المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1436

  هذه القائمة المشتركة تخلق واقعا في الساحة السياسية الإسرائيلية لم يتوقعه المبادرون إلى رفع نسبة الحسم حصول القائمة المشتركة على 14 أو 15 مقعدا من شأنه أن يغير موازين قوى في التوازنات الهشة كتلة كبيرة بهذا الحجم ستخلق حالة إرباك لدى توزيع رئاسات اللجان البرلمانية الهامة رفع نسبة الحسم قد يقلب السحر على الساحر زيادة نسبة تصويت العرب قد تؤدي الى سقوط قائمة لليمين المتطرف أو أكثر

 

 

باتت "القائمة المشتركة" الوحدوية لأربعة أحزاب ناشطة في الشارع الفلسطيني مركز اهتمام في حسابات النتائج المتوقعة للانتخابات البرلمانية الإسرائيلية يوم 17 آذار المقبل، فنظرا إلى الفوارق الضعيفة بين "معسكرين"، إن صح التعبير، في الحلبة السياسية الإسرائيلية، فإن تحرك أي مقعد من جهة إلى أخرى، سينعكس مباشرة على موازين القوى، وسيؤثر على مدى ثبات أغلبية كهذه أو تلك. وتشير كل الاستطلاعات إلى أن القائمة المشتركة ستسجل زيادة ما في عدد مقاعدها الـ 11 الحالية. وأدنى التوقعات تمنحها 12 مقعدا. بينما استطلاعات أخرى تتحدث عن 13 مقعدا، وهي من المفروض أن تكون الزيادة الأدنى، لو سارت الأمور الانتخابية، على الأقل وفق ما كانت عليه في جولتي الانتخابات الأخيرتين، للقوائم الثلاث التي توحدت في "القائمة المشتركة". ولكن في الوقت ذاته، هناك عوامل أخرى، يجب أخذها بعين الاعتبار لتوقع المفاجآت، السلبية والايجابية.

 

من الواضح أن الضاغط الأكبر على الأحزاب المشاركة في "القائمة المشتركة"، كان رفع نسبة الحسم في الانتخابات المقبلة، من 2% إلى 25ر3%. وهي نسبة لم ترد صدفة، بل أخذت بعين الاعتبار ما وصلت له أقصى ما يمكن من القوائم الثلاث الناشطة في المجتمع الفلسطيني في الانتخابات السابقة. ولكن الذريعة التي تستر بها أصحاب المبادرة، كانت أن هذه النسبة هي أدنى نسبة من شأنها أن تضمن أربعة مقاعد للكتلة.

 

لكن من جهة أخرى، فإن تشكيل قائمة واحدة كان مطلبا شائعا في الشارع العربي على مدى سنوات. وكانت عدة اجتهادات في السابق، لعدم الانخراط في قائمة واحدة، ومن بينها أن التعددية هي أمر صحي في مجتمع طبيعي، وأن التعاون بين الأحزاب بالإمكان أن يكون قائما أيضا من خلال القوائم المنفردة، مثل ابرام اتفاقية فائض أصوات بين قائمتين. كذلك فإن التعاون والتنسيق قائم بدرجة كبيرة أيضا خلال العمل البرلماني.

 

وعلى الرغم من الجدل الواسع الذي شهدته بعض الأحزاب المشاركة، وأيضا في الشارع، فإن الفوارق الأيديولوجية، من شيوعيين وحتى إسلاميين وبالعكس، أو الصراعات الحزبية على مدى السنوات الماضية، بين أحزاب مشاركة، ما كانت حاجزا يستحيل مشاركة كهذه، لأن الأحزاب كلها أصلا تلتقي في لجنة المتابعة العليا للفلسطينيين في إسرائيل، وهي تلتقي بعمل مشترك أيضا على المستوى البرلماني. وفوق كل هذا، هناك قناعة باتت مترسّخة أكثر، وهي أن المؤسسة الحاكمة، والتطرف اليميني المستمر، الذي بات يشدد قبضته على مقاليد الحكم، يفرض تحديات متزايدة خطيرة على مستقبل الجماهير العربية، ما يستدعي أيضا اعادة النظر في الآليات، وشكل خوض الانتخابات، وكان هذا عاملا حاسما لتشكيل القائمة المشتركة.

 

لكن بعد تشكيل القائمة، باتت تطرح أسئلة عديدة، وأهمها ما هي القوة التي بإمكانها أن تحققها في هذه الانتخابات، فصحيح أن القوائم الثلاث تمثلت في الانتخابات السابقة بـ 11 مقعدا، ولكن قوتها الفعلية بالأصوات كانت تلامس 12 مقعدا، إذ خسرت القائمة الموحدة مقعدها الخامس، بسبب نقصها لبضع مئات من الأصوات. وهذه القوة تحققت على الرغم من فجوة من 13 نقطة في نسبة المشاركة بين العرب واليهود، 56% بين العرب مقابل 69% بين اليهود، وعلى الرغم من أن حصة الأحزاب الصهيونية قد زادت في الانتخابات السابقة من 19% في 2009 إلى 23% في انتخابات 2013، وهذا من شأنه أن يشجع على تحقيق قوة أكبر في هذه الانتخابات، لا تقل عن 13 مقعدا، ولكن هذا يحتاج إلى حراك فوق العادة، ما زال غير ملموس في الشارع.

 

تاريخ المشاركة والانتخابات السابقة

 شارك الفلسطينيون منذ أول انتخابات برلمانية إسرائيلية، جرت بعد النكبة في العام 1949، وكانت نسبة المشاركة تتجاوز نسبة 80% كما هي بين اليهود في حينه، وكانت تلك مشاركة تطغى عليها أجواء الرهبة الكبيرة جراء النكبة، ولذا كانت النسبة الكبرى جدا من الأصوات تتجه إلى الأحزاب الصهيونية، والقوائم "العربية" التابعة لتلك الأحزاب؛ وهذه كلها مقابل قائمة الحزب الشيوعي، التي كانت تستقطب أصوات الوطنيين، ومن تجرأوا على التحدي في تلك الفترة الصعبة جدا.

 

ومن مرحلة إلى أخرى، مع استيعاب الوضع القائم، وظهور الأجيال الجديدة، كانت تتراجع نسبة الأصوات للأحزاب الصهيونية باستمرار. وفي سنوات السبعين، كان قد نشأ جيل جديد، جيل ما بعد النكبة، شجع الجيل السابق على كسر جدران الخوف. ورأينا في العام 1977، في الانتخابات الأولى التي تلت يوم الأرض العام 1976، أن نسبة الأصوات للأحزاب الصهيونية قد هبطت بقليل عن نسبة 50%، في حين صبّت الأصوات بنسبة 52% تقريبا، لقائمة الحزب الشيوعي الذي شكّل في ذلك العام الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، وبقيت الحال ذاتها تقريبا في العام 1981.

 

وابتداء من العام 1984 بدأت حالة تعددية للتيار الوطني، بظهور قائمة جديدة، "الحركة التقدمية للسلام"، بغالبيتها منشقة عن "الجبهة". وكانت حالة التعددية تتنامى في السنوات اللاحقة، وعزز هذه الحالة ظهور الحركة الاسلامية، ومشاركة جزئها الأكبر في الانتخابات ابتداء من العام 1996، و"التجمع الوطني الديمقراطي"، وفي ذلك العام بالذات، هبطت نسبة الأحزاب الصهيونية إلى 16%، استمرارا للتراجع الذي بدأ من قبل. ومنذ ذلك العام، كانت تتراوح نسبة الأحزاب الصهيونية من 16% إلى 23%.

 

وفي الانتخابات الأخيرة، التي جرت يوم 22 كانون الثاني 2013، حصلت القوائم الثلاث الناشطة في الشارع العربي على11 مقعدا، مجتمعة، وهي القوة البرلمانية ذاتها، التي كانت في الانتخابات التي سبقت، وبالتوزيعة ذاتها بين الكتل، في حين سجلت نسبة المشاركة في التصويت ارتفاعا محدودا، على الرغم من الحديث على مدى الحملة الانتخابية حول فرضية أن نسبة التصويت ستتراجع، كاستمرار لتراجع نسبة التصويت في السنوات الأخيرة.

 

وحصلت الكتل الثلاث مجتمعة على ما نسبته 77% من الأصوات العربية، في حين أن الأحزاب الصهيونية مجتمعة حصلت على نسبة 23% من الأصوات، مقابل أقل من 20% في انتخابات العام 2009. وهذه القوائم هي:

-         "القائمة الموحدة- العربية للتغيير": وحصلت على أكثر من 138 ألف صوت، وحققت أربعة مقاعد، وهي قائمة تضم أربعة أحزاب، أكبرها الحركة الاسلامية (الجناح الجنوبي) التي بدأت تخوض الانتخابات منذ العام 1996، إثر انشقاق في الحركة الاسلامية، على خلفية الجدل حول المشاركة في الانتخابات البرلمانية. وتليها في القائمة "الحركة العربية للتغيير"، ممثلة بنائب واحد، بينما الحزبان الآخرين لم يتمثلا، الحزب الديمقراطي العربي، والحزب القومي العربي.

-         "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة"، التي أسسها الحزب الشيوعي في العام 1977، الممثل في الكنيست منذ العام 1949 وحتى اليوم، وحصلت القائمة على أكثر من 113 ألف صوت، نحو 110 آلاف صوت منها من العرب، وأكثر من 3 آلاف صوت من الشارع اليهودي.

-         "التجمع الوطني الديمقراطي"، الذي تأسس في العام 1995، من ثلاثة أطر على الساحة العربية، جناح من حركة أبناء البلد، وقسم من الحركة التقدمية السابقة، وحركة "ميثاق المساواة" السابقة، وحصل في الانتخابات الأخيرة على 97 ألف صوت، وحقق 3 مقاعد.

 

وارتفعت نسبة أصوات الأحزاب الصهيونية من اجمالي الأصوات العربية، وبلغت نحو 23% (حوالي 95 ألف صوت) مقابل أقل من 20% في العام 2009، ولكن هذا يبقى أبعد مما كان عليه في الماضي، وحصلت قائمة حزبي "الليكود" و"يسرائيل بيتينو (إسرائيل بيتنا)" (الليكود- بيتنا) على ما بين 19 ألفا إلى 20 ألف صوت. وحصل حزب "العمل" على ما بين 17 ألفا إلى 18 ألف صوت بزيادة 4 آلاف صوت عن 2009. وحصل حزب "شاس" الديني "للحريديم" الشرقيين على ما بين 16 ألفا إلى 17 ألف صوت عربي. وحصل حزب "ميرتس" اليساري الصهيوني، على ما بين 5ر13 ألف صوت إلى 14 ألف صوت. وحصل حزب "كديما" على ما بين 13 ألفا إلى 14 ألف صوت، ولم يحقق الحزب سوى مقعدين اثنين، واجتاز نسبة الحسم بأقل من 5 آلاف صوت، ما يعني أن أصوات العرب أنقذت "كديما" من الزوال من الكنيست. وحصلت "الحركة" برئاسة تسيبي ليفني، على اكثر من 9 آلاف صوت. وحصل "يوجد مستقبل" على ما بين 3 آلاف إلى 3500 صوت.

 

وكانت هناك أيضا "حصة" لليمين المتشدد، متمثلا بقائمة "البيت اليهودي" التي حصلت على حوالي 2500 صوت، بينما حصلت قائمة "عوتسما ليسرائيل"، التي في صلبها الحركة الارهابية "كاخ"، على ما بين 300 إلى 400 صوت. وحسب التقديرات، هناك ما يزيد عن 3 آلاف صوت، اتجهت إلى قوائم أخرى، مثل "يهدوت هتوراة" وقوائم لم تجتز نسبة الحسم.

 

 

الواقع الحالي ونسب التصويت

  يبلغ عدد ذوي حق الاقتراع في الانتخابات المقبلة حوالي 882ر5 مليون شخص، ولكن ما بين 10% إلى 11% من هؤلاء هم في عداد المهاجرين أو من المقيمين بشكل دائم في الخارج، ولا يسري عليهم قانون التصويت في الخارج، الذي يقتصر على السلك الدبلوماسي والأجهزة الأمنية والجيش، ومن هم في مهمة رسمية في يوم الانتخابات.

 

ونسبة العرب من بين إجمالي ذوي حق التصويت 15%، رغم أن نسبتهم من بين السكان، من دون القدس والجولان، 8ر17%، وهناك من يدعي أن نسبة العرب 14%، ولكن هذا ليس صحيحا، اعتمادا على سلسلة تقارير واحصائيات أخرى تتعلق بالعرب، مثل من هم جيل العمل، فآخر تقرير صادر عن مؤسسة الضمان الاجتماعي الرسمية يقول إن نسبة العرب ممن هم دون سن 18 عاما في إسرائيل هي 18% من أصل نسبة 5ر20% من السكان التي تشمل القدس والجولان، وهذا يعزز الاستنتاج أن النسبة 15%، وحتى أنه بعد احتساب الهجرة التي هي أكبر بين اليهود فإن النسبة تقفز بأعشار طفيفة.

 

هذا يعني أن عدد المصوتين العرب في الانتخابات المقبلة هو ما بين 860 ألفا إلى 882 ألف نسمة، ونسبة الهجرة أو التواجد الدائم من بينهم، مثل طلاب وغيرهم، في حدود 6% مقابل 11% إلى 12% بين اليهود.

 

وفي حال تساوت نسبة التصويت بين اليهود والعرب، لكان تأثير العرب يزيد عن 18 مقعدا من أصل 120 مقعدا في الكنيست، ولكن هذا لا يتحقق بفعل الفجوة في نسب التصويت، ومن الواضح أن المستفيد من تراجع نسبة تصويت باقي الأحزاب الصهيونية.   

 

ففي الانتخابات السابقة، كان فارق نسبة التصويت بين العرب واليهود 13 نقطة، كما ذكر هنا سابقا، وساهم هذا الفارق بخسارة 4 مقاعد للكتل الثلاث، وفق تجربة أجريتها مؤخرا، وعرضت في ندوة في مركز "مدار" في رام الله، اعادت احتساب الأصوات من جديد، على أساس نسبة تصويت مساوية بين العرب واليهود، آخذة بعين الاعتبار توزيع الأصوات الذي كان قائما، بما فيه "حصة" الأحزاب الصهيونية، واتفاقيات فائض الأصوات بين مختلف الأحزاب. وكانت هذه المقاعد الأربعة ستعيد رسم الخارطة البرلمانية، إذ كان معسكر اليمين المتطرف مع الحريديم سيخسر الأغلبية المطلقة التي حصل عليها في الانتخابات السابقة، بفقدان كتلتي الليكود و"البيت اليهودي" مقعدا لكل منهما.

 

والمقعدان الآخران سيكونان على حساب حزبي "العمل" و"يوجد مستقبل". وهذا لا يعني أن القوائم كانت ستأخذ من هذه القائمة أو تلك، وإنما نتيجتها العالية ستحتم اعادة توزيع المقاعد من جديد، ونكرر أن المتضرر الأول، هو معسكر اليمين المتشدد مع كتل "الحريديم" الذي ارتكز في جولتي الانتخابات السابقتين على أغلبية هشّة.

 

وهذا ما يعيه مهندسو السياسة الإسرائيلية، وبالأساس قوى اليمين المتشدد، وهو على يقين من أن مشاركة العرب في الانتخابات تساهم في حصار قوتهم، لأن الغالبية المطلقة في الشارع اليهودي تصب لصالح أحزاب اليمين المتشدد والحريديم، التي حصلت في الانتخابات السابقة على 56% من أصوات اليهود، إذا اعتبرنا أن أحزاب "العمل" و"يوجد مستقبل" و"الحركة" و"كديما" هي أحزاب "وسط"، ومعها حزب "ميرتس" اليساري الصهيوني.

 

والسبب الأكبر لإحجام العرب عن التصويت هو اللامبالاة، وكأن الأمر لا يخصّهم مباشرة، ودلالة على ذلك هو الارتفاع الحاد في نسبة العرب الذين يدلون بأصواتهم في انتخابات المجالس البلدية والقروية (انتخابات السلطات المحلية)، إذ تتراوح النسبة ما بين 73% في أكبر مدينة عربية، الناصرة، إلى ما بين 85% و95% في البلدات والقرى الصغيرة، وهذا لكون تلك المجالس يتعلق عملها بتفاصيل الحياة اليومية للمواطن، عدا الارتباط المباشر بين جمهور الناخبين وكثرة المرشحين من مرشحي رئاسة وعضوية مجالس.

 

ثم يلي ذلك أجواء الإحباط، ونفسية أن "هذا لم يعد مجديا"، و"ماذا فعل لنا أعضاء الكنيست العرب"، وهذه رسالة بثتها أساسا وجوه المؤسسة الحاكمة منذ سنوات عديدة، من بينهم وزراء وأعضاء كنيست ضالعون في المؤسسة، من باب التحريض على الأحزاب الممثلة للعرب ونوابهم، بما يمثلونه من مواقف وبرامج سياسية، رغم أنه لو كانت هناك نية لدى المؤسسة لإصلاح الأوضاع في المجتمع العربي، لفعلت دون حاجة "لضغط" من النواب العرب.

 

وفي المرتبة الثالثة تأتي المقاطعة السياسية، وحسب استطلاعات رأي أجرتها معاهد لصالح أحزاب تخوض الانتخابات، فقد صرّح حوالي 3% من المستطلعين أنهم مقاطعون للانتخابات على خلفية سياسية وفكرية، ولكن في تحليل من أجروا الاستطلاعات فإن هذه النسبة تصل إلى 9% بعد تفسير أجوبة المستطلعين على أسئلة أخرى في الاستطلاع.

 

 

فرص واحتمالات

 إن حصول "القائمة المشتركة" على 13 مقعدا مثلا، رغم أن الطموح هو 15 مقعدا وهو ليس عددا مستحيلا لو تساوت نسبة التصويت، وهذه ليست مجرد زيادة بضعة مقاعد، فـ 15 مقعدا هي من أصل 120 مقعدا، وأمام ضعف الأغلبية التي تتوقعها استطلاعات الرأي لليمين المتشدد مع الحريديم وقائمة كلنا، فإن هذه الكتلة ستكون لاعبا مركزيا، ومرتكزا أكبر للمعارضة البرلمانية، ولاحقا مرتكزا لمن يقرر الخروج من الائتلاف الحاكم مهددا ثبات الحكومة.

 

أكثر من هذا فقائمة غير مسبوقة بهذا الحجم، ككتلة برلمانية واحدة، وخاصة إذا حصلت على المرتبة الثالثة من بين سائر الكتل، ستخلق حالة إرباك غير مسبوقة في تاريخ الكنيست، لأن كتلة كهذه، حتى وإن كانت في المعارضة، وهي كذلك، سيكون من حقها رئاسة إحدى اللجان البرلمانية المركزية، من تلك التي تحصل على رئاستها المعارضة البرلمانية، عوضا عن أن تمثيلها في اللجان سيكون أكبر، فاللجان هي عصب العمل البرلماني.

 

وللتوضيح نذكر أن في الكنيست 9 لجان مركزية من بين مهامها إقرار قوانين بعد إجراء أبحاث فيها وعرضها على الهيئة العامة للتصويت عليها نهائيا، ولجنة هامة أخرى هي لجنة المراقبة، واثنتان أو ثلاث من هذه اللجان تكون برئاسة المعارضة. كما أن هناك لجنتين أخريين مهمتين بدرجة أقل ومن صلاحيتهما أيضا سن قوانين، إضافة إلى لجان بدرجة أقل لا تعالج قوانين، ما يعني أنه بموجب التقليد القائم فإن للقائمة المشتركة يجب أن تكون رئاسة واحدة من اللجان التسع الأولى، إذا لم يتم التحايل على هذه المعايير بعد الانتخابات، بتآمر بين الائتلاف وباقي أحزاب المعارضة.

 

والمشكلة التي ستنشأ في وجه الائتلاف وباقي الأحزاب الصهيونية المعارضة، هو أنه في قسم من هذه اللجان عامل أمني، أو تعامل مع جوانب أمنية، أو أنها تشرف على وزارات ذات ميزانيات ضخمة، ما يمنح الحزب الذي في رئاسة اللجنة مكانة خاصة، وهذا أحد الجوانب التي سنتابعها بعد الانتخابات، ولكن شرط أن تجتاز القائمة المشتركة حاجز 13 مقعدا، وهذا هو السؤال الأكبر.

 

هل حقا "القائمة المشتركة" قادرة على تحقيق هذا الانجاز، الذي ستضج به الساحة السياسية برمتها، بمعنى حصولها على 14 و15 مقعدا؟، إن الجواب بقدر كبير هو بين أيدي قيادات "القائمة المشتركة"، وكيفية أدائها في الأيام المقبلة لإقناع الشارع واستنهاضه، وأيضا في يوم الانتخابات. فحتى الآن، هناك مؤشر ايجابي ظهر في استطلاعات الأحزاب الداخلية، وأيضا في استطلاع صحيفة "هآرتس" الذي تخصص في شكل تصويت العرب، ونشر يوم الجمعة 20 شباط الجاري. إذ أظهر أن من حسموا أمرهم وقرروا المشاركة في الانتخابات قرابة 63%، مقابل 56% في الانتخابات السابقة. وحسب التجربة، فإن هذه النسبة سترتفع أكثر لاحقا، وتقليص الفجوة بين نسبتي تصويت العرب واليهود، سيعزز تمثيل "القائمة المشتركة". لكن من جهة أخرى، سيشكل "خطرا" على قائمة "ياحد" المتطرفة، برئاسة القيادي السابق في حركة "شاس" إيلي يشاي، مع الإرهابي باروخ مارزل، كما من السابق لأوانه الحديث عن مصير حزب "يسرائيل بيتينو" بزعامة أفيغدور ليبرمان.

 

حتى الآن، وإذا ما اعتمدنا ما أورده استطلاع صحيفة "هآرتس"، فإن حصة الأحزاب الصهيونية، أقل من 18% من الأصوات، مقابل أكثر من 67% من الأصوات للقائمة المشتركة، بينما ما يزال 14% لم يحسموا أمرهم بعد، وحسب التجربة فإن الغالبية الساحقة ستتجه إلى القائمة المشتركة، ما يعني أن تحقيق الهدف من 13 إلى 15 مقعدا يحتاج إلى جهد فوق العادة، أوله رفع نسبة التصويت، بحساب أن كل صوت يحجم عن المشاركة في الانتخابات هو صوت شبه مؤكد للقائمة المشتركة في هذه الانتخابات، لأن أصوات الأحزاب الصهيونية في غالبيتها الساحقة تأتي من خلال مقاولي أصوات، أو بناء على نهج تصويت قائم على فئوية ما.

 

أما التحدي الثاني، فهو محاصرة الأحزاب الصهيونية، حتى في معاقلها، من خلال الإحراج السياسي، وإحراج "وكلاء" هذه الأحزاب، وهذا يتطلب رفعا لسقف الخطاب السياسي، لا أن ينحسر في القضايا اليومية الحياتية، بل تسييس هذه القضايا، وربطها بالقضية الأساس، قضية الشعب الفلسطيني الأولى.

 

لا شك في أن هذه الانتخابات غريبة، مقارنة مع العديد من الانتخابات السابقة، فرفع نسبة الحسم من 2% إلى 25ر3%، لم يعد تهديدا لتمثيل الفلسطينيين في الكنيست، بل تحوّل إلى مسألة قد تحدد مصير حزب معسكر اليمين المتشدد، بمعنى في حال عدم اجتياز قائمة "ياحد" التي تضم الإرهابي مارزل، فإن سقوطها سيكون بعشرات آلاف الأصوات، ما سينعكس على شكل توزيع المقاعد، وهناك رهان آخر أمام حزب "يسرائيل بيتينو" بزعامة أفيغدور ليبرمان، فإذا ما تكشفت أوراق جديدة في قضية الفساد الضخمة التي يتورط بها الحزب وشخصيات كثيرة منه، فإن الحزب قد ينهار أكثر، ويبدأ بمصارعة نسبة الحسم، بعبارة أخرى سينقلب السحر على الساحر.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات