المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
غالي بهراف- ميارا. (فلاش 90)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 60
  • شيرين يونس

في مساء الخامس من آذار الحالي أعلن وزير العدل الإسرائيلي ياريف ليفين (الليكود) الشروع في مسار عزل المستشارة القانونية للحكومة الإسرائيلية غالي بهراف- ميارا ووجه دعوة إلى سكرتير الحكومة لعقد جلسة للحكومة بهدف إقرار عزل المستشارة تمهيداً للشروع بالإجراءات اللازمة لهذا الغرض.

أثار إعلان ليفين ردود فعل متفاوتة وكذلك مواقف في الأوساط السياسية والقضائية على الرغم من أنه لم يكن مفاجئا من ناحية المبدأ بعد إعلان ليفين نفسه وعدد من الوزراء نيتهم إطاحة المستشارة. في يمين الحلبة الحزبية وفي أروقة الائتلاف الحكومي رحبوا بالخطوة بينما وصفت في صفوف المعارضة بغير القانونية والإجرامية.

تتعامل الأوساط الإسرائيلية المراقبة مع تطورات هذه القضية في المرحلة الحالية كحدث آني يخص علاقة الحكومة بمستشارتها القانونية، وفي ذلك قليل من المنطق لكون القرار إذا اتخذ سيشكل سابقة وحدثا غير مألوف في تاريخ إسرائيل. ولكن البعد الأساس في هذا التطور هو محاولات اليمين الإسرائيلي الذي بات يسيطر على الحكومة بكل أروقتها للإجهاز على عناصر "الدولانية" في إسرائيل والانقضاض على المؤسسات التي تمثلها بهدف تعزيز السلطة التنفيذية وإحكام القبضة عليها،  هذا على الرغم من أن مؤسسة المستشار القانوني التي تخوض هذه المواجهة حاليا مع الحكومة تواصل تقديم التبريرات لكل سياسات الحكومة خاصة عندما يتعلق الأمر بالإجراءات المتخذة ضد الفلسطينيين.

فمن هو المستشار/ة القانوني/ة وما هو دوره/ا؟ من هي الجهة المخولة بعزله وبناء على أي شروط؟ ما هي "لائحة الاتهام" التي قدمها ليفين ضد المستشارة القانونية؟ وهل يمكن إتمام المسار من الناحية القانونية في حالة بهراف- ميارا؟

ما هو دور المستشار القانوني للحكومة؟

هو موظف رسمي غير حزبي يترأس جهاز إنفاذ القانون ويقف على رأس الادعاء  العام  ويقدم الاستشارة القانونية للحكومة الإسرائيلية على أساس أنه المفسر الرئيس  للقانون، كما يمثل الحكومة أمام الجهاز القضائي ويوجه قراراتها لتتلاءم والنصوص القانونية. وقد اكتسب دوره والصلاحيات التي أنيطت به بشكل تدريجي من خلال قرارات المحكمة العليا واللجان الرسمية على مدار العقود الماضية، من دون أن يشرع الكنيست قانونا خاصا بهذا الغرض.

مر دور المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية بثلاث محطات وصفها الباحث في القانون الدستوري متان غوتمان بالمفصلية والتي دفعت الحكومة إلى صياغة عمل المستشار في العام ألفين. أولى هذه المحطات كانت العام 1949 إذ شهد مواجهة بين دافيد بن غوريون، رئيس الوزراء الأول، والمستشار يعقوب شمشون شبيرا على خلفية معارضة  بن غوريون قرار شبيرا محاكمة  رئيس الاستخبارات إيسار باري بسبب دوره في المحاكمة الميدانية وإعدام  الضابط مئير توبيانسكي  لاتهامه بالتخابر. في حينه هدد شبيرا بالاستقالة ما اضطر بن غوريون للتراجع عن موقفه، في خطوة مهدت لاستقلالية قرارات المستشار القانوني.

تكرر المشهد في ستينيات القرن الماضي لدى اعتراض وزير العدل الأسبق دوف يوسف على الصلاحيات الواسعة الممنوحة للمستشار القانوني وهو ما أدى إلى  تشكيل "لجنة أغرانات" التي عززت دور المستشار في تفسير القانون للحكومة. في أواخر التسعينيات وبعد القضية المعروفة باسم "بارأون  حفرون" تشكلت "لجنة شمغار" التي ساهمت في تحديد طرق تعيين المستشار القانوني وحددت شروطا واضحة لعزله، تبنتها الحكومة الإسرائيلية بقرار رسمي العام 2000.

شروط عزل المستشار

حددت الحكومة في قرارها مدة ولاية المستشار القانوني بست سنوات، على أن توصي به لجنة خاصة يترأسها قاض متقاعد في المحكمة العليا يعينه الرئيس الحالي للمحكمة وتشمل وزيرا سابقا للعدل أو مستشارا قانونيا سابقا تعينه الحكومة،  ونائبا تعينه اللجنة البرلمانية لشؤون الدستور والقانون والقضاء، ومحاميا  تعينه نقابة المحامين، ومختصا أكاديميا يعينه رؤساء مساقات القانون في الجامعات.

في هذه الحالة يشمل مسار عزل المستشار القانوني العودة لتوصية من اللجنة التي سيكون عليها تأكيد أن المستشار خالف الصلاحيات الموكلة إليها واستوفى أحد شروط العزل التالية:

- وجود خلافات حادة بين المستشار والحكومة أو رئيسها تحول دون التعاون.

- قيام المستشار بعمل  أو مخالفة لا تليق بمنصبه.

- تعذر عليه مواصلة عمله.

- في حال تقديم لائحة اتهام بحقه أو التحقيق في قضية يشتبه بالضلوع فيها.

ادعاءات ليفين ضد بهراف- ميارا

منذ توليه منصب وزير العدل لم يخف ياريف ليفين نيته تقليص دور المستشارين القانونيين في الوزارات المختلفة وشمل ذلك ضمن الإجراءات القانونية التي كانت تهدف إلى تقويض دور جهاز القضاء أو ما يعرف لدى المعارضين بالانقلاب القضائي. وسبق لليفين أن صرح أكثر من مرة بأن الحكومة باتت خاضعة لقرارات شخص ليس منتخبا (مؤسسة المستشار القانوني) بل إنه اتهم المستشارة القانونية بتفسيرات مختلفة للقانون بشكل يتلاءم مع الجهات المعارضة للحكومة. كما  بادر  عدد من الوزراء إلى توقيع عريضة لإقالة المستشارة وأعلنوا أن الوقت قد حان لاتخاذ هذا القرار، كما طلب سكرتير الحكومة من الوزراء تجميع أدلة تدعم بند وجود خلافات مع المستشارة تحول دون التعاون معها.

في قراره الأخير شدد ليفين على اتهام المستشارة القانونية بالتحرك وفق دوافع سياسية تحول دون تنفيذ سياسة الحكومة الإسرائيلية خاصة فيما يتعلق بقضايا تهم أقطاب الائتلاف الحكومي كقضية تجنيد طلاب المعاهد الدينية الحريديم والذين تسعى الحكومة لإيجاد صيغة تعفيهم من التجنيد وترضي الأحزاب التي تمثلهم في الائتلاف بينما تعارض بهراف- ميارا هذا التوجه. كما يتهم ليفين بهراف- ميارا باتباع سياسة الكيل بمكيالين حيال توقيف ومحاكمات  مخالفين للقانون مشيرا إلى أنها مالت إلى التساهل مع متظاهرين ومحتجين أغلقوا  شوارع مركزية خلال احتجاجهم ضد الانقلاب القضائي أو ضباط دعوا إلى رفض المثول للخدمة في ضوء الانقلاب. كما يدعي ليفين في "لائحة الاتهام" التي يقدمها ضد بهراف- ميارا بأنها رفضت تمثيل الحكومة أمام المحكمة العليا في قضايا جوهرية ووقفت في وجه مشاريع قوانين  قدمها نواب في الكنيست بشكل شخصي بدلا من أن تقدم باسم الحكومة تجنبا لمعارضة المستشارة، مثل القانون الذي حدد بأن تعذر قيام رئيس الوزراء بمهماته يأتي فقط لأسباب صحية أو نفسية وبإعلان من رئيس الوزراء (المحكمة العليا أقرت دخول القانون حيز التنفيذ في الولاية المقبلة للكنيست)، وقانون خصخصة هيئة البث العامة، وقانون منع رفع علم "كيان معاد".

في سياق ذكر هذه الدوافع يمتنع وزير العدل الإسرائيلي عن ذكر دافع يعده خبراء قانونيون أساسيا، وهو كون المستشارة القانونية التي تقف على رأس جهاز الادعاء هي المدعية المركزية في قضايا الفساد التي يتهم بنيامين نتنياهو بالضلوع فيها، وتغييب المستشارة من خلال استبدالها قد يسهل مسار محاكمة نتنياهو وصولا ربما إلى توقيع صفقة ادعاء تتجاوب مع ما يتطلع إليه نتنياهو.

فرص عزل المستشارة

في سياق ردود الفعل على قرار ليفين قالت رئيسة المحكمة العليا سابقا دوريت بينيش في حديث إذاعي إنها تتوقع ألا تعزل المستشارة القانونية في نهاية  المطاف، وهذا التوقع  مبني على أن مسار العزل طويل ومن المتوقع أن يصل إلى المحكمة العليا التي قد تلغي القرار.

من ناحية إجرائية سيكون على الحكومة أن تصوّت لمصلحة عزل المستشارة تمهيدا لتحويله للجنة الخاصة التي أوصت بتعيين المستشارة حتى توصي مجددا بعزلها وتحول التوصية للتصديق الرسمي للحكومة. لكن لجنة التعيينات غير مكتملة في هذا الوقت ويقتصر التمثيل فيها على رئيسها القاضي السابق أشير غرونيس ومندوبين آخرين عن المؤسسة الأكاديمية ونقابة المحامين فيما سيكون على الكنيست والحكومة اختيار نائب ووزير سابق أو مستشار قانوني أعضاء في اللجنة وهذا بحد ذاته سيستغرق وقتا وقد يواجه تساؤلات وتشكيكا بقانونية المسار و"نظافته" خاصة أنه يأتي بعد قرار الإطاحة.

أما الأمر الآخر الذي لا يقل أهمية فهو أن بنيامين نتنياهو وقع خلال محاكمته على وثيقة "تضارب المصالح" التي تلزمه بعدم التدخل في أي مسار أو قرار يخص المستشارة القانونية كونها المدعية المركزية في قضاياه، وهو الأمر الذي سيجعل اتخاذ القرار في حكومته محاطا بالشبهات ومخالفا لالتزام تعهد به حتى  لو لم يشارك فعليا في الجلسات الخاصة بهذا الأمر.

أما في حال تجاوز ليفين كل هذه العقبات وبلغ غاية تصديق الحكومة على قرار عزل المستشارة، فمن المتوقع أن تقدم التماسات إلى المحكمة الإسرائيلية العليا ضد القرار وسط توقعات بإلغائه من جانب هذه المحكمة. ويرجح من يؤيد هذه الفرضية، مثل المستشار القانوني السابق للحكومة أفيحاي مندلبليت، أن ترى المحكمة في القرار جزءا من الانقلاب على الجهاز القضائي ومحاولات إضعافه إلى جانب التوقعات بأن تتبنى رؤية أن المستشارة القانونية في كل الحالات التي تسوقها الحكومة لعزلها حاولت منع مخالفات قانونية من جانب الحكومة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات