المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
مصانع البحر الميت مصدر رئيس لكارثته البيئية. (صحف)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 75
  • هشام نفاع

أصدر مراقب الدولة الإسرائيلية تقريراً خاصاً حول السياسات المتعلقة بإدارة امتياز البحر الميت والإشراف عليه، من حيث الجوانب البيئية والعقارية. وامتد فحص أنشطة الهيئات الخاضعة للمراقبة في الفترة من كانون الثاني إلى حزيران 2024.

بين المواضيع التي تناولتها الرقابة: أنشطة شركة مياه البحر الميت، التعدين والاستخراج، أداء سلطة أراضي إسرائيل بشأن الإشراف على الاستخدامات التي تقوم بها مصانع البحر الميت ضمن منطقة الامتياز، معالجة أضرار النفايات التي خلفتها المصانع في منطقة الامتياز، وتنسيق العمل ونقل المعلومات بين الجهات التنظيمية فيما يتعلق بالأنشطة. المراقب ينوّه إلى أن عملية التدقيق لم تتناول تنظيم عمليات ضخ المياه من البحر الميت أو آبار المياه الجوفية وذلك جزئياً بسبب التماس يُناقش حالياً في المحكمة العليا.

امتد الفحص على وزارة المالية، وزارة حماية البيئة، وزارة الطاقة والبنية التحتية، سلطة أراضي إسرائيل، المجلس الإقليمي تمار، الوحدة البيئية في النقب الشرقي، وسلطة الطبيعة والمتنزهات. كما تم استكمال الفحوصات في وزارة العدل، وزارة الاقتصاد والصناعة، السلطة الحكومية للمياه والصرف الصحي، سلطة تصريف مياه البحر الميت، اللجنة الوطنية للتخطيط والبناء للبنية التحتية الوطنية، وصندوق إعادة تأهيل المحاجر.

"الموارد الطبيعية في البحر الميت ومحيطه ملكٌ للجمهور"

جاء في مقدمة التقرير: "يعد البحر الميت ثروة وطنية من الدرجة الأولى. فهو يُعد ظاهرة طبيعية فريدة من نوعها، ويتميز بخصائص علاجية، كما أن المنطقة المحيطة به تزخر بقيم طبيعية مهمة ومواقع تراثية متنوعة وفريدة وذات أهمية عالمية. الموارد الطبيعية في البحر الميت ومحيطه هي ملك للجمهور، وتُحفظ كأمانة لدى الدولة من أجل الصالح العام".

بموجب قانون الامتياز للعام 1961، مُنحت شركة "مصانع البحر الميت" حقوقاً حصرية لعقود طويلة لاستخراج واستغلال الموارد المعدنية في البحر الميت، في مقابل دفع رسوم امتياز للدولة. ويقول تقرير المراقب "إلى جانب الفوائد الكثيرة التي يمكن تحقيقها من هذا المورد العام الثمين والمزايا العديدة الكامنة في تطوير الصناعة في منطقة البحر الميت، فإن من واجب الدولة ضمان تحقيق التوازن بين النشاطات الصناعية وبين القيمة الطبيعية والبيئية الخلابة للبحر الميت بطريقة تقلل إلى أقصى حد ممكن من البصمة البيئية التي تتركها النشاطات الصناعية في هذه المنطقة الفريدة من نوعها، وكذلك تقليص آثارها السلبية الخارجية".

ولكن طوال السنوات التي قامت فيها شركة مصانع البحر الميت بنشاطاتها الصناعية، "طرأت على إنتاج المعادن من البحر الميت تغييرات كبيرة من حيث الحجم؛ في المنطقة الواسعة التي يغطيها الامتياز، والتي تشكل حوالي 3% من مساحة دولة إسرائيل، أُنشئت مواقع لاستخراج المواد والأبخرة والطين، ومنشآت صناعية إضافية لدعم نشاطات مصانع البحر الميت؛ وتم تجفيف مساحات شاسعة من البحر الميت حيث أُقيمت عليها برك تبخير اصطناعية ومنشآت إضافية؛ كما تراكمت نفايات صناعية كثيرة، مثل "جبل الملح"، مما أدى إلى تغيير ملامح المنطقة بأكملها".

"تقاعس واضح في الإشراف على امتياز البحر الميت"

بناء على ما سلف، سعت الرقابة إلى فحص الطريقة التي أدارت بها الدولة امتياز البحر الميت وأشرفت على أنشطة شركة مصانع البحر الميت من حيث الجوانب البيئية والأراضي. وتُظهر مجمل نتائج الرقابة وجود فشل تنظيمي وتنفيذي شامل في عمل الجهات التنظيمية، وعلى رأسها وزارة حماية البيئة، ووزارة الطاقة، وسلطة أراضي إسرائيل، ووزارة المالية. تشير الإخفاقات التنظيمية التي يعرضها هذا التقرير، من حيث مدتها وتراكمها، "إلى وجود تقاعس واضح ومشكلة حوكمة حقيقية فيما يتعلق بالإشراف على امتياز البحر الميت وإدارته من حيث الجوانب البيئية والأراضي. وعليه، لا مفر من الاستنتاج بأن دولة إسرائيل قد فشلت في دورها التنظيمي فيما يتعلق بالإشراف على الامتياز من حيث حماية البيئة والأراضي".

يعدد التقرير أشكال ومواضع القصور، فيقول: لم تقم وزارة حماية البيئة بتحديث الشروط البيئية في ترخيص العمل لمصنع البروميد لمدة تقارب 25 عاماً، ولم تقم بتحديث الشروط البيئية في ترخيص العمل لمصنع البوتاس لمدة 15 عاماً، باستثناء تحديث محدود إثر دخول قانون الهواء النظيف حيز التنفيذ. هذه الشروط قديمة، ناقصة ومحدودة، مقارنة بالشروط التي سبق أن فرضتها الوزارة نفسها على مصانع مماثلة، حيث إنها لا تشمل العديد من الجوانب البيئية. على سبيل المثال، لم تتضمن وزارة حماية البيئة في شروط ترخيص العمل لمصنع البروميد أي إشارة لمعالجة مياه الصرف الصناعي أو لمخاطر الأسبستوس. 

كذلك، لم تحدد وزارة حماية البيئة شروطاً بيئية مخصصة لمحطة الطاقة الجديدة في إطار ترخيص العمل لمصنع البوتاس، على الرغم من أن ترخيص العمل للمصنع منذ العام 2009 نص على أنه سيتم تحديد شروط إضافية لمحطة الطاقة المخطط لها بشكل منفصل. اعتمد المجلس الإقليمي تمار على رأي شركة مصانع البحر الميت، التي أشارت إلى أن ترخيص العمل لمحطة الطاقة القديمة التي تعمل في المصنع منذ سنوات طويلة يعتبر صالحاً أيضاً للمحطة الجديدة، بدون أن يقوم المجلس بفحص الأمر من خلال جهة مستقلة. 

وزارة البيئة لم تطبق سلطتها بشكل كافٍ على الأنشطة

وفقاً لمراقب الدولة، تبيّن أنه منذ العام 1995، عندما تم تحديد نظام خاص بشركة مصانع البحر الميت، في قانون ترخيص الأعمال، بحيث يوضح صلاحيات السلطة المحلية ووزارة حماية البيئة في تحديد شروط ترخيص عملها، وحتى انتهاء الفحص في حزيران 2024، لم تقم وزارة حماية البيئة بتطبيق سلطتها بشكل كافٍ على الأنشطة التي قامت بها الشركة ضمن منطقة الامتياز ولكن خارج نطاق المصانع. ونتيجة لذلك، تم تنفيذ جميع أنشطة الشركة خارج المصانع من دون شروط بيئية مخصصة في ترخيص العمل. 

وتبين كذلك أن الأنشطة الصناعية التي نفذتها شركة مصانع البحر الميت، وتسببت على مر السنين بأضرار بيئية كان من الممكن، ولو جزئياً، تفاديها لو تم تحديد شروط بيئية مخصصة لها في ترخيص العمل، حتى ولو قامت وزارة حماية البيئة بالإشراف والتأكد من امتثال تلك الشركة لهذه الشروط. غياب الشروط البيئية في ترخيص العمل أدى أيضاً إلى صعوبات في تطبيق قانون ترخيص الأعمال بخصوص هذه المخالفات البيئية، مما يجعل الإخفاق في الإشراف والرقابة أكثر خطورة. 

كذلك تسربت كميات كبيرة من البوتاس عبر السنوات من خط النقل إلى المناطق المفتوحة المحيطة، مما أدى إلى تملح هذه الأراضي وتلويثها والإضرار بالنظام البيئي. رغم أن الشركة قامت بتغطية خط النقل وجمع البوتاس المتسرب، فإن سلطة الطبيعة والمتنزهات أفادت بأنه لا تزال هناك أعطال ميكانيكية تسبب انتشار البوتاس في المحمية. ونظراً لغياب شروط بيئية مخصصة في ترخيص العمل لشركة المصانع، فهي غير ملزمة بالإبلاغ عن هذا التلوث لأي جهة تنظيمية، مما يمنع اتخاذ إجراءات إنفاذ ضده. 

ضرر بيئي جسيم وموت واسع النطاق لأنواع نباتية

بموجب المعطيات، حدثت بين تشرين الأول 2020 وكانون الثاني 2024، ثماني حالات تسرب لمواد ملوثة من خطوط النقل إلى المحمية الطبيعية المحيطة بمنطقة البحر الميت، مما أدى إلى أضرار بيئية أثرت على الحيوانات والنباتات. وأظهرت وثائق سلطة الطبيعة والوحدة البيئية للنقب الشرقي أن معالجة بعض التسربات والإجراءات الوقائية التي تم اتخاذها كان ينبغي إدراجها في شروط بيئية ملزمة ضمن ترخيص العمل. 

في العام 2022، حدث تسرب في قناة التزويد، مما تسبب في ضرر بيئي جسيم لمروحة الطمي في وادي تسيئليم بما في ذلك أضرار كبيرة وموت واسع النطاق لأنواع نباتية، بعضها يعتبر من المحميات الطبيعية. وفقط بعد الحادث بدأت وزارة حماية البيئة بالعمل على إدراج شروط بيئية مخصصة لقناة التزويد ضمن ترخيص العمل لشركة مصانع البحر الميت، وتم تسليم هذه الشروط للشركة بعد انتهاء الرقابة. ولو تم تحديد هذه الشروط مسبقاً، يؤكد التقرير، لكان بالإمكان تقليل أضرار التسرب بشكل كبير، كما أن وجود هذه الشروط في ترخيص العمل كان سيسمح بتطبيق قانون ترخيص الأعمال ضد المخالفات المحتملة. 

من هنا، يُجمل المراقب أن هذه القضايا تشير إلى إخفاقات كبيرة في تنظيم وزارة حماية البيئة في منطقة حساسة بيئياً، مما يعرض النظم البيئية للخطر بسبب نقص المتابعة والتنظيم الفعّال. 

لتفادي الطريقة السيئة التي أديرَ بها امتياز البحر الميت

ينوّه تقرير مراقب الدولة إلى أنه في مسودة استنتاجات اللجنة الوزارية المشتركة المعنية بالاستعداد لانتهاء فترة الامتياز، والتي نُشرت بعد إرسال مسودة تقرير الرقابة إلى وزارة المالية ووزارة حماية البيئة، تمت الإشارة إلى أنه "بهدف ضمان تنظيم متناسق وموحد في التعامل مع صاحب الامتياز الجديد، يُقترح تنظيم التعاون بين الجهات التنظيمية المختلفة، من دون المساس بصلاحياتها".

البحر الميت، وفقاً لبيانات رسمية حكومية، معروف بأنه أخفض نقطة على اليابسة في العالم، وهو يُعتبر مورداً وطنياً من الدرجة الأولى. يتميز كظاهرة طبيعية فريدة من نوعها، ويُعرف بخصائصه العلاجية، وقيمه البيئية الهامة، وموائله الطبيعية الحساسة التي تزخر بتنوع نباتي وحيواني غني، بالإضافة إلى مواقع تراثية متنوعة وفريدة.

ويؤكد المراقب: "تعود الثروات الطبيعية للبحر الميت أولاً وقبل كل شيء إلى الجمهور. تثير نتائج هذا التقرير قلق كل مواطن في الدولة، بسبب الطريقة السيئة التي تمت بها إدارة امتياز البحر الميت حتى الآن، بدون الحفاظ بشكل مناسب على المصالح البيئية والاقتصادية، خلافاً لمبدأ "الملوِّث يدفع"، مما أدى إلى الإضرار بالعدالة التوزيعية ومصلحة الجمهور والبيئة والأجيال القادمة".

ويخلص إلى أنه "من اللائق دراسة نتائج التقرير واستخلاص الدروس منها، ولا سيما في هذه الفترة تحديداً، حيث تستعد الدولة لصياغة ترتيبات امتياز جديدة تمهيداً لتجديد الامتياز في العام 2030. ويتعين على الدولة، منذ الآن، أن تغيّر نهجها التنظيمي عند تعاملها مع مواردها الطبيعية الأكثر قيمة. وعليها أن تتبنى رؤية تنظيمية تضع فيها الحفاظ على مصالحها البيئية والاقتصادية في المقام الأول، وأن تتخذ جميع الإجراءات اللازمة لضمان حماية هذه المصالح بكل تفاصيلها وفروقها الدقيقة. وبهذه الطريقة فقط ستستطيع الوزارات الحكومية الوفاء بواجبها الأساس في حماية المصلحة العامة".

في ختام المقدمة التي وقعها مراقب الدولة، عبّر عن أمله في "أن تتمكن الحكومة بأكملها، بما في ذلك وزراء المالية والطاقة والبيئة، وكذلك صناع القرار المعنيون في المستويات المهنية من السلطة التنفيذية، من إحداث التغيير المطلوب ومن استغلال الفرصة المتاحة أمام الدولة مع انتهاء فترة الامتياز الحالية. ومن المناسب، من بين أمور أخرى، أن يقوموا بصياغة ترتيبات امتياز مستقبلية من شأنها أن تمنع تكرار أوجه القصور التي أثيرت في هذا التقرير وضمان الحماية المثلى لجميع المصالح العامة في إطار استغلال الموارد الطبيعية لهذه المنطقة الهامة والفريدة من نوعها من الأرض، سواء من الناحية البيئية أو من الناحية الاقتصادية والمالية، لمنظومة المدفوعات التي تنطبق على صاحب الامتياز، وهي قضية لم يتم فحصها في إطار هذا التقرير. وبعد الانتهاء من تحديد مثل هذا الترتيب، يجب وضع آليات من أجل المتابعة والإشراف والرقابة وتطبيق القانون لضمان تنفيذه من الآن فصاعدا"، كما كتب.

المصطلحات المستخدمة:

مراقب الدولة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات