قال باحثان من "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب إنه من الواضح أن الحرب العنيفة بين إسرائيل وحزب الله في لبنان وسورية وربما خارج الشرق الأوسط ستتواصل ويمكن أن تتصاعد في العام الحالي (2015) وذلك في ضوء محاولات سورية وإيران توسيع منطقة نفوذهما في جنوب سورية وفي هضبة الجولان السورية.
وأضاف هذا الباحثان وهما يورام شفايتسر ودودي سيمنطوف في دراسة جديدة نشرها المعهد الأسبوع الفائت، أنه في الفترة الأخيرة وقع حادثان لهما علاقة بعائلة مغنية. الحادث الأول هو الاغتيال الذي نسب إلى إسرائيل لجهاد مغنية ومسؤولين كبار من حزب الله وإيران، بينهم جنرال إيراني من الحرس الثوري، والذي وقع في هضبة الجولان. أما الحادث الثاني فهو مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست" تناول التعاون بين الولايات المتحدة وإسرائيل في اغتيال عماد مغنية والد جهاد، الذي كان رئيساً للجناح العسكري في حزب الله. وتناول هذا المقال أساليب مواجهة إسرائيل لحزب الله المدعوم من الإيرانيين، وتفحص انعكاس الخيار الاستراتيجي الإسرائيلي لمواجهة التحدي على الجبهة الشمالية على ردود حزب الله.
وتابعا: استناداً إلى التقارير العلنية، فإن هدف الهجوم الذي وقع في الجولان هو توجيه ضربة قاسية إلى البنية التحتية للإرهاب التي أنشأها حزب الله بالتعاون مع الحرس الثوري الإيراني، والتي كانت في مراحل متقدمة. والقوة التي هوجمت كانت من بين الذين أشرفوا على تنظيم هذه البنية. ونسبت مصادر أجنبية العملية إلى إسرائيل، كما قال عناصر من قوات اليونيفيل إنهم رأوا طائرات من دون طيار إسرائيلية تحلق في منطقة الحادث.
وأدت القذائف التي أطلقت رداً على الهجوم من المنطقة السورية في اتجاه هار دوف (مزارع شبعا) إلى رد إسرائيلي استهدف القوات التابعة للجيش السوري التي لا تزال موجودة في هضبة الجولان. لكن الرد الأقوى جاء من حزب الله بعد مرور أيام وتمثل بإطلاق عدد من الصواريخ المضادة للدبابات في اتجاه دورية للجيش الإسرائيلي في هار دوف بالقرب من الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، ما أدى إلى مقتل جنديين إسرائيليين وجرح سبعة. وعلى الرغم من إصابة الجنود الإسرائيليين، اختارت إسرائيل ضبط النفس، كما أرسل حزب الله رسائل عبر قوات اليونيفيل تقول إنه يعتبر الحادث منتهياً.
ويعكس أسلوب الهجوم على عائلة مغنية، الأب والابن، استراتيجيات إسرائيلية مختلفة في المواجهة ضد تنظيمات إرهابية. هناك أولاً الطريقة التي نفذت في هضبة الجولان من خلال الهجوم الجوي العلني تقريباً. ومثل هذا الهجوم يستخدم عندما يجري التعرف على خطر حقيقي يتهدد إسرائيل، أو عندما ترغب إسرائيل في تمرير رسالة إلى الطرف الثاني، حتى لو لم تتحمل مسؤوليتها عن الهجوم. الطريقة الثانية هي ضرب البنية التحتية وزعماء الإرهاب بطريقة سرية ومن دون ترك أي بصمات إسرائيلية. وتترك العمليات السرية لإسرائيل ولخصمها هامشاً للإنكار، أو تسمح لهذا الخصم بالامتناع عن الرد، أو الرد بصورة محدودة من أجل الحؤول دون تصعيد.
وبرأي الباحثين فإن المنطق المركزي للحرب السرية هو أنه يترك هامشاً للإنكار للطرفين، ويسمح للطرف الثاني بعدم الرد، من دون أن يظهر من جراء ذلك أنه "ضعيف". وفي الواقع، فقد استغل حزب الله وسورية، وحتى إيران في السنوات الأخيرة، هامش الإنكار ولم يردوا بصورة مباشرة على العمليات التي نسبت إلى إسرائيل ضدهم. ومن بين هذه العمليات الهجمات التي وقعت داخل الأراضي السورية لمنع تهريب السلاح المتطور من سورية إلى حزب الله، والتي لم توجد إثباتات واضحة بشأن من هو المسؤول عنها.
وفي مقابل ذلك، فإن عملية الاغتيال المركزة في هضبة الجولان التي نُفّذت بأسلوب "صاخب"، جعلت من الصعب على حزب الله استغلال هامش الإنكار، "فاضطر" إلى الرد من أجل ترميم صورته الرادعة حتى لو أدى هذا الرد إلى المخاطرة بإشعال المنطقة. لذلك، ردّ حزب الله بطريقة يعتبرها "مشروعة" ويمكن تبريرها، فالهجوم الذي قام به يشبه الهجوم الذي نسب إلى إسرائيل ("صاروخ مقابل صاروخ"، و"دورية مقابل دورية") وقد جرى تنفيذ الهجوم في منطقة مريحة نسبياً لحزب الله وله مطالب فيها من إسرائيل. لقد أراد الحزب من خلال رده أن يبعث برسالة مفادها أنه سيرد أيضاً في المستقبل على هجمات إسرائيلية تقع داخل أراضي سورية، بما في ذلك الهجوم على عمليات نقل السلاح. ولو كان الحزب اختار رداً أكثر تطرفاً في الخارج على سبيل المثال، لكان جوبه برد عنيف وفرض عقوبات ضده من جانب المجتمع الدولي ولا سيما من جانب الدول الأوروبية التي منذ هجوم بورغاس (بلغاريا) نفد صبرها حيال عملياته وحيال أي عملية إرهابية في أراضيها.
وأكد الباحثان أن من المبكر تقويم انعكاس تأثير العملية التي نفذت في الفترة الأخيرة ضد تأسيس حزب الله بنية تحتية في هضبة الجولان، وما إذا كانت هذه العملية ستمنع إيران وحزب الله من فتح جبهة نشطة ضد إسرائيل في الجولان، أم أنها ستسرع في إنجاز هذه البنية واستخدامها، كما يمكن فهمه من فتح "معركة استعادة الجولان" التي بدأت في الفترة الأخيرة بمشاركة قوات من حزب الله وقوات القدس في الحرس الثوري الإيراني والجيش السوري، والتي أطلق عليها اسم الأشخاص الـ12 الذين أصيبوا في الهجوم الإسرائيلي. لكن من المهم الإشارة إلى أنه على الرغم من قرار حزب الله وإسرائيل إنهاء الاشتباك العنيف الذي اندلع بينهما في أعقاب الهجوم في الجولان ورد حزب الله عليه، فلا نستطيع الجزم بأن إيران، مع حزب الله أو من دونه، سترد مستقبلاً من أجل تدفيع إسرائيل الثمن كما هدد كبار المسؤولين في الحرس الثوري. في جميع الأحوال، ففي المواجهة مع حزب الله وإيران على الجبهة الشمالية من الأفضل قدر الإمكان استخدام طريقة الحرب السرية التي تحمل توقيعاً غير واضح تماماً وتسمح بهامش للمناورة والإنكار للطرفين، مما يقلص من احتمالات التصعيد واشتعال حرب لا يرغب الطرفان بها.
وأضافا: من الواضح أن الحرب العنيفة بين إسرائيل وحزب الله في لبنان وسورية وربما خارج الشرق الأوسط ستتواصل ويمكن أن تتصاعد في السنة الحالية في ضوء محاولات سورية وإيران توسيع منطقة نفوذهما في جنوب سورية وفي هضبة الجولان السورية. وإن إعلان مسؤولين كبار في الحرس الثوري بأن إيران سترد على أي عملية إسرائيلية، يمكن أن يُترجم عملياً ليس فقط من خلال تقديم الدعم لعمليات حزب الله بل أيضاً من خلال محاولة القيام بهجمات في الخارج، حيث يظهر التنسيق الشامل بين إيران وحزب الله وتحركهما كمحور متكامل.
وختما قائلين: إن هدف إسرائيل في هذه المرحلة وكذلك هدف إيران وحزب الله، إدارة الصراع على النفوذ من دون الانجرار نحو الحرب، لأن "المحور" يتخوف من عملية إسرائيلية ضد نظام الأسد يمكن أن تؤدي إلى سقوطه. علاوة على ذلك، هذا المحور يعتقد أن حرباً جديدة بين إسرائيل وحزب الله ستكون مدمرة للبنان ولا سيما بعد نجاح حزب الله في بسط نفوذه على السياسة الخارجية والأمنية للحكومة اللبنانية وترميم صورته بوصفه "المدافع عن لبنان". ومن جهة أخرى تفضل إسرائيل الابتعاد عن الاضطرابات الإقليمية، كما تفضل الامتناع عن الانجرار نحو حرب ضد حزب الله في لبنان. بناء على ذلك، من الأفضل إنشاء آليات ردع ورقابة بمساهمة وسطاء غربيين وعرب، يمكنهم المساعدة في ضبط الردود في حال حدوث هجوم متبادل وتوترات استثنائية، ولجم الانزلاق إلى حرب غير مرغوب بها من الطرفين.