المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
لقاء نتنياهو بأيلون ماسك في مصنع تسلا في فريمونت بكاليفورنيا في أيلول 2023. (صحف)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 58
  • وليد حباس

منذ صيف 2023، بدأت تنشأ علاقة بين إيلون ماسك وإسرائيل، ولا بد من استعراضها والتعليق عليها لسببين: الأول، أن ماسك يتحول تدريجياً في ظل ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى رجل أعمال صاحب تأثير أكبر على سياسات الولايات المتحدة الخارجية. وثانيا، لأنه لاعب مركزي لا يمكن تخطيه في سوق الذكاء الاصطناعي (Grok)، وصناعات الصواريخ (SpaceX)، ونشر الإنترنت (Starlink)، والخدمات العسكرية حول العالم (Starshield)، وصناعة الرأي (منصة X)، والتكنولوجيا (Tesla)، ومعظمها صناعات تعد بخلق نوع جديد من الهيمنة الاقتصادية والسياسية على المشهد العالمي.

"العلاقات الدولية" لإيلون ماسك!

ماسك أكبر رجل أعمال في العالم، ولديه عقود حكومية بمليارات الدولارات مما يجعله شخصية محورية في إعادة تشكيل العلاقات الدولية والسياسات العالمية. وقد أثارت مواقفه انتقادات من رؤساء دول وحكومات كبرى، مثل رئيس وزراء المملكة المتحدة كير ستارمر، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني أولاف شولتس، ورئيس وزراء النرويج يوناس غار ستوره، وأيضاً الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

يعتبر إيلون ماسك من أتباع الفلسفة التكنو- ليبرتارية (وتعرف أيضاً بالفلسفة التحررية- السايبيرية Technolibertarianism)، وهي فلسفة سياسية نشأت من ثقافة قراصنة الإنترنت في وادي السيليكون خلال التسعينيات، وتدعو إلى تقليل تدخل الحكومة والرقابة لتعزيز إنترنت "تحرري"، وتؤمن بالأسواق والهياكل الهرمية القائمة على الجدارة، وليس العدالة. ولا يرى ماسك أي تقاطع بين الدين (المعروف لدى البشر)، والعلم، بل ويدعو إلى "خلق" إله جديد من تقنيات الذكاء الاصطناعي يمكن للناس عبادته. كما أنه من دعاة "الإنجابية"، ويعتبر أن المهمة الرئيسة للبشر هي التكاثر وعدم الانقراض، لكنه يميل أكثر إلى "تحسين النسل" بحيث أنه ينتقد الأذكياء والمتفوقين على عدم الانجاب كثيراً- أما هو، فلديه 13 ولداً.

في العام 2024، كان ماسك أكبر مساهم مالي في الحملة الانتخابية لدونالد ترامب، وبعد الفوز حصل ماسك على صفة "موظف حكومي خاص" ويقال إنه يهيمن على وزارة كفاءة الحكومة (DOGE) رغم نفي البيت الأبيض لذلك.  والوزارة هي مبادرة أُنشئت في 20 كانون الثاني 2025 خلال الولاية الثانية لترامب، وتهدف إلى تقليل الإنفاق الفيدرالي، وإلغاء العقود غير الضرورية للولايات المتحدة، وتحديث التكنولوجيا الحكومية لتعزيز الكفاءة والإنتاجية، وتعهدت بتوفير تريليونات الدولارات. ورغم وجود العديد من الطعون الدستورية والشكاوى بحق هذه الوزارة التي يهيمن عليها ماسك، خصوصاً وأنها معفاة من قانون الإفصاح العام حول أْموالها، إلا أن ترامب أعلن دعمه المستمر لها، مع توقع حلها بحلول 4 تموز 2026، ما لم يتم تمديد ولايتها. إضافة إلى ذلك، يصف ماسك نفسه بأنه مؤمن بفلسفة "حرية التعبير" والتي تدعو إلى الحق في التعبير عن الرأي والأفكار بدون خوف من العقوبات القانونية أو الرقابة أو الانتقام أيا كانت. وقد أثار ماسك الجدل بانتقاداته المستمرة لسياسات الهجرة في كل من الولايات المتحدة وأوروبا، بالإضافة إلى مواقفه المثيرة للجدل بشأن قضايا المتحولين جنسياً، والنساء، والعرق، كما يدعو ماسك إلى انسحاب الولايات المتحدة من كل من حلف الناتو ومنظمة الأمم المتحدة.

علاقة إيلون ماسك وإسرائيل

في أيلول 2023، التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإيلون ماسك في مصنع تسلا في فريمونت، كاليفورنيا. كان هذا الاجتماع جزءا من جهود نتنياهو للتواصل مع قادة التكنولوجيا العالميين. استخدم نتنياهو اللقاء للدفاع عن إصلاحاته القضائية التي كانت تواجه احتجاجات واسعة في حينها. كما عقد نتنياهو وماسك نقاشاً مباشراً حول الذكاء الاصطناعي بمشاركة خبراء، حيث وصفه نتنياهو بأنه "نعمة ونقمة"، مشدداً على أهمية التعاون الدولي لوضع ضوابط أخلاقية لهذه التكنولوجيا. وأعرب عن تقديره لالتزام ماسك بحرية التعبير ومعارضته لمعاداة السامية.

اندلعت الحرب الإسرائيلية على غزة بعد ذلك بشهر، وسارع ماسك إلى القول بأن على إسرائيل أن تنظر في خيارات أخرى غير العنف العسكري لإخضاع حماس، لكنه في تشرين الثاني 2023، زار إسرائيل وأبدى تضامنه معها بعد أن قام بجولة في كيبوتس كفار عزة الذي تعرض إلى هجوم حماس. خلال الزيارة، توصل ماسك وإسرائيل إلى اتفاق رسمي بشأن تشغيل خدمة الإنترنت الفضائية ستارلينك، والتي يملكها ماسك. نص الاتفاق على أن ستارلينك يمكن تشغيلها فقط في إسرائيل وغزة بموافقة صريحة من وزارة الاتصالات الإسرائيلية. جاء هذا الترتيب بعد اقتراح مثير للجدل من ماسك لتوفير اتصال ستارلينك لـ "منظمات المساعدة المعترف بها دولياً" في غزة.

في نيسان 2024، علق ماسك علناً على الإجراءات العسكرية الإسرائيلية ضد إيران، منتقداً تحديداً غارة إسرائيلية على قاعدة أصفهان الجوية. وأبرز ما اعتبره مفارقة، مشيراً إلى أن "دولاراتنا الضريبية تفجر بطريقة ما أيضاً دولاراتنا الضريبية"، في إشارة إلى حقيقة أن طائرات F-14 المستهدفة في إيران كانت مصنوعة أميركياً وتم بيعها لإيران قبل الثورة الإسلامية في العام 1979. ومع أن هذه تعتبر جزءاً من التصريحات "غير المسؤولة" العديدة التي تنسب إلى ماسك، فإن علاقته مع العسكرة في إسرائيل لم تتضح بعد مع أنه تلقى دعوة لحضور خطاب نتنياهو أمام الكونغرس الأميركي، وهو خطاب كان يهدف أساساً إلى استعراض القوة العسكرية لإسرائيل والتسويق لها.

في نهاية العام 2024، ومع اقتراب ولاية الرئيس الأميركي الجديد المنتخب ترامب، سعت إسرائيل إلى إشراك إيلون ماسك في جهود التفاوض بشأن الرهائن المحتجزين في غزة، حيث تواصل الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ معه لإقناعه بالتأثير على دونالد ترامب لدعم صفقة للإفراج عنهم حيث يُنظر إلى ماسك على أنه وسيط رئيس لترامب بسبب دعمه المالي الكبير لحملته.

إسرائيل حريصة على تعزيز علاقات قوية مع إيلون ماسك لأن مشاريعه تمتد عبر قطاعات حيوية تتماشى مع المصالح الاستراتيجية لإسرائيل. في ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي، فقد أشاد ماسك بإسرائيل باعتبارها "قوة تكنولوجية"، فيما أن المسؤولين الإسرائيليين يعملون باستمرار على استقطاب مختبرات ماسك إلى إسرائيل، مثلما فعل نتنياهو الذي يعمل على إقناع ماسك بافتتاح مجمع بحث وتطوير للذكاء الاصطناعي بالقرب من بئر السبع. وكان ماسك قد افتتح مركز بحث وتطوير لشركة تسلا في تل أبيب للاستفادة من المواهب المحلية في مجال تكنولوجيا السيارات.

من جهة أخرى، توفر العلاقات الوثيقة بين إسرائيل وماسك مزايا دفاعية استراتيجية. قامت خدمات الإطلاق التابعة لشركة SpaceX بتدوير أقمار الاستطلاع الإسرائيلية في السابق. كما أن العلاقة مع ماسك ستعزز قدرات الاستخبارات الإسرائيلية في مجال الذكاء الاصطناعي، وستزيد من صناعة الدفاع عالية التقنية في إسرائيل.

كذلك فإن شركة Starlink للاتصالات تعد بتحصين البنية التحتية للاتصالات في إسرائيل، حيث تخطط هذه الأخيرة لاستخدام الشبكة للحفاظ على الاتصال بالإنترنت أثناء الاضطرابات في زمن الحرب، مما يضمن شبكات مرنة تتماشى مع احتياجات الأمن والاقتصاد الرقمي على حد سواء.

المصطلحات المستخدمة:

كيبوتس, بنيامين نتنياهو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات