلة حملة إعلامية لإقناع الجالية اليهودية الأميركية بمعارضة الاتفاق الموقع بين الدول الكبرى الست (مجموعة الدول 5+1) وإيران حول البرنامج النووي الإيراني.

ووفقاً لمعلومات ذكرتها وسائل إعلام يهودية أميركية في نهاية الأسبوع الفائت، فإن نتنياهو سيخاطب اليهود الأميركيين مباشرة من خلال رسالة ستُنشر في جميع الوسائل بما في ذلك ورقياً في الكنس وإلكترونياً عبر الهواتف الخليوية. كما سيشارك رئيس الحكومة عبر نظام الاتصال المرئي في اجتماع خاص يعقده مؤتمر رؤساء كبرى المنظمات اليهودية الأميركية.

ويسعى نتنياهو من وراء ذلك لتكثيف الضغوط التي تمارسها جهات يهودية على أعضاء الكونغرس الأميركي لحملهم على معارضة الاتفاق مع إيران لدى طرحه للتصويت.

ورأت صحيفة "هآرتس" في افتتاحية خاصة أنشأتها أمس (الاثنين) أن نتنياهو يقسم يهود الولايات المتحدة أيضاً.

وكتبت تقول:
عيّن بنيامين نتنياهو نفسه قائداً لحرب لا هوادة فيها ضد رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما، القوة الأساسية التي كانت وراء مسعى التحاور مع إيران واتفاق فيينا. وبعد شهرين من المفترض أن يصوّت مجلس الشيوخ على موقفه من الاتفاق. وموقفه هذا لا يلزم الدول الخمس العظمى الأخرى الموقعة على الاتفاق ولا الأمم المتحدة، ولا الاتحاد الأوروبي، ولا الوكالة الدولية للطاقة النووية. فهذا التصويت لعبة داخلية بين مجموعتين أميركيتين، وله علاقة بالانتخابات الرئاسية وانتخابات الكونغرس التي ستجري بعد عام وربع العام.

وأضافت: إن النتيجة التي يرغب الحزب الجمهوري فيها بشدة هي أن تصوت أغلبية أعضاء مجلس الشيوخ ضد أوباما، ولو كانت أغلبية محدودة جداً، أي أكثر من النصف وأقل من الثلثين، وبذلك يمكن للرئيس أن يفرض الفيتو على التشريع ولا يستطيع مجلس الشيوخ تخطي ذلك. وهكذا يستطيع الجمهوريون ادعاء أن الأغلبية معهم وأن أوباما يدير ظهره إلى مشاعر الشعب وناخبيه، لكنهم في الوقت عينه لا يخاطرون بتعريض الاتفاق للانهيار المتوقع جرّاء خروج الولايات المتحدة منه، سواء ظلت الدول الأخرى الموقعة ومنها إيران ملتزمة به أم لا. ومن أجل الوصول إلى النتيجة المرغوبة للتصويت، يحتاج الجمهوريون إلى دعم الديمقراطيين. والحساب هنا أيضاً سياسي وليس بالضرورة استراتيجياً، وهو كيف يظهرون كمؤيدين للموقف المقبول من جانب حكومة إسرائيل، وبالتالي نيل رضا مؤيدي الموقف الإسرائيلي في الجالية اليهودية، وخصوصاً المتبرعين لهم، من دون السماح للجمهوريين بتحقيق إنجاز حاسم ضد الرئيس الديمقراطي ستكون له أصداء مدمرة في انتخابات 2016.

وأشارت الصحيفة إلى أنه برغم أن نتنياهو اكتوى بنار تدخله السافر ضد أوباما في انتخابات 2012، فإنه ما يزال يواصل حملة التحريض ضد أوباما في الشأن الإيراني، فقد التقى أعضاء في الكونغرس، وهو يضغط من خلال شراكته مع الملياردير شلدون أدلسون على زعماء الجالية الذين يعتمدون على التبرعات من أجل العمل ضد الرئيس. وبذلك تحول نتنياهو، الذي هو سياسي أجنبي، إلى المحرض الأكبر للحزبين في آن معاً ضد الرئيس. ومن المنتظر أن يلقي نتنياهو خطاباً أمام الجالية اليهودية في الولايات المتحدة من خلال كاميرات وشاشات وضعت في الكنس اليهودية، وأن يطلب من اليهود تفضيل المصلحة الإسرائيلية على المصلحة الأميركية. وبذلك فإنه يتسبب بشرخ بينهم وبين الإدارة الأميركية.

وختمت الصحيفة قائلة:

إن نتنياهو يزعزع قبة الكابيتول من دون أن يأخذ في الاعتبار الانعكاسات المدمرة لهذه الحملة على العلاقات الإسرائيلية - الأميركية وعلى الجالية اليهودية. في المقابل فإن النشاط المضاد الذي تقوم به منظمات مثل جي - ستريت، وهي متواضعة وفقيرة، مؤيد للاتفاق بالتأكيد. لكن من المهم أن تعرف واشنطن أن إسرائيليين كثيرين يتحفظون من سلوك نتنياهو. ويجب أن نذكر مرة أخرى أن نتنياهو ليس إسرائيل.

وكانت تحليلات إسرائيلية عديدة أكدت أن حكومة نتنياهو تخوض حرباً غير مسبوقة ضد الاتفاق النووي من دون تفكير بالعواقب التي قد تترتب على ذلك فيما يتعلق بالعلاقات بينها وبين الولايات المتحدة.

وفي هذا الشأن كتب حيمي شاليف، محلل الشؤون الأميركية، مقالاً حادّاً في صحيفة "هآرتس" استهله بالقول: وفقاً للقاموس العسكري، فإن الحرب هي "التي تستخدم فيها الأطراف المتقاتلة قواتها ومواردها من أجل فرض إرادتها على الطرف الآخر أو منعه من فرض إرادته"، بما في ذلك الصراع غير المسلح. وجاء في البند الـ40 من القانون الأساس للحكومة في فصل "إعلان الحرب": "لا تشن الدولة حرباً إلا بقرار من الحكومة". وربما يتعين على المستشار القانوني للحكومة أن يبحث ما إذا كان هذا البند طُبق على المعركة السياسية التي بدأتها إسرائيل من أجل فرض إرادتها على إدارة أوباما في ما يتعلق بمسألة الاتفاق النووي مع إيران، والتي نتائجها ليست أقل دراماتيكية من حرب تقليدية.

وأضاف: قد يكون ما يحدث بمثابة الانفجار الكبير لما قد يسمى لاحقاً بحرب السنوات الست بين بنيامين نتنياهو وأوباما. لقد زجّت إسرائيل في هذه المعركة بقواتها الضاربة وخبرائها ومجموعات الضغط العاملة لحسابها، ولديها حليف قوي جداً متمثل في الحزب الجمهوري، ودخلت في خصام كبير مع إدارة أميركية ورئيس حازم، الفشل بالنسبة إليهما ليس خياراً.

ولم يعد مهماً ما إذا كان الاتفاق الموقع في فيينا اتفاقاً سيئاً كما تدعي إسرائيل، أم هو اتفاق عظيم كما تجهد الإدارة في تقديمه، ففي النهاية هذا هو الاتفاق وليس هناك غيره. وليس في إمكان إسرائيل الدخول في معركة من أجل إحباط الاتفاق فقط كي تثبت قوتها أو أنها على حق، أو بدافع من العجز مثل شخص يراهن على بيته بعد أن خسر كل ماله.

وبرأيه كان يتعين على الحكومة أن تجري نقاشاً تصل فيه إلى استنتاج أن الانتصار ممكن وأن إنجازاته تساوي الثمن الذي سيدفع. وإذا كانت لم تفعل ذلك، فإن هذا بمثابة مغامرة تستوجب في المستقبل لجنة تحقيق.

وقال هذا المحلل:
يصف ناطقون أميركيون بدءاً من أوباما وكيري وحتى آخر الناطقين بلسان الإدارة، إلغاء الكونغرس للاتفاق بالكارثة: فالولايات المتحدة ستصبح معزولة، ونظام العقوبات سينهار، وإيران ستحتفل، وستقترب المنطقة بخطى عملاقة نحو مواجهة عسكرية مدمرة. حتى الآن امتنعت إسرائيل ومؤيدوها عن تقديم سيناريو بديل مقنع يثبت أنه بعد أن يلحق الكونغرس بالرئيس الهزيمة الكاملة التي تتمناها إسرائيل، فإن الولايات المتحدة ستزداد قوة، والصين وروسيا ستحنيان رأسيهما، وطهران ستخضع. وحتى عندنا يدركون أن هذا الأمر وهم. ومن الواضح من كلام أوباما وكيري أن الاتهامات ستوجّه ليس فقط إلى الجمهوريين الذين صوتوا ضد الاتفاق، بل أيضاً إلى إسرائيل و"مجموعات الضغط" كما أسماها أوباما. لقد قال كيري إن إسرائيل ستُتهم بعرقلة الاتفاق وإن عزلتها ستزداد، وهذه حقيقة بسيطة يجب أن تثير القلق، على الرغم من أن السفير الإسرائيلي السابق مايكل أورن يعتبرها تهديداً. لكن هناك من هم مقتنعون بأن العالم سيهلل لإسرائيل وللجمهوريين بعد نجاحهم في القضاء على اتفاق يثني عليه المجتمع الدولي بمن في ذلك السعودية.

ورأى المحلّل أنه قبل عقد من الزمن بذلت الجالية اليهودية جهداً كبيراً لدحض حجة ادعت بأن اللوبي المؤيد لإسرائيل هو الذي دفع أميركا إلى حرب العراق، على الرغم من أن الإدارة الأميركية في ذلك الحين برئاسة جورج بوش الابن لم تكن بحاجة إلى تشجيع للمضي إلى الحرب، وأن رئيس الحكومة أريئيل شارون بقي بعيداً عن الأضواء. أمّا هذه المرة فإن اللوبي مستعد لخوض أخطر معاركه علناً، في الوقت الذي يقف رئيس الحكومة بفخر على رأس المعسكر الذي يقود القوات.

وأكد أنه عندما ستبدأ المعركة ضد إسرائيل واللوبي المؤيد لها، لدوافع موضوعية وأخرى معادية للسامية، سيكون من الصعب على الجالية اليهودية خوضها، وستجد نفسها في خضم مواجهة داخلية صعبة وربما أيضاً في مواجهة بداية انقسام بين أغلبية قيادتها التي تسير وراء نتنياهو، وأغلبية مجتمعها التي ما تزال تحافظ على ولائها لأوباما.

وختم قائلاً:

لقد حدثت مواجهات حادة في الماضي بين الولايات المتحدة وإسرائيل، لكن لم يسبق لها أن اقتربت من المعركة غير المسبوقة التي تنتظرنا. لقد قال بنجامين فرانكلين الأب المؤسس للولايات المتحدة إنه في وقت الحرب لا ندفع الأثمان، فالحساب يصل في نهايتها. وفي معركة مشكوك في دوافعها، وذات أهداف غير واضحة ونتائج غير مؤكدة حتى في حال الانتصار، فإن الثمن سيكون غالياً والحساب سيكون مؤلماً ومفاجئاً.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات