قضاة في المحكمة العليا يبزّون الساسة الحكوميين والبرلمانيين في توصيف المقاطعة: "إرهاب سياسي" يرمي إلى "إفناء دولة إسرائيل"!! مسؤولون حكوميون ونواب كنيست: المقاطعة تشكل خطرا استراتيجيا وتهديدا وجوديا!
يثير قرار "محكمة العدل العليا" الإسرائيلية المصادقة على "قانون منع المسّ بدولة إسرائيل بواسطة المقاطعة" (باختصار: "قانون حظر المقاطعة"، أو: "قانون المقاطعة")، سواء من حيث نتيجته النهائية أو من حيث ما تضمنه من مقولات قضائية وسياسية سجلها قضاة الهيئة الموسعة، إشكاليات عديدة ومخاوف كبيرة في كل ما يتعلق بالمس بأحد المبادئ الأساسية في أي نظام ديمقراطي والمتمثل في حق الإنسان الأساسي في حرية التعبير، إلى جانب ما يتعلق بالأبواب التي يشرّعها، مسبقاً، لأية تشريعات مستقبلية محتملة، بل مرجّحة، تبتغي المس بهذا الحق أو سواه من حقوق الإنسان الأساسية والتضييق عليها في واقع التركيبة اليمينية المتعصبة، بل المعادية للمبادئ الديمقراطية ولحقوق الإنسان، التي تميز الهيئة التشريعية الإسرائيلية (الكنيست) ومسعاها التشريعي الواضح المعالم والتوجهات في دوراتها الأخيرة تحديدا.
لكن هذا القرار يكشف، أيضا وعلى الجهة المقابلة، مدى القلق والرعب اللذين ينتابان المؤسسة الإسرائيلية الرسمية، في المستويين السياسي والقضائي، حيال النجاحات الباهرة التي تحققها حملة المقاطعة الدولية ضد إسرائيل خلال السنوات الأخيرة، بما يضعها (إسرائيل) وجها لوجه أمام حقيقة ناصعة لا تجد مهربا منها: الثمن الباهظ (اقتصاديا، سياسيا وثقافيا) المترتب على مواصلة احتلالها للمناطق الفلسطينية، بكل ما يندرج في صلبه وحوله من نهب الأراضي والثروات، الاستيطان، سلب الحقوق والتدمير المنهجي لآفاق واحتمالات حل سلمي معقول للقضية الفلسطينية.
والقرار المقصود هنا، هو الذي توصلت إليه وأصدرته هذه المحكمة يوم الأربعاء الماضي (15 نيسان الجاري) ورفضت فيه الالتماس الذي تقدمت به إليها مجموعة كبيرة من مؤسسات ومنظمات حقوقية وأهلية في إسرائيل ضد القانون الذي يُعرف، اختصارا، بـ"قانون المقاطعة" الذي سنّه الكنيست الإسرائيلي في تموز من العام 2011، علماً بأن هذه الالتماسات قدمت إلى هذه المحكمة في آذار من العام 2012، أي أن المحكمة "احتاجت" إلى أكثر من ثلاث سنوات كاملة لإصدار قرارها بشأن الالتماس، الذي قدمه مركز "عدالة" و"جمعية حقوق المواطن" باسم جمعيات حقوقية رائدة، من بينها "اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل"، "هموكيد- مركز الدفاع عن الفرد"، منظمة "يش دين" و"الحركة اليهودية الإصلاحية"، إضافة إلى ثلاث منظمات تعمل على تشجيع المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل كوسيلة لمناهضة الاحتلال وهي: "ائتلاف نساء من أجل السلام"، "لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في إسرائيل" و"مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان"!
"القرار ـ تدفيع ثمن على تصريحات سياسية مشروعة"!
ويتيح هذا القانون تقديم دعوى قضائية مدنية (طلب التعويضات) ضد أي شخص يدعو إلى مقاطعة إسرائيل، اقتصاديا أو ثقافيا أو أكاديميا، إذ يحظر (القانون) أية دعوة "للامتناع المتعمد عن إقامة علاقة اقتصادية، ثقافية أو أكاديمية، مع شخص، أو جهة أخرى، لمجرد ارتباطه بدولة إسرائيل، أو مؤسسة من مؤسساتها، أو منطقة خاضعة لسيطرتها، والذي من شأنه (الامتناع) التسبب بضرر اقتصادي، ثقافي أو أكاديمي". وبهذا المعنى، فعلى الرغم من أن القانون الجنائي لا يمنع الدعوة إلى المقاطعة ولا يعتبرها مخالفة جنائية، إلا أن من يدعو (من مواطني إسرائيل، بمن فيهم الفلسطينيون في القدس العربية!) إلى المقاطعة أو يشارك فيها، سواء كانت تستهدف المستوطنات الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية أو أية مؤسسة في داخل دولة إسرائيل (اقتصادية، ثقافية أو أكاديمية) يعرّض نفسه لدعاوى مدنية ولعقوبات اقتصادية، إذا ما توفرت "إمكانية معقولة" بأن تؤدي هذه الدعوة إلى فرض فعلي للمقاطعة يترتب عليها ضرر ما. ويتعيّن على الجهة التي تقدم الدعوى القضائية في مثل هذه الحالة إثبات تكبّدها ضررا أو خسارة من جراء الدعوة للمقاطعة. ورأت هيئة المحكمة (التي تكونت من تسعة قضاة) إلغاء بند واحد منه فقط هو الذي يتيح للمحكمة فرض غرامة اقتصادية بمبلغ غير محدد حتى بدون إثبات وقوع الضرر.
كما يخوّل القانون وزير المالية الإسرائيلي صلاحية فرض عقوبات اقتصادية على أي شخص أو شركة أو منظمة تدعو إلى مثل هذه المقاطعة أو تشارك فيها، بحيث تشمل (هذه العقوبات) تقييد حقها في المشاركة في عطاءات تطرحها الدولة و/ أو حرمانها من تلقي معونات وهبات اقتصادية تقدمها الدولة (مثل: هبات "مجلس تنظيم التكهنات في الرياضة"، ضمانات مالية تقدمها الدولة ومساعدات أخرى بموجب قانون تشجيع الاستثمارات المالية وغيرها).
وانتقدت المنظمات الملتمسة بشدة قرار المحكمة العليا، وقالت إن المحكمة "امتنعت عن القيام بواجبها الأساسي في الدفاع عن حرية التعبير، إذ يهدف قانون المقاطعة بالأساس إلى كم الأفواه، ومنع أية انتقادات شرعية للسياسات الإسرائيلية. وهو قرار يمس بحرية التعبير على نحو قاسٍ، كما يمس القانون بالحق الأساس في مناقشة قضايا سياسية خلافية".
وشددت هذه المنظمات على أن القانون "يشكل انتهاكًا فظًا لمبدأ المساواة، إذ هنالك في مجالات أخرى، غير سياسية، جهات تدعو للمقاطعة دون أن تكون معرضة للمحاكمات والغرامات" وأنه (القانون) "بمثابة عملية "تدفيع الثمن" على تصريحات سياسية مشروعة، وبهذا فهو يمس بحق الملتمسين الدستوري في التعبير عن رأيهم وبحقهم في المساواة والكرامة".
كما أكد الملتمسون أن "العقوبات الكبيرة التي يفرضها القانون على كل من يدعو إلى المقاطعة تشكل، في حد ذاتها، رادعًا ضد كل من يختار أن يعبر عن رأيه بواسطة الدعوة للمقاطعة. وبالتالي، فإن الضرر الذي يسببه القانون يتحقق حتى قبل تطبيقه وتقديم دعوى ضد الداعين إلى المقاطعة"! وفي تحقق هذا العنصر الرادع، أشير إلى أن منظمة "غوش شالوم" (كتلة السلام)، إحدى المنظمات الملتمسة، أعلنت في أعقاب صدور قرار المحكمة العليا عن إزالة من موقعها على الشبكة العنكبوتية قائمة بمنتجات المستوطنات التي تشملها دعوات المقاطعة، وذلك خشية تعرّضها لدعوى قضائية بموجب هذا القانون!
وتجدر الإشارة هنا إلى أن "قانون المقاطعة" كان قد تعرض، قبل وبعد المصادقة عليه في الكنيست، إلى حملة انتقادات حادة وواسعة، سواء في داخل إسرائيل أو على الصعيد الدولي. ففي إسرائيل، مثلا، وجه المستشار القانوني للكنيست، إيال يانون، انتقادات حادة للقانون مؤكدا أنه "يشكل مسًا بجوهر حرية التعبير في إسرائيل"، كما وقعت 53 منظمة حقوقية إسرائيلية على عريضة ضد القانون قدمتها إلى رئيس الكنيست السابق رؤوفين ريفلين، استنكرت فيها "سياسة كم الأفواه ومنع النشاط الاحتجاجي الشرعي عبر قوانين غير ديمقراطية"، بالرغم من أن عددا غير قليل من تلك المنظمات (الموقعة على العريضة) لا تدعم المقاطعة ولا تؤيدها وسيلة لمناهضة السياسية الإسرائيلية.
ونُظمت ضد القانون عريضة أخرى، أيضا، وقع عليها 32 من أساتذة القانون في الجامعات الإسرائيلية وجهوها إلى المستشار القانوني للحكومة، يهودا فاينشتاين، أكدوا فيها أن "هذا القانون غير دستوري"!
أما على الصعيد الدولي، فقد كانت معظم الصحف الأجنبية قد تناولت، في تموز 2011، إقرار هذا القانون واعتبرته "قانونا لكمّ الأفواه"، كما انتقدته مؤسسات حقوقية دولية عديدة، في مقدمتها منظمة العفو الدولية (أمنستي) التي اعتبرته "محاولة سافرة لخنق أي اختلاف عبر المس بالحق في حرية التعبير"، وأدانه الاتحاد الأوروبي والإدارة الأميركية، أيضا.
لهجة سافرة ورسالة خطيرة!
ثمة أمران اثنان يثيران اهتماما استثنائيا ويشدان الانتباه بقوة في قرار المحكمة العليا هنا:
الأول ـ "اختيار" بعض القضاة أعضاء هيئة المحكمة ليّ رقبة أحكام القوانين الدستورية (وخاصة "قانون أساس: كرمة الإنسان وحريته") والتوصل إلى نتيجة تتعارض معها ومع ما أكدوه بأنفسهم وفي مقدمتها إقرارهم بأن "الدعوة إلى المقاطعة تندرج تحت باب حرية التعبير، بشكل واضح" وبأن الأحكام التي يتضمنها هذا القانون "تشكل مسّاً واضحا بحرية التعبير"، وهو ما كان يفترض أن يقودهم ـ منهجيا ومنطقيا ـ إلى إلغائه وشطبه، لكنهم لاذوا بالقول إنه "مسّ مبرَّر بكونه يقصد تحقيق غاية جديرة وتناسبية"!
والثاني ـ تصدّي آخرين من القضاة لموقف زملائهم المذكور في اعتبار "الدعوة إلى المقاطعة جزءا من حرية التعبير"، بالجنوح إلى استخدام تعابير سلبية حادة جدا، من خارج الفضاء القضائي تماما، في توصيف المقاطعة. فرئيس المحكمة العليا السابق، آشير غرونيس، مثلا، كتب أن "المقاطعة تندرج في إطار حرية التعبير حقا، لكن فعل المقاطعة ينطوي على إسكات الآخر، أي: سلب الآخر حقه في حرية التعبير"! بينما ذهب القاضي حنان ميلتسر، الذي كتب نص قرار المحكمة الأساس، إلى وصف دعوات المقاطعة والمشاركة فيها بـ "الإرهاب السياسي"!! معتبرا أن "مقاومته هي جزء من حق الدولة في الدفاع عن نفسها"!! وعلى ذكر "الإرهاب"، فقد تكررت هذه الكلمة 11 مرة في نص قرار المحكمة الممتد على 233 صفحة، بينما استخدم القاضي إلياكيم روبنشتاين كلمة "الكارثة" (الهولوكوست) ثلاث مرات في سياق مداخلته التي "صرخ" فيها: "ويحٌ لحرية التعبير هذه إن تحققت نتيجتها"!.... "لأنها قد تضاف ـ بدون مقارنة ـ إلى إنكار الكارثة وإلى تعابير لا سامية وعنصرية لا تستحق التمتع بمظلة حرية التعبير"! وشدد على أن"لا عيب في أن يضع كنيست إسرائيل قانونا لمحاربة المنقضّين علينا لإفنائنا"!!
وفي الإجمال، يبدو قرار "محكمة العدل العليا" هذا ـ ليس من حيث نتيجته القضائية فحسب، بل من حيث نصه، صياغاته ومفرداته السياسية أيضا ـ أشبه بإعلان حرب ضد حملات المقاطعة التي تعتبرها إسرائيل اليوم "خطرا استراتيجيا وجوديا" عليها ـ أي، على احتلالها واستيطانها الكولونياليين. وفي هذا، تبث المحكمة العليا، مرة أخرى، رسالة واضحة تؤكد استعدادها (الدائم) للتصدي، قضائيا، ومنع أي موقف أو نشاط سياسي حتى لو كان قانونيا وشرعيا ـ بإقرار بعض قضاتها، تحديدا ـ ومقبولا على العالم بأسره، وذلك بغية الدفاع عن الاحتلال والاستيطان، الإبقاء والمحافظة عليهما. وهي رسالة تحمل خطورة استثنائية بالنظر إلى سيرورة التشريع المعادية للديمقراطية وللحقوق الأساسية المتواصلة في الكنيست الإسرائيلي منذ سنوات وبالنظر، أيضا، إلى تركيبة الكنيست المنتخب حديثا والتي تطغى عليها أغلبية ساحقة معادية ليس فقط للديمقراطية وأعرافها، بل للإنسان الفلسطيني وحقوقه الفردية والجماعية، أيضا، سواء في المناطق الفلسطينية المحتلة أو في داخل إسرائيل.
القانون وقرار المحكمة: إقرار بجدوى المقاطعة وإنجازاتها!
يشكل قرار "محكمة العدل العليا"، السلطة القضائية الأعلى في إسرائيل، والقانون الذي جاء ليثبّته بعدما أقرّه الكنيست، السلطة التشريعية، بمبادرة ودعم من الحكومة، السلطة التنفيذية، بدوافعهما (القانون والقرار)، بنصوصهما، بمسوغاتهما وبسيرورة وضعهما وإنجازهما، إقراراً إسرائيليا رسميا شاملا بحقيقة ساطعة لا يرقى إليها شك: جدوى حملة المقاطعة، تأثيراتها وإنجازاتها، كما يقدمان دليلا ناصعا على العزلة الدولية التي تستشعرها إسرائيل جيدا بفعل حملة المقاطعة هذه. وتعكس تصريحات قادة المؤسسة الإسرائيلية الرسمية واعتبارهم هذه الحملة "خطرا استراتيجيا" و"تهديدا وجوديا" مدى إدراك هذه المؤسسة لمدى فاعلية هذه الحملة.
ولئن كانت إسرائيل الرسمية تبتغي، من قانونها هذا، مواجهة هذه الحملة، محاربتها ومحاصرتها باعتبارها كذلك، إلا أن مؤشرات عديدة تدل على أن نتيجته ستكون عكسية تماما ـ في اتجاه توسيع الالتفاف العالمي حول مشروع المقاطعة والانخراط في حملاتها بما يؤدي، تاليا، إلى تكريس العزلة ومفاقمة الأزمة بما يسرّع في إزالة قناع "الديمقراطية" الزائف عن وجه إسرائيل طالما بقيت تواصل احتلال الأراضي الفلسطينية، توسيع الاستيطان وتعميقه، سلب الشعب الفلسطيني حقوقه ونهب ثرواته، في مسعى دائم ومحموم لتقويض أية إمكانية للتوصل إلى حل سلمي للقضية الفلسطينية، إلى جانب مواصلة سياسة الاضطهاد والتمييز العنصري الرسمية ضد الفلسطينيين المواطنين فيها.
هذه المؤشرات تجد ما يعززها في ما حققته حملة المقاطعة خلال السنوات القليلة، نسبيا، منذ انطلاقها حملة سلمية، لا عنفية، ترتكز بالكامل على القانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان وترفع شعاراً مركزيا هو "الحرية، العدالة والمساواة"، لا تجد إسرائيل في ترسانة أسلحتها ما يمكن أن يسعفها في التصدي لهذا النوع من المقاومة السلمية التي تحظى بالتفاف وتضامن دوليين مشهودين يتعززان ويتناميان باستمرار.
واللافت، أيضا، أن قوى يهودية كثيرة وكبيرة، في داخل إسرائيل وفي خارجها على الأخص، من ضمنها شخصيات مرموقة عالميا في المجالات المختلفة، تشكل جزءا أساسيا من هذه الحملة، لا في مستوى المشاركة "السلبية" بل في مستوى التخطيط والمبادرة والقيادة.
وقد أكدت هذه الحملة، خلال عمرها القصير نسبيا، إمكانية امتلاك الشعب الفلسطيني، وأوساط المؤيدين له دوليا، أداة ناجعة في عزل إسرائيل ومحاصرة الدعم الدولي الذي لا يزال ينجيها من العقاب، ثم في تحويل الاحتلال ليس إلى "مشروع خاسر" اقتصاديا فقط، بل إلى أداة تدميرية (اقتصاديا، ثقافيا وأكاديميا، ناهيك عن السياسي)، وذلك في سيرورة تراكمية تصاعدية سيكون لها مفعول الهزة الاقتصادية العنيفة في إسرائيل. وهذا ما أكده أيضا وزير المالية السابق في إسرائيل، يائير لبيد، حينما قال إن تصعيد حملات المقاطعة الأوروبية "قد يكلّف إسرائيل 5ر3 بليون جنيه استرليني"!
وقد وضعت حركة المقاطعة السلمية هذه نصب أعينها، أساسا، هدف عزل إسرائيل دوليا، حتى إرغامها على إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، وعلى رأسها حقه في التحرر والاستقلال وتقرير مصيره، على غرار ما قام به شعب جنوب إفريقيا إبان رزوحه تحت نير نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد) سعياً من جانبه إلى عزل النظام العنصري دوليا حتى القضاء عليه.
وحركة المقاطعة الدولية ضد إسرائيل، التي تعرف عالميا باسم "حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات" (BDS- Boycott Divestment and Sanctions)، هي الحملة الاقتصادية التي انطلقت يوم 9 تموز من العام 2005، بنداء أصدرته 171 منظمة فلسطينية غير حكومية، بينها النقابات الفلسطينية وحركات شعبية، لـ"المقاطعة، سحب الاستثمارات وتطبيق العقوبات ضد إسرائيل حتى تنصاع للقانون الدولي والمبادئ العالمية لحقوق الإنسان".
وحددت المبادرة ثلاثة أهداف مركزية للحملة هي: أولا ـ إنهاء الاحتلال الإسرائيلي واستيطانه الكولونيالي في جميع الأراضي العربية المحتلة منذ العام 1967، فضلا عن تفكيك الجدار العازل؛ ثانيا ـ إحقاق المساواة الكاملة للفلسطينيين المواطنين في إسرائيل، في مناطق 48، وإنهاء التمييز العنصري الإسرائيلي بحقهم؛ ثالثا ـ احترام وتحقيق حقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي شردوا عنها إبان ومنذ نكبة 1948، طبقا لقرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة رقم 194.
وتشكل "اللجنة الوطنية للمقاطعة" القيادة الفلسطينية لحملة المقاطعة الدولية، وهي التحالف الأكبر على الإطلاق في المجتمع الفلسطيني وهي تضم جميع القوى السياسية والنقابات العمالية والمهنية ومؤسسات اللاجئين والمنظمات الأهلية والاتحادات الشعبية وغيرها.
وإن تأييد الغالبية الساحقة من مؤسسات وأحزاب ونقابات واتحادات الشعب الفلسطيني في كل مكان لنداء المقاطعة شكل أهم عناصر نجاح الحملة عالميًا، كونها قدمت صوتاً فلسطينيًا موحدًا يطالب العالم لا بالشفقة على شعبنا بل بالتضامن الفعال والمستمر معه بتطبيق مبادرات خلاقة لمقاطعة إسرائيل وجميع مؤسساتها المتواطئة في إدامة الاحتلال والأبارتهايد وسحب الاستثمارات من شركاتها وجميع الشركات والمؤسسات العالمية الداعمة لسياستها الاستعمارية والعنصرية. والحملة تركز على الحقوق لا الحلول، أي أنها لا تأخذ موقفًا كحملة حول حل الدولتين أو الدولة الديمقراطية الواحدة، بل تصرّ على احترام تطبيق حقوقنا الثلاثة الأساسية أعلاه بغض النظر عن طبيعة الحل السياسي للقضية الفلسطينية الذي تقره غالبية شعبنا، كل شعبنا
وتبدأ المقاطعة، إجمالا، بمقاطعة المنتجات الإسرائيلية وقطع العلاقات الأكاديمية والعلمية والبحثية، ثم وقف العلاقات والتبادلات التجارية والصناعية ووقف كل محاولات التطبيع، وصولا إلى حملة دولية لمقاطعة إسرائيل وملاحقة قياداتها السياسية والعسكرية والأمنية والجمعيات والشركات والشخصيات الداعمة للاستيطان.